المؤلف : برا سنان
مقدمة:
نوجه بداية القارىء أن يقرأ البحث في سياق التغيير من داخل نفس البنية، أي من داخل السياق الاجتماعي المعاش، وعليه فإن معظم القراءات تصب في نقد النظام الديمقراطي، أو تطعيمه باليات ووسائل تسمح بتجديده أو استمراريته ولكنها والى اليوم لم تعد التفكير في أشكال وأنظمة حكم أخرى، قد تكون أكثر نجاعة وفعالية في الوصول للغايات المرجوة من سائر أنظمة الحكم، ولهذا كان لابد في الحقيقة أن تطرح البشرية سؤال ما هو سبيل خلاص الشعوب؟ وكيف السبيل لتحقيق ذلك؟، عوض الاكتفاء بسؤال كيف تحكم الشعوب نفسها؟.
يتسم هذا النظام بالعديد من المساوئ والمحاسن، ووجب أن لا نغفل عن هذا الأمر، فالأقدمون يرون أن الأكثرية ليست دليلا على صواب الرأي، غير أن الديمقراطية وان كانت لا تؤمن بالحق المطلق فهي أيضا لا تقتنع بالحجج المنطقية التي يدلي بها احد الأحزاب في تأييد رأيه، كونها تؤمن بكثرة الأصوات. وإذا استطاع حزب أن يجمع له أكبر عدد من الأصوات كان له الحق في أن ينتصر ويحكم ولا أهمية عند ذلك للأدلة العقلية والنقلية التي يحتج بها عليه خصومه[1].
ربط أفلاطون بين الجهل والأنانية، وبين النظام الديمقراطي، وأكد أن هاته المصائب لن تتوقف طالما استمر هذا النظام الديمقراطي الذي يقوم على الجهل والأنانية والفتن والاضطرابات وعدم الكفاءة والسلبية والرشوة واحتقار المبادئ، والمساواة بين غير المتساويين، وغيرها من الصفات الشريرة، وحسب هذا الفيلسوف، هذا النظام ديماغوجي غير أخلاقي، بل جعل مرتبته متردية بين النظم الفاسدة، إذ جعله في المرتبة قبل الأخيرة في سلم الانحطاط، وهي المرحلة التي تسبق المرحلة الاستبدادية مباشرة. أي أن أفلاطون يريد بذلك أن يقول أنه إذا كان حكم الطغيان هو أسوأ أشكال الحكم بالنسبة له فإن الحكم الديمقراطي يسبقه مباشرة في المرتبة.
غير أن هناك أراء أخرى تختلف مع أفلاطون في رؤيته لهذا النظام وعلى سبيل المثال اوتانس وبركليس، فقد أكد بركليس أن أثينا هي مدرسة اليونان فنظامها الديمقراطي هو أفضل النظم، لأنه لا يعمل لصالح أقلية أوليغارشية كما في اسبرطة ولكنه يعمل لصالح الأكثرية، ولأنه لا يقوم على ما يقوم عليه النظام الاوليغارشي في اسبرطة من تميز وتوجيه، وإنما يقول على المساواة والحرية لأنه نظام طبيعي يسمح لكل فرد بأداء العمل الذي تؤهله له طبيعته، كما انه نظام يسمح لمواطنيه بممارسة اللهو والتسلية في أوقات الفراغ، وليس النظام الذي لا يراعي مثل هذه المطالب الروحية مثل النظام الإسبرطي.[2]
بعد هذه الإشارة الموجزة، يمكن لنا القول أن النظام الديمقراطي هو صيغة الحياة السياسية التي تزود العدد الأكبر بأكبر قسط من الحرية[3]. وبالرغم مما يدونه فقهاء القانون الدستوري من النظريات لإرساء القواعد الأساسية للديمقراطية،وبالرغم مما يرسمه الزعماء والقادة السياسيون من تعاليم للتعريف بمعاني الديمقراطية، فليس من الهين على أية أمة أن تدعي بأنها وصلت الذروة في تحقيق الديمقراطية إن هي افتقرت إلى المثل العليا أو فقد أبناؤها تلك القيم والأخلاق التي بدونها ينعدم كل مدلول لمصطلح الديمقراطية.[4]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
معلومات عن الكتاب
إشكالية المواطنة: الرعية في التراث السياسي الاسلامي
المؤلف : برا سنان
الطبعة الأولى “2017″
اصدرات/ المركز الديمقراطي العربي
الباحث برا سنان مغربي الجنسية، مزداد بالجماعة القروية تندرارة،وقد اختار لهذه الرسالة التي نالت درجة مشرف عنوان :” إشكالية المواطنة/الرعية في التراث السياسي الاسلامي”، ، وذلك لنيل شهادة شهادة الماجتسير ، تخصص دراسات دستورية وسياسية ،بجامعة محمد الاول بوجدة، بميزة حسن .