16 يناير، 2025 11:49 ص

أمينة رزق.. سيدة المسرح التي تألقت في السينما وفي دور الأم

أمينة رزق.. سيدة المسرح التي تألقت في السينما وفي دور الأم

 

خاص: إعداد- سماح عادل

“أمينة رزق” ممثلة مصرية، صاحبة أطول مسيرة فنية في تاريخ السينما العربية، حيث كانت بدايتها الاحترافية من خلال فيلم “سعاد الغجرية” سنة 1928، وسنوات عملها السينمائي والتلفزيوني تجاوزت 75 عاما.

حياتها..

هي “أمينة محمد رزق الجعفري”، ولدت في 15 أبريل عام 1910، بمدينة طنطا بمحافظة الغربية، الابنة الوحيدة لوالد يعمل تاجرًا للدقيق، التحقت بالمدرسة الابتدائية هناك عام 1916، وكانت تشاهد السيرك في احتفالات مولد السيد البدوي، وبسبب ذلك تعلقت بالفن، لكن والدها توفى بعد عامين فانتقلت مع والدتها إلى العاصمة القاهرة، لتلتحق بمدرسة ضياء الشرق الابتدائية، وكان عمرها ثماني سنوات.

لم تكن ابنة الثماني أعوام بعيدةً عن الإرهاصات السابقة لثورة 1919، إنما كانت دائمًا ما تقود الفتيات في مظاهرات طلابية ضد الاحتلال الإنجليزي وتردد: “عاشت مصر حرة.. عاشت مصر حرة”، وفى إحدى المرات وبينما اقترب المتظاهرون من الشارع الرئيسي أُطلق عليهم الرصاص، ووقع الكثير من القتلى وألقى الإنجليز القبض على عدد كبير منهم، وعادت سالمةً، إلا أن والدتها منعتها الذهاب للمدرسة فترة حتى وعدتها ألا تُكررها.

ظهرت لأول مرة على خشبة المسرح عام 1922 حيث قامت بالغناء إلى جوار خالتها في إحدى مسرحيات فرقة “علي الكسار” في مسارح روض الفرج، وانتقلت للعمل مع فرقة “رمسيس” المسرحية التي أسسها “يوسف وهبي” عام 1924، حيث ظهرت في مسرحية “راسبوتين”.

صعدت أمينة لأول مرة على خشبة المسرح عام 1922 وهى في الثانية عشرة من عمرها، حيث اشتركت مع خالتها الفنانة أمينة محمد، والتي كانت تكبرها بعامين فقط، في الغناء مع الكورال، في إحدى مسرحيات فرقة “على الكسار” بروض الفرج، وانتقلت للعمل مع فرقة “رمسيس” المسرحية التي أسسها “يوسف وهبي” 1924، فظهرت ممثلةً لأول مرة في مسرحية “راسبوتين”، وكانت هذه هي بدايتها المسرحية الحقيقية، وبدأ الاعتماد عليها في معظم الأدوار النسائية للفرقة، وعندما حل يوسف وهبي فرقته المسرحية عام 1944، انضمت إلى الفرقة المصرية للتمثيل والموسيقى، وعندما ظهر المسرح القومي انضمت إليه 1958 هي ومن تبقى من أعضاء فرقة “رمسيس”، وأصبحت إحدى بطلاته المرموقات، وقدّمت مسرحيات منها: (مجنون ليلى، بداية ونهاية، طعام لكل فم، أولاد الفقراء، بنات اليوم، عطيل).

السينما..

في مجال السينما بزغ نجمها كممثلة قديرة، وكانت تحظى باحترام العاملين في المجال الفني الذين رأوا فيها مثالا للاحتواء والانضباط، وكانوا ينادونها ب”ماما أمينة”، عينت “أمينة رزق” عضوا بمجلس الشورى المصري في مايو 1991، كما حصلت على وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى من جمال عبد الناصر.

“أمينة رزق” نجحت في أداء أدوار درامية معقدة، يغلب عليها الطابع المأساوي الحزين، كما اشتهرت بأداء دور الأم لمدة طويلة بدء من عام 1945 من خلال فيلم “الأم”، ولم تكن تجاوزت الـ35 من عمرها، وقدّمت الدور في أفلام منها: “بداية ونهاية، أرض الأحلام، قنديل أم هاشم، المجرم، التلميذة، بائعة الخبز”، حتى أُطلق عليها “أم الفنانين”، وكذلك دور الزوجة العاقلة والمضحية من أجل أبنائها، ومن أهم أعمالها السينمائية أفلام: “شيء من الخوف، بائعة الخبز، الشموع السوداء، التلميذة، المولد، التوت والنبوت، شفيقة القبطية، البؤساء، أريد حلًا”.

تعدت أعمالها ال280 عمل فني، ووصل عدد الأفلام التي قدمتها لأكثر من 150 فيلمًا منها: (بائعة الخبز، وأريد حلا، وبداية ونهاية، والتلميذة، وقبلة في الصحراء، وشفيقة القبطية، وشاويش نص الليل، وناصر 56، واستاكوزا، والكيت كات، والانتفاضة، وشارع السد، وصراع الأحفاد، والمولد، والتوت والنبوت، والإنس والجن، والعار، والعاشقة).

كما قدمت حوالي 96 مسلسلا تليفزيونيا، أهمها: (السيرة الهلالية، والإمام البخاري، وهاربات من الماضي، ومحمد رسول الله، وقال البحر، وليلة القبض على فاطمة، وعصفور النار، وبوابة المتولي، والبشاير، وثمن الخوف، وأوبرا عايدة، وللعدالة وجوه كثيرة، وهارون الرشيد، وفارس الرومانسية، وأوراق مصرية، وأحلام مؤجلة، وضد التيار، وخالتي صفية والدير).

الحب..

ارتبطت بفرقة رمسيس ارتباطًا كبيرًا، ومثّلت في أغلب مسرحيات “يوسف وهبي” الذي ارتبطت به أستاذًا وفنانًا وممثلًا، ولم يتزوجها رغم حبها الشديد له، ولكنها لم تبح له يومًا بهذا الحب الذي رفضت من أجله الارتباط بأي رجل آخر، هذا الحب وصل بها إلى أن تنكرت مرة في زى خادمة، لتلعب دور مرسال الغرام بينه وبين إحدى حبيباته، فقد كانت تلك السيدة متزوجة، ورغم ذلك تجمع بينها وبين يوسف وهبي قصة حب كبيرة، وظلت أمينة توصل لها رسائلها الغرامية حتى تم طلاقها من زوجها، وتزوجها وهبي في النهاية.

وفى لقاء نادر لها مع “مفيد فوزي”، عبر قناة “دريم”، ذكرت “أمينة رزق” أنها تقدم العديد لخطبتها، وكان منهم شخص يعمل ضابطًا، ومع إصرار عائلتها عليه وافقت على الخطبة منه، وفى قرارة نفسها تعلم أنها لو تزوجت سيُبعدها عن الفن، وبعد فترة استغلت سفره إلى الخارج وأرسلت إليه شبكته، وفوجئت بعد مُضى 14 عاما على فراق هذا الشخص يتصل بها بعد عودته من الخارج ويطلب زيارتها، ووافقت وعلِمت بعدها أنه تزوج من فتاة أجنبية ولكنه سينفصل عنها لعدم اتفاقهما، وقام بطلبها للخطوبة مرة أخرى، ووجدت إصرارا كبيرا من عائلتها وتهديد بأنهم سيتبرأون منها، فاضطرت للموافقة عليه وعُقد القران، وطلب منها ممارسة حقوقه الشرعية، إلا أنها رفضت، وبعد 11 يوما تم الطلاق.

“أمينة رزق” حكت في شبابها عن بعض المغامرات العاطفية التي عاشتها وكتبت هذه الحكايات في مقال ل”مجلة الكواكب” عام 1958 تحت عنوان “رجال في حياتي” وأشارت خلال هذا المقال إلى أن ذاكرة حواء تظل دائما تحتفظ بذكريات طريفة عن أول رجل أحبها وتقدم لطلب يدها أو كتب لها خطابا غراميا.

وبدأت “أمينة رزق” تحكى بعض مغامراتها العاطفية أيام الشباب قائلة: “ذات يوم كنت ممثلة ناشئة في فرقة رمسيس ودخل يوسف وهبي وبين يديه مجموعة من الرسائل وجلس يقرأها، وفجأة توقف أثناء قراءة إحدى الرسائل وضحك ضحكته الشهيرة ورفع الرسالة وهو يقول :جواب لأمينة رزق من واحد معجب ولهان.. ضحك الزملاء والزميلات وكنت وقتها في الثالثة عشر من عمري وكانت أمي تصحبني في كل مكان وتأتى معي إلى المسرح، ومضى يوسف وهبي يقرأ الخطاب الذي كان كاتبه خبيرا في اللغة العربية فملأه بعبارات حارة كلها عبارات حب وهيام ، فصاحت أمي في غضب: تعرفي الجدع ده منين يابنت، وكادت تضربني.. أقسمت أني لا أعرفه حتى تدخل يوسف وهبي ليخفف من غضب أمي قائلا أن كل فنانة معرضة لها اللون من إعجاب رحال لا تعرفهم ولم ترهم في حياتها”.

وحكاية أخرى عن ممثل شاب كان زميلها في فرقة رمسيس وكان يحاول لفت انتباهها تقول :”كنت مشغولة بفني ولم يكن عندي وقت للحب وكنت أتطلع لأوار البطولة، وفى أحد الأيام لم تأت أمي معي للمسرح ووجد الشاب فرصة ليعرض على أن يوصلني بدراجته بعد انتهاء العمل، وكان كل الممثلين وقتها يركبون الدراجات، وأخذت الأمر ببساطة وركبت معه دراجته، حاول الشاب أن يثبت لي مهارته فكان يحاول أن يسبق السيارات، وفجأة انقلبت الدراجة بي وبه، ووجدت نفسي أسقط على الأرض بينما سقط هو في التراب الذي أفسد أناقته وآثرت أن أكمل الطريق إلى بيتنا على قدمي خوفا من السقوط بالدراجة مرة أخرى”.

وتضيف :”ذات يوم جاءني زميل أحتفظ بسرية اسمه منعاً للإحراج وقال لي أنه زار شارع الهرم بالأمس وأدهشه أن يجد هناك جنة  فالمطاعم تعزف الموسيقى والجو رائع جميل، لم أكن قد ذهبت أبدا إلى شارع الهرم وكان حلمي أن أرى الأهرام وأبى الهول، ووافقت على الفور عندما دعاني، وكان الزميل طوال الوقت يستعمل الاصطلاحات الانجليزية ليدلل على ثقافته الواسعة ونعمنا بالنزهة ورأيت الأهرام وأبا الهول وقضينا وقتا طيبا مرحاً، فوجئت بثورة الزميلات في مسرح الفرقة في مساء اليوم نفسه، فقد كن ساخطات لأنني خرجت مع رجل غريب عني، لا هو قريبي ولا خطيبي ولم يشفع لي أنه أحد الزملاء في الفرقة، وبعدها انقطعت عن تلبية أية دعوة إذا كان الداعي إليها رجلاً”.

بلغ رصيدها المسرحي 210 مسرحيات، ونجحت أيضًا في الأدوار الكوميدية، ومنها دورها في مسرحية “إنها حقًا عائلة محترمة” التي عُرضت 1979، مع فؤاد المهندس، وشويكار، كما شاركت في مسرحية “السنيورة تكسب” عام 1985، وآخر أعمالها كان اشتراكها في مسرحية “يا طالع الشجرة” ل “توفيق الحكيم”، قبل عدة أشهر من وفاتها، ورفضت في سنواتها الأخيرة فكرة الاعتزال، رغم حادث السيارة الذي تعرضت له وأصابها بكسور في ساقها.

الضرائب..

لم تكن “أمينة رزق” تحتفظ بأوراق متعلقة بالضرائب التي يتم تسديدها عن أدوارها الفنية، حتى فوجئت في العام 1996 بمطالبة الضرائب لها بتسديد المستحقات عن 24 عاما دفعة واحدة، بحيث قدّرتها الضرائب بـ38 ألف جنيه، وحاولت التفاهم، مؤكدة أنها لم تتهرب يوما من تسديد قيمة الضرائب، إلا أنهم طلبوا منها إحضار الإيصالات، وفشلت جميع محاولاتها لتخفيض المبلغ، فقامت بسداد 14 ألف جنيه، ودفعت الباقي بالتقسيط على عدة أشهر تجنبا للحجز على ممتلكاتها وبيعها في مزاد علني، وكانت تمتلك سرايا بشارع الهرم بلغت مساحتها 1121 مترا، مكوّنة من 3 طوابق، أجّرتها لصالح أحد الأشخاص بمبلغ 40 جنيها شهريا وفقا للقانون القديم، بينما حددت الضرائب المبلغ المفروض على السرايا بـ125 جنيها شهريا، وعليه أصبحت تدفع للسرايا ضريبة تفوق قيمتها التأجيرية، ولم تجد من يُقدّم على شرائها ليسدد ضريبة عنها أكبر من قيمتها التأجيرية، وفى نهاية المطاف باعت الفيلا لتُسدد مستحقاتها.

وفاتها..

توفيت “أمينة رزق” في 24 أغسطس 2003، اثر إصابتها بهبوط حاد في الدورة الدموية وذلك بعد صراع استمر شهرين مع المرض عن عمر ناهز الـ93 عاما.

https://www.youtube.com/watch?v=dSrj12RmhSM

 

 

 

 

 

 

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة