إدمان وسائل التواصل.. يؤدى إلى تشتت المخ أو الهوس بالذات أو التقليل من شأنها

إدمان وسائل التواصل.. يؤدى إلى تشتت المخ أو الهوس بالذات أو التقليل من شأنها

 

خاص: إعداد – سماح عادل

هل من الممكن أن يكون استخدامنا لوسائل التواصل الاجتماعي مضرا لنا، وهل يمكن التعود عليها حد إدمانها.في مُحاضرة على منصة “تيد”، ألقتها خبيرة وسائل التواصل الاجتماعي “بيلي بارنيل” بعنوان “هل يُمكن لمواقع التواصل الاجتماعي أن تكون مُضرة لوظائفك العقلية؟”، تقول إننا جميعا سِلع ارتضينا وجودها في عالم التواصل الاجتماعي، حياتنا، عملنا، رحلاتنا، علاقاتنا، جميعها نُشاركها على منصات تجمع الكثير من معارفنا ومن يبعُد حتى عن دائرة معارفنا. أنت كسلعة، وجودك مُرتبط بعدد التفاعلات والإعجابات التي يُطلق عليها اسم “عملة التواصل الاجتماعي” (Social Currency). وكحال أي سلعة لا تُباع على أرفف المحال فيتم التخلص منها، فهذا هو الحال أيضا لنا، لصورنا أو منشوراتنا التي لا تحصد عددا جيدا من الإعجابات، حيث نقوم بالتخلص منها بحذفها أو إخفائها، حتى لو كنا راضين تماما عن محتوى ما شاركناه، إلا أن رأي الآخر بات هو المحدد الأهم لوجود سلعتك على منصة هي لك بالأساس!

ضغوطات وسائل التواصل..

وتواصل: “إن العديد من الدراسات التي أُجريت في الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، كندا، وغيرها، قد ربطت الاستخدام المُتزايد لمنصات التواصل الاجتماعي بالاكتئاب، والقلق. وتستعرض بدورها أهم أربعة ضغوطات تُسببها مواقع التواصل الاجتماعي:

– بَكَرة تسليط الضوء: وهو إلقاء الضوء على أهم الأحداث، وأجمل الصور، وأهم اللحظات والإنجازات. وهو ما يُسبب ضغوطات على المُتلقي الذي -لا شعوريا- يُقارن بين بَكرة الإنجازات للغير، وبين خلف الكواليس الخاصة به!

– عُملة التواصل الاجتماعي: الضغط الناجم عن ترقب آراء الناس لتحديد قيمة ما شاركته، وتدني مستويات ثقتك بنفسك بناء على تفاعل الغير. وهو ما يُسمى “اقتصاد الاهتمام” (Economy of Attention).

– الخوف من فوات الحدث F.O.M.O: وهي حالة عامة تدفع الأشخاص إلى الرغبة في أن يكونوا على اتصال دائم خوفا من فوات حدث ما لا يُشاركون فيه، وخوفا من فقدان علاقة اجتماعية.

– المُضايقات: وتصفه بيلي بأنه الأسوأ، ويُحاكي خوفنا على مساحات الأمان الخاصة بنا، فعوضا عن أن تكون تجربة التواصل اجتماعية فإنها تتحول إلى تجربة مُرعبة. مُوضحة بأن 40% من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي قد تعرضوا بالفعل لمضايقات، إزعاجات، أو حتى تحرش. وتذكر قصة المُراهق تايلور كليمينتي الذي قرر الانتحار بعد أن ضايقه زميله ونشر صورة له – بوضع خاص- على تويتر.

سلبيات..

أظهرت دراسة نشرتها مجلة فوربس أن لوسائل التواصل الاجتماعي ارتباطا بعدد من النتائج السلبية على مستخدميها، بما في ذلك الاكتئاب والغيرة وانخفاض تقدير الذات وحتى التفكير بالانتحار. وشملت الدراسة الجديدة التي أجرتها جامعتا بتسبيرغ ووست فرجينيا 1200 طالب تتراوح أعمارهم بين 18 و30 عاماً حول استخدامهم لوسائل التواصل، وما إذا كانت تجاربهم معها إيجابية أو سلبية.

كما أجاب المشاركون عن أسئلة حول أعراض الاكتئاب لديهم، وربط الفريق بين المتغيرين لتحديد كيف يمكن ربط تجارب وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة بالاكتئاب.

وقد حسب الفريق أنه مقابل كل زيادة بنسبة %10 في التفاعلات السلبية على وسائل التواصل الاجتماعي لدى شخص ما، ارتفع خطر الإصابة بالاكتئاب بشكل ملحوظ، بنسبة %20. ولكل %10 زيادة في التجربة الإيجابية، انخفض خطر الإصابة بالاكتئاب بنسبة %4، ولكن هذه العلاقة لم تكن ذات دلالة إحصائية، وقد يكون الأمر مجرد صدفة.

ولكن للصلة بين وسائل التواصل والاكتئاب دلالة، فمن الناحية الفنية لا تخبرنا الدراسة أيهما جاء أولاً، الاكتئاب أم استخدام وسائل التواصل الاجتماعي السلبية.

وقال المسئول عن الدراسة “بريان بريماك” في بيان صحافي «من المهم معرفة أن التجارب الإيجابية والسلبية ترتبط بشكل مختلف للغاية بالاكتئاب، ولكننا لا نعرف من دراستنا ما إذا كانت تفاعلات الشبكات الاجتماعية السلبية قد تسببت بالفعل في أعراض الاكتئاب، أو ما إذا كان الأفراد الأكثر عرضة للاكتئاب يبحثون عن التفاعلات السلبية عبر الإنترنت.. كما هو الحال مع العديد من الأشياء في العلوم الاجتماعية، فإن الإجابة ربما تكون مزيجاً من الاثنين، ولكن ستكون هناك حاجة لمزيد من الأبحاث لمعرفة أيهما السبب وأيهما النتيجة”.

دراسة لفترة زمنية طويلة..

في  دراسة ضمت عينة البحث 500 فرد تتراوح أعمارهم بين 13 و20 عامًا، أُجريت لهم استبيانات سنوية على مدى ثماني سنوات متتالية، وتم سؤالهم عن مقدار الوقت الذي يمضونه يوميًّا في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، كما طُرحت عليهم أسئلة لتحديد مستويات معاناتهم من الاكتئاب والقلق.

في عمر 13 عامًا، ذكر الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع أنهم يُمضون مدةً تتراوح بين 31 و60 دقيقة يوميًّا في متابعة وسائل التواصل الاجتماعي، وارتفع مقدار الوقت الذي قضاه أفراد العينة في استخدام تلك الوسائط بصورة مُطَّرِدة خلال سنوات المراهقة، بحيث بلغ مدة ساعتين أو أكثر يوميًّا.

وأشار الباحثون إلى أن معظم الأبحاث السابقة درست التأثيرات قصيرة المدى لوسائل التواصل الاجتماعي على المستخدمين، لكن الدراسة الحالية غطت فترةً ممتدة، مشددين على أنهم يعتقدون أن هذه الدراسة الطولية هي الأكبر حول وسائل التواصل الاجتماعي والصحة النفسية حتى الآن.

وأضافوا أن الهدف من الدراسة هو مساعدة المجتمع ككل على تجاوز النقاشات المتواصلة حول أهمية عامل الوقت الذي يمضيه الأفراد في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وأن يتم التركيز بصورة أكبر على السياق والمحتوى الذي تقدمه هذه الوسائل، وبمعنى آخر، قد لا يختلف مقدار الوقت الذي يقضيه المراهقون في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي عن مشاهدة المراهقين للقنوات التليفزيونية في عقد الثمانينيات، أو التحدث عبر الهواتف الأرضية لساعات متتالية، أو استخدام الكمبيوتر في عقود سابقة.

وقد أظهرت الدراسات السابقة أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يفيد المستخدمين، فمثلًا نجد أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بطرق نشطة يرتبط بتقليل أعراض الاكتئاب، علاوةً على أن التفاعل بنشاط مع محتوى الآخرين على وسائل التواصل الاجتماعي ونشره وترويجه أفضل من أن تكون مستخدمًا سلبيًّا.

تقول “سارة كوين” المشاركة في الدراسة: درسنا تأثير وسائل الإعلام على الأطفال والأُسر، وأجرينا عددا من الدراسات حول وسائل التواصل الاجتماعي. كنا نرغب في معرفة تأثير الوقت الذي يمضيه الأفراد أمام شاشات التواصل الاجتماعي على تزايُد احتمالات إصابتهم بالقلق والاكتئاب على المدى الطويل، خاصةً أن معظم الدراسات التي أُجريت حول هذا الشأن كانت قصيرة المدى.

تضيف: كانت الاستبيانات فعالةً للغاية، وقادرة على اكتشاف التغير الذي يطرأ على الفرد الذي يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي مع مرور الوقت. وطلبنا من المشاركين تثبيت بعض التطبيقات على هواتفهم، ما يتيح لنا مستقبلًا الحصول على بيانات دقيقة تمامًا عن مقدار استخدامهم لوسائل التواصل الاجتماعي في يوم معين بالتحديد. ولم تكن هذه التقنية موجودةً عندما بدأنا الدراسة منذ سنوات عديدة، لذلك نأمل نشر ما سنتوصل إليه من المعلومات والاستبيانات الجديدة خلال العام المقبل، وحتى يتم ذلك، فإننا نحتاج إلى تثقيف شبابنا حول كيفية استخدام هواتفهم ووسائل التواصل بطرق واقعية وصحية وفعالة”.

الاستخدام الأمثل..

وشدد الباحثون على ضرورة أن يكون استخدام وسائل التواصل الاجتماعي محدد الهدف، موضحين أن “البحث عن المعلومات أو التواصل مع الآخرين على وجه التحديد يمكن أن يكون له تأثيرٌ أكثر إيجابيةً من مجرد التنقل عبر صفحات وسائل التواصل الاجتماعي بسبب الرغبة في كسر الملل”.

ووجد الباحثون أنه من المهم أيضًا تقليل الوقت الذي يمضيه الفرد في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي قبل النوم مباشرةً، محذرين من أن “استخدامها قُبيل النوم يؤثر سلبًا على طبيعة النوم ومدته وجودته، خاصةً أن النوم الجيد يُعَد عاملًا وقائيًّا لحماية الشخص من اضطرابات الصحة العقلية”.

تشتت في المخ..

قال الدكتور “محمد المهدي”، استشاري الطب النفسي، إن من يتابعون أكثر من منصتين على مواقع التواصل الاجتماعي، تزيد لديهم احتمالية الإصابة بالاكتئاب، ومن يتابعون 7 منصات اجتماعية احتمال إصابتهم بالاكتئاب تصل لـ3 أضعاف باقي الناس، مشددًا على أنه يمكن أن يؤدي إلى الانتحار.

وأضاف “المهدي”، في لقاء مع أحد البرامج التليفزيونية، أن المتابعة السريعة للأخبار تسبب التشتت في المخ، ما يؤدي إلى إجهاده وضعف الذاكرة، ولذلك هناك كثير من صغار السن يشكون من ضعف الذاكرة، وأنهم ينسون سريعًا.

مؤكدا أن غالبية الصور والأخبار التي ينشرها الناس على وسائل التواصل الاجتماعي ليست صحيحة، وليس كل الناس حياتها مليئة بالنجاحات المستمرة، والواقع ليس كذلك، وكل هذا صورة مشوهة للحياة، ولكن الناس ينشرون ذلك نوعًا من المباهاة والتفاخر والتعويض عن نقص ما لديهم، ولكن المتلقي يقع ضحية لهم، ويظن أنهم أفضل منه دائمًا.

متابعا: «وهناك وجه آخر لمتابعة السوشيال ميديا، وهي أن بعض الناس دائما ينشرون أشياء سلبية وكأن العالم على شفا الانهيار، وأخبار سوداوية كثيرة، وهي تؤدي إلى نفس النتيجة وتصيب المتابعين بالإحباط».

ولفت  إلى أن من ينتظرون «اللايك والكومنت» من الآخرين يتعلقون بهذه الأمور، ولا يتحملون النقد وقد يتعرضون للتعليقات السلبية، مشيرًا إلى أن هناك حالات انتحار بسبب بعض التعليقات السلبية، لذلك فإن تأثيرها خطير جدًا.

زيادة المستخدمين..

أظهر تقرير عالمي حديث لشركة “Hootsuite” أن حالة الإنترنت حول العالم زيادة مستخدمي هذه الشبكات في جميع دول العالم إلى أكثر من 4.62 مليار مستخدم حتى بداية العام الحالي، بلغت نسبة انتشار استخدامها قياسا بعدد سكان العالم المقدر بحوالي 7.91 مليار نسمة بحوالي 58.4 %.

وفي الأردن كشف التقرير العالمي نفسه أن عدد مستخدمي جميع منصات التواصل الاجتماعي في الأردن بلغ بداية العام الحالي قرابة 7 ملايين مستخدم نشط يشكلون نسبة تصل إلى 67 % من إجمالي عدد سكان المملكة الذي يتجاوز عشرة ملايين نسمة.

وزاد ارتباط الناس أكثر بشبكات التواصل الاجتماعي خلال أزمة “كورونا” التي فرضت علينا إجراءات قاسية، مثل التباعد الجسدي والحجر المنزلي.

التأثير السلبي على النوم..

تؤثر وسائل التواصل الاجتماعي سلبًا على النوم، وتكون هذه التأثيرات بطريقتين: الكم والنوع، فتقلُّ ساعات النوم وتسوء نوعيته، ويبدو أن مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي بشكل مفرط أكثر عرضة من الأشخاص العاديين للسهر والاستيقاظ المتأخر، وصعوبة العودة للنوم بعد الاستيقاظ ليلًا.

ويشير الباحثون إلى أن قلة النوم يمكنها أن تؤثر بشكل سلبي على مزاج المراهقين، وقدرتهم على تنظيم عواطفهم والتوافق مع البالغين، ويمكن أن يدخل النوم والاكتئاب في حلقة مغلقة، أي أن قلة النوم تؤدي إلى اكتئاب والعكس صحيح.

تظهر أبحاث أخرى أن 60% من المراهقين الذين يتحققون من هواتفهم قبل النوم، يحصلون بالمتوسط على ساعة أقل من النوم من أولئك الذين لا يستخدمون هواتفهم قبل النوم، ومن المعروف أن الضوء الأزرق المنبعث من الشاشات الإلكترونية، بالإضافة إلى تصفح وسائل التواصل الاجتماعي قبل النوم تبقي العقل يقظًا ولا تسمح له بالاسترخاء.

يمكن أن تكون وسائل التواصل الاجتماعي أرضًا خصبة للسلوكيات السيئة والاضطرابات النفسية المتنوعة، وقد تشجع وسائل التواصل الاجتماعي الهوس بالذات، فلا شك أننا قد شاهدنا أشخاصًا يسعون دائمًا للحصول على “صورة شخصية” مثالية لحساباتهم، وبحسب الباحثين فإن الأشخاص الذين يستخدمون Facebook بالتحديد يحاولون الظهور بشخصية واحدة ويعدلون أنفسهم من أجل الحصول على هذه الشخصية، ويمكن أن يؤدي إخفاء الهوية الشخصية والمسافة التي توفرها وسائل التواصل الاجتماعي إلى تشجيع سلوكيات لا يمكن للأشخاص أن يقوموا بها خلال التفاعل وجهًا إلى وجه. مثل:

الكذب: في سعي الأشخاص لإظهار شخصية معينة، يكذب الناس بشكل صارخ حول حياتهم أو يشوهون الحقيقة، أو قد يتظاهر البعض بأنهم أشخاص آخرون.

التنمر: أكثر من ثلث اليافعين يتعرضون للتنمر عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

التجسس: وسائل التواصل الاجتماعي هي منصة سهلة لأعين المتطفلين، فالحفاظ على الخصوصية هو مصدر قلق متزايد، فأغلب المراهقين يعتقدون أن نشاطاتهم خاصة بهم ولا يستطيع الآخرون مراقبتها، ولكن هذا ليس صحيحًا على أي حال.

المطاردة: المطاردة الالكترونية هي عبارة عن سلوك يقوم به الأشخاص لمضايقة الآخرين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويمكن أن تتضمن التهديدات والرسائل الغامضة وذلك بهدف زرع الخوف والترهيب.

احترام الذات..

إن وسائل التواصل الاجتماعي مبنية على الروح الفردية، فلن يحصل المرء دائمًا على جواب مرضٍ لأسئلته وفي كل مرة تنخفض معنوياته يلتقط هاتفه للبحث عن سبب يدفعه للاستمرار، لكن قد ينتهي به الأمر بحلقة مغلقة من البحث المستمر عن الطمأنينة والخوف.

إن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على مفهوم احترام الذات كبير جدًا، وقد يكون هذا التأثير هو العامل السلبي الرئيسي لوسائل التواصل الاجتماعي على الصحة النفسية، ولذلك يجب علينا الانتباه عند استعمال وسائل التواصل الاجتماعي.

نعم هذه الوسائل تساعدنا بشكل كبير على التواصل مع أصدقائنا وأقاربنا الذين يعيشون بعيدين عنا، ولكن الإفراط في استخدامها قد يؤثر بشكل سلبي على مشاعرنا ويؤذي احترامنا لأنفسنا، ويجعلنا نعيش في واقع افتراضي مختلف كليًا عن الواقع الحقيقي.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة