23 ديسمبر، 2024 2:15 ص

“أنطونيو سكارميتا”.. تنوعت مجالات إبداعه وتألق في الرواية

“أنطونيو سكارميتا”.. تنوعت مجالات إبداعه وتألق في الرواية

خاص: إعداد- سماح عادل

“أنطونيو سكارميتا” روائي تشيلي من أصول كرواتية، ومن مواليد 1940. كتب عدة روايات، بعضها ترجمت للعربية عن طريق المترجم “صالح علماني”، منها “عرس الشاعر” و”فتاة الترومبون”،  أشهر رواياته “ساعي بريد نيرودا: صبر متأجج”، والتي ترجمها “صالح علماني” وتحولت إلى فيلم جيد باللغة الإيطالية حاز على عدة جوائز أوسكار بعنوان il postino، كما تحولت إلى مسرحية وتمثيلية إذاعية، وترجمت إلى العديد من اللغات بجانب العربية، مما كفل له نجاحا كبيرا. حاز العديد من الجوائز الأدبية حول العالم، وتنقل ما بين مناصب دبلوماسية وأكاديمية.

نشاطه..

عرف عنه نشاطه السياسي اليساري، كان عضوا في حركة العمل الشعبي والموحد (مابو) في سنوات وجود تحالف الوحدة الشعبية. وبعد الانقلاب العسكري، ترك الكاتب البلاد مع المخرج راؤول رويز. وكانت المحطة الأولى في الأرجنتين، حيث قضى عاما في حي الزيتون حيث نشر كتابه الثالث من القصص: ركلة حرة عام 1974. ثم توجه بعد ذلك لألمانيا الغربية، حيث حصل على منحة من برنامج الفنون من الأكاديمية الألمانية للتبادل الأكاديمي عام 1975، ومن خلاله تمكن من كتابة روايته الأولى حلمت أن الثلج كان يحترق. وبدءا من عام 1979، عمل لمدة ثلاث سنوات كأستاذ في كتابة السيناريو في الأكاديمية الألمانية للسينما والتلفزيون في برلين الغربية.

حلم الكتابة..

في حوار بين “إليانور واكتيل” و”أنطونيو سكارميتا” في برنامج “في صحبة الكتَّاب”  إذاعة cbc  الكندية  2010. يقول “أنطونيو سكارميتا” عن الكتابة: “عزيزتي إليانور، منذ اللحظات الأولى في حياتي عندما سألت هذا السؤال لنفسي أجبت بأني أريد أن أكون كاتبا، ولا شيء آخر. حكمت علي جدتي منذ كنت في الثامنة بأن أكون كاتبا خلال حديث معها، وقد تقبلت ذلك الحكم. دعيني أخبرك أمرا آخر. حينما كنت في السادسة عشر من عمري، وكنت أنهي دراستي الثانوية، سألني أبي: “ما الذي تريد أن تفعله في حياتك يا بني؟”، وأخبرته بلا تردد: “أريد أن أصير كاتبا يا أبي”، وعلى الفور، لم يقم أبي بما سيقوم بفعله أي أب تشيلي في ذلك الوقت حينما سمع الجواب، أي إرسال الابن إلى مصحة عقلية (يضحك)، بل قال: “رائع، عظيم، يا لها من فكرة جيدة. اسمع، قم بكتابة قصص واقعية أو قصائد، وهاك العديد من الدفاتر، واكتب بقلم الرصاص، وسأطبع ما تكتبه يوميا على الآلة، وستجده مطبوعا بشكل ممتاز صباح الغد”.

وقد حدث ذلك بالفعل، إذ أخذت تلك الدفاتر، وظللت أكتب باستمرار كل يوم. وفي يوم ما، قال أبي: “اسمع يا بني، هل كتبت ما يكفي من القصص لتنشر كتابا؟”. لم ألاحظ ذلك في بادئ الأمر، لأن الكتابة كانت محض متعة، ولم أفكر في ذلك الوقت بنشر كتاب؛ فرددت بأني لا أعرف. لكن، ماذا فعل أبي؟ ذهب بكل قصصي وأرسلها لمسابقة وطنية للقصص القصيرة دون أن يخبرني، وتحت اسم مستعار. بعد ذلك بشهرين، كل ناشر في تشيلي كان يبحث عني لينشر كتابا لي، وذلك لأني تلقيت الكثير من المديح بخصوص قصصي. هل يمكنك أن تتخيلي مقدار محبتي لأبي بسبب ذلك؟”.

ويواصل عن والده: “كان قارئًا. حين مات، كنت أحاول البحث عن معلومات بخصوص حياته قبل ولادتي. وفي أحد المرات، وجدت في جريدة تابعة لأنتوفوغاستو بعض القصائد المنشورة باسمه، فقرأتها، وكانت ناعمة وحساسة بشكل عجيب. أظن أن له اهتماما بالأدب الجميل، وجال بباله: “لن أصبح كاتبا، ولكن إن كان يريد ابني الكتابةَ، فلم لا؟”.

الستينات..

وعن نشر كتبه ذاتيًا في أواخر الستينات أثناء اشتغاله في الصحافة في سانتياغو، إضافة إلى عمله ناقد أدبي، ومخرج فني، وأستاذ أدب في الجامعة. وهل كانت تلك الفترة في صالح الفن والثقافة في تشيلي يقول: ” كانت تلك أفضل فترة على مدى العصور، لأن الحياة في ذلك الوقت على أقصى تسارعها، ومنطلقة بالحد الأقصى من المتعة، كما كان هنالك العديد من الحركات السياسية التي تهدف إلى تحسين معيشة الفقراء، والعديد من الحركات السياسية الجديدة التي لم تتبع أطر الشيوعية البالية أو الخطب الاشتراكية الشعبية، إذ حظيت بالكثير من الطاقة الثقافية. صحيح أنها حركات سياسية من الخارج، لكنها كانت ثقافية في الصميم. فقد أردنا التقدم والحرية، لكننا بطريقتنا. كان الأمر برمته يبعث على الحماس. كانت تلك الأيام ممتعة، ومليئة بالاستقلالية”.

مغادرة تشيلي..

وعن تغيرت حياته بشكل متسارع بعد الانقلاب على “سلفادور الليندي” في سبتمبر سنة 1973، ومغادرة تشيلي.  يقول “أنطونيو سكارميتا”: “ليس من الدقيق أن نقول بأني غادرت تشيلي قسرا. فقد اعتقدت في ذلك الوقت بأنه من الأفضل أن أغادر البلاد، لأن حرية الكتابة معدومة، إذ لم تكن هناك صحافة مستقلة، والكتب ممنوعة، كما طُرد الأساتذة من جامعاتهم، وكنا بلا وظائف. سألت نفسي:”ما الذي أستطيع فعله هنا؟” ولم أعرف الإجابة، لذلك قررت الرحيل. ذهبت إلى برلين الغربية، لأن مدير الجريدة التي أعمل عندها في ذلك الوقت أعطاني تذكرة، وعرض علي منحة لكتابة نص فيلم كان يخطط له.

ولهذا السبب انتقلت إلى ألمانيا. لم أعرف كلمة ألمانية واحدة في ذلك الوقت، والمضحك أنني كنت أدرس الفلسفة، وفي ذلك الوقت كانت لفلسفة مارتن هايدغر شعبيتها، وكنت خبيرا بها. إذ كنت أعرف بعض الكلمات التقنية الفلسفية بالألمانية بينما لا أستطيع قول “نعم” أو “لا” بها.

شعرت بالتهديد والرعب من تشيلي والسبب أن بعض أصدقائي ممن بقوا، وكانوا معي في نفس الجامعة ويشاطرونني نفس الأفكار، قد دخلوا السجن وتعرضوا للتعذيب، وقد قتل واحد منهم، ورأيت بعضهم يقفزون أسوار السفارات الأجنبية ليهاجروا من البلاد؛ لذلك أعتقد بأني قد قمت بحركة ذكية حين غادرت.

في الأيام الأولى، كنت محطَّم المشاعر، ولم أعتقد بأن عنفا كهذا سيطول، وأن هناك حلا قريبا لتشيلي. لكن مع السنوات، أيقنت بأن الحل سيستغرق سنين عديدة. منذ البداية قررت أن أفتح قلبي وعقلي للثقافة الأجنبية: فتعلمت اللغة الألمانية، وقرأت الروايات الرومانسية الألمانية، وبدأت العمل لمجال صناعة الأفلام الألمانية، وأجريت مقابلات، كما قررت أنه إذا كنت أريد الحرية لبلادي، فعلي أن أخبر العالم بما يحدث هناك، وهذا ما فعلته تحديدا، فعملت بجد، حيث أخبرت الإعلام بمشاكلنا وخيبتنا، وحاولت أن أثير التعاطف لصالح من يناضل في تشيلي من أجل الحرية، وساعدت في إنشاء بعض المعاهد لنشر الثقافة الديمقراطية”.

عرس الشاعر..

في مقالة بعنوان (أنطونيو سكارميتا: “عرس الشاعر” ودوامة العدم)  كتبت “غنوة فضة”: “لدى شواطئ قرية وهمية، وعلى جزيرة تطل على السواحل الماليسية وسط البحر الأدرياتيكي، يؤسس الكاتب والروائي التشيلي أنطونيو سكارميتا (1940) أحداث روايته “عرس الشاعر”، الصادرة بترجمة الراحل صالح علماني (دار ممدوح عدوان 2020) إذ يشبكُ الخطوط الزمنية لحكايته بين ماض عالق في ذاكرة سكانها، وحاضٍ يبث القلق والريبة في قلوبهم.

يبدأ السرد عند نهاية القرن التاسع عشر، بإغلاق متجر الجزيرة الأشهر إثر مأساةٍ لا اسم لها، حيث يسطع اسم الجميلة “مارتا ماتاراسو” لحظة مفارقتها الحياة ليلةَ زفافها للثري ستاموس صاحبِ المتجر، ووسط حادثة غريبة منعته من تحقيق حلمه بالزواج من أجمل فتاة ماليسية، على أن المشهد لا ينحصر في قصتهما، إذ تبدو الأحوال وقتذاك مزدهرة بصورة متواضعة، إلا أن حادثة موت العروس، تدفعه للرحيل، لتبدأ الأوضاع بالتدهور بعد أن يُغلّفَ موتها بأسطورة خرافية، وبعد تسلل داء الفلكسرة (حشرات فطرية) إلى حقول العنب، لتتحول المنطقة من أرض منتجة للنبيذ، عرفت قبل عام 1900 بخمرة أعنابها، إلى أرض يغزوها الحرمان والانكسار، الأمر الذي دفع بسكانها للحلم بالخلاص والهجرة إلى مناطق أكثر ثراء وسلاما.

لا تبقى الأحداث على حالها، إذ يبدو التاريخ كأنما يكرر نفسه حين ينتقل المصرفي “جيرونيمو فرانك” بعد أعوام من الحادثة إلى أراضي قرية جيما. الثري الحالم بالبعد عن حياته في النمسا، والملقب بالشاعر، تسكنه فكرة الهجرة من بلاده إلى أراض أقل تاريخية، فيجعل من جزيرة جيما وجهته، على الرغم من انعدام ثرواتها وافتقارها على قليل من الزيوت والنبيذ الأبيض وكثير من الراقصين المخمورين”.

وتضيف: “”التاريخ الذي لا يُكتب، لا وجود له”، من هنا ينسج سكارميتا العبث الذي يرمي وجود الجزيرة وأهلها في دوامة العدم، إذ يصنع الماليسيون مقتلهم بطيبتهم، وسذاجتهم، وريفيتهم القاتلة. ليتحول ما كان واقعاً إلى أسطورة، ويدخل حيز الخيال، حين تتدافع القوات ليلة الزفاف بقيادة مولينهاور التواق، ككل قائد عسكري، لمجدٍ أسطوري تضخمه صحافة صفراء. لتُمحى كل الحقائق، وتزوَرُ الوقائع وفقاً لأهواء المنتصر، ويأتي الهجوم بمثابة شرارة تشعل حرباً كبرى، يرحل إثرها الشبان الاثنا عشر، بصورة تشبههم بحواريّي العشاء الأخير، متخمين بالأسى، وذاهلين في طريق لجوئهم إلى تشيلي، وبعد انتحار جيرونيمو المؤلم، وموت آليا على أيدي الغزاة بوحشية تحيي أسطورة الجزيرة القديمة.

“الشيء الوحيد الذي أملكه أنا هو الألم، وهذا الدفتر الذي أجمعُ فيه أشعاراً من لا شيء، مجرد كلمات”. هكذا ببضعة كلمات في دفتر مصفرّ، ينهي استيبان مأساته بالرحيل عن بلاده، وعن المرأة التي أحب، مبدياً خيبته وجبنه وكل الدوافع التي أقصت به بعيداً عنها، وهكذا ككل الملاحم، ينتصب العدم مثل بطلٍ إغريقي، ويفترق الأخوان، رينو إلى نيويورك، أرض المجد والسينما والمال، واستيبان، إلى ملجئه الوحيد في تشيلي. لتختفي حكاية جزيرة جيما على يد القائد المنتصر وصحافييه الجُناة، فتقتل آليا، ويُوثق جيرونيمو خائناً لبلاده، كما تزوّر الوثائق التي تثبت هرب الشبان، فتجعل منهم قتلى الثأر النمساويّ، ولا يبقى لهم ما يملكون من العالم سوى هوية المنكوبين باللجوء، والهاربين من بلادٍ لم تعد موجودة سوى في مخيلاتهم”.

وفاته..

توفي الثلاثاء 15 أكتوبر 2024، عن عمر 83 عاما .

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة