خاص.. حاورتها- سماح عادل
“إنجي همام”، روائية وناقدة حصلت على ليسانس الحقوق من جامعة حلوان ودبلوم النقد السينمائي من جامعة عين شمس، وعملت بالصحافة السينمائية لأكثر من 15 عاما، وصدر لها روايتين.
إلى الحوار:
** متى بدأ شغفك بالكتابة وكيف تطور؟
– ربما هو شغفي الأول في هذا العالم، منذ طفولتي تأخذني الكلمات، وهو شيء طبيعي جدا، وكيف لا وقد أحاطني أبي بالكتب من كل جانب كما لم يحيطني بشيء آخر، وكذلك أشعاره هو التي كانت ملء سمعي وأخوتي طيلة الوقت، مع القراءات الدائمة وكذلك الاستماع المستمر لكتابات أبي وغيره من الشعراء، نمت روحي يوم بعد آخر أدبيا، بشكل تلقائي تأخذنا تجارب الآخرين الإبداعية نحو تجاربنا نحن، نتطور في كل يوم.
بدأتُ بكتابة الشعر العامي بشكل مبكر جدا، كنتُ أكتب أغنيات لعيد الطفولة منذ صفي الثالث الإبتدائي، في المرحلة الإعدادية بدأتُ كتابة الأشعار العاطفية، بعدها اتجهتُ لكتابة الخواطر الفلسفية ومن ثم القصص، وقبل أن أتمكن من إنجاز حقيقي في هذا المجال، عرفتُ أن كتابة الرواية هي هويتي الأدبية، خططتُ عشرات المشروعات لروايات انتويت العمل عليها قبل ما يزيد عن عشرين عاما، أحذف ما يتجاوزه الزمن وأعمل على البقية طيلة الوقت.
** لما اخترتِ مجال النقد السينمائي للدراسة بعد القانون، وكيف كانت مسيرتك في مجال الصحافة السينمائية التي امتدت ل15 عام؟
– كانت رغبة قديمة، دراسة الفنون بوجه عام، ودراسة السينما وكذلك النقد على وجه الخصوص، حاولت فعل ذلك مرات عديدة ولم أتمكن لأسباب شكلية في نظام الدراسة بمصر، كل الأماكن التي حاولتُ معها ذلك لم تقبلني لأنني خريجة كلية الحقوق، وليس الألسن أو الآداب مثلا، دبلوم النقد بجامعة عين شمس كان فرصة كبيرة لي في تحقيق رغبة مؤجلة، وهو المكان الأول الذي لم تواجهني فيه مشكلات لا معنى لها من أجلال التحاق بدراسة فنية.
أما عن الصحافة السينمائية، فقد عملتُ بها وبالصحافة الثقافية بوجه عام قبل دراسة النقد السينمائي بسنوات طويلة، وهي من أهم محطات تجربتي العملية، مجال هام ولا ينال ما يستحق من تركيز، أثرت تلك التجربة حياتي وعلاقاتي بالكثير مهنيا وإنسانيا، بعد الحصول على الدبلوم من جامعة عين شمس بتُ أكتب النقد وحده، السينمائي والأدبي أيضا، وهو من أحب ممارساتي الإبداعية، أعرف كوني مقلة في ذلك، لأنني أولي اهتمامي الأول لتجربتي الروائية، لديً العديد من المشروعات المفتوحة، أسخر لها غالب وقتي وطاقتي، وذلك يأخذ بالطبع من وقت الكتابات النقدية.
** قمت بتأتسيس المركز العربي للثقافة والفنون “سلافة” في العام 2009 ما هي أهدافه وأنشطته، وهل مازال مستمرا؟
– أسستُ المركز بعد سنوات من التدريب والعمل في مجال التربية من خلال الألعاب والفنون، والتي بدأتها في العام 2002 مع دكتور “منى صادق” واستمرت في أماكن عديدة وطنية ودولية، كان لديً حلم كبير في هذا السياق ومازال، التركيز على استخدام الفنون والألعاب كوسيلة في تقديم معلومة وتأسيس ورشة أيا كان موضوعها، يهدف المركز لاستغلال فكرة الفنون والألعاب لتبسيط محتوى الورش، قام العمل بالمركز على التعاطى مع الفن واللعب كغاية ووسيلة في آن واحد، قدم العديد من الورش للأطفال والشباب، كانت أهم مبادراته مبادرة “أفكار ملونة” للعمل مع الأطفال في استكشاف مواهبهم وصقلها بشكل مبكر، ومبادرة “غيمة” للكتابات الإبداعية مع الإناث من مختلف الأعمار.
تم تجميد نشاط المركز لأسباب لوجيستيه، لكني أقوم بتقديم نفس نوع الورش بالتعاون مع مراكز ثقافية مستقلة أو تابعة للدولة، بحسب اتفاق الخطط ووجهات النظر ما بين المحتوى الذي أقدمه والجهة التي أتعاون معها.
** أول رواية لك كانت “موت الجدة مليكة” لما اتجهت لكتابة الرواية وهل استقبلها القراء بشكل جيد؟
– تركيبتي الشخصية جذبتني نحو الرواية بشكل مبكر، الاهتمام بالتفاصيل، تراكم الخطوط لتشكيل بنية سردية بانورامية، حاولت الانفلات من قبضة الرواية مرات، وعندما نجحتُ في ذلك، كان يصدر عني قصص طويلة، أعتقد أن الهوية الإبداعية شأن لا دخل للمبدع في اختياره بشكل حقيقي، أتصور أن الرواية اختارتني كما فعلت الكتابة بوجه عام معي، أما عن استقبال الرواية الأولى فلستُ متيقنة منه، حركة انتشار الكتب تأخذ الكثير من الوقت، لاسيما مع زحام ما يُنشر، فلا تأخذ كثير من الكتب حظا جيدا إلا بعد وقت طويل نسبيا.
** في رواية “بالقرب من الحياة” رصدت حياة امرأة عادية جدا والتحديات التي تواجهها، سواء من قبل زوجها، أو من وضعها الاقتصادي والاجتماعي الشائك. لما اخترتي بطلة عادية ؟
– تجتذبني دوما للكتابة الأيام العادية، الأشخاص العاديون، الظروف العادية. التي تتكرر آلاف المرات، والتي هي في حقيقتها غير عادية بالمرة لو تأملناها جيدا، لكننا عادة لا نفعل ذلك، أظن تلك الشخصيات بحاجة للالتفات الدائم، أولئك المحجوبين عن مجال رؤية العالم هم وحدهم كل ما أرى.
** في نفس الرواية كان دعم النساء لبعضهن البعض أحد الأمور التي تخفف وطأة المعاناة على البطلة.. هل واقع النساء اللاتي ينتمين للطبقات الكادحة والمتوسطة بائس كما رأينا في الرواية في رأيك؟
– الواقع على الأرض أكثر بؤسا من كل تصوراتنا، في النهاية على الكتابة أن تحمل ولو بصيص من أمل، إن لم يكن بأحداث مبهجة، فبجمالات الكتابة نفسها، أما الواقع فلا يجد من يزينه بأية بلاغة ولو كانت رمزية، الكادحات من الطبقات الدنيا بحاجة للالتفات إبداعيا وإنسانيا واجتماعيا وغير ذلك الكثير.
** ماذا تمثل لك رواية “بالقرب من الحياة”؟
– هي الرواية الأولى التي أكتب فيها عن سياقات لا أنتمي إليها، ولذلك فلها مكانة كبيرة عندي، عالم الموظفات وعالم ربات المنازل من جهة، وذلك الحرمان العاطفي والجنسي من جهة أخرى، عشرات من الحكايات سمعتها من نساء أعرفهن بدرجات اقتراب مختلفة، رغبتُ بشدة خوض عالمهن عن طريق الكتابة، وكذلك تقديم الدعم على الطريقة الأدبية، كما يفعلها كل الكتاب، مساندة فئة أو قضية تلفت الإنتباه، تقديم شخصيات يعني وضعها في بؤرة نور، تلك العوالم البعيدة عن ما أسلك بشخصي على أرض الواقع، تجعلني أفخر بكتابة هذا النص، الدخول في أتون ما لم أختبره كانسانة ، الاحتكاك بصنف آخر من صنوف الحياة، التعبير عن كل ذلك باخلاص حقيقي لكل كلمة مكتوبة، يجعل من تلك الرواية عمل أعتز به كل الاعتزاز بين كل كتاباتي، ما نشرتُ منها وما لم أنشر بعد.
** هل يمكن القول أنك تفضلين الاتجاه الواقعي في كتابة الرواية ورصد إشكاليات الواقع ومساوئه؟
– بالفعل، أنتمي للواقعية في كل ما أكتب وأنحاز لها في ما أقرأ أو أشاهد أيضا، حتى الكتابات التي تختلجها بعض خطوط الخيال أو دعينا نقول الفانتازيا، حتى في هذه الحال أرتكز في الأساس على فكرة واقعية، الواقع أحد أكبر مصادر الإلهام، وهو أكثر تعقيدا وغرابة وإحداثا للدهشة من كل ما عداه.
** هل الكتابة عن هموم النساء وقضاياهن ومعاناتهن أحد أهدافك فيما يخص الكتابة الأدبية؟ وهل لديك أهداف أخرى؟
– الكتابة عن هموم ومعاناة الإنسان هي قضيتي الإبداعية، ليست المرأة وحدها، البشر عموما، تدفعني مواجهات الإنسان لذاته، حروبه مع نفسه ومع أخيه الإنسان، أظنها أكبر ما خاض من معارك، وأهم ما يمكن لمبدع العمل عليه.
** هل واجهتك مشاكل في النشر وما تقييمك لحال الثقافة في مصر؟
– واجهتني ومازالت، برغم كثرة دور النشر نسبيا في السنوات الأخيرة، إلا أن الناشر والكاتب كلاهما واقع تحت العديد من الضغوط يفرضها الواقع الاقتصادي بشكل أساسي، وتفاصيل كثيرة أخرى تجعل العديد من الكتابات الهامة حبيسة الأدراج لسنوات.
أما عن حال الثقافة فهو موضوع كبير، هناك الكثير من الأحداث الهامة والمؤثرة، والداعية للأمل، وهناك أيضا منغصات ومشكلات، ربما الأمر يحتاج دراسة كاملة للإجابة عن هذا السؤال بالذات.
** هل يعاني النقد من مشاكل وهل يواكب غزارة الإنتاج في رأيك؟
– كلمة “نقد” بحد ذاتها أصبحت مشكلة، مما أذكره عن إنشاء دبلوم للنقد بقسم الدراما كلية الآداب جامعة عين شمس، هو إيجاد نقاد دارسين، وأتصور ذلك كان دافعا لدكتور إيمان عز الدين للسعي الدؤب لخلق هذا الكيان، والفكرة بشكل عام تنطبق على السينما والأدب، وربما النقد الفني عموما، الناقد الدارس الحقيقي، والموهوب كذلك، كون النقد عملا إبداعيا في ذاته، كل ذلك عملة تكاد تكون نادرة، الكل يمارس النقد ويطلق على نفسه اللقب بمنتهى البساطة دون أية أسباب مقنعة لحدوث ذلك، وفي ظل تردى أوضاع المنشورات الثقافية من جرائد ومجلات وعدم الاهتمام الكافي بها، فلا يوجد من يكترث لما يحدث، وعلى الرغم من ذلك، فلا يواكب النقد سواء كان علميا أو غير ذلك ما ينتجه سوق النشر من كتابات.