19 ديسمبر، 2024 12:45 ص

“إلياس خوري”.. الكتابة بالنسبة له يبدعها الحب

“إلياس خوري”.. الكتابة بالنسبة له يبدعها الحب

خاص: إعداد- سماح عادل

“إلياس خوري” قاص وروائي وناقد وكاتب مسرحي لبناني.

حياته..

ولد في بيروت 1948 لعائلة أرثوذكسية من الطبقة المتوسطة في منطقة الأشرفية ذات الغالبية المسيحية في بيروت، وكان أعسرًا، وفي سن الثامنة بدأ يستمتع بقراءات جرجي زيدان وتعلم منها الكثير، وأهتم بقراءة ثلاثة أنواع وهي الأدب العربي الكلاسيكي، والنصوص الأدبية المرتبطة بالحداثة، والروايات الروسية لكتاب مختلفين مثل بوشكين وتشيخوف.

حصل على شهادة الثانوية العامة عام 1966 من ثانوية الرأي الصالح في بيروت، وفي 1967 ساف في عمر 19 عامًا إلى الأردن وزار مخيمًا للاجئين الفلسطينيين والتحق بحركة فتح المنظمة المقاومة في منظمة التحرير الفلسطينية، وغادر الأردن بعد مقتل وطرد آلاف الفلسطينيين في أعقاب محاولة الانقلاب على الملك حسين في أيلول الأسود. درس التاريخ في الجامعة اللبنانية وتخرج منها 1971، وعلى الدكتوراه في التاريخ الاجتماعي من جامعة باريس.

كتب عشر روايات ترجمت إلى العديد من اللغات وثلاث مسرحيات وسيناريوهات، وله العديد من الكتابات النقدية. عمل في تحرير عدة صحف لبنانية، ومنصب رئيس تحرير الملحق الثقافي الأسبوعي لصحيفة النهار اللبنانية اليومية. كما قام بالتدريس في جامعات مهمة في أمريكا وفي الدول العربية والأوروبية،  وكان أستاذ زائر للأدب العربي الحديث والأدب المقارن في جامعة نيويورك في 2006.

انضم إلى مجلة مواقف في عام 1972، وأصبح عضوًا في هيئة التحرير، وخلال الفترة من 1975 إلى 1979 ترأس تحرير مجلة شؤون فلسطينية بالتعاون مع محمود درويش، وعمل محرر لسلسلة ذكريات الشعب الصادرة عن مؤسسة البحوث العربية في بيروت بين عامي 1980 و1985، وكان مدير تحرير مجلة الكرمل من 1981 إلى 1982، ومدير تحرير القسم الثقافي في صحيفة السفير من 1983 إلى 1990، وعمل مدير فني لمسرح بيروت من 1992 إلى 1998، ومدير مشارك في مهرجان سبتمبر للفنون المعاصرة.

الروايات..

نشر روايته الأولى في 1975 بعنوان «لقاء الدائرة»، وكتب سيناريو فيلم «الجبل الصغير» في 1977، تدور أحداثه خلال الحرب الأهلية اللبنانية، ومن أعماله الأخرى «رحلة غاندي الصغير» التي تدور حول مهاجر ريفي يعيش في بيروت خلال أحداث الحرب الأهلية.

كتب رواية “باب الشمس” التي تضمنت إعادة سرد ملحمية لحياة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان منذ نزوح الفلسطينيين عام 1948، وتناولت أيضًا أفكار الذاكرة والحقيقة ورواية القصص، وقد أُنتجت كفيلم سينمائي يحمل نفس الاسم للمخرج المصري يسري نصر الله في 2002.

نشر إلياس رواية «يالو» في عام 2002، وترجمها “بيتر ثيروكس” إلى الإنجليزية في 2008، وصور فيها الراوي أحد أفراد الميليشيات السابق المتهم بارتكاب جرائم أثناء الحرب الأهلية في لبنان، وتحدث عن التعذيب في النظام القضائي اللبناني، وأشار في عنوانها إلى اسم قرية عربية فلسطينية هجرت إسرائيل سكانها واحتلتها في حرب 1967، ونزح مُعظم سكانها إلى الأردن.

جدوى الكتابة..

في حوار معه نشر في رمان الثقافية يقول “إلياس خوري” عن جدوي الكتابة في العصر الحالي: “”التجربة الطويلة تعطي الإنسان ما نسميه الحكمة، وأهم حكمة أن الأشياء لا تدوم، وفي حياتنا اليومية لا أحد يصدق أن الأشياء لن تدوم، لذلك عندما يحلم الإنسان بالموت، لا يحلم بموته، بل يحلم بموت الآخرين، لأنه لا يفكر أنه سوف يموت، ففي الحياة اليومية يفكر بالموت ولكن عندما تصل الأمور إلى الجد لا يفكر بموته، لأن المنام هو اللاوعي الشخصي، وفي اللاوعي لا أحد مقتنع بموته. عادة نحن الذين نقول هذه الحكمة ولا أحد يقتنع فيها داخلياً.

مع الزمن والتجارب وتراكم الأزمنة، هناك أشياء أتت وذهبت، من كان يتخيل أن منظمة التحرير تقتل؟ في شبابنا كان ذلك أمراً مستحيلاً، من كان يفكر أن يخرج الجيش السوري من لبنان؟ لا أحد، علاقتنا أبدية هكذا كنا نفكر، إذ تكتشف أن حكمة الزمن تقول أن لا شيء يدوم. إذاً المراحل الماضية لم تدم ولذلك هذه المرحلة لن تدوم.

أنا أتعامل مع هذه المرحلة بصفتها مؤقتة، والأساسي والحقيقة أن الأدب يعلم حكمة أن هذا كله ليس للغد، رغم أنك لا تستطيع إلا أن تكتب عما تعيشه، فلو عشت الحرب الأهلية سوف تكتب عن الحرب الأهلية، ولو عشت الوضع الفلسطيني كما نعيشه، سوف تكتب عن الوضع الفلسطيني كما نعيشه، إذاً فالأدب الذي يصف الناجي فقط ليس أدباً. كي يكون أدباً يجب أن يكون هناك شيء آخر، هذا الشيء الآخر هو الأسئلة الإنسانية الكبرى التي تتغير، تحافظ على عناوينها ولكنها تتغير، منذ جدنا الأعلى هوميروس حتى الآن.

يعيش الأدب والفن عموماً بعد انتهاء ظروفهما، الإلياذة كتبت بالحروب اليونانية، من يفكر اليوم بالحروب اليونانية؟ ولكن عندما نقرأ الإلياذة نفكر بتفاصيل أخرى، نفكر بالإنسان، نفكر بالعلاقة مع القدر، نفكر بالموت، لذلك الظرف هو الشكل الخارجي، أما الأدب فهو الذهاب إلى لب الأشياء، لب الأشياء لا علاقة له بهذه المتغيرات، يرويها طبعاً، يروي الحاضر كما نعيشه، نحن شهود على الزمن الذي نعيشه، ولكن أيضاً شهود على كل الأزمنة.

الأدب لا يحاور الأحياء فقط بل يحاور الموتى. عندما يسألونني عن محمود درويش أقول لهم لا لم يمت، محمود درويش فعلياً مات، وهو بالنسبة لعائلته غير موجود، ولكن في الحقيقة هو حي، عندما أشتاق إليه أفتح الكتاب وأسمعه جيداً، لذلك مثلما أسمع الموتى بالأدب، نطمح بالأدب أن نجعل الموتى يسمعوننا، لذلك الأدب مهمة صعبة، لأننا يجب أن نجرؤ على المخاطبة، بصرف النظر عما إذا كانوا يسمعونك أم لا، أن تجرؤ وتقول هل يقرأ لي هذا الكتاب إدوارد سعيد الميت منذ سنوات، أو يقرأ لي هذا الكتاب أبو حيان التوحيدي، فهذه لعبة الأدب العميقة، ولكن هذه اللعبة تلعب بالحاضر، بمعنى أنك سوف تكتب لغة الحاضر، ويجب أن تكون شاهداً على الحاضر”.

فعل حب..

وعن رواياته يواصل: “أكبر إنجاز يقوم به الكاتب هو أن نتذكر أبطال رواياته وننساه، لو أخبرتك حدثني عن “هاملت” سوف نتحدث ساعة، ولكن “شكسبير” لا شيء. الكاتب ليس مهماً، نقطة الانطلاق والمهم هي الأبطال الذين يحكون تجاربهم والذين نرى كيف عاشوا حياتهم، والذين يعيشون رحلة نحو الإنصات.

كيف تظهر الفكرة، في كل مرة تظهر بشكل مختلف، مثلاً في رواية “باب الشمس” لم أبدأ بكتابة النكبة، فكرت بكتابة قصة غرام، ومثل كل قصص الغرام عندما يموت البطل أو تموت البطلة سوف نفتقده، لا يوجد غرام إذا تزوجا، عند الزواج ينتهي الحب، لذا أردت أن أكتب قصة حب يونس ونهيلة، وكلما ذهب يونس ليرى نهيلة يقترب من الموت، هذه هي الفكرة، هكذا بدأ النغم بداخلي، ولكن عندما بدأت الكتابة، وبدأت أكتب لماذا يذهب، ولماذا نهيلة من دير الأسد، والمخيمات ولماذا وصلوا إلى المخيمات، ظهرت بهذا الشكل الجديد، ولكن الهدف صدقاً هو قصة حب فقط.

برأيي هذا هو الحب، الحب هو حب رجل لامرأة صحيح، ولكن كتبتها كونها قصة حب أنا عشتها، أنا أحب هؤلاء الناس وأنا ذهبت وعشت في المخيمات لأني أحبهم، هؤلاء الأشخاص الوحيدون الذين أشعر بأني مرتاح عندما أجلس معهم، أفضل من الجلسات المصطنعة مع المثقفين، هناك هي الحياة، ذهبت لأنني أحبهم، فكتبت قصة حبهم.

لذلك برأيي الكتابة هي فعل حب، لا تستطيع الكتابة وأنت تكره، الكراهية لا تصنع الكتابة، إذا كنت تكره اذهب واقتله لا تكتب عنه رواية، لذلك فعلياً الرواية أو الأدب هو حكاية حب بالأساس، أنا هكذا أكتب لأني أحب، وأنا فعلياً عندما ماتت نهيلة تأثرت جداً وكأنه قد مات شخص أعرفه جيداً، لأني أحببتها.

كل كتاب يظهر بشكل مختلف، أحياناً يظهر في موسيقى بداية نغم، أحياناً في حكاية صغيرة، أحياناً يظهر كحلم، كل مرة بطريقة مختلفة، ولكن بالبداية، عندما يصبح لديك تصور عن البداية، الرواية سوف تأخذ شكلاً آخر لا علاقة له بالتصور، أنت سوف تطاردها وليست هي من ستطاردك، لذلك كلما تقدمت في العمر سوف تختفي، فهي عملياً اختفاء للكاتب”.

وفاته..

توفي “إلياس خوري” في 15 سبتمبر 2024.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة