17 أكتوبر، 2024 4:16 م
Search
Close this search box.

“أيمن ناصر”: كانت الرواية بالنسبة له بوح وسكينة

“أيمن ناصر”: كانت الرواية بالنسبة له بوح وسكينة

خاص: إعداد- سماح عادل

“أيمن ناصر” كاتب وروائي وفنان تشكيلي سوري.

حياته..

ولد في مدينة الرقة 1958، وانتسب إلى نقابة الفنون الجميلة في سورية 1981، شغل منصب رئيس مجلس فرع اتحاد الفنانين التشكيليين في “الرقة”. بدأ بتدريس مادة النحت في معهد إعداد المدرسين منذ عام 1992 حتى 2005، كما درَّس في مركز الفنون التشكيلية منذ عام 1978 حتى 2003. وشارك في العديد من المعارض الفنية الفردية والجماعية، وله منحوتات عدة، صدر له “اللحاف” رواية، “روجين” رواية، “رهان الغيم” مجموعة قصصية.

قنديل..

في مقالة بعنوان (أيمن ناصر .. انطفأ قنديل آخر) كتب “فراس م حسن”: “رحل الفنان التشكيلي والنحات والروائي الفراتي أيمن ناصر إثر صراع مع المرض في مدينة أورفا التركية حيث يقيم منذ سنوات، ونعى فنانون وأدباء ومثقفون وأصدقاء وأقارب الفقيد الذي أحدث رحيله صدمة في أوساطهم.

رغم إعلان وفاته اليوم إلا أن أيمن ناصر لم يمت اليوم، بل مات قبل عقد حين رأى تمثال هارون الرشيد الذي نحته، ونُصب في حديقة الرشيد وسط مدينة الرَّقَّة وقد أطاحت به مطرقة جاهل يعتقد أن الناس يمكن أن يعبدوا صنماً في هذا الزمن.

مات حين دخل شذاذ الآفاق مرسمه ومحترفه ومزقوا لوحاته وحطموا منحوتاته، ولم يتركوا من ألوانه سوى الأسود، طمسوا به معالم مدينة كاملة. مات حين أُطيح بمكتبته، ومُزقت كتبه وأُحرقت، كان يرى هولاكو في وجوه كثيرة حوله، فمات فيه الموت واستباح جسده بعد أن نخر روحه الجميلة.

مات أيمن ناصر حين اضطر أن يغادر مدينة الرَّقَّة حاملاً “لحافــه” فقط وقبلته الشمال في موسم هجرة ظنَّ أنه سيكون قصيراً ولابدَّ من عودة، إلا أنَّ لحافه تمزق وصُيّرَ رايات عديدة، وهو ينتظر في الأفق عودة لم تكن وإن في كفن. مات حين اُعتقل نجله في تركيا وقضى سنوات في السجن ظلماً، وقد كانت فرحته كبيرة بعد الإفراج عنه قبل بضعة أشهر، وكانت تلك فرحته الأخيرة قبل أن ينطفئ القنديل”.

ويضيف: “لقد عرفت أيمن ناصر لأول مرَّة حين صدرت روايته “اللحاف” وما أثير من جدل حولها حينها في الرَّقَّة، لم أكن قد عرفته عن قرب حينها، إلا أنَّ الأمر اختلف قبل خراب الرَّقَّة الأخير ببضع سنوات إذ تعمقت معرفتنا، وقد أهداني نسخة من الرواية، كان في تلك المرحلة منشغلاً بكتابة روايته الثانية “روجين”، وقد كان هو من أطلق علي لقب “الصحفي المشاكس”، وكان يُظهر إعجابه بتلك المشاكسة وهو يبتسم، ابتسامته الجميلة التي لا تفارق وجهه”.

الفن..

وفي حوار أجراه معه “يوسف دعيس”  قدمه قائلا: “”أيمن ناصر” من الفنانين الذين تركوا بصمة في عالم الفن التشكيلي، ليس على مستوى “الرقة” فحسب، بل تعدت شهرته المكان الذي ينتمي إليه، فسجل حضوراً متميزاً على مساحة المشهد التشكيلي السوري، اشتغل في جميع صنوف الفن التشكيلي، لكنه اختص بالنحت فأبدع، وانتشرت التماثيل التي قام بنحتها في أماكن عديدة من القطر.

لم يكتفِ “أيمن ناصر” باللون وبمداعبة الطين، بل تجاوزت طموحاته الحدود التي رسمها لنفسه ضمن المشهد التشكيلي السوري، فانزاح إلى الكتابة، لا لأنه وجد نفسه فيها، بل بشعور العارف والمكتشف، الذي لا يؤطره مكان بعينه، إنه بالكلمة يريد أن ينتصر للإنسان، وكما للوحة أو العمل الفني الإبداعي رسالة، فالأدب رسالته أعم وأشمل، وربما قادرة أن تفعل الكثير، في زمن “أفول القارئ” و”انحسار” متذوقي الفن”.

يقول “أيمن ناصر” في ثنايا الحوار عن الفن والكتابة: “أظنني أجد نفسي في كل ذلك!!. فأنا حين أعجز عن التعبير في لغة التشكيل، ألجأ إلى لغة الأدب، وبعد أن أتعبني النحت والتدريس لأكثر من ربع قرن، وجدت أن أرتاح في كنف الكتابة، فكانت الرواية، ففيها أتمدد في بوحي، وأشعر باسترخاء مع أحزاني وهواجسي، رغم القلق الذي ينتابني وأنا أكوِّن الشخصيات، وأعيش الزمان والمكان لكل منها، وأتقمص حالاتها النفسية، من ألم وحزن وفرح وانتظار، إلا أن هناك متعة خفية لا يمكن وصفها عبر كل هذا الخلق الأدبي المرهِق، وهذا ما لمسته حقيقة خلال ربع قرن في الرسم والنحت، لكنه كان متميزاً ولأكثر من عامين متواليين في روايتي «اللحاف» التي أنهيتها في “حزيران/2007″”.

المبدع..

وعن كيف يستطيع المبدع أن يكون فاعلاً في الحياة يواصل “أيمن ناصر”: “بالتأكيد يستطيع المبدع أن يكون فاعلاً في الحياة، ما دام مثقفاً ومدركاً لما يجري حوله، فالمبدع قادر على التأثر والتأثير، ولن تعجزه الوسيلة في اللحن والكلمة، أو النحت واللون أو الحوار والإيماء، فهو في النهاية “صاحب رسالة” وعليه أن يدافع عنها رغم ما يعتريه من عجز، وما يعترضه من صعوبات وحسد، فمنذ بدء الخليقة وإلى يومنا هذا، تُبنى الحضارات على أكتاف المبدعين من مهندسين وفنانين وأدباء، بينما يحصد “المتنفذون والمتسلقون” الثمار!!. وهذا ما يجعل جسد المجتمع في جفاف دائم، ومع ذلك أنا لست معك أن اللوحة توارت والكلمة غابت، هما موجودتان منذ أن خطّ الإنسان الأول في الكهوف أول رسم وأول حرف”.

“اللحاف”..

كتب “فرحان مطر” عن روايته “اللحاف”: “”اللحاف” رواية الفنان “أيمن ناصر”، هي شهادة جديدة على علامة مضيئة أشعلها “أيمن الناصر” بعد تجربة في عالم الفن التشكيلي والنحت والتعليم والغربة ومواجهة متاعب الحياة التي قذفت به إلى أماكن قصية في هذا الوطن العربي الكبير لكي يلتقي بهذه الشخصية الأفريقية الفذة «سيد» التي لم ينقصها إلا أن تقوم بزيارتنا ومحاورتنا لدرجة إتقان صنعها وشدة حيويتها، وعمقها، علماً أنها بنت أفكار الكاتب ومن نسج خياله الثر من مبتداها إلى المنتهى.

رواية “اللحاف” هي أيضاً شهادة حب ووفاء للمدينة التي أنجبت الكاتب الفنان حتى إن انحيازه لها كان جلياً في أكثر التداعيات التي تضمنتها الرواية، وهذا الحب الصادق للرقة مدينة الكاتب لم يمنع بعض زفرات الألم الناجمة عن الغيرة والخوف على المدينة من التجاهل والنسيان الذي عرفته المدينة، فكانت تلك الزفرات أشبه بصرخة الألم والاحتجاج الحارقة، وهو ما أثار زوبعة عابرة لدى بعض من أخطأ القراءة عن قصد أو غير قصد”.

رهان الغيم..

في مقالة بعنوان (رؤيةٌ نقديةٌ للمجموعة القصصية (رهان الغيم) ل أيمن ناصر) كتبت “براءة خضور رويلي – سيريا مونيتور”: “المجموعة القصصية “رهان الغيم” هي مجموعة قصصية في مئةٍ وثمانين صفحة تحتوي على اثنتي عشرة قصة قصيرة. سمات هذه القصص:

1: الوفاء للبيئة الفراتية التي ينتمي لها فالفرات وأهله دائماً حاضرون وهذا ما يسمى في النقد جغرافية إنسانية نفسية

2: الجرأة في السرد: وكسر بعض قيود المجتمع الشرقي بما يتعلق بنظرته نحو المرأة والدين والمجتمع، فهو بأجزاء من كتابته دائماً يرفض المجتمع وهذا الرفض ليس ضدية هدم أو شر يحمله نحو المجتمع بل هي ضدية للكشف فهو يسلط الضوء على بعض السلبيات في المجتمع لتنبيه القارئ والثورة عليها، ولا يكتفي بذلك بل يقدم صورة حياة موازية بديلة عنها وصل لها بقناعته بعد أن تخطى الستين، ويتمنى لو أنه عاش العمر من أوله فسلك هذه الحياة الموازية وترك خلفه حياة الموروثات القديمة.

3: التكتيكية في السرد: فنحن لو قمنا بقراءة تحليلية للقصص سنجد أنها متشابهة من حيث الأسلوب اللفظي بجزالته ومرونته في آن معا، رشاقته وصلابته جماله المفردات وقبحها، وهذه التناقضات هي التي جعلت المجموعة متفردة متميزة، فالكاتب متمرس لدرجة يعرف أين يجب أن يعلو في اللفظ وأين يهبط، وأين يشعل خيال القارئ بهوس التحليل والاستنتاج، وأين يهبه الحدث مكشوفاً.

4: الإيجاز في الألفاظ والعمق في الصورة، ويبدو لقارئ القصة أنه أمام حالة سينمائية مدهشة وهنا تكمن العبقرية. فالمشهد في السينما يحتاج كي ينجز إلى ديكور وإضاءة وفنانين درجة أولى وكومبارس وموسيقا وحوار .

وتضيف: “أما في الحالة السردية للقاص أيمن ناصر فهو قد امتلك إعجاز ما أسميه الرسم بالكلمات وكيمائية الصور بخلق صور جديدة غير مسبوقة، فهو قادر فقط بمفرداته أن يحول خيال القارئ إلى مشهد سينمائي حقيقي.

5: قدسية المرأة: ما يلفت انتباهي دائماً في كتابات أيمن ناصر هو تمجيده للمرأة، فهو يعطي المرأة دائماً الحالة الفضلى في المجتمع، وكأنها روح الحياة ومدار الكون، هذا كان واضحاً لي في روايته روجين، وأيضاً هنا كان واضحاً في احترامه للمرأة في أكثر من قصة، مثل رائحة الخبز، ومدى تعلق البطل بزوجته فاطمة أو – فاطم- كما كان يناديها، وأيضا في قصته “نورهان” التي أظهرها امرأة حديدية قوية مثقفة شامخة لا تقبل الظلم وفي نفس الوقت لا تغدر، وبدا ذلك جليّاً بداية قصة -الجرف- هو كان يراجع بمخيلته مذعوراً كابوساً مخيفاً يتكرر معه كل ليلة عن يدٍ مُحنّاةٍ مليئة بالحلي تدفعه من الجرف فترديه في الهاوية، وهنا ينطق القاص بكلمة حق تجاه المرأة على لسان البطل فهو كان رافضاً رفضاً قطعياً أن تكون هذه المرأة زوجته -نورهان- رغم أن اليد في الحلم تشبه يد زوجته بنقوش الحنة والحلي الذهبية إلا أنه لم يصدق ما رآه وصرخ قائلاً:

“لا.. لا نورهان لا تغدر بي حتى لو حلماً”

المرأة إذن كانت عند أيمن ناصر مقدسة، كما أنها أيقونة للجمال والحب ولذة الجسد، هي أيضاً أيقونة حنان ومودة ورحمة”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة