خاص: إعداد – سماح عادل
هذا النوع من الاضطراب قد يصل إلي درجة التفكير في الانتحار، وإنهاء الحياة القاسية التي لا يستطيع المصاب تحملها، أو التفكير في إيذاء النفس بطرق أقل حدة من إنهاء الحياة، أو التفكير في إيذاء الآخرين.
العلاقات مع الأشخاص..
يعاني المصابون باضطراب الشخصيّة الحدي من صعوبة تشكيل علاقات رومانسية. يمكن للمصابين أن يكونوا حسّاسين جدّاً لكيفية تعامل الآخرين معهم حيث يشعرون بفرحةٍ غامرةٍ وامتنانٍ عند فهم تعبيرات الأشخاص المحيطين اللطيفة، في حين ينتابهم حزن شديد أو غضب عند فهم تعابير الانتقاد أو الإيذاء. إنّ مشاعر المصابين بأعراض اضطراب الشخصيّة الحدّي تجاه الآخرين يمكن أن تنزاح من الإيجابيّة إلى السلبيّة بعد حدوث أمرٍ ما مخيّبٍ لأمل المريض، أو عند فهم قضيّةٍ ما على أنّها تهديد بفقدان شخصٍ ما، أو عند إحساسهم بأنّهم سقطوا في عين من يقدّرون. تتضمّن هذه الظاهرة التي تدعى أحياناً باسم الانفصام أو أسلوب التفكير «أبيض-أسود» حدوثَ انزياحٍ في التوجّه من جعل الآخرين مثاليّين (مشاعر الإعجاب والود تجاههم) إلى جعلهم خالين من القيم (مشاعر الغضب أو الكره). بالتشارك مع معكّرات مزاجٍ أخرى يمكن لهذا التأرجح في المشاعر أن يحدث في علاقات المصابين بهذا الاضطراب مع ذويهم وعائلاتهم وأصدقائهم وزملائهم في العمل.
ورغم رغبة المصابين الداخليّة في عمل علاقاتٍ حميمةٍ، إلا أنّهم يخافون من التعلّق بشخصٍ في العلاقة معه، ويقومون بعلاقاتٍ عابرةٍ مع الآخرين، وغالباً ما يُظهرون العالمَ الخارجي على أنه مليء بالشرّ والحقد. يرافق اضطراب الشخصيّة الحدّي وجود مستوياتٍ متزايدةٍ من الكروب المزمنة والخلافات في العلاقات الرومانسيّة، كما يكون هناك عدم رضى من الشريك في تلك العلاقة.
العلامات..
التلاعب:
التلاعب للحصول على الرعاية من الآخرين هو خاصية مميّزة لاضطراب الشخصيّة الحدّي. ويجب ألا يعطى مفهوم التلاعب حجماً أكبر من حجمه عند تشخيص المرض، لأنّ ذلك قد يؤدي إلى سوء فهمٍ للحالة، لاسيما للمعالجين في نظام الرعاية الصحيّة.
الشعور بالذات:
يعاني المصابون باضطراب الشخصيّة الحدّي من مشاكلَ في تكوين صورةٍ واضحةٍ عن شخصيتهم وهويّتهم، فهم يميلون إلى مواجهة مشاكلَ مع أنفسهم لمعرفة ما الشيء الذي يقيّمونه أو الذي يؤمنون به أو يفضلونه أو يستمتعون به، كما يكونون غير واثقين من أهدافهم بعيدة الأمد، وذلك فيما يتعلّق بالعلاقات والعمل. هذه الصعوبة التي تواجه هؤلاء المرضى في معرفة ذواتهم وقيمتهم يمكن أن تسبب لهم شعوراً بالفراغ أو الضياع.
المعارف:
تنتاب مرضى اضطراب الشخصيّة الحدّي المشاعر الجامحة مما يصعب عليهم المحافظة على تركيز انتباههم. مع ميلهم إلى التفارق، والذي يمكن فهمه على أنه حالة متطرّفة للخروج من الصورة الضيّقة إلى الصورة الشاملة. يمكن للتفارق أيضاً أن يحدث كردّ فعلٍ على تجربة حدثٍ مؤلمٍ (أو المرور بتجربة أمر ما يمكن أن يولّد ذكرى حدث مؤلم)، بحيث إنّ الذهن يصرف انتباهه تلقائياً عن ذلك الحدث كوسيلة دفاعٍ لأجل تجنّب الإحساس بمشاعرَ جامحةٍ، وبالتالي الاندفاعات السلوكيّة التي تولّدها مثل تلك المشاعر.
عادة الذهن في القيام بحجب المشاعر شديدة الألم يمكن أن يعطيَ شعوراً مؤقّتاً بالراحة، إلاّ أنّه له أثر جانبي بحجب تجارب المشاعر العاديّة ممّا يقلّل إمكانيّة وصول مرضى تلك الحالة إلى المعلومات المُتضمَّنةِ في هذه المشاعر، التي تفيد في توجيه صناعة القرار في الحياة اليوميّة. من الممكن لشخصٍ آخرَ أن يستنبط متى يكون المصابون باضطراب الشخصيّة الحدّي في حالة تفارقٍ، وذلك لأن تعابير وجوههم وأصواتهم يمكن لها أن تصبح حينئذٍ بدون حيويّةٍ أو خاليةً من التعبير؛ ولكن في حالاتٍ أخرى يكون من الصعب التعرّف على دخولهم في حالة التفارق تلك.
أسباب الاضطراب..
تربية الأطفال تؤثر على تكوين الشخصيّة والإهمال وحدوث انتهاكات نفسية وجسدية في مرحلة الطفولة يسبب حدوث اضطراب الشخصيّة الحدّي عند البلوغ.
أسباب اضطراب الشخصيّة الحدي معقّدة، ولا يوجد اتّفاق كلّي عليها من الباحثين والمتخصصين، حيث هناك اشتراكٍ بين اضطراب الشخصيّة الحدّي (BPD) واضطراب الكرب التالي للصدمة (PTSD) إلى حدٍّ ما. يُجمع معظم الباحثين على أنّ وجود صدمة نفسية في تاريخ طفولة المصاب يمكن أن يكون عاملاً مساهماً في ذلك، وذلك دون إغفال التحقيق في الأسباب الأخرى مثل وجود حالاتِ تشوّهٍ في وظائف الدماغ المعرفيّة وانتقال الاضطراب وراثيّاً في الجينات، ومن تأثير عواملَ عصبيّةٍ حيويّةٍ، ومن تأثيرات البيئة المحيطة. تتضمّن العوامل الاجتماعيّة كيفيّة تصرّف الشخص في مراحل نموّه الأولى مع عائلته وأصدقائه ومع الأطفال الآخرين. أمّا العوامل النفسيّة فتشمل الشخصيّة الفرديّة والمزاج وتأثير البيئة المحيطة في ذلك، بالإضافة إلى كيفيّة تعلّم مهارات التأقلم مع الكرب، وعليه ثمة عواملُ متعدّدةٌ تؤدّي إلى حدوث اضطراب الشخصيّة الحديّ يمكن أن تأتيَ مجتمعةً أو فُرادى.
وُجد أن اختلافاتٍ فرديةً في دورات الإستروجين يمكن أن ترتبط بإظهار أعراض اضطراب الشخصيّة الحدّي عند النسوة المصابات بهذا المرض. أظهرت دراسة سنة 2003 أنّ أعراض اضطراب الشخصيّة الحدّي عند النساء يمكن لها أن ترتبط بتغيّراتٍ في مستويات الإستروجين في الدورة الشهرية، وهو أثر بقي مهمّاً عند التحقّق من النتائج عند وجود زيادة في الوجدان السلبي.
طفولة..
هناك ارتباط بين معاناة تجاربَ سيّئةٍ في مرحلة الطفولة وخاصّةً تحرّش جنسي مع تطوّر أعراض اضطراب الشخصيّة الحدّي. اعترف الكثير من المصابين باضطراب الشخصيّة الحدّي بأنّه كان لديهم تاريخ سيئ أثناء طفولتهم من حيث الانتهاك والإهمال، كما بيّن بعضهم تعرّضهم لسفاح القربى، وفقدان الرعاية أثناء مرحلة الطفولة المبكّرة. وأظهرت دراسات على المصابين باضطراب الشخصيّة الحدّي أنّ والديهم من كلا الجنسين كانا قد انسحبا عاطفياً من حياة الطفل، وأنّه قد تمّ معاملتهم بشكلٍ متفاوتٍ ومتضاربٍ. إنّ الأطفال الذين عانوا من معاملةٍ سيّئةٍ في مرحلةٍ مبكّرةٍ من الطفولة، وكانت لديهم صعوبة في التعلّق ستتطوّر لديهم غالباً أعراض اضطراب الشخصيّة الحدّي.
البيئة..
تقوم البيئة العائليّة بدور وساطةٍ في مدى تأثير الانتهاك الجنسي للأطفال على تطور أعراض اضطراب الشخصيّة الحدّي. إنّ البيئة العائليّة غير المستقرّة تهيّئ لتطوّر هذا الاضطراب، في حين تكون مخاطر حدوث ذلك الأمر أقلّ في البيئة العائليّة المستقرّة، لأنّ البيئة المستقرّة تحجب تطوّر أعراض الاضطراب.
قمع التفكير..
أظهرت دراسة صدرت سنة 2005 أنّ قمع التفكير يقوم بدور وسيطٍ في العلاقة بين المشاعر السيّئة وبين أعراض هذا الاضطراب، وبشكلٍ خاصٍّ العلاقة بين البيئة غير المساعدة على التفكير وأعراض اضطراب الشخصيّة الحدّي.
التشخيص..
يعتمد تشخيص اضطراب الشخصيّة الحدّي على فحص نفسي من قبل أخصائي مؤهّل. من أفضل الطرق التي يعتمدها الأخصائي في التشخيص هي تقديم شروط حدوث الاضطراب للمرضى وسؤالهم إن كانوا يشعرون أن تلك الخصائص تصف حالتهم بدقة. إنّ عملية تضمين المصابين باضطراب الشخصيّة الحدّي بشكلٍ فعّالٍ في تحديد تشخيص حالتهم يمكن أن يساعدهم بأن يكونوا أكثر رغبةً في تقبل الأمر. مع أن بعض الأخصائيّين يفضّلون ألا يُعلموا مرضاهم المصابين بذلك الاضطراب بنتيجة التشخيص من باب الحرص والقلق من قضية الوصمة المتعلّقة بهذه الحالة، أو لأن اضطراب الشخصيّة الحدّي كان يُعد غير قابلٍ للشفاء في الماضي. معرفة المصابين بهذا الاضطراب بتشخيص حالتهم عادةً ما يكون أمراً مساعداً، إذ يساعدهم في معرفة أنّ آخرين قد عانَوا مشاكلَ مشابهةً، وأنّهم قد شُفوا من ذلك، ممّا يساعد على جلسات معالجةٍ فعّالةٍ.
التقييم النفسي يتضمّن سؤال المريض عن مدى الأعراض وشدّتها، إضافةً إلى أسئلةٍ أخرى عن مدى تأثير الأعراض على نوعيّة حياة المريض، ومن الأمور التي ينبغي الانتباه لها بالخصوص الحالات التي يرد فيها ذكر تبنّي أفكارٍ انتحاريةٍ، أو الإشارة إلى تجاربَ في إيذاء النفس، أو التفكير في إيذاء الآخرين. يعتمد التشخيص على تقرير المريض عن حالته النفسيّة والأعراض المصاحبة وعلى ملاحظات المعالج النفسي الخاصة. يمكن إجراء فحوصٍ إضافيّةٍ تتضمّن فحوصاتٍ جسمانيةٍ ومخبريّةٍ لمعرفة مسبّباتٍ إضافيّةٍ ممكنةٍ للأعراض، من ذلك فحص الغدة الدرقيّة، أو التثبت ما إذا كان المريض من مدمني المخدرات.