خاص: عرض- حواس محمود
يتناول الشاعر الكوردي “لقمان محمود” في هذا الكتاب مجموعة كبيرة من الشعراء الكرد ومن خلالهم قصائدهم وإبداعاتهم الشعرية، لذلك جاء هذا العنوان “إشراقات كوردية”، هو يرى ثمة قصائد مشرقة منيرة يتألق فيها مبدعوها، وهو يتناول ذلك في كتاب ضم عدة أسماء شعرية كردية لامعة.
يبدأ المؤلف كتابه من الشاعر “شيركو بيكس” بمقال موسوم ب “شيركو بيكس في مضيق الفراشات” ويرى أن الشعر الكردي المعاصر قد أخذ منحى ملحميا على يد الشاعر “شيركو بيكس” بدءا من قصيدته الطويلة “مضيق الفراشات” عام 1997، حيث أعاد هذا الشاعر المبدع، الشعر الكردي إلى أصالته الملحمية، فالتعامل مع ذاكرة الإنسان كانت وما زالت من أهم مصادره لأنها تؤكد جذوره الحقيقية في أرض الشعر، وفي أرض المكان.
إنّ ما يفعله “شيركو بيكس” هو أنه يؤسس الزمان المتنامي والضائع في نفق هذه الحياة، فمضيق الفراشات ليس سوى أزمنة تتفرع منها المجازر والدمار وزمن القهر والأنفال، ولا غرابة في ذلك فالشاعر ابن كردستان التي لم تر زمناً معافى منذ الأزل
“ساعة وصولي
أوقدوا لي شمعة في برج حضرة نالي
فلتكن جيد شجرة
أو أصبع نرجسة
أو شعر بنفسجة
أوقدوا لي جرحا
في قمة ككون حاجي
فليكن رأس قصيدة مقطوع
أو نهد وسانان
أو قامة حلبجة”.
تقول ملحمة “شيركو بيكس”
“لدي غرفة لا تكفيها وحدتي
تعج وحدتي بضجيج
ولون الفاجعة ورائحتها
وطعمها
ومن عادتها أن تجلب معها كل ليلة
لهذا البيت الصغير
بعضا من خلانها القدامى
ك(حلبجة) كهلي بازي
قلعة دزي
بير مكرون
ثم وحتى الصباح
لحين يصيح ديك قرية جرح آخر
ترقص وتضحك وتبكي وتتحدث
مع أحجارهن وأشجارهن
وأوراقهن كلها “.
ويتحدث المؤلف عن الشاعر والروائي “سليم بركات” وكمال غيبوبته، فيقول لعل من أهم الصعوبات التي تواجه قارئ سليم بركات، هي الرموز والاستعارات والانزياحات اللغوية، ولعل “المعجم” هذه القصيدة الملحمية الطويلة هي من أصعب أعماله لأنها تمثل رغبة “سليم بركات” في اكتشاف اللغة، باعتبارها طاقته الإبداعية من مستوى الضرورية إلى مستوى الحرية و”المعجم” لا يمكن أن تكون إلا صورة لنفسها فقط، بسبب تجاوز اللغة لوسيلتها ومهما حاول القارئ ستظل هذه اللغة منغلقة لكل احتمالات المعرفة، وقارئ هذه المجموعة سيبقى مدهوشا، ليس من اللغة فقط بل أيضا من أسماء النباتات والطيور والحيوانات التي يصعب حصرها، والتي حقا بحاجة إلى معاجم لتأويلها.
ويتناول ديوان “شعب الثالثة فجرا من الخميس الثالث” الذي صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ويرى المؤلف أن علاقة “شعب الثالثة فجرا من الخميس الثالث” تبقى ذو صلة بالشعب الكردي من جميع الجهات، ومن كافة الأوجه وكأن “سليم بركات” كلما قطع شوطا من الغموض وصل إلى ما هو أكثر غموضا، فعقل الإبداع عنده متساو مع لعبة اللغة التي صارت طيعة ومطيعة لكل مهاراته الفردية والمتفردة: “أيها المذهل المتزلف بعقل لعبته إلى شعب لم يتفق بعد مع الآلهة على عقدها لن نحدث أحدا بعد الآن، لن نحدث أحدا”.
ويكتب المؤلف مقالا بعنوان “لطيف هلمت وأطفال المطر”، ويشير إلى اقتران تجربة “لطيف هلمت” الشعرية بالجمالية التي تقوم لديه على حمولة دلالية صامتة ومتعددة، فالاقتراب من هذه التجربة يتطلب العثور على مفهوم مغاير للجمال والشعر والعبور إلى هذا الشاعر لا يتم إلا بالانفصال عن محدودية القصيدة، أي الابتعاد عن امتداد تعدد الاحتمالات.
إن تفاصيل قصيدته قد لا تنكشف إلا بالإنصات إلى المهمل والعادي في صمت الجماد وصمت الجمال، بهذا المفهوم ينتقل الشاعر “لطيف هلمت” من خلال إدماج الوعي بأهمية التجربة على ساحة تحقق فيها القصيدة جمالها الحقيقي:
طوال الليل أغني
وأضفي فرحتي الجديدة
في حدقات فتاة جميلة
آه أخاف
أن يعثر عليها الجواسيس”.
ويرى أن خاصية “هلمت” أنه مسكون دائما بالخوف من الفرح باعتباره، الفرح، وهم يتجلى فقط من خلال النسيان، ويتحدث المؤلف عن “الحرفنة الشعرية في شذرات قوباد جلي زادة” ويصف نصوصه بأنها تتسم بجمالية متفردة، ولغة تدفع بالبعد الحسي إلى ملامسة الحقيقة واختراق تفاصيلها الطافحة بالقسوة الموحشة، على مدى عمر من القهر وكل ذلك من خلال مخيلة مشحونة برؤى تدفعها إليها ذاكرة حية، تنهض على ملاحقة الماضي بكل همومها.
ويتناول شعر الشاعر “دلشاد عبد الله” من خلال قصائد “صخرة الليل” فيجد أن القصائد متباعدة زمنيا، لكنها متقاربة من حيث الحساسية الشعرية، ومن حيث الزخم المعرفي والفلسفي والجمالي، فالشاعر “دلشاد عبد الله” متهم بإحداث تغييرات أساسية في بنية القصيدة الكردية الجديدة، ومن يتابع أعمال هذا الشاعر سيجد أنه ما زال يبحث عن إمكانات جديدة للغة الشعرية، لاختبار طاقاتها التعبيرية بما تخدم متطلبات قصيدته الواعية لقضايا الشعر، والواعية أيضا لقضايا الإنسان أينما كان، ويتابع المؤلف ذلك المؤلف من خلال قصيدة “صخرة الليل طاعنة في العراء”:
“أيها الليل افتح طلاسم الروح
وانثر ضفائرها فوق الأكتاف والأعناق
حيث لون الجسد يتغلغل في فراغ الكون
وانثر ضفائر الروائح
حيث الأموات على أشد من الجمر
للروائح هذه منذ زمان”.
يستند الشاعر هنا على عناصر متعددة في عملية البناء الفني، بدء من عنصر الرمز، ومرورا بالحكاية الحافلة بالإشارات والطلاسم، حيث تومئ تلك الإشارات والطلاسم ولا تدل وتشي بالمعنى ولا تفصح عنه.
هذا وتضمن الكتاب مقالات عديدة تناولت عدة تجارب شعرية ومنها: شجرة الشعر الحزينة، شيرين. ك، الشاعر حامد بدرخان (1924- 1996) الذي نكاد أن ننساه، قراءة في تجربة الشاعر فريد زامدار، فرياد فاضل وقصائد الغربة، كزال ابراهيم خدر شاعرة الوضوح والبساطة، ئاوات حسن أمين ومملكة ماوراء خط الاستواء، كاميران حرسان والدخول إلى وجع القصيدة، الثورة البيضاء في القصيدة الكردية، الشعرية الكردية تصنع الحياة.
الحياة اليومية في حالاتها الإنسانية: نماذج من الإبداع النسوي في كردستان سوريا، قصائد الأنفال تجسيد حقيقي للهوية الكردية، أنطولوجيا الشعر الكوردي الكرمانجي، أنطولوجيا الشعر الكوردي السوراني، نماذج من الشعر الكوردي المعاصر في الأنطولوجيات الشعرية، سيمياء الخطاب الشعري من التشكيل الى التأويل، الجزري ( 1407-1481) مؤسسا للشعر الكوردي الكلاسيكي.
هامش:
الكتاب: إشراقات كوردية.
المؤلف: لقمان محمود.
الناشر: مركز كلاويز ط1 2009.
الصفحات : 131 ق عادي.