وكالات – كتابات :
عندما نتحدث عن البحارة المستكشفين، تلمع الكثير من الأسماء لشخصيات عظيمة فتحت آفاقًا جديدة للاستكشاف البشري، وألهمت اكتشافاتهم آخرين وساعدت آلاف المسافرين والمستكشفين على مر القرون. لكنهم عند عودتهم، أخبر بعضهم قصصًا سخيفة لا تُصدق، وظلت محفوظة على مر السنين لتشهد على كذبهم، ونتناول في السطور التالية بعض أبرز الأكاذيب التي قالها المستكشفون.
01 – “عمالقة باتاغونيا” الذين رآهم “ماغلان” وفريقه..
في عام 1520م، أثناء إبحاره في رحلته حول العالم، توقف “فرديناند ماغلان”؛ عند جنوب “أميركا الجنوبية”؛ (التي أُطلق عليها منذ ذلك الحين، باتاغونيا)، حيث شاهد عملاقًا يرقص في هذا المكان، فأرسل أحد رجاله للتواصل معه، وإظهار الصداقة بالرقص والغناء معه، وتمكن الرسول من تنفيذ المهمة بنجاح.
كان هذا المشهد ضمن ما دوَّنه المؤرخ الإيطالي؛ “أنطونيو بيغافيتا”، الذي رافق “ماغلان” في رحلته الاستكشافية حول العالم، وتحولت حكايات الرحلة فيما بعد إلى كتاب: (رحلة ماغلان). ووفقًا للوصف في الكتاب، كان العملاق طويلًا لدرجة أن أطول أفراد الرحلة لم يصل إلى خصره، وكان يتسم بالصوت العالي.
قضى المستكشفون مع قبيلة العمالقة عدة أسابيع، بنوا لهم خلالها منزلًا لتخزين المؤن، وتمكن “ماغلان” ورفاقه من اختطاف إثنين من العمالقة للعودة بهما إلى الوطن؛ كي يُثبت صدق حكايته، لكن العملاقين لقيا حتفهما خلال الرحلة.
أطلق “ماغلان” اسم: “باتاغونز” على سكان المنطقة، لأن كلمة “باتا” تعني بالإسبانية: “القدم الكبيرة”، وقيل إنه قد أخذ الاسم من العملاق “باتاغون”، وهو شخصية بارزة في الرومانسية الإسبانية، “بريماليون” في القرن السادس عشر، والتي قرأها “ماغلان” على الأرجح.
جاء ذكر العمالقة مرة أخرى بعد قرن من الزمان، ففي عام 1628م، تناول ابن أخ السير “فرانسيس دريك”؛ (مستكشف إنكليزي)، بالتفصيل رحلة عمه حول العالم، وذكر مرة أخرى سكان “باتاغونيا”، وقال إن الأوروبيين الذين رأوا سكان “باتاغونيا” قد بالغوا في وصف حجم السكان، ربما لإعتقادهم أن أحدًا لن يعود إلى المكان للتحقق مما قيل.
في عام 1767م، أفاد المستكشف؛ “لويس دي بوغانفيل”، بأن أطول شخص قابله من “باتاغونيا” كان طوله خمس أقدام وتسع بوصات فقط؛ (179 سم). ووفقًا لـ”ويليام ستورتيفانت”؛ باحث الإنثروبيولوجيا الأميركي، تضاءل الاهتمام الشعبي بعمالقة “باتاغونيا مع ظهور التقارير العلمية، فقد تبين أن قبيلة “تيهيلش”؛ التي تسكن المنطقة من بين أطول التجمعات السكانية في العالم، وكانت عينات من ذكورهم قد وصلت أطوالهم إلى ست أقدام؛ (182 سم تقريبًا)، خلال القرن التاسع عشر، وهو أمر معقول وغير مُثير للتعجب، ومن المفترض أنهم كانوا أكثر طولًا فيما قبل.
في حين أن الأوروبيين الذكور مثل “ماغلان”؛ في القرنين السادس عشر إلى الثامن عشر، كانوا سيُقاسون في نطاق منخفض يبلغ خمس أقدام؛ (152 سم تقريبًا)، أي إن هناك فارق طول قد يتجاوز القدم؛ (30 سم)، ولكن يبدو أنهم بالغوا بعض الشيء في وصف سكان المنطقة بالعمالقة.
ووفقًا لقاعدة “بيرغمان”؛ التي تنص على أن المجموعات والأنواع ذات الحجم الأكبر في عالم الحيوان؛ (بما في ذلك الإنسان)، توجد في بيئات أكثر برودة، بينما توجد مجموعات وأنواع أصغر حجمًا في المناطق الأكثر دفئًا. ولذا، فقد يكون هذا سببًا وراء عظم أجسام السكان في منطقة “باتاغونيا” المتجمدة مقارنة بسكان “أوروبا”.
هناك احتمال آخر يقول إن الرجل العملاق الذي وصفه “ماغلان”؛ من الممكن أنه كان يُعاني من اضطراب في الغدة النخامية، مما قد يُسبب فرطًا في النمو. ولكن، على الرغم من هذه النظرية، فإنها لا تدعم ما رواه “ماغلان” من رقص ونشاط، لأن المصابين بتضخم الجسد، تكون حياتهم قصيرة لأن قلوبهم تُكافح كثيرًا لضخ الدم في جميع أنحاء الجسم، ولو أن جميع السكان من العمالقة، فهذا يعني أنهم مجموعة غير صحية.
02 – “جون ماندفيل” وأجناس غريبة جدًّا من البشر !
ألَّف الرحالة المستكشف؛ “جون ماندفيل”، كتابًا يُسجل فيه رحلاته الاستكشافية، بعنوان: (رحلات السير جون ماندفيل)، وظهر لأول مرة؛ عام 1371م. كان الكتاب من أكثر الكتب مبيعًا في العصور الوسطى، رغم أنه ملييء بالأكاذيب والتلفيقات والمبالغات، وتُرجم إلى العديد من اللغات، وكان سببًا في ذهاب “كريستوفر كولومبوس” في رحلاته الاستكشافية.
أخبر “ماندفيل”؛ في كتابه، أن صحراء “مصر” يوجد بها عابدًا ناسكًا قد رأى وحشًا له قرنان حادان في جبهته، وله جسم إنسان من الأعلى، أما من الأسفل فجسمه مثل الماعز، وقد أجاب الوحش الناسك حينما سأله عن ماهيته، أنه مخلوق قاتل يسكن في الصحاري ليكسب قوته.
كتب “ماندفيل”؛ عن قوم صغار الحجم يسكنون جزيرة تُسمى: “بيتان”، لا يأكلون مطلقًا، ولكنهم يعيشون على رائحة التفاح البري الذي يحملونه معهم أينما ذهبوا، لأنهم إن فقدوا الرائحة، يموتون على الفور. من أكاذيب “ماندفيل” الأخرى، ما حكاه عن قوم صغار مثل الأقزام، ليس لهم أفواه، ولكن بدلاً من أفواههم، لديهم ثقب دائري صغير، وعندما يأكلون أو يشربون، فإنهم يدخلون عبر أنبوب أو قلم ويمصونه، لأنه ليس لديهم لسان؛ لذلك لا يتكلمون.
تتنوع غرائب الجزر الأخرى التي زارها “ماندفيل”؛ ما بين أناس عمالقة لديهم عين واحدة في منتصف الجبهة، ولا يأكلون سوى اللحوم النيئة والأسماك النيئة، وجزيرة أخرى قومها ملعونون بلا رؤوس، وعيونهم على أكتافهم. آخرون لديهم وجوه مستوية بلا أنوف أو أفواه، ولديهم ثقبان صغيران بدلًا من العيون. أما بالنسبة لجزيرة “كافولوس”، فعندما يمرض أيً من أفرادها، فإنه يُعلق على الأشجار، لتأكله الطيور خير من أن تأكله ديدان الأرض.
03 – هل زار “ماركو بولو” الصين حقًّا ؟
كان “ماركو بولو”؛ تاجرًا ومستكشفًا من القرن الثالث عشر، ذهب “ماركو” مع والده وعمه في رحلة لمدة: 24 عامًا إلى: “الصين ومنغوليا والشرق الأوسط”، وبعدها ألَّف كتابه: (رحلات ماركو بولو)، الذي حكى فيه عن أسفاره.
في منتصف القرن الثامن عشر، بدأت الشكوك تُحيط برحلة “ماركو بولو” إلى “الصين”، وأسندوا شكوكهم إلى عدم ذكر اسمه في أي من السجلات الخاصة بالفترة التي قضاها هناك؛ رغم زعمه أنه حكم منطقة “يانغ تشو” ثلاث سنوات، وعمل مفتش ضرائب في “يزنهو”، كما أنه لم يذكر أشهر الأشياء في “الصين”؛ مثل “سور الصين العظيم” و”الشاي”. ذهب المشككون إلى أن كتابات “ماركو بولو” ما هي إلا نتاج معلومات قد جمعها خلال رحلاته إلى “البحر الأسود”، و”القسطنطينية”، و”بلاد فارس”، ومن أحاديثه مع التجار.
على جانب آخر؛ نُشرت دراسة شاملة؛ في عام 2012، أجراها “هانز أولريش فوغل”، أستاذ الدراسات الصينية في جامعة “توبنغن”، تدفع الشائعات عن رحلة “ماركو بولو” إلى “الصين”، وقال فيها إنه بالنسبة لعدم ذكر “ماركو بولو”؛ لـ”سور الصين العظيم”، في كتاباته، فإن الأبحاث قد أظهرت أن السور العظيم كما نعرفه هو نتاج لسلالة “مينغ”؛ (1368 – 1644)، وأن الجدران الترابية السابقة قد تفككت منذ فترة طويلة وفقدت الدور العسكري الذي لعبوه في “إمبراطورية المغول”.
أما عن عدم ذكر “ماركو بولو”؛ في أي من الوثائق الصينية، فقد جاء في البحث أن الصينيين لم يكونوا يدونون كل ما يحدث، حتى إن “جيوفاني دي مارينيولي”؛ (1290 – 1357)، المبعوث الباباوي المهم في بلاط حكام “اليوان”، لم يرد ذكره في أي مصادر صينية. كما دعم “فوغل” بحثه بالتطرق لطريقة وصف “ماركو بولو” للعُملة وإنتاج الملح والعائدات من احتكار الملح بتفاصيل دقيقة لم يذكرها أي مراقب غربي أو عربي أو فارسي، كما أنه كان الوحيد من بين معاصريه الذي أوضح أن النقود الورقية لم تكن متداولة في جميع أنحاء “الصين”.
04 – “السير والتر رالي” وأسطورة مدينة الذهب المفقودة..
في عام 1584م، حصل السير “والتر رالي”؛ على إذن لتأسيس مستعمرة “رونوك”، أول مستوطنة إنكليزية في العالم الجديد. وفي عام 1587م، استكشف “رالي”؛ “أميركا الشمالية”، من “نورث كارولينا” إلى ولاية “فلوريدا” الحالية، وسمى المنطقة: “فرغينيا” تكريمًا للملكة “إليزابيث العذراء”.
كان مقتنعًا بأن “إلدورادو”، المدينة الأسطورية للذهب، موجودة في شمال “أميركا الجنوبية”، فذهب في رحلة استكشافية إلى “غويانا”؛ (فنزويلا حاليًا)، في عام 1595م، وعند عودته كتب وصفًا خياليًّا عنها بوصفها جنة غنية لأخذها، حيث يمكن استخراج الذهب بسهولة من الأرض.
لم يكن الذهب فقط هو ما تحدث عنه؛ “رالي”، عند عودته، بل إنه حكى عن مخلوقات تُشبه البشر، لكنها بلا رؤوس، يضعون أعينهم في أكتافهم، وأفواههم في منتصف صدورهم، وتنمو للخلف من أكتافهم سلسلة طويلة من الشعر، ويطلق عليهم اسم: “إيوايبانوما”.