فند موقع “بيزنس إنسايدر” الأميركي ما جاء في كتاب ايفانكا ترامب الجديد “النساء العاملات” وذكر أن النقاد اعتقدوا أنها ستكون صادقة فيما جاءت به.
وتدعي “ايفانكا” أنها كتبت ذلك الكتاب قبل انتخاب والدها انطلاقًا من منظور مدير تنفيذي وسيدة أعمال، بيد أنه وعلى الرغم من انتقاد النقاد لها لكون الكتاب مبتذل ولا يحوي معلومات ذات قيمة إلا أن معظم القراء قبلوا الافتراض بأن هذا الكتاب غير سياسي إلى حد كبير.
ولكن كما يعلم كل باحث في الأدب فإن كل كتاب يحتوي على ما وصفه المنظر “الفريد فريدريك جيمسون” باللاوعي السياسي، وبعبارة أخرى من خلال سرده الجيد يعزز الكتاب وجهة نظر معينة في حين يراقب الآخرون.
ومع أخذ ذلك في الاعتبار فإن القراءة المتفحصة لكتاب “النساء العاملات” تكشف عن نبرة سياسية عميقة، فنجد أنه طوال سردها تقدم السيدة ترامب الأيديولوجية الفردية في إطار خيارات غير محدودة وصحة جيدة وبلا قيود زمنية في حين أنه في العديد من النواحي يتماشى مع مبادئ الحزب الجمهوري، إلا أن معظم النساء العاملات في الولايات المتحدة ربما تجد نصيحتها لمواجهة تحديات الحياة أمرًا من الصعب تحقيقه.
الوقت: هل هو المعادل الكبير ؟
أعمال الكتاب الروس الكبار التي يتم تدريسها، نادرًا ما تدخل في مواضيع سياسية بطرق صريحة ولكن من خلال التأكيد على الحياة اليومية والأسر والمجتمعات المحلية يرفض الكُتاب من “ليو تولستوي” إلى “إيفان تورجينيف” احتمال الاضطرابات الاجتماعية الجذرية.
هذه الأعمال التي كتبت خلال فترة الانتقال السياسي والإصلاح هي أعمال محافظة بدون قصد، ويبدو أنها ترفض موقف الثوريين اليساريين الذين سعوا إلى تدمير الوضع القائم.
وفي حالة كتاب “النساء العاملات” فإن افتراض “إيفانكا ترامب” – من منظورها السياسي – هو أن المرأة في القرن الحادي والعشرين تعيش حياة يقودها الاختيار الشخصي.
وكتبت في إحدى النقاط “أنت تختار” قد تكون هذه الكلمات شعار كتابها الذي يقدم حياة المرأة باعتبارها مجموعة من الخيارات: “المهنة وشريك الحياة والأصدقاء” وغيرها، وهذا يمكن التنبؤ به بما فيه الكفاية.
ولكونها وريثة ثروة ضخمة ربما تتردد “إيفانكا” في مناقشة الشؤون المالية، لذلك تقوم بتغليف مناقشتها لهذا الخيار بعملة أخرى وهي: “الوقت”.
وهذا كما تدعي هو المعادل البشري العظيم حيث تقول: “بغض النظر عن عمرك أو خلفيتك أو تعليمك أو نجاحاتك فنحن جميعًا نحصل على 168 ساعة في الأسبوع”.
ووفقًا لما قالته فإنه تحت تصرف كل منا قدر محدود من الوقت لتوزيعه بين المهام اليومية ويعتمد تمكينها للمرأة على فرضية أن كل ما يلزم للقيام بجميع مسؤوليات العمل والأسرة هو الإدارة الماهرة للوقت، إذا تم استخدامه بطريقة استباقية – بدلًا من طريقة رد الفعل – فإن عملة الوقت سوف تسمح بازدهار ريادة الأعمال البشرية.
ولكن لا يعد الوقت معادلًا كبيرًا في الحقيقة، لأن المهارات الإدارية لإيفانكا تدعمها ثروتها الكبيرة وبعبارة بسيطة فإن الشخص غير القادر على تحمل أجرة مدبرة منزل أو جليسة أطفال سيكون لديه بالتأكيد وقت أقل تحت تصرفه، من شخص قادر على ذلك إذا كان بإمكان أستاذ جامعي العمل من المنزل بعد ساعات العمل فإن نادلة في مطعم لا يمكنها ذلك، وهذا بخلاف إضاعة الوقت والمال الذي ينتج عن أشياء تخرج عن ارادتنا مثل المرض.
عندما يكون المرض خيارًا..
في الواقع قد تعتقد أيضًا بعد قراءة كتاب ترامب أن نساء القرن الـ21 لا تملك ببساطة القدرة على اختيار كيفية توزيع وقتهن وتمتعهن أيضًا بصحة جيدة.
“حتى لو كان نذيرًا لمعدل وفياتنا ولكن الوقت ليس معادلًا كبيرًا لأن لدينا مستويات مختلفة للحصول على الرعاية الصحية الجيدة”، وفي حين يعاني أكثر من نصف البالغين الأميركيين من واحد أو أكثر من الحالات الصحية المزمنة في حياتهم فإن السيدة ترامب لا تشير أبدًا إلى أي تعرض للمرض ولا تناقش أبدًا تعرض النساء العاملات للمرض.
في الواقع وعلى الرغم من أننا نعرف أنها ولدت ثلاث مرات، فإنه بعد قراءة هذا الكتاب سوف تعتقد أن قدمها لم تطأ أبدًا أي مستشفى.
وطوال الوقت توضح ايفانكا كيف يمكن التغلب على الظروف الصحية من خلال التوازن الفكري.
وتقول: “الناس الاستباقيين متحمسون ومنتجون يركزون طاقاتهم على الأشياء التي يمكنهم التأثير فيها وتحسينها مثل: أسرهم وصحتهم وعملهم”.
وتقضي وقتًا طويلًا في ملاحظة كيف ينتج الإجهاد عادات أكل غير صحية وكيف أنها تخزن في ثلاجتها وجبات صحية خفيفة.
ويبدو أن هذه التعليقات مقترنة بصحة ترامب الممتازة حيث تقول إن المرض أيضًا مسألة اختيار وبهذا المعنى فإن تمكينها للمرأة يقوم على نفس الأسس الأيديولوجية مثل خطة الرعاية الصحية الجديدة للحزب الجمهوري التي اعتمدها مجلس النواب مؤخرًا، وهي خطة تؤكد على الاختيار قبل كل شيء، بما في ذلك الرحمة والقدرة على الوصول.
إنها رؤية للحياة – والصحة – مدفوعة بمبادئ السوق المتعلقة بالكفاءة والإدارة (ما يحب الأكاديميون تسميته الليبرالية الجديدة).
وفي مقال كتبه تأييدًا لمشروع القانون، تحدث رئيس مجلس النواب “بول رايان” قليلًا عن الصحة وبدلًا من ذلك يركز على التكاليف وأسواق التأمين الصحي.
بل إن بعض الجمهوريين وسعوا عقيدة الاختيار إلى درجة سخيفة من خلال إشارتهم، كما تقول ايفانكا بشكل غير مباشر، إلى “أننا ربما نختار أيضًا مرضنا”. كما أعلن عضو الكونغرس الجمهوري “مو بروكس” بشكل مثير للجدل أن الناس الذين يتبعون “حياة طيبة” لن يضطروا إلى التعامل مع الظروف الموجودة مسبقًا. هذه الفكرة تبدو لي كخطة تمكين إيفانكا ترامب النسائية التي تصل إلى الكمال: “حياة تحقيق الذات إلى حد القضاء التام على المرض”.
ومن خلال استخدام الوقت كعملة للتأكيد على المساواة حيث لا يوجد شئ فإن إيفانكا ليست مجرد عديمة الذوق، لكنها بالأحرى تدفع نحو تبني عقيدة الحزب الجمهوري لرأسمالية السوق الحرة، والتي تفضلها ومع عدم وجود قيود خارجية للوقت، تشير إيفانكا ترامب إلى أننا جميعًا يمكن أن نصبح سعداء وبصحة جيدة وأثرياء مثلها تمامًا.