خاص: إعداد- سماح عادل
“أنطوان كرباج” مسرحي وممثل لبناني، من مواليد زبوغا، قضاء المتن. بدأ مسيرته الفنية في مطلع ستينيات القرن العشرين، حيث التحق بمعهد المسرح الحديث التابع للجنة مهرجانات بعلبك الدولية بإدارة منير أبو دبس. ساهم في إنشاء فرقة المسرح الحديث وكان عضوا فيها، حيث لعبت هذه الفرقة دورا هاما في الحركة المسرحية في لبنان والعالم العربي.
وداعا..
في مقالة بعنوان (وداعاً أنطوان كرباج) نشرت في صحيفة “المدن” كتب فيها: “غيب الموت الفنان اللبناني أنطوان كرباج عن 90 عاماً بعد صراع مع المرض، ومعاناة من الالزهايمر. وأنطوان كرباج، ممثل ومسرحي لبناني ولد في بلدة زبوغة، سفح جبل صنين، لبنان، لأسره لبنانية فوالده هو شكري كرباج، ووالدته تدعى إيراساما كرم، وهو الشقيق الأكبر لأربعة شباب وفتاة.
تلقى علومه في المدرسة الرسمية، كما درس مادتي التاريخ والجغرافيا في دار المعلمين وتخرج من الجامعة اليسوعية. في تلك الفترة أحيا مسرح كلية الحقوق الذي كان مقفلا، وبواسطة صديقه أمين زيدان تعرف على الفنان منير أبو دبس، الذي كان يعمل في فرقة السوربون، واستدعته لجنة مهرجانات بعلبك الدولية، لإنشاء أول معهد للتمثيل (مدرسة المسرح الحديث) في لبنان بداية سنة 1960.
التحق بمعهد المسرح الحديث التابع للجنة مهرجانات بعلبك الدولية، وكان يديره المخرج منير أبو دبس، وتعاون مع الأخير بين 1962 و1968. أول ظهور مسرحي له كان في مسرحية “الملك أوديب” قدمت ضمن مهرجان البحر المتوسط المسرحي في المغرب وجسد فيها كرباج شخصية الراعي، ثم جسد شخصية ماكبث في مسرحية “ماكبث”، من إخراج منير أبو دبس، في مهرجان جبيل الأول عام 1962”.
ملك..
في مقالة بعنوان (الممثل انطوان كرباج: خرج من الحياة كما حضر.. ملكاً) كتب “إسماعيل فقيه”: “موهبته في التمثيل تجلّت في سن مبكرة، كان في التاسعة من العمر حين بدأ مسيرته الفنية الإبداعية. كان يكتب “الإسكتشات” ويؤديها مع أبناء جيرانه وأقاربه في منزله. تلقى علومه في المدرسة الرسمية. وفي دار المعلمين درس مادتي التاريخ والجغرافيا وتخرج من الجامعة اليسوعية. زوجته الفنانة الرسامة والصحافية “لور غريب”.
بدأ مسيرته الفنية في أواخر الخمسينيات، ومن اللحظة الأولى لمشواره الفني سطعت الموهبة وتجلّت، وفي حديث صحافي معه قال “عندما كنت أدرس اختصاص التاريخ، في جامعة القديس يوسف بالكلية الشرقية، وهناك كانت المرحلة الهامة، حيث اكتشفت في هذا الصرح التعليمي وجود مسرح مغلق. في تلك المرحلة فكرت مع بعض الطلاب بافتتاح هذا المسرح بعمل كلاسيكي، ولا سيما أننا كنا ندرس لشكسبير والمرحلة الإغريقية، فإذ بأحد زملائي يقول لي: إن المسرح له أصوله وقواعده، والوقوف على الخشبة ليس بالأمر السهل أبداً، ولكن لم أقتنع بكلامه، وأكملت طموحي ومحاولتي في تأسيس ما يشبه المناخ الحاضن للمسرح.”..
ويضيف: “يعترف الراحل كرباج بأن إصراره على العمل والجهد والدراسة ساهم في تحقيق الكثير من الرغبة الجامحة داخل طموحه: “كان لدى إصراري الكبير، فتعرفت على المبدع الكبير منير أبو دبس الذي كان يتولى إدارة معهد المسرح الحديث التابع للجنة مهرجانات بعلبك الدولية، ولدى دخولي لأول مرة على المعهد، مكثت لمدة 10 دقائق ، وشاهدت خلالها أشخاصاً صامتين، جامدين على المسرح، وبدافع الفضول تابعت حضوري وترددت دائماً على المعهد، وبعد عدة جلسات أيقنت أن المسرح ليس “مزحة” وهو يتطلب من الممثل الكثير من الجهد والتعب والفكر والشرح والعلم والأهم هو الاشتغال على الصوت ، (صوت الفنان كرباج ميزة تكاد تكون فريدة) واكتشفت أن الذي يتحكم بتنفسه يصنع الأعاجيب بصوته.””.
مرآة المجتمع..
وتواصل المقالة: “سرد الفنان الكثير من التفاصيل والوقائع في حياته الإبداعية: “في 5 يونيو عام 1967 أثناء النكسة التي أصابت العالم العربي قلت لمنير الدبس إن المسرح هو مرآة المجتمع، وإنه يجب أن يلقي الضوء على المشاكل والقضايا الاجتماعية التي يعانيها المجتمع، واقترحت عليه أن نتبنى اللغة العامية عوضاً عن الفصحى التي اتسمت بها مسرحياتنا السابقة، فرأى استحالة ذلك معللا أنها لغة هزيلة لا تتسم بالرقي وتفتقر إلى تواجد كتاب يجيدون هذه الكتابة، فانفصلت عنه مع زميلي ميشال نبعا، وقمنا بمسرحية “الديكتاتور” الناطقة باللغة العامية وكانت من كتابة الشاعر والمسرحي اللبناني الراحل عصام محفوظ، فألقى هذا العمل الضوء على مشكلة الديكتاتورية في العالم، ثم تابعنا مسيرتنا في مسرحية “المهرج” للشاعر السوري محمد الماغوط وإخراج يعقوب الشدراوي حيث جسدت دور “المهرج”.
ومن بعدها قدمنا “المارسيلياز” العربي، وكذلك تعاونت مع الفنانة الكبيرة نضال الأشقر في مسرحية “أبو علي السمراني” من كتابة خلدون تامر تركي وإخراج بارج فازيليان””.
صومعة التمثيل..
في مقالة بعنوان (نصف قرن من التألق الاستثنائي في صومعة التمثيل) كتبت “سوسن الأبطح”: ” يكفي أن ترى كيف امتلأت وسائل التواصل بعبارات الحزن والأسى على رحيل الفنان اللبناني أنطوان كرباج، لتعرف مكانته في قلوب الناس، ومن ثم إن تلحظ كيف أن سياسيين من مختلف التيارات والأحزاب سارعوا إلى نعيه، لتدرك أنه كان أيقونة وطنية يتحد حولها من لم يجمعهم شيء، ولم يآلف بين قلوبهم قضية.
لم يكن أنطوان كرباج ممثلا عاديا، بل كان عالما يضج بالشخصيات التي جسدها على مدار أكثر من 50 سنة بين المسرح والتلفزيون والسينما. بيد أنه كان في كل مرة يطل فيها، يجعل الدور الذي يلعبه، باقيا، ومؤثّرا، وكأنه يحفر في ضمير الناس، ويتغلغل في وجدانهم.
يكفي أن تراه بعد أن يُنهي دوره في إحدى المسرحيات، ويبدل ملابسه ويهم بمغادرة المسرح، وقد احمَ وجهه والعرق يتصبب منه، وعيناه زائغتان، لتعي جيدا أنه لا يمثِّل، وإنما ينتقل إلى حياة أخرى، بمشاعرها، وآلامها وأحلامها، وجنونها”.
معه عاشت أجيال لبنانية طفولتها، ونضجها، ورأت نماذج لشخصيات، بقيت جزء من ضميرها. فمن ينسى جان فالجان في «البؤساء» المأخوذ عن الرواية الشهيرة لفيكتور هوغو؟ المسلسل الذي كان حضور أنطوان كرباج فيه عظيماً، قوياً لا بل كان جباراً. وهل يمكنه أن يمحو من ذاكرته ملامح القائد الروماني بعبستِه، وتجهمه في مسرحية «بترا» إلى جانب فيروز، الملكة التي خَطف لها ابنتها وبقي شامخاً لا يرتجف؟ هل هناك من يمكنه ألا ينتبه، إلى دور كرباج المهاب في مسلسل «بربر آغا» الذي كانت تنتظره الجماهير، لتسمع ذاك الصوت القوي الجهوري الذي لا يشبه أي نبرة أخرى؟ لا يمكن لمن حضر مسلسل «لمن تغني الطيور» أن يمحو من ذهنه صورة «المفتش» بنظرته الثاقبة، وحركاته المحسوبة”.
وتضيف: “مع ذلك، لم يكن أنطوان كرباج ممثلا مدلَّلا رغم مهارته الفذَّة، ولم يحاول أن يمتهن أي حرفة أخرى، تشغله عن تركيزه على التمثيل. الاحتفاء الخافت به كان يشبه تواضعه الجم، وخفره الذي يخفي عبقرية، ما أن تدخل في ثوب شخصية حتى تتفجر اندماجا في حناياها. هو لا شاغل له سوى هذا الإخلاص المذهل لأدواره التي يتنقل بينها، وكأنه يعطي نفسه كلها. خلال عمره الفني الطويل، لم يتعب أنطوان كرباج من التمثيل، ميزته أن حضوره في أي عمل يؤديه كان طاغيا، وأثره باقيا، واختياراته، تعكس حسه العالي، وذوقه الثقافي الرفيع”.