خاص: إعداد- سماح عادل
“إبراهيم القباني” مطرب وملحن مصري من رواد القرن التاسع عشر وعصر النهضة (1852 ـ 1927)، اسمه بالكامل: “إبراهيم محمد حسين الوكيل”، لحن وعزف وغنى الكثير وغنى المطربين من أعماله الكثير.
منذ طفولته تمتع بصوت جميل، فعهد إليه ناظر المدرسة التي كان يتعلم فيها بتقديم الأناشيد بصوته أمام التلاميذ. كما كان يؤدي الآذان أوقات الصلاة، وحفظ كثيراً من الموشحات والأدوار وبعد نيله شهادة الدراسة الابتدائية عمل موظفاً في المالية. وفي الوقت ذاته كان يشبع هوايته الموسيقية، فتعلم العزف بآلة العود، والمقامات الموسيقية والأوزان والإيقاعات. وبعد أن اكتملت معارفه الموسيقية، استقال من وظيفته ليتفرّغ للغناء والتلحين.
بدأ “إبراهيم القباني” مسيرته الفنية مطرباً يغني في الليالي والأفراح، واضطر إلى أن يهجر بيت والده بسبب معارضته الشديدة له في السير على طريق الفن، فأخذ يتنقل من بلدة إلى بلدة في مصر حتى انتهى به المطاف في مدينة الزقازيق، حيث كوَّن لنفسه تختاً موسيقياً وراح يغني في المقاهي. وفي عام 1875 عاد إلى القاهرة بعد وفاة والده، والتقى فيها شيخ الملحنين في مصر “محمد عبد الرحيم المسلوب”, وأخذ عنه المزيد من المعارف الموسيقية، ولاسيما في تلحين الدور.
اختص “إبراهيم القباني” بتلحين الأدوار. وفي بداية حياته الفنية قام بإعادة تلحين أدوار “محمد عثمان”، مثل دور “قدك أمير الأغصان” الذي لحنه “محمد عثمان” من مقام البيات، وأعاد “القباني” تلحينه على مقام “البوسليك”، وحوّل دور “أنا يا بدر لم أنظر مثلك” من “الراست” إلى “الجهار كاه”. بعد ذلك بدأ يلحن أدواراً خاصة به، فانتزع بأدواره إعجاب أهل الفن، وكان “سيد درويش” من أشد المعجبين بألحانه، فأنشد في بداياته عدداً من أدواره.
ألحان نادرة..
استخدم “إبراهيم القباني” في ألحان أدواره مقامات نادرة في تلحين الدور بمصر، مثل مقام “السازكار” الذي لحن عليه دور “الفؤاد مخلوق لحبك”، ومقام “البستنه كار” الذي لحن عليه دور “قلت له والنبي ترحم”. كما استخدم إيقاعات تختلف عن الإيقاعات السائدة في الدور المصري، إذ كان “المصمودي” هو الإيقاع السائد في تلحين الأدوار، أما “القباني” فقد استخدم إيقاعي “الدارج”، و”سماعي أقصاق”.
ومن الأدوار التي لحنها “إبراهيم القباني” وقام بغناء كثير منها: «العشق كله نواح»، و«الفؤاد مخلوق لحبك»، و«فؤادي أعمل له إيه»، و«قلت له والنبي ارحم»، و«من قبل ما أهوى الجمال»، و«يا قلبي مالك صبحت تشكي»، و«يا قمري داري العيون». وغنى أدواره كبار المطربين والمطربات في مصر مثل “سيد الصفتي”، و”زكي مراد”، و”يوسف المنيلاوي”، و”آمال حسين”. وإضافة إلى تلحين الأدوار، برع “إبراهيم القباني” في العزف بآلة العود، فكان من أمهر العازفين. وتعلم عزف العود على يديه كثيرون من أهل الفن منهم “أم كلثوم” و”نادرة الشامية”.
في موقع “مؤسسة التوثيق والبحث في الموسيقى العربية”: برنامج “من التاريخ” إعداد “مصطفى سعيد” يتناول “إبراهيم القباني”: “نستضيف اليوم الأستاذ الدكتور فريديريك لغرونج الذي سيحدثنا عن إبراهيم القباني.. المعلومات التي تخص القباني هي معلومات شحيحة للغاية، كل ما نعلمه عن حياة هذا الملحن الفذ جاءنا من خلال السيرة التي ألفها ابنه، والتي طبعها سنة 1977، وبعض المعلومات الإضافية التي أتى بها توفيق زكي في كتابه المنشور سنة 1990. غير ذلك ما نعرفه عنه نستطيع أن نستخرجه أو نستدل به من تسجيلاته، التسجيلات إما تكون بصوت إبراهيم القباني أو بصوت المطربين الكثيرين اللذين تغنوا بألحانه. فيبدو أنه ولد حوالي سنة 1852، يقال حسب هذه المصادر أنه ولد في “دمنهور” في عائلة متديِّنة، والده كان صارما ويكاد يكون متزمِّتا، وبعد هذه الولادة في “دمنهور” استقرت العائلة بعد ذلك في القاهرة، والقباني تتلمذ في شبابه لدى “الصهبجية” في الأحياء الشعبية، وفي نفس الوقت يقال أنه كان يحضر حفلات كبار أساطين المدرسة الخديوية، معنى ذلك محمد عثمان وعبد الحامولي، والمعلومة الغريبة إلى حد ما أنه لم يتتلمذ في البداية لدى المطربين أو لدى عازفي العود أو القانون بل الرقاقة، يعني من علمه الكار/الشغل هو عازف الرق، وكان يذهب إلى الرقاقين في مختلف تخوت هذه الفترة لكي يتعلم الأوزان”.
ملحن أكثر من مطرب..
ويضيف: “هم يقولون أنه بدأ بالأوزان وبعد ذلك انتقل إلى العود، إن كان فعلا تخصص في الأوزان أولا فلماذا لم يلحن الموشحات؟ وثانيا لماذا لا نستشعر المزيد من الانتقالات الإيقاعية في أدواره؟ هناك بعض الانتقالات في أدواره الأخيرة مثل “الفؤاد مخلوق لحبك” على سبيل المثال، لكن غير ذلك أدواره تكاد تكون على وتيرة إيقاعية واحدة أليس كذلك؟ نعم إذا استثنينا من ذلك دور الأقصاق ودور “الفؤاد مخلوق لحبك” حسنا نعم، لكن لا أعرف أنا لدي إحساس أنه تتلمذ بشكل أو بآخر على يد محمد عثمان.. عندما انتقل إلى القاهرة، ولكن يبدو حسب المصادر التي ذكرتها أنه تبعا لمعارضة والده استقر لوحده في “بنها”، حيث صار تلميذا للشيخ سليم رزق وتزوج ابنته، ثم طاف مختلف مدن الدلتا كالزقازيق، ويبدو أنه كان يغنى سنة 1875 في قهوة الخواجة جورجي في الزقازيق، يعني أنه بدأ حياته يغني في المقاهي الشعبية. ثم جرب حظه في تلحين الأدوار، غالبا الأدوار منذ البداية مما يؤكد فكرة أنه لا بد من أن يكون تتلمذ إما لدى محمد عثمان إما على يد عبده الحامولي، ثم عاد إلى القاهرة بعد وفاة والده وصار ملحنا مرموقا ومطربا في نفس الوقت، فعلا هو صوته جميل وأداءه ممتاز، عندما مثلا نقارن تسجيلات داوود حسني بتسجيلات إبراهيم القباني أشعر بأن صوته مطرب أكثر، صوته شجي يهز المستمع..هو مطرب لديه إمكانيات صوتية وتحليات/زخارف أعتقد نعم أكثر من داوود حسني، ويبدو أنه فعلا امتهن الغناء أكثر مما داوود حسني امتهن الغناء، بمعنى أنه كما يقول سامي الشوا في مذكراته أنه أول ما بدأ العزف بدا في تخت إبراهيم القباني، وإبراهيم القباني هو الذي كان يغني في قهوة في الأزبكية.عبارة تخت إبراهيم القباني فعلا تدل بشكل قاطع أنه كان يعتبر مطرب في الدرجة الأولى، وربما كان يُنظر إليه على أنه ملحن في الدرجة الثانية في البداية، ثم تحول إلى ملحن أكثر منه مطرب”.
ويواصل: “إذا سمعنا التسجيلات الأولى التي سجلها، أول حملة تسجيلات سنة 1903 في الشرق الأوسط، الصوتان المعروفين اللذين سجلا في حملة 1903 هما سيد السفطي وإبراهيم القباني، في سنة 1903 سجل “يعيش ويعشق قلبي”، دور الصبا الجميل الذي سجله أيضا الشيخ يوسف المنيلاوي على أسطوانة “سمع الملوك”، “والدلال مودة”.. اتصل إبراهيم القباني ببيت عبد الرحيم المسلوب وتزوج ابنته، ويبدو أنه في السنوات الأولى للقرن العشرين بعد وفاة عبده الحامولي ومحمد عثمان وبعد أن توقف المسلوب عن الإنتاج الموسيقي، الثنائي إبراهيم القباني وداوود حسني أصبحا أهم مؤلفَين في مجال الموسيقى الفصحى إذا جاز التعبير. كان القباني من عواميد معهد للموسيقى الشرقية، ويبدو أنه منذ سنة 1920 عندما تأسست نقابة الموسيقيين صار هو نقيب الموسيقيين، طبعا سنة 1920 هي فترة بداية نضوب خياله الفني لأن آخر التلاحين التي قام بها هي بعد الحرب العالمية الأولى مباشرة، الأعمال الأخيرة التي لحنها في الترتيب الزمني هي مثلا: “الفؤاد مخلوق لحبك”، هو تسجيل سنة 1915 بصوت زكي مراد، لنقل أنه مثلا فكر في هذا اللحن ابتداء من سنة 1914، ثم تسجيلات سنة 1919 أيضا بصوت زكي مراد، وهناك لحن جميل وهو “يا قمر داري العيون” دور “النواأثر”، ولكن خلاف هذين اللحنين لا أظن أن هناك أي شئ لحنه القباني بعد سنة 1919 أو بعد سنة 1920، وإن كان هناك لا أدري من سجلها”.
وعن إنتاجه أي القوالب الموسيقية التي لحنها يوضح البرنامج: “الشيء الذي يمكن أن نلاحظه هو أنه مقل في كل القوالب الموسيقية ما عدا الدور، طبعا الموال لا يعتبر لحن، فالموال مرتجل، فقد سجل موالين هما “بكل مرسوم أمرني الحب ونهاني”، والموال السياسي لمصطفى كامل باشا، مصطفى كامل باشا توفي سنة 1908، فغالبا أن يكون قد غناه سنة 9/1908 على الأكثر، ولكن هذه أساسا قوالب غير ملحنة، هي قوالب ارتجالية في المرتبة الأولى، وهناك هذه القصيدة الغامضة التي أشرنا إليها، وبعد ذلك كل ما لحنه أدوار، مقارنة بداوود حسني الذي جرب حظه تقريبا في كل القوالب الملحنة، الألحان المسرحية والطقاطيق والدور والمونولوج وخلاف ذلك، إبراهيم القباني وهو معروف عنه أنه فعلا منافس داود حسني الأول إنتاجه كله أدوار، ويا لها من أدوار! سامي الشوا يقول بأنه كان ملما بألحان الموشحات وأنه كان يغنيها، وأنه هو بنفسه قام بتحفيظه العديد من البشارف والأعمال الآلية، فيبدو أنه كان ملما بها، مع أنه مقل جدا في عزفه على العود، وليس له سوى تقسيمة واحد خلال عمل ليس أكثر من ذلك، ولكن يبدو أنه كان ملما بهذه الأحوال، لماذا لم يسجلها أو يلحن فيها لا نعلم”.
وعن المقامات النادرة يبين: “موضوع المقامات النادرة أو المقامات غير المتطرق إليها، أو المقامات التي قيل عنها تركية الوحي أي عثمانية أكثر منها عربية. يبدو أنه في بداية القرن العشرين أو السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر حصلت منافسة في استخدام هذه المقامات التي لم يلحن عليها دور بأكمله عبده الحامولي ومحمد عثمان. جاء داوود حسني وإبراهيم القباني يجربان حظهما في هذه المقامات، وكان كل واحد منهما يقدم لحنا ويجب على الثاني أن يرد عليه بلحن آخر، مثال ذلك دوري “البستناكار”، القباني لحن “قلت له والنبي ترحم” مقام “بستنكار”، مرة أخرى كل واحد منهما جرب حظه في دور “حجاز كار كرد”، “الحجاز كار كرد” عند إبراهيم القباني فهو فعلا “حجاز كار كرد”، والأغرب من ذلك أنه صنع صنيعة نسيبه محمد عبد الرحيم المسلوب ولحن دوراً في الأقصاق”. في استخدام “الأقصاق”، استخدام إيقاع غير “المصمودي” في دور “أنا فؤادي يوم عشق””.
وفاته..
توفى “إبراهيم القباني” حوالي عام 1927.