خاص: إعداد- سماح عادل
“إحسان كمال” كاتبة قصص قصيرة وروائية مصرية.
حياتها..
ولدت بالعسيرات مركز جرجا في 13 ديسمبر 1934، كان والدها أحد أبرز رجال البوليس المصري، وكان يشغل وظيفة “مأمور بالوجه القبلي”، بعدما درس القانون في السوربون بفرنسا، وما عرف به من الحزم والجدية والثقافة الواسعة، والقدرة الفائقة على الإدارة والضبط والربط. حصلت على دبلوم في 1951 من مدرسة الفنون التطريزية. نشرت أول أعمالها “جاء الشتاء” بمجلة الإذاعة في 1958. كانت عضوة مؤسسة لجمعية الكاتبات المصريات وعضوة جمعية الأدباء ونادي القصة ونائب لرئيس الصالون النسائي الأدبي. ترجمت بعض أعمالها للغات عالمية.
ووسط أسرة تكونت من إحسان، وأشقائها: عيشة، ومحمد، الذي استشهد بحرب الاستنزاف التي أعقبت نكسة عام 1967، والعبقري علم الدين الحاصل على الدكتوراة في علم الحشرات (C.5 . D) الذي توفي في ريعان شبابه (44 عاماً)، وما زال اسمه يزين مدرج علم الحشرات بكلية العلوم بجامعة القاهرة، حيث يشهد له أساتذته وزملاؤه أنه قد تفوق في تخصصه على أستاذه العالم الشهير حامد جوهر، عميد معهد علوم البحار، وصاحب البرنامج التلفزيوني العلمي التاريخي “عالم البحار”..
بين هذه الأسرة، وبين زوجها سعد السيد عبدالوهاب، موجه التربية الرياضية ومدرس التربية البدنية بالكلية الفنية العسكرية، ومؤسس قسم التربية الرياضية بالكلية، عاشت إحسان كمال بين حزم وعلم الوالد، وعبقرية الأخ الشقيق، وحيوية وبطولة الزوج، وتقاليد وأعراق الصعيد الجواني، التي ظل أدبها يفوح به ظاهراً وباطناً، في القيم المتضمنة، والشخصيات والمواقف، والأجواء النفسية، والأحداث، والروايات والقصص التي تجاوزت 250 قصة، فلم تفلت عبارة واحدة من قلم إحسان كمال من تحت عين الرقابة الذاتية، على قاعدة “حارس البوابة” التي يعرفها كل دارسي الإعلام.
مؤلفاتها..
صدر لها أكثر من 200 قصة قصيرة وعدة مجموعات قصصية. منهم:
– “سجن الملكة” عام 1965 عن سلسلة الكتاب الماسي.
– “سطر مغلوط” عن هيئة الكتاب عام 1971.
– “أحلام العمر كله” عن روايات الهلال 1976.
– “الحب أبداً لا يموت” عن روايات الهلال.
– “أقوى حب” عن كتاب اليوم 1982م.
– “لحن من السماء” عن هيئة الكتاب 1978.
– “ممنوع دخول الزوجات” عن كتاب اليوم 1988.
– “ضيفة الفجر” عن هيئة الكتاب 1992.
– “قبل الحب أحياناً” عن دار قباء.
كما أفادت ابنتها الصحفية (عزة سعد) أن لديها عدة مجموعات قصصية لم تنشر.
الجوائز..
حصلت على:
- جائزة نادي القصة.
- وسام المجلس الأعلى للفنون والآداب.
- جائزة إحسان عبد القدوس للقصة القصيرة.
- جائزة نجيب محفوظ.
- جائزة محمود تيمور.
الكتابة..
“إحسان كمال” واحدة من أبرع من كتبن القصة القصيرة الإنسانية في جيلها، وهو ما لفت إليها أساتذة النقد فتناولوها في دراساتهم وكتبهم وأطروحاتهم الأكاديمية، بل وكتبوا مقدمات بديعة لمجموعاتها القصصية، ومنهم على سبيل المثال: “عبد القادر القط، ونبيلة إبراهيم، ونهاد صليحة، ومحمود الحسيني، وعبدالحميد إبراهيم، وسوسن ناجي، فضلًا عن الأديب يوسف الشاروني الذي أرَّخ لها ونشر مختارات من قصصها في كتابه “الليلة الثانية بعد الألف”.
كما أنها من الطليعة التي أسهمت في وضع اللبنات الأولى في اتحاد كتاب مصر، وكانت عضوة بمجلس إدارته، كما أسهمت مع زميلاتها في تأسيس جمعية الكاتبات المصريات. تُرجِمَت أعمالها إلى عدد كبير من اللغات الحية في العالم، وتبقى أهم ترجمة كانت تعتز بها هي التي أنجزتها المستعربة الروسية الكبيرة “فاليريا كربتشينكو”.
كانت تُصَرِّح دائما بأنها تكتب الأدب الإنساني لا الأدب النسوي، حتى ولو كانت المرأة هي بطلة أغلب قصصها، لكن الرجل، أيضا، يظل حاضرا بمعاناته الإنسانية ووجعه الحياتي في أعمال قصصية وتليفزيونية كثيرة لها مثل: “رجل اسمه عباس”، “حل يرضي جميع الأطراف”، “من القدم إلى الرأس”، و”مربعات السعادة”.
النقاد..
أطلق بعض النقاد على أدب “إحسان كمال” مقولة: “إنه الأدب الخارج من بين أنياب الأسد”، في إشارة إلى قصتها الماتعة “من بين أنياب الأسد” المنشورة ضمن مجموعة “خيط لا ينقطع” الصادرة عن الهيئة المصرية العامة الكتاب عام 2012، التي تعالج فيها جشع الحارس عويس حارس عرين الأسد بحديقة الحيوان الذي دفعه جشعه إلى التحايل على عمله الأخلاقي النبيل، بعمل لا أخلاقي بالمرة، حيث كان يتحصل على رشوة مقدارها جنيه واحد عن كل طفل يسمح له عويس بتقديم الطعام للأسد، من يده مباشرة لفم الأسد، حتى جمع من ذلك 300 جنيه مصري، كانت بالتمام والكمال مرصودة لتحقيق رغبة عويس في شراء دراجة بخارية، إلى أن وقعت الواقعة والتهم الأسد الطعام المقدم له من أيدي الأطفال مع قطعة من يد الطفل البريء، فكان ما كان، ودخل عويس تحت طائلة القانون خلف القضبان، وكانت الثلاثمائة جنيه بالتمام والكمال هي حكم وكيل النائب العام بكفالة وليدخل عويس إلى قفصه الحديدي المحكم، المماثل لقفص الأسد الذي استباح عويس حرمته وحماه، كما انتهك حرمة الطفولة وبراءتها، لقاء تلك الجنيهات الدنيئة التي ابتزها من أيدي الأطفال الأبرياء.
كما كانوا يطلقون على إحسان كمال “ضيفة الفجر” في إشارة إلى مجموعتها التي تحمل نفس الاسم، الصادرة عام 1992 التي تمثل واحدة من أرقى مجموعات القصص الإنساني، التي كانت “إحسان كمال” تسبح فيها بمهارة واقتدار، قائلة: أنا لا أميل إلى ما يسمى “أدب نسائي” و”أدب رجالي”، فما أبدعه من روايات وقصص، وإن كانت المرأة هي العنصر الأبرز في مادته الأدبية من كل الزوايا، إلا أن الرجل هو العنصر المكمل للصورة، أياً كانت درجته أو دوره، فإن كفاً واحدة لا تصفق، وعصفوراً واحداً لا يصنع ربيعاً أبداً.. وقبل هذه “الضدية” أو “الندية” لا تصنع أدباً سوياً؛ لأن إرادة التحدي، وتعمد المخالفة غالباً ما يكون صادراً عن عقد، وشعور بالتدني أو القصور أو العجز، أما الصورة المثلى للأدب المعالج لحياة المرأة، فهو الأدب الذي يقدمها في صورتها المتكاملة أسرياً ومجتمعياً، وكما خلقها الله تعالى، وخلق منها زوجها.
الأسرة..
وكانت “إحسان كمال” شديدة المهارة في التقاط حبات عقد قصصها، والإمساك بأطراف خيوط حكاياتها، من النماذج المحيطة بها عائلياً، واجتماعياً، ومهنياً، ومحلياً، وعالمياً، حيث كانت تعتبر الأسرة هي مستهدفها الأول، باعتبارها الكيان المقدس، والمؤسسة التي تتصارع من حولها كل مؤامرات الاختراق والخلخلة والتفكيك.
وعلى سبيل المثال، هناك قصة “خيط لا ينقطع”، التي حملت اسمها نفس المجموعة الصادرة عن اتحاد كتاب مصر، والهيئة المصرية العامة للكتاب عام 2012، وهي آخر المجموعات الصادرة لها التي أكدت من خلالها فنياً أن كل الخيوط يمكن أن تتقطع إلا الخيط بين الأم وابنها، وهما مادة حياة الأسرة، في ظل الرعاية الوالدية، قلبياً وروحياً، ومادياً ومعنوياً، التي أكدتها ابنتها الزميلة عزة أنها قد عالجت موقفاً فعلياً بينها وبين ابنها طارق، وإن كانت القصة تحمل اسم “ممدوح” الابن، والأم “عطيات”.
وتجدر الإشارة إلى أن “إحسان كمال” قد صدرت لها مجموعة “آدم لن يطرد من الجنة مرتين” عن دار نشر فرنسية عام 1992، كما ترجمت لها أكثر من 15 قصة إلى الإنجليزية والروسية والسويدية والصينية والهولندية، كما حولت العشرات من أعمالها إلى مسلسلات وأفلام وسهرات تلفزيونية مثل مسلسل “فستان الفرح”، وأفلام “رجل اسمه عباس”، و”حل يرضي جميع الأطراف”، و”من القدم إلى الرأس”، و”مربعات السعادة”.. وغيرها.
قضايا المرأة..
وعلى الرغم من أنها كانت غارقة في القصص الاجتماعي، بما يحفل به من عواطف ووجدان، فإنها قد ذهبت في معالجة شؤون المرأة إلى الحد الأقصى، الذي لم يصدر فيه عنها عبارة واحدة خادشة للحياء، أو متجاوزة أخلاقياً، أو عابرة للتقاليد والأعراف، وقد حاول بعض العلمانيين غمزها في هذا الجانب قائلين: إن أدب إحسان كمال ليس به أي مشوقات أو مشاهد حارة للحب والعاطفة، التي هي أهم سمات أدب المرأة!
فأجابت: أي من يعمدون إلى وضع هذه المواد الحريفة إلى أدبهم عن النساء، لا يملكون المواهب الكافية لإنتاج أدب جيد، ومن ثم فإنهم يلجؤون إلى هذه التوابل والمواد الحارة الفاتحة للشهية عن سوء قصد، لعلها تكون “مقبلات” لهذا الأدب المكشوف.
وكان “يحيى حقي”، أمير القصة القصيرة، يعتبر “إحسان كمال” أبرز تلميذاته، وعلى الرغم من رمزيته وصحته وسنه المتقدم، فإنه كان يذهب إلى أي ندوة تذهب إليها تقديراً ودعماً واعتزازاً.
وهكذا كانت “إحسان كمال” نموذجاً للأدب الاجتماعي الفني الجميل، ومن ثم تمتعت باحترام وتقدير الجميع، منذ أن كانت عضواً تأسيساً باتحاد كتَّاب مصر إلى عضويتها بمعظم الجمعيات والهيئات الأدبية والثقافية إلى عضويتها لمجلس إدارة اتحاد الكتاب لعدة دورات متتالية.
وفاتها..
توفت “إحسان كمال” عن عمر يناهز 88 عاما، وقد نعاها الكاتب الصحفى “مصطفى عبد الله” كاتبا: “أنعي للكاتبات العربيات، وللكُتَّاب والنقاد وللمشتغلين بصناعة الدراما التليفزيونية في مصر رحيل كاتبة القصة القصيرة الرائدة الأستاذة “إحسان كمال” صاحبة أنجح أفلام التليفزيون في زمن ازدهار “قطاع الإنتاج”، والحائزة على العديد من الجوائز والتكريمات الأدبية، وآخرها احتفاء وزيرة الثقافة “الدكتورة إيناس عبد الدايم” بها في المجلس الأعلى للثقافة في “احتفالية المبدعات المصريات الرائدات” حيث أهدتها درع المجلس قبل عدة أعوام”. وأضاف: “أسرتها رأت أن تؤجل إذاعة خبر وفاتها أيامًا حتى لا يتفاجأ ابنها “طارق” في إيطاليا، أو ابنتي “بسمة”، التي هي حفيدتها، في غربتهما بهذا الخبر المؤلم”.