9 أبريل، 2024 8:52 ص
Search
Close this search box.

أمي !

Facebook
Twitter
LinkedIn

قصة فصيرة

خاص : بقلم – ماجدة جادو :

مصر

كان كل ما طمحت إليه يومًا هو ألا يكون مصيري كمصيرها؛ أن أنجو بجلدي من الحياة البائسة اليائسة التي كانت تحياها.. وكلما رأيت الظلم يُحيط بها كلما ازداد تمردي وزادت ثورتي وكرهي للظلم.. وكلما رأيت سلبيتها تجاه حياتها كلما كرهت السلبية ورفضت الاستسلام للأمر الواقع.. كُنت دائمًا ما أقول إن الظروف لن تكون عائقًا أبدًا أمام أن تحيا المرأة حياة على هواها.. حياة بإرادتها تُحبها وتحلم بها.

كانت تتحمل كل أعباء المنزل والعيال، تقوم معهم منذ الصباح الباكر تُعد لهم الإفطار والشاي؛ وحين يخرجون إلى مدارسهم كانت تُسرع إلى تنظيف وترتيب المنزل ثم تخرج للسوق لشراء مستلزمات البيت للطهو وخلافه.

وتأتي إلى المنزل تُجهز الطعام بينما (طشت الغسيل) قابع في الحمام في الانتظار.

لم تكن الحياة مُيسرة أبدًا حين ذاك؛ فلم تملك من أدوات المطبخ الحديث سوى (بوتاجاز).. أما الباقي كله فيدوي. ويأتي الأولاد عند الظهيرة فيكون كل شيء في موضعه مرتب ومنظم ونظيف والغذاء جاهزًا فيأكلون وتدخل هي إلى المطبخ لغسيل الصحون.

وحين يأتي الزوج بعد قليل تفرد له مائدة أخرى فيأكل وينام بينما تواصل هي عملها في غسيل الصحون وتكملة غسيل الملابس أو فض منازعات الأولاد؛ وحين يأتي المغرب تكون قد استنفذت كل طاقتها فتدخل إلى حجرتها لتنام وتضع وسادة صغيرة على أذنيها كي تمنع عنها ضجيج الأولاد وعراكهم وتستطيع أن تغفو ولو قليلًا.

كان يأتي في الحادية عشر مساءًا؛ حيث كان يعمل فترة إضافية لإعالة أولاده، فيدخل عليها وينزع الوسادة من فوق رأسها بعنف طالبًا منها أن تقوم لتُعد له العشاء أو كوبًا من الشاي أن كان قد تعشي في الخارج. وكانت تقوم مفزوعة من نومها وتهُب واقفةً لتذهب للمطبخ لتلبية الطلبات. وكان كثيرًا ما يطلب منها أن تجلس معه في المساء تُسليه وهي منهكة القوى لا تقدر حتى أن تفتح عينيها.

رفضت أن تكون حياتي على مثل هذا المنوال الرتيب الرهيب وتصورت وتمنيت وسعيت بكل ما أوتيت به من قوة التمرد والثورة على ألا تكون حياتي كتلك الحياة.

فما الذي يُجبرني أن أكون خادمة في بيت زوجي (مقنعة أو صريحة)؛ أنا شخص مستقل وسوف أبني حياة مختلفة فيها المساواة والحب والحنين والعدل والكرامة وكل ما إلى ذلك من خزعبلات.

رفضت الزواج التقليدي بكل ما فيه من عدم اختيار أو موافقة الأهل والشقة والعفش والشبكة والمهر والمؤخر وسارعت إلى بناء حياتي الجديدة مقبلة عليها بمقاييس الطفولة الذهبية والحلم يلوح دائمًا ببناء مختلف متميز خالي من الأعمال المنزلية أو على الأقل مناصفة بين اثنين لا أحد يتعب والآخر يرتاح لا ملوك ولا خدام.

ومن عجائب الأشياء أن هذا الرفض وهذا التمرد كان يقود في اللاوعي إلى كل ما كنت أرفضه وأتمرد عليه. حتى وصلت إلي نفس المصير. بنفس الخطوات لكن تحت غطاء الاختلاف وصنع التغيير والتمرد والثورة.

إضافة إلى أن وضعي المهني كان يمدني بالنقود التي كنت أظن أنها ستحميني من مصيرها البائس ومن الاحتياج الأعوج ومن الخضوع الذليل.

وحين كنا نجلس سويًا – قبل رحيلها – لنجتر الذكريات نرى أننا سرنا في نفس الطريق لكن بأساليب مختلفة وتحت مزاعم أخرى ظننت أنها ستنجيني من سوء العاقبة أو الإنزلاق في هوة السلبية والخضوع والقهر.

فالقصص كلها متشابهة في الظلم والسلبية وعدم الاحترام وتحطيم الكرامة.

وحين تبخرت الأحلام. حلمي وحلمها. هي بموت الزوج وأنا بالانفصال؛ وجدنا أنها سلسلة واحدة من الشقاء والعذاب مهما اختلفت السُبل أو تفرعت الأحداث وتشعبت بنا الطرق.

فلا فرق بين مثقف وجاهل في الحياة الزوجية أو إدارة شؤون المنزل.

كأنما كان هناك ما يدفعني دفعًا لملاقاة نفس المصير وحتى أسير على الدرب نفسه بنفس الخطوات لكن بجد أكبر (ما كان من الأول !).

إذا كان هناك طريقين للوصول إلى نفس النقطة أحدهما سهلًا والآخر وعرًا أو كلاهما وعرًا؛ ولكن بمشقة أقل أو بفلسفات مختلفة، فلماذا يختار الإنسان السير عبر دروب الحياة الوعرة ! فقدان الاستبصار أم عمى الألوان ؟

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب