خاص : ترجمة – محمد بناية :
عاشوا تحت خلافة “داعش” عهد العنف والتخلف، والآن يريدون النهوض مجدداً من قلب الرماد.
وكان تنظيم “داعش” الإرهابي قد سيطر في العام 2014 على مدينة الموصل بشكل كامل وأسس مدينة عجيبة، حيث قضوا تماماً على كل مظاهر المدنية وشرعوا قوانين غريبة. واستولى “شبح الحسبة” على كل شيء. فلم تسمح الشرطة الدينية حتى للأطفال بشراء الحلوى، وقطعوا رأس طفلة في السابعة بتهمة شراء الحلويات بدون مرافق. وكانت “شرطة الحسبة” تراقب الرجال والنساء ويعاقبونهم أشد العقاب على أتفه الأخطاء.
كان المشي في الشوارع مخيفاً ومرعباً كما تقول “روزبه آرش”, مراسل موقع صحيفة “الدبلوماسية” الإيرانية, وسيطر التنظيم على مدارس الموصل وحولها إلى مخازن سلاح أو موقعاً لإنتاج القنابل اليدوية، وكان التدريس فيها يلتزم مناهج “داعش”. أُخذت السيارات من أصحابها وتم تحويلها إلى آليات حربية بعد تغطيتها بدروع حديدية.
حرق مكتبة الموصل..
كما أقدم تنظيم “داعش” على حرق “مكتبة الموصل”, والتي كانت تضم مئات الآلاف من الكتب والمجلات. ويعود تاريخ جامعة الموصل إلى العام 1967 وكانت تدار في البداية بشكل تقليدي. وتم تصنيفها, حتى قبل إعلان خلافة “أبو بكر البغدادي”, ضمن الـ250 جامعة الأعلى حول مستوى العالم.
وكانت تحظى كليات الهندسة والطب بجامعة الموصل بمصداقية كبيرة. حيث ظلت تلك الجامعة تقدم الكثير من المنح البحثية في مجالات التاريخ والعلوم السياسية.
لكن “مكتبة الموصل المركزية” كانت مثار فخر للعراقيين. حيث كانت تحتوي على آلاف الكتب الإنكليزية والعربية والخرائط القديمة والوثائق التاريخية التي تعود إلى الحقبة العثمانية، والمخطوطات اليدوية ونسخ من القرآن الكريم بالخط القديم تعود إلى القرن التاسع.
وما إن استولى “داعش” على المدينة حتى أغلق المكتبة وأشعل النيران فيها, وألقى القبض على أستاذة الجامعة، واستخدم الأبنية في إنتاج نظام تعليم جديد خاص بالخلافة الإسلامية.
فرقة “عين الموصل”..
الآن وبعد استعادة الموصل يظهر يومياً جزءً جديداً من دمار المدينة. ورصدت كاميرا صحيفة “الدبلوماسية” الإيرانية, ظهور فرقة “عين الموصل”, وهم مجموعة من الأشخاص دخلوا المدينة في العام 2016, وتحديداً مع بدء اندلاع الحرب ضد “داعش”، ويسعون حالياً إلى تدشين عملية ترميم “مكتبة الموصل المركزية” عن طريق الجهود الذاتية والمساعدات الشعبية.
بعض أعضاء “عين الموصل” إما درس في جامعة الموصل أو عمل بالتدريس فيها. وحين أجرى مراسل “بازفيد نيوز” حوراً مع أحد أعضاء المجموعة, تبين أنه كان يعمل أستاذاً للتاريخ بجامعة الموصل.
وقال أستاذ التاريخ, الذي رفض الكشف عن هويته: “كانت مكتبة الجامعة كل شيء بالنسبة لنا تقريباً. كنا نقضي فيها الساعات نطالع الكتب ونتصفح المقالات والدراسات. والآن نأمل أن نتمكن من إعادة الحياة إلى المكتبة من جديد.. ولمكافحة “داعش” يجب أن نبدأ من هنا وليس بالقنابل والرصاصات”.
وبمجرد أن أطلقت “عين الموصل” الدعوة لإحياء المكتبة حتى سارعت جموع المواطنين لطلب المشاركة في عملية الترميم. ورغم القضاء تقريباً على كل الكتب لكن لا يزال هيكل المكتبة قائماً حتى الآن.
وحصلت المكتبة منذ الآن على 2000 كتاب كإهداءات شخصية, وتم إحياء نظام الاستفادة من المكتبة بشكل محدود. حتى باعة الكتب في بغداد, ممن فقدوا محلاتهم ولجأوا إلى الشوارع لبيع الكتب, سارعوا إلى تقديم المساعدة ولم يمر وقت طويل حتى تمت تهيئة المتطلبات الأولية للمكتبة. وتمكنت “عين الموصل” حتى الآن من جمع 10 آلاف كتاب ويتطلعون, بمساعدات الجماهير إلى جمع 200 ألف كتاب.
وفي سبيل ذلك أقامت “عين الموصل” مهرجاناً فنياً ساهم فيه عدد كبير من طلبة وفناني المدينة. وكان طلبة كلية موسيقى الموصل أول من سارع للمشاركة في المهرجان. حيث حضر هؤلاء الطلبة بأدواتهم وآلاتهم الموسيقية, التي كانت ممنوعة في العهد الداعشي, إلى فناء المكتبة يحدوهم الأمل في عودة المكتبة إلى مكانتها العالمية.
يقول أحد أعضاء الفرقة الموسيقية, بحسب ما نقل عنه موقع صحيفة “الدبلوماسية” الإيرانية: “لم نكن نعرف بعضنا قبلاً.. كنا في كلية واحدة لكن لم نعرف بعضنا يوماً. وقد جئنا إلى هنا من أجل الموصل ونأمل أن نستطيع بهذا العمل الحصول على بعض الكتب للمكتبة”. في السياق ذاته كان مصوري الموصل يستعدون لإقامة معرضاً مصوراً في فناء المكتبة. وتدور معظم الصور عن أوضاع الموصل في عهود “داعش”، والحرية وكذلك مشكلات الناس والحياة. عرضوا صورهم للبيع على أن يتم تحويل عوائد المعرض لصالح المكتبة.
يقول أحد المصورين: “نحن لا نعتبر هذه الصور المريرة شيئاً ضرورياً نحن نريد بدلاً منها الحرية وإعادة بناء الموصل من جديد”. وتأمل “عين الموصل” أن تنتهي عملية ترميم المكتبة في العام 2018, حتى يتغير اسم “أرض الضياع” إلى “الجنة المفقودة”.