خاص: إعداد- سماح عادل
“إلياس الزيات” فنان تشكيلي سوري شهير، وهو أحد مؤسسي كلية الفنون الجميلة بدمشق.
حياته..
من مواليد دمشق عام 1935، درس المرحلة الثانوية في المدرسة الأرثوذكسية في دمشق، وكان يحب العمارة ويريد دراستها، ولكن ظروف والده المادية لم تمكنه من إرساله إلى بيروت لدراستها، فدرس الرياضيات في جامعة دمشق، مزامنة مع دراسته فن التصوير تحت إشراف الفنان “ميشال كرشه” وذلك بين عامي (1952-1955)، حصل بعدها على منحة لدراسة الرسم في بلغاريا، وأكمل دراسة الفنون الجميلة في أكاديمية صوفيا للفنون الجميلة في صوفيا، وتلقى قواعد الفن تحت إشراف الفنان “إيليا بيتروفبين” بين عامي (1956-1960) وتخصص بالتصوير الزيتي.
وتخرج من الأكاديمية عام 1960، ثم التحق بكلية الفنون الجميلة في القاهرة، مصر عام 1961 وقام بدراسات إضافية وأخذ بمتابعة الفنان عبد العزيز درويش، ثم في عام 1973 قام بدراسات إضافية وتدرب على تقنيات الترميم (كيمياء الألوان) في أكاديمية الفنون الجميلة وفي متحف الفنون التطبيقية في بودابست.
درّس في كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق منذ عام 1962 حتى تقاعده عام 2000، ودَرّسَ فن التصوير الزيتي في المعهد العالي للفنون الجميلة من عام (1980-2000)، وفي تلك الفترة شغل منصب رئيس قسم الفنون، ووكيل كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق، وممثل لجامعة دمشق في محافل عالمية، بالإضافة إلى دوره في هيئة الموسوعة العربية، كما كان مرجعاً في تعريف الفن الكنسي. ومن أهم مساهماته العملية تأسيس كلية الفنون الجميلة في دمشق عام 1960 متعاونا في ذلك مع كبار فناني جيله آنذاك.
أعماله اقتنيت من قبل وزارة الثقافة السورية، والمتحف الوطني بدمشق، ومتحف دمّر، والقصر الجمهوري، ووزارة الخارجية السورية، ومعهد العالم العربي ـ باريس، وضمن مجموعات خاصة.
يعتبر البروفيسور الزيات من رواد الفن الذين اختاروا أن يكون لهم في مجتمعهم وبلدهم دور في الإبداع والإنتاج. ومن حصيلة مساهماته، مشاركته في تأسيس كلية الفنون الجميلة في دمشق عام 1960، بالتعاون مع كبار فناني جيله، كفاتح المدرس ومحمود حماد ونذير نبعه ونصير شورى وعبدالقادر أرناؤوط وطارق شريف وممدوح قشلان.
المعلم..
في مقالة بعنوان “اليأس زيات.. المعلم ” كتب “حسين صقور”: “المعلم الياس الزيات يواصل الخط مسيره التلقائي راسماً حدود الشكل وملخّصاً تفاصيله، ويأخذك عبر سفرٍ يقول الأشياء كلّها، ولا أحد غيره يستطيع، ثم ينقلك عبر خلل النسبة والتناسب مابين الرأس والجسد إلى ذلك التعبير الطفوليّ الآسر الذي يؤكد فيه على تفصيلٍ ما يخدم الغاية والتعبير (قدمٌ حافية أو أصابع تعزف لوناً وأجنحة ترفرف أبداً) يتوالد رحيق شفاف من روح الألوان حين تمتد في خطوطٍ عريضة عبر إيقاعٍ حركيّ، ولمسات فرشاة على سطحٍ كما الزلال تتكاثف عند الظلال السوداء وتشفّ في مناطق الضوء مع آخر ما تبقى من لونٍ كان ما يزال عالقاً فيصير أساس العمل منبعاً للضوء يوحّد أجزاءه كما توحّدها تقنية الفنان التي يؤكد فيها على عملية خلقٍ لحظية متواصلة”.
ويضيف: “وبتعبير أوضح إن عمل الفنان لا يحتاج لعودةٍ لاحقة (قد تضر بذاك النفس التعبيري) ولكن حين يكون الزيات هو الفنان يصير القرار ملكاً له فالعودة مرهونة بقراره لحظة الإنهاء، وبقدرته وهو القادر على الحفاظ على ذاك الإحساس الأولي ذاته، وعلى المجموعة اللونية ذاتها فلمثله المشاعر الآنية و الطويلة الأمد، وقيمة أعماله في كونها تولّد وتكتمل كما الدراسات هذا ما يخطه الصدق حين يكون مفعماً بالثقة والإيمان، حينها وحينها فقط أيّ خط يغادر داخلنا إلى سطح اللوحة له مقومات العمل الكامل وأيّ توقيعٍ هو لوحةٌ تشكيلية كما هي اللوحة أيضاً بمثابة بصمة وتوقيع”.
ويؤكد: “اليأس زيات وهو واحد من العمالقة الثلاثة ليست قيمته في كونه الرائد والمؤسس فحسب، ونحن ندري كيف تنبثق من المدرسة الأم عدة اتجاهات، إنما قيمته أيضا لكونه تجربةً معمّرةً لا يمكن الوصول لها إلا عبر تلك المساحة الزمنية المتواصلة مع همّ تشكيلي مازال يلخّص ويستنبط من معاني الحياة خلاصتها، وما زال يستنبط الجوهر في رحلة بحثك في لوحاته تقودك قدماك إلى بوابة الماضي قد لا تكون فناناً أو مهتماً بالتشكيل، الألفة وقوة التعبير تأخذك إلى زمن كأنك عشته فيه أتراه يفتش في خفايا الباطن واللاوعي الجمعي”.
روح الفن..
في حوار معه مع صحيفة «مسارات» يقول”إلياس الزيات”، عن البداية: “في سوريا تعلمت الفن على يد أستاذي الفنان ميشيل كرشه رائد الانطباعية في سوريا، ثم درست الفن في بلغاريا ومصر وهنغاريا. ما علمتني إياه الأكاديمية هو قواعد الفن والتكنيك. كنت محظوظا لكوني تتلمذت على أيدي أساتذة تتلمذوا بدورهم عند كبار رواد الفن الواقعي في ألمانيا في أواخر القرن التاسع عشر.
أما معرفتي بروح الفن فكانت من خلال زياراتي للمتاحف في مختلف بلدان العالم». وأوضح أنه بعد عودته إلى سوريا في الستينات ومشاركته في تأسيس كلية الفنون الجميلة، استأثر تاريخ فن التصوير والنحت لبلاد الشام باهتمامه. وشكلت معرفته ودراسته لهذا التاريخ نقطة انطلاق مساره الفني والمعرفي. ومع مرور الزمن انعكست ثقافته على أعماله الفنية، وقدم حصيلة دراساته وأبحاثه، عبر محاضرات وندوات.
روح النضال القومي..
وعن مراحل فنه يقول: “بعد امتلاكي لقواعد الفن من خلال دراستي في أكاديمية الفنون التشكيلية في بلغاريا، بدأت بتجربة الفن المعاصر لمرحلة ما بعد المدرسة الانطباعية. كنت أتعرف من خلالها على فن ماتيس وبيكاسو وغيرهم. وانتقلت بعدها إلى الفن التجريدي الذي لم أتوقف عنده طويلا». ويقول عن أسباب وقفته القصيرة في محطة التجريد: «الشكل الإنساني يعنيني كثيرا خاصة في السبعينات، إذ كانت تسكن جيلنا روح النضال القومي وكنا متحمسين للقضية الفلسطينية، لذا كان لا بد لنا من العودة إلى الشكل الإنساني.
أفادتني تجربة الفن التجريدي تقنيا. فهذا الفن مدرسة مهمة لمعرفة لغة التشكيل المتمثلة في التكوين والألوان بصرف النظر عما يعنيه الموضوع». أما المرحلة التالية فبدأت مع اهتمامه بتاريخ بلدان الشام وعنها أوضح، «لم أعد أنسب الجماليات لمعايير جمال الفن الغربي. بت أفهم جماليات فنوننا القديمة المنعكسة في الرسم والنحت الجداري والخط العربي. وبدأت برسم ملامح من فنوننا القديمة التي تميل أكثر إلى التعبيرية، التي تشبعت بها وباتت جزء مني. فبدلا من رسمي لرأس الإنسان وفق جماليات الفن الغربي بنسبة 1 إلى 8، بت أرسمه بنسبة 1 إلى 5 أي أن الرأس أكبر كثيرا من الجسد.
بت، بعد تعمقي في تاريخ فنون الخط العربي، أتذوق جماليات الخط في مرحلة العباسيين لفنانين كابن مقله وابن البواب وأراها أجمل وأهم من مدارس الخط العثماني وقواعده، وذلك لحرية الفنان العباسي في تعامله مع الحرف وتشكيلاته الفنية».
الفن العربي المعاصر..
وعن حركة الفن العربي المعاصر في المرحلة الراهنة يقول: «لا شك أن الفن عندنا يشهد مرحلة متطورة مهمة. لكن ما ينقص فنانينا الشباب امتلاكهم للوعي الفكري والثقافي والاجتماعي. فإن سألت الشباب الفنانين في سوريا على سبيل المثال، من هو محمود حماد؟ (فنان سوري كبير شارك في تأسيس حركة الفن المعاصر في سوريا) لأجاب عدد كبير أنه ربما فنان مصري وهكذا».
الفنان العربي يحتاج إلى العمق الذي يكتسبه من معرفة تاريخ بلاده والتأمل في واقعها. على الفنان بحد أدنى أن يعرف تاريخ بلده والحضارات التي عاشت وفنيت في أرضه، وتفاعلها مع الحضارات الأخرى».
الأيقونة والأسطورة..
في حوار ثان أجراه معه “وحيد تاجا” يقول “إلياس الزيات” عن تأثره بفن الأيقونة والأسطورة: “مصادر الإلهام عندي متعددة، أهمها الحضارات القديمة في الوطن العربي، فضلاً عن الناس وحياتهم في البيت والشارع، والأيقونة، كما الأسطورة، مصدر من المصادر التي أستقصي منها.
الأيقونة الشرقية هي التي تهمني بالذات، فهي من إبداعات هذا البلد، وقد أخذت الشكل الفني الذي كان سائداً في القرن الثالث الميلادي ولكن انقطاعها لفترات وعودتها جعلت الناس يظنون أنها جديدة وافدة علماً أنها سبقت الأيقونة البيزنطية. وقد أخذت من الأيقونة طريقة الأداء وبعض الجمل التعبيرية، وصغتها بأسلوبي الخاص، بحيث أصبحت لوحتي معاصرة، وليس كما يذهب البعض، إن الأيقونة هي المعاصرة، فأنا لا أعمل أيقونة معاصرة.
أيضاً أنا لا أصور أسطورة معينة، وما يلاحظ من جو أسطوري في أعمالي هو ذاك الجو التأملي الصوفي الذي أستخرجه من الإطلاع على منجزات الماضي، ومعايشة المجتمع المعاصر. الذي أنا جزء منه، فقد عشت -على سبيل المثال- فترة طويلة في القاهرة، باحثاً عن الكتابات العربية وأشكالها المتعددة في المخطوطات، وعلى جدران المساجد، ومعايشتي هذه جعلتني أنتج مجموعة من اللوحات، حاولت أن أنقل فيها هذا الجو التأملي دون أن أصور ملامح واقعية لمسجد من المساجد”.
حشد من الألوان..
وعن اللوحة لديه يقول: “تأثرت بالزخارف العربية الإسلامية، وأعني تحديداً الهروب من الفراغ، فأنا أسقط على سطح اللوحة كل ما يجول في خاطري ثم أتأمل ما سجلت فتعطيني أشكالاً جديدة أسقطها بدورها، إلى أن أشعر بالاكتفاء، فالحشد من الأشكال والألوان في لوحتي ليس غرابة بحد ذاته، وإنما أريد أن أوصل للمشاهد الحالة التأملية التي كنت فيها وأنا أضع اللوحة.
وعن التوازن في اللوحة يواصل: “الزخرفة في الفن العربي الإسلامي ليست مجرد زخرفة، فهي مبنية أساساً على الهندسة وعلى تكرار الشكل الهندسي، وإن كان العرب تعاطوا الحساب والجبر والهندسة فقد بحثوا في ذلك عن المطلق وعن المجرد، وعلى هذا فالزخرفة العربية الإسلامية هي طريق للتأمل والكشف، وليست مجرد تعبئة فراغ، وهذا ما أحاول التعبير عنه في لوحتي”.
وفاته..
توفي في دمشق في 4 أيلول/ سبتمبر 2022.