19 أبريل، 2024 4:17 ص
Search
Close this search box.

أمين الريحاني.. من أبرز دعاة النهضة والتسامح الديني

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: إعداد- سماح عادل

“أمين الريحاني”  شاعر،  وروائي،  ومؤرخ،  وكاتب مقالات، وسياسي  ورسام كاريكاتير لبناني، يعدُّ من أحد دعاة الإصلاح الاجتماعي وكبار أعلام الفكر في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، ويلقب بفيلسوف الفريكة.

حياته..

اسمه “أمين فارس أنطون يوسف بن المطران باسيل البجاني” ولد في 1876  في بلدة الفريكة من قرى منطقة المتن الشمالي في جبل لبنان، وهو من أسرة مارونية تعود بجذورها إلى قرية (بجّة) في بلاد جبيل. عمل والده في تجارة الحرير. وقد عرف خلال دراسته بذكائه وتفوقه.

في صيف 1888 سافر”أمين الريحاني” لأمريكا وفي 1897 التحق بمعهد الحقوق في جامعة نيويورك، واستمر فيه سنة حتى فعاد إلي لبنان 1898 مدرّساً للإنجليزية في مدرسة أكليريكية، وتعلم اللغة العربية وبدأ في كتابة المقالات في جريدة (الإصلاح) التي اتخذها منبراً للهجوم على الدولة العثمانية.

في 1898 عاد “أمين الريحاني” إلى نيويورك وابتدأ من عام 1902 في إصدار الكتب وكان أولها كتاب (نبذة عن الثورة الفرنسية) وتلاها في 1903 كتاب (المحالفة الثلاثية في المملكة الحيوانية) و(المكاري والكاهن) في 1904، ثم ديوان (المر واللبان) بالإنجليزية 1905، وفي 1910 أصدر (الريحانيات) بجزئية الأول والثاني، ثم كتاب (خالد) بالإنجليزية 1911، ثم عاد بعده إلى لبنان، ثم قفل راجعاً إلى أمريكا ليصدر 1915 رواية (زنبقة الغور).

في عام 1916 تزوج من كاتبة أمريكية ولم يرزق بأبناء، وأصدر عام 1917 كتاب (الحريم) ثم (تحدر البلشفية) عام 1920، فديوان (أنشودة الصوفيين).

في عام 1922 بدأ “أمين الريحاني” رحلته للبلاد العربية التي قابل فيها عدد من ملوك العرب، وفي 1923 أصدر الجزأين الثالث والرابع من (الريحانيات) فكتاب (ملوك العرب) 1924، وفي 1927 أصدر كتاب (تاريخ نجد الحديث) ثم كتاب (النكبات) 1928 ثم (التطرف والإصلاح) وكتاب (ابن سعود شعبه وبلاده). وكتب عن رحلاته بالعربية والإنجليزية وشرح قضايا العرب في أمريكا، وطالب باستقلال لبنان فنفته فرنسا إلى العراق، وعاد منها عام 1934 وتأثر بمبادئ الثورة الفرنسية وانتقد المادية الغربية وكان معجبا بنشاط الأميركيين، وقد كان مؤثرا في كتاباته في الأوساط الأميركية والغربية وقد كتب عن الرقي ومعناه وعن الحياة السياسية والاجتماعية وكان يحض المغتربين على التطوع للدفاع عن أوطانهم واستقلال بلادهم.

في 1930 أصدر (حول الشواطئ العربية والقمم العربية والصحراء)، وفي1931  (أنتم الشعراء)، وفي 1934 أبعد عن لبنان بقرار من المندوب الفرنسي ثم أصدر كتاب (فيصل الأول) فكتاب (وفاء الزمان)، وفي 1935 (قلب العراق). وبعد زيارته المغرب وإسبانيا كتب 1939 كتاب (المغرب الأقصى)، وفي العام نفسه (قلب لبنان) ثم توفى عام 1940. وبعد وفاته صدر له (قلب لبنان، وهتاف الأودية، والقوميات، وسجل التوبة، والمغرب الأقصى، ونور الأندلس، وأدب وفن، ووجوه شرقية غربية، وشذرات من عهد الصبا، وقصتي مع مي، ووصيتي).

ترك “أمين الريحاني” إرثا أدبيا وتاريخيا ضخما في العديد من المؤلفات بالعربية والإنكليزية في السياسة والأدب والشعر والتاريخ والفنون. كان أشهر أدباء المهجر بعد “جبران خليل جبران”. ويعد أول من كتب الشعر المنثور في الأدب العربي، حيث أصدر سنة 1910 ديوان (هتاف الأودية). وهو من روّاد الرومانسية العربية ومن أسبق الداعين إلى تحرير الشعر من أسر الأوزان والقوافي.

أقيم متحف “أمين الريحاني” في مسقط رأسه بالفريكة 1953، وقد جمع شقيقه “ألبرت الريحاني” كل ما يتعلق بتراث “أمين الريحاني” في هذا المتحف الذي جدد وفتح للزوار عام 1990.

هجرة العقل..

في حوار أجراه “عبده وازن” مع “أمين آلبرت” بمناسبة صدور الأعمال الكاملة ل”أمين الريحاني” في طبعة شاملة (مكتبة لبنان – ناشرون) أشرف عليها “أمين آلبرت” ابن شقيقه، وأرفقها بهوامش وملاحظات.

يقول “أمين ألبرت” عن نتاجه الفكري والأدبي: “قد يكون الباب الأوسع لفهم أمين الريحاني اليوم هو الأخذ بالمعايير المعاصرة للكتابة. كيف نفهم الريحاني اليوم مفكراً معاصراً، وكيف نفهمه أديباً معاصراً؟ المفكر المعاصر برأيي هو الذي يعرف كيف يوظف الماضي في خدمة المستقبل، وكيف يوظف المكان في خدمة الزمان. هذا التوظيف، أو العبور من الماضي إلى المستقبل ومن المكان المحدود إلى الزمان اللامحدود، لا يتم باعتقادي إلا «بهجرة العقل»، كما يقول الريحاني نفسه. فهجرة الجسد، وإن حملت في طياتها إمكانية هجرة العقل، فهي لا تكفي. لا تكفي إلا إذا نجحت في هجرة عقلية موازية لهجرة الجسد أو متجاوزة لها. وهذا ما حدث تماماً للريحاني.. فمفهوم المعاصرة لديه هو مفهوم التجاوز لموضوع نابع من ظروف معينة ومحددة إلى الموضوع ذاته بعد تجريده من تلك الظروف الخاصة وتحريره من أُطرها وسياقاتها التاريخية والانتقال بها إلى آلية التصدي المطلق الذي يصح في كل زمان ومكان ويبقى صحيحاً لزماننا وللزمن الآتي. هكذا يخاطب الريحاني المستقبل عبر مخاطبته الحاضر وعبر نقده التاريخ، كما يخاطب الأجيال المقبلة من خلال مخاطبته أبناء جيله. هذه الحقيقة تستدعي من قارئ الريحاني الواعي أمر «معاصرته الفكرية»، الوقوف كذلك على معنى «معاصرته الأدبية» أو «معاصرة» أسلوبه لا أبناء جيله فحسب بل الأجيال المقبلة، وما أفهمُهُ بالأسلوب المعاصر، عند الريحاني أو عند سواه من المفكرين، شرقاً أو غرباً، هو التميز بخاصتين أسلوبيتين، من جملة خصائص أخرى: صدق التعبير، واحترام القارئ. فالريحاني، أياً كان غرضه الأدبي في اختيار المقالة الأدبية أو السياسية، أو الفلسفة، أو القصة، أو الرواية، أو المسرح، أو الشعر، أو الرحلة… فهو ملتزم صدق القول، وملتزم احترام قارئ هذا القول. بهذا، ينتقل الريحاني إلى جوهر الكلام، إلى جوهر التصدي، الذي رأى فيه الريحاني عصارة المهمة الأدبية، أو خلاصة الوظيفة الكتابية أو حقيقتها المطلقة التي تصح في كل زمان ومكان. بهذا المعنى، تعلو قامة الريحاني ويصبح صوتاً تاريخياً مقبلاً من المستقبل”.

زنبقة الغور..

وعن روايته (زنبقة الغور) يضيف: “إن الريحاني، نظر إلى الأدب من خلال نظرته إلى الفلسفة وإلى السياسة. بهذا المعنى تصبح الرواية وسيلة، كما أن الشعر لديه وسيلة، وكذلك المقالة الاجتماعية، أو الرحلة، أو المقالة السياسية.. قد يسأل القارئ: إن كانت هذه الأغراض الأدبية جميعاً هي بمنزلة الوسائل عند الريحاني، فهي وسائل لتحقيق غاية معينة لديه، فما هي تلك الغاية؟ ما غاية الريحاني من أدبه؟ ما غايته من دعوته السياسية؟ وإن اعتبرناه فيلسوفاً فما الغاية من فلسفته؟ أحيلك إلى أجوبة سريعة في هذا السياق. يقول زكي نجيب محمود: «كان أمين الريحاني للأمة العربية، ما كان طاغور لأبناء الهند، رسولاً بين الإنسان والطبيعة، وبين الإنسان والإنسان، وبين الإنسان والله وكان الريحاني للأمة العربية، ما كان إمرسون وثورو، للولايات المتحدة، مثالياً يرى الكون وحدة عضوية.. وحداً فاصلاً بين عهدين، عهد الفكر المنقول وعهد الفكر الأصيل»… أما كمال يوسف الحاج فيقول: «الريحاني وحدة فكرية تشابكت أضلاعُها، وتساوقت أطرافُها، وتناسقت أبهاؤها. ثمة روابط في الرؤية الريحانية إلى الوجود.. الريحاني لم يكتب الأدب من أجل الأدب، ولا التاريخ من أجل التاريخ، وهكذا لا القصة، والنقد، والسياسة، والاجتماع.. هي المعرفة الفلسفية.. على هذا الأساس لا أقدر أن أفهم الأمين الأديب، والأمين المؤرخ، والأمين السياسي، والأمين الاجتماعي. لماذا كان الأمين كل تلك الشخصيات في آن، وبقوة عظيمة؟ الجواب: لأنه فيلسوف قبل كل شيء وفوق كل شيء».. هو ذا «الأفق الواسع للكتابة». وهذا ما يفسر انتقال الريحاني الدائم بين الأدب والسياسة، وبين السياسة والفلسفة، كما انتقاله الدائم بين الشعر والرواية، وبين الرواية والمسرح، وبين المسرح والمقالة، وبين المقالة والرحلة. لأنها جميعاً الأجنحة الضرورية «للكتابة الواسعة» التي يبقى أفقها الفسيح، يبقى بلا حدود”.

افتتانه بأبي العلاء المعري..

في مقالة بعنوان “أمين الريحاني.. أديب بلا حدود” يكتب “عبد الوهاب قتاية”: “عاد عام 1898 وشغل بالعمل معلما للغة الانجليزية بمدرسة قرنة شهوان القريبة من «الفريكة» كما عكف على استكمال تعلمه للغة العربية على يد المعلم الكبير بطرس البستاني وفي أثناء تعرفه على عيون الأدب والتراث العربي، فتن بلزوميات أبى العلاء المعري فأخذ يترجم بعضها وفي ذلك يقول: “عدت إلى بلادي كئيبا، وكنت لا أعرف من لغتي وآدابها غير اليسير، فتغلغلت في سراديبها دون أن أرثي لحالي. وبينما أنا أتخبط في دياجي اللغة عثرت على كتاب شعر إنساني الكسائي وسيبويه وكل من علم حرفا في البصرة والكوفة.. جمعني الله سبحانه وتعالى بأبي العلاء المعري بعد أن هداني بواسطة الفيلسوف الانجليزي ـ كارليل ـ إلى الرسول العربي. قرأت اللزوميات معجبا بها، ثم قرأتها مترنحا، ورحت أفاخر بأني من الأمة التي نبغ فيها هذا الشاعر الحر الجسور الحكيم. عدت إلى أميركا مع «اللزوميات» وكنت ترجمانه هناك”.. بين أميركا وأوروبا ولبنان، ظل أمين الريحاني يتنقل ويسهم في نفض غبار الجهل بمجد الحضارة العربية، والتعريف بمعالمها وانجازاتها وكتب ـ في فترات كان يعتزل فيها كتابات عبرت عن تأملات وفلسفة روحية سامية، وكتب أثناء الحرب العالمية الأولى ـ وخطب في المحافل العربية في أميركا مناشدا مساعدة الأهل في الوطن على غوائل الجوع والظلم”.

ويضيف: “ولم يكتف الريحاني بالقراءة عن وطنه العربي الكبير وقرر دراسته ميدانيا بنفسه.في أوائل عام 1922، وصل أمين الريحاني إلى القاهرة، التي كانت منطلقه إلى رحلاته العربية المثيرة الحافلة. وكانت زيارته للقاهرة هي الثانية في حياته، فقد زارها عام 1905 زيارة لم تمكنه من معرفتها جيداً، كما لم يكن هو قد ارتقى إلى مكانته المرموقة في الشرق أو في الغرب.. ومع أن الريحاني قد عرف حفلات التكريم له في أميركا وفي سوريا ولبنان، فإن تكريمه في القاهرة كان مهرجانات متألقة شارك فيها قادة الفكر وأعلام الأدب من مصر والوطن العربي، وقد توجت مهرجان تكريمه في ساحة بمنطقة الأهرام بدعوة من شيخ العروبة أحمد زكي باشا، وفيها أنشدت رائعة أحمد شوقي التي يختمها بقوله الخالد:

إن الذي ملأ اللغات محاسناً

جعل الجمال وسره في الضاد

وفي ختام المهرجان ألقى الريحاني رائعة من الشعر المنثور ـــ الذي برع فيه ـــ واستهلها قائلاً:

«مصر هي أكبر الشرقيات الباسمات للدهر، وهي أحدث الشرقيات الناهضات..

هي أول من هزت الشمس سريرهن، وأول من قبلهن الليل على ضفاف النيل..

هي أول من لعب في ذرى الصناعة والفنون، وأول من رقص والقمر تحت النخيل..

هي أول من بنى ركنا للعلم، وبيتاً للحضارة، وأول من شيد للحياة هيكلاً وللموت قصوراً..

هي أول من نطق في قلب العالم كلمة العبادة والابتهال..

هي أول من أضرم في ليل الحياة نار الإيمان..

هي أول من نحت تمثالاً جميلاً، ورسم ذكراً وأملاً للإنسان..

هي أول من قال للموت: لا، وأول من قال للحياة: نعم..

لها في الموت حياة، ولها في الحياة المآثر الخالدات..

هي مصر، آية الزمان، ابنة فرعون، معجزة الدهر، فتاة النيل» فلقد كان الريحاني من الرموز البارزة لتيار النهضة والحرية والدعوة للتسامح الديني والعلم والتواصل العربي سبيلاً إلى الوحدة العربية. وكانت زيارة على غير هوى المتشددين المتزمتين الذين راحوا ينددون به وبدعواته ويحرضون عليه. لكن الريحاني لم يأبه، وكان في العلاقات الطيبة التي عقدها مع رموز الفكر والأدب والنهضة خير عزاء”.

 

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب