25 ديسمبر، 2024 7:49 م

إضراب عمال شيكاغو في 1 آيار/مايو 1886 .. وأول إضراب عمال مصري في التاريخ

إضراب عمال شيكاغو في 1 آيار/مايو 1886 .. وأول إضراب عمال مصري في التاريخ

كتب – هاني رياض :

يحتفل العالم فى 1 آيار/مايو من كل عام بعيد العمال.. وهو العيد الذي يحيي ذكرى إضراب “عمال شيكاغو” في 1 آيار/مايو عام 1886، حيث شارك فيه 340 ألف عامل وكان الشعار المطلبي المشترك لأحداث هذا اليوم هو “من اليوم ليس على أي عامل أن يعمل أكثر من 8 ساعات”.. أما في أوروبا التي شهدت أول إضراب كان في عام  1768 م، عندما عمل بحارة في انكلترا على شل حركة السفن في أحد الموانئ تعبيراً عن تأييدهم لمظاهرات انطلقت في ذلك اليوم في شوارع لندن.. أما المكسيك فكانت أول دولة يتضمن دستورها على حق العمال في الإضراب في عام 1917.

لم يكن إضراب عمال  شيكاغو في عام 1886 – منذ 131 عام – أول الإضرابات في التاريخ الذي انتصرت إرادة العمال ونضالاتهم التي لا تنقطع في انتزاع حقوقهم المشروعة في تحديد ساعات العمل والراحة، فإن العمال في مصر القديمة منذ أكثر من 5000 عام، قد استطاعوا الحصول على حقهم في تنظيم شؤون طوائفهم الحرفية والعمالية في أشكال نقابية، بالإضافة إلى الأجور الثابتة العادلة، والإجازات وأيام الراحة، بل وإنتزاع الحق في الإضراب عن العمل في حالة المساس بأجورهم، أو لاعتراضهم على الفساد أو الظلم.. فقد شهدت الحضارة المصرية القديمة أول إضراب وإعتصام ومظاهرة عمالية في التاريخ الإنساني منذ حوالي 3170 عام، في عهد “رمسيس الثالث” (1183 ق.م – 1152 ق.م)، في “دير المدينة” بالأقصر حالياً.

العمال وتنظيمهم :

شكل العمال في مصر القديمة طبقة اجتماعية متكاملة في النظام الاجتماعي الهرمي، فقد أعتمدت الحضارة المصرية فى بناء حضارتها على طائفة “البنائين” المهرة الذين شهدت أعمالهم بداية من الأهرامات والمعابد، وطائفة الحرفيين من “نجارين”، و”رسامين”، و”الصباغين” الذين قاموا بزخرفة أروع المقابر والمعابد، بالإضافة إلى عمال “التراحيل”  الذين عهد إليهم المشروعات القومية العملاقة من إقامة السدود والجسور، وشق الترع والطرق، وعمال المناجم والمحاجر، وعمال النظافة فى المعابد والمقابر، والعديد من الشرائح، والطوائف العمالية المختلفة.

عرفت مصر القديمة نظام الطوائف العمالية لكل حرفة كما يقول “د. عبد الحليم نور الدين” في كتابه أن أول من فكر في تكوين طائفة خاصة من العمال والنحاتين هو الملك “أمنحتب الأول”،  وكانت طائفة العمال تتكون من ستين إلى مئة وعشرين عاملاً يقسمون إلى قسمين هما قسم اليسار وقسم اليمين، حيث يقسم العمل إلى مجموعتين إحداهما تعمل يمين المقبرة والأخرى على يسارها، وكان كل قسم يخضع لسلطة رئيس العمال، وكان العمال ينظمون تنظيماً دقيقاً تحت سلطة رؤسائهم، وكان كل منهم يحمل كبير الفرقة أو كبير المجموعة، وكان على اتصال بالأمير أو الوزير، ويقوم بتوزيع العمل على العمال ويشرف على توزيع الحصص التموينية “الأجور”، ويساعده في عمله نائب، بالإضافة إلى “الكاتب” الذي كان يسجل العمل المنفذ في المقبرة الملكية، ويسجل المتغيبين عن العمل وأسباب غيابهم، ويوزع مواد وأدوات البناء من المستودعات المخصصة، وكان هناك مكتب لإدارة شؤون العمال، وكان يحتوي على أرشيف يقوم الكتبة بوضع التقارير فيه عن حياة العمال.

وقد خصص للعمال، فى خلال الدولة الحديثة، قرية كبيرة وهي “دير المدينة” وتقع في مدينة الأقصر، وكانت محاطة بسور سميك وبها سبعون منزلاً بملحقاتها، وكانت بيوتهم بسيطة، وتضم أثاثاً بسيطاً، وتضاء بمصابيح تعمل بالزيت، وبلغ عدد سكانها حوالي 400 أسرة، وهم من أمهر حرفيي وعمال مصر من الحجارين، وقاطعي الأحجار، بالإضافة إلى مصممي المقابر وأمهر الرسامين في العالم القديم.

تدل الإكتشافات الأثرية، والنصوص المحفوظة على وجود نظام عمل إداري متكامل للعمال في مصر القديمة حفظ للعمال حقوقهم العمالية، وحفظ للدولة حقوقها في العمل، فقد كان الشهر في مصر القديمة مقسماً إلى ثلاثة أجزاء، كل جزء حوالي عشرة أيام، كان العمل لمدة ثمانية أيام في كل جزء، ويرتاحون يومين، أي أن كان هناك 6 أيام للراحة في الشهر الواحد, وتدل النصوص التاريخية على أن كان هناك إشراف وتفقد من الوزراء والمسؤولين على العمال، فمثلا نجد الوزير “الوزير رخمي رع” في عهد “تحتمس الثالث”، يقوم بزيارة أحد المصانع، وقد حث رئيس العمال على العمل وقال لهم “هيا ايها الرفاق حركوا سواعدكم لنعمل ما يستوجب ثناء الحاكم”، وأيضاً تدلنا نصوص الحكم والأدب على حفظ العمال لرؤسائهم في العمل مكانتهم “إذا كان رئيسك فيما مضى من أصل وضيع، فعليك أن تتجاهل وضاعته السابقة، واحترمه حسب ما وصل إليه”.

الأجازات والأجور:

عثر في دير المدينة على الآلاف من الاوستراكا “الشقافات” التي تتحدث عن حياة العمال، وتتناول مرتبات العمال وحضورهم وانصرافهم واجازاتهم، كما يوجد في المتحف البريطاني لوحة طباشيرية “ترجع إلى العام الأربعين من حكم الملك رمسيس الثاني” وهي من “دير المدينة”، سجل فيها أحد رؤساء العمل اسماء ثلاثة وأربعين عاملاً، ودون أمام اسمائهم أيام غيابهم، وأسباب هذا الغياب من مرض، أو لتقديم القرابين، أو مجرد كسل، وكان يدون أيام الغياب بالمداد الأحمر، وكان هناك إجازات رسمية على مستوى الدولة، وهي الأعياد الدينية التي بلغت 25 مناسبة كانت تقام في مصر، وبلغ مجموع أيام العطلات الرسمية حوالي 42 يوماً، حيث أن بعض الأعياد كانت تستمر لمدة 3 أيام متواصلة.

كانت الأجازات تسجل في دفاتر خاصة بالحضور والانصراف لكل العمال في أماكن العمل، وكانت الأجازات يتم تقديمها إلى رئيس العمال الذي يحق له الموافقة على الإجازة أو لا، وتدل بعض هذه الدفاتر التى ترجع لعصر الدولة الحديثة، أن أسباب إجازات العمال كانت لزيارة المقابر مثلاً، أو زيارة المعابد وتقديم القرابين، الاحتفال بعيد ميلاد أحد أولاده، أو حتى مرافقة زوجته بعد الولادة، وكانت من الأجازات الطويلة.

أما عن رواتب العمال فكانت “عينية” على شكل “حصص تموينية” من مواد غذائية تصرف من الصوامع والمخازن الملكية، وهي كافية له ولأسرته طوال الشهر، وكانت عبارة عن كميات كبيرة من السمك، قدراً من البقول، وعدداً من القدور التي تحتوي على زيوت، ودهون، وجعة، وخشب الوقود، والحبوب من القمح والشعير والحنطة وتقدر تقريباً بـ 5 “زكائب”، وكميات من الخضار تقدر بـ 15 حزمة خضار شهرياً، أما رئيس العمال فكان يحصل على حصص تموينية أعلى من العامل، فقد كان يصرف له 170 حزمة خضار، والحبوب 7.5 جرارة، وكان الملك يقوم بصرف بعض المواد الغذائية والسلع الأخرى تشجيعاً للعمال في بعض المناسبات المختلفة مثل الجعة المستوردة واللحوم والنبيذ والملح وقطع من القماش وقطع نحاسية.

كما عرف المصريون نظام “الأجر المتغير” أو ما يعرف الآن بـ”الحوافز”، فقد كان يمنح العمال حوافز نتيجة جهد زائد في العمل، وكذلك عرف المصريون المكافآت التشجيعية نتيجة للقيام بأعمال هامة وصعبة، فكانت تقدم لهم البلح والكعك والبيرة الجاهزة, وزيت السمسم، وكتل ملح النطرون، واللحم وغيرها.

أول إضراب عمالي في التاريخ :

على الرغم من كل الحقوق العمالية من رواتب وحوافز “عينية” كانت تصرف لهم شهرياً، وكانت كافية له ولأسرته، والحق في الأجازات، وحق كل طائفة عمالية في تنظيم وإدارة شؤون مهنتها فيما يشبه عمل النقابات اليوم، ووجود نظام للعدالة والقيم الاجتماعية الرافضة للسخرة أو العمل بدون مقابل، أو أي ظلم، كما تدلنا إحدى النصوص من الأسرة الرابعة “2680 – 2560 ق.م”، التي تنص على بعض الشهادات التي تقول: “أرضيت كل عامل عمل في مقبرتي”، وأخرى تقول: “لم اضرب انساناً ولم أسخر أحداً في العمل”، إلا أن مصر شهدت أول إضراب عمالي في التاريخ في العام 29 لحكم  الملك “رمسيس الثالث “حوالي عام 1152 ق.م، كان في قرية دير المدينة، الواقعة الآن على الضفة الغربية لمدينة الأقصر.

قام عمال دير المدينة بالإضراب عن العمل لمدة 11 يوم، بسبب تأخر صرف رواتبهم  لمدة شهر بسبب مرور البلاد بأزمة اقتصادية في ذلك الوقت، فقاموا أولاً برفع شكواهم إلى رئيس العمال “نفرحتب”، وهو المسؤول عن متابعة صرف المرتبات للعمال، وجاء في شكواهم: “نحن جوعى لقد مضت 18 يوماً بدون طعام”، وقد قام رئيس العمال برفع الشكوى للوزير “تو”، وعندما تأخرت مرتباتهم قاموا بعمل مظاهرة أمام نقطة الحراسة أمام أعين الحراس، ثم قاموا بمسيرة من دير المدينة حتى معبد تحتمس الثالث، وقد حاول مسؤولو إدارة الجبانة بإقناع العمال بادخالهم داخل المعبد، ولكن العمال رفضوا الاعتصام داخل المعبد، وقاموا بافتراش الأرض أمام المعبد.. فشلت كل مساعي الكاتب “بنتاورت” بصرف العمال، حتى بتوزيع بعض الكعك والجعة عليهم، وأكمل العمال إضرابهم ثانية عن العمل، ولكن قاموا بتطوير إضرابهم هذه المرة بأسلوب جديد، وهو حمل المشاعل والشموع ليلاً، والإضراب في أوقات النهار في أماكن العمل والمبيت فيها ليلاً، فقررت الإدارة صرف نصف أجر من المتأخر وطلب من الكاتب “حوري” توزيعه عليهم، وقد انتصر العمال في تحقيق بعض مطالبهم في صرف رواتبهم المتأخرة من خلال استخدامهم لأدوات نضالية متعددة منها المظاهرة والمسيرة والاعتصام ليلاً، والإضراب عن العمل في النهار لمدة 11 يوماً على التوالي، مما يعد  أول إضراب عمالي ومظاهرة في التاريخ .

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة