خاص : كتبت – سماح عادل :
“أمينة السعيد”.. كاتبة مصرية، وصحافية ورائدة من رواد الحركة النسائية.. ولدت عام 1914، وعاشت طفولتها في “أسيوط”، جنوب مصر، كان والدها طبيب معروف وقد حرص على تعليم أبناءه، في إذاعة (صوت العرب)؛ روت “أمينة السعيد” عن والدها وهو على فراش الموت، حيث جمع الوالد بناته وطلب منهم أن يقسمن أمامه أنهن لن يتزوجن إلا بعد إتمام التعليم الجامعي مهما كانت الظروف، وحفظت البنات هذا العهد، كن خمساً من البنات، “عزيزة وكريمة”؛ أرسلهما الوالد إلى إنكلترا للدراسة هناك، وأدخل “أمينة وعظيمة” المدارس بالقاهرة لتتعلما باللغة الإنكليزية، أما “فاطمة” فقد توَفيت في سن صغيرة.
حياتها..
كان والدها، الدكتور “السعيد”، من الأطباء المشهورين في “أسيوط”.. شارك في ثورة 1919، اعتقلته السلطات البريطانية وأبعدته عن “أسيوط” وعن أسرته لمدة ثلاثة أشهر، ثم أفرج عنه بعد أن هدأت الأمور.. درست “أمينة السعيد” باللغة الإنكليزية في “مدرسة شبرا”، وتمت خطبة “أمينة” إلى شاب خطواته سريعة إلى سلك التدريس بكلية الزراعة، ولكن عليه أن ينتظر سنوات أربعة إلى أن تتخرج “أمينة” في قسم اللغة الإنكليزية بكلية الآداب بـ”جامعة فؤاد الأول”، حسب تعليمات السيد الوالد. والتحقت “أمينة السعيد” بالجامعة، وكانت أول من شجع البنات المصريات على ممارسة الألعاب الرياضية.
خلال فترة الدراسة كان زميلها في الجامعة، “مصطفى أمين”، قد قدمها إلى، “محمد التابعي”، الصحافي المعروف وقت ذلك، فقدمت له بعض القصص الاجتماعية وقدمها زميلها، “محمد فتحي”، إلى الإذاعة لتعمل بالقطعة تترجم بعض القصص عن الإنكليزية وتلقيها بصوتها في الميكروفون، وكان خطيبها يذهب بها إلى مشاويرها ويعود بها إلى بيتها.
تقول “أمينة السعيد” إنها ليست من صنف النساء المعقدات ضد الرجال دون أسباب معقولة.. فالرجل والدها رباها بإستنارة وحرص على تعليمها مع حقه في الإشراف والرقابة، والرجل، “مصطفى أمين”، أوصلها إلى الصحافة مع الإلتزام بحدود الزمالة، والرجل الآخر، “محمد فتحي”، قدمها إلى الإذاعة مع الاحترام والمعاملة الكريمة.
تزوجت “أمينة السعيد” من الدكتور، “عبدالله زين العابدين”، وكان ذلك في عام 1937، حيث أنه كان يحترمها ويقدر عقلها؛ بالإضافة إلى تشجيعه الدائم لها على مواصلة نجاحها وتألقها في مجال الصحافة وكان دائم الفخر بها.
الصحافة..
تخرجت “أمينة السعيد”؛ ووجدت فرصتها في “دار الهلال”، وفي مجلة (المصور) بدأت بباب، “اسألوني”، الذي لازمها وعرفت به.. ترد على أسئلة القُراء وعرفت بسهولة العبارة وصفاء الأسلوب وعذوبة النفس والروح بكل ما تكتب، وأصبحت أول كاتبة بعد “باحثة البادية”؛ تهتم بالشؤون الاجتماعية اهتماماً شخصياً متصلاً بالحياة العامة.
وقد ترأست تحرير مجلة (حواء)، وترأست تحرير مجلة (المصور)، وترأست مجلس إدارة “دار الهلال”، وكانت أول صحافية مصرية تزور الولايات المتحدة الأميركية والإتحاد السوفياتي بحكم عملها الصحافي، وأصبحت وكيلة نقابة الصحافيين وعضواً بالمجلس الأعلى للصحافة، وبعد الإحالة إلى المعاش أصبحت مستشارة لـ”دار الهلال” وعضوا بالمجالس القومية المتخصصة، وعضواً بمجلس الشورى لدورتين.
الحركة النسائية..
إنخرطت “أمينة السعيد” في الحركة النسائية، التي كانت نشطة في ذلك الوقت، ووجدت من “هدى شعراوي” التقدير والتشجيع وعاونتها في القيام برحلات مختلفة إلى الخارج؛ كانت أهمها “الرحلة إلى الهند”، وكانت ثمرة تلك الرحلة كتابها المهم (مشاهداتي في الهند)، وأصبحت “أمينة السعيدة” رائدة ثورية في مجال الفكر الاجتماعي، وفي مجال التحرر النسائي، فقد اقترحت إحداهن مرة إحالة المرأة العاملة إلى المعاش المبكر وهي في سن الأربعين، ووقفت “أمينة السعيد” في وجه تلك الدعوة ووصفتها بأنها تلتقي دون أن تدري مع الدعوة المنادية بعودة المرأة إلى البيت، وكان مما قالته أن الدعوة إلى المعاش للمرأة في سن الأربعين هي مجرد تأجير العودة إلى البيت بعد مدة محدودة من العمل.. كما حاربت بكلماتها التطرف والمتطرفين؛ مؤكدة على وحدة الشعب، وقالت إن المتطرفين والمتعصبين يعملون على تقسيم الشعب وفي الوقت ذاته يعملون على تقسيم المصريين إلى رجال ونساء بدعوى التقوى المزعومة وينصبون أنفسهم لتحديد الحلال من الحرام، ويزعمون أنهم قوامون على الدين والدين الصحيح منهم براء.
تقول “أمينة السعيد” عن نفسها: “قبل إشتغالي بالصحافة ودخولي الجامعة وتخرجي منها، كنت أقوم بتمثيل بعض المسرحيات في الحفلات الخيرية التي كانت تقيمها الزعيمة هدى شعراوي لصالح الأعمال الخيرية التابعة لجمعيتها, إن المغفور له قاسم أمين والمرحومة الفاضلة هدى شعراوي سيذكر لهما التاريخ ويحتفي بهما أشد إحتفاء, إنهما هما الذين جعلا المرأة العربية ترفع رأسها أمام المرأة الأوروبية وتتطابقها في معايير المساواة, لقد أنهت لنا فكرة قيد النساء والحرملك وجاهلية الحجاب عندنا, لن يستطيع أي أوروبي أن يعايرنا بعد الآن, إن نهضة المرأة العربية سواء إن كانت هنا لنساء القاهرة والإسكندرية ودمشق وغيرهما, دمرت كلام المستشرقين المنحرفين الذين جعلوا من شرقنا عالم من الجواري وأسواق النخاسة وأن المرأة ليست سوى مرادفاً للمتعة بشرقنا”.
اسألوني..
خلال حوار نادر مع “أمينة السعيد”، على شبكة (الإنترنت) دون ذكر اسم الصحافي الذي أجراه، تقول عن أهم ثلاث مشاكل عانت منها المرأة خاصة خلال ثلاثة أجيال عايشتها، وذلك من خلال إطلاعها على مشاكل المرأة من خلال باب “اسألوني”، الذي كانت تعمل عليه: “طبعاً كان لكل عصر صراعه ونوعية مشاكله.. ففي البداية كانت النوعية صراع المرأة في سبيل حرية التعليم وصراعها مع أهلها وزوجها، ثم صراعها في سبيل العمل وحق الحياة.. جاء بعد ذلك ما ترتب على العمل من صراع المرأة مع الرجل، على من الذي ينفق على ميزانية البيت.. هذه كانت معظم مشاكل باب (اسألونى)، ومشاكل المرأة الآن أنها تمر بمرحلة التمزق النفسي والضغوط الاجتماعية التي جعلتها مشتتة الذهن والوجدان بعد التعليم والعمل والحرية”.
وتضيف عن تأثير الحرية على المرأة: “الحرية قد أسعدت المرأة كثيرا ولكنها أضفت كذلك على حياتها كثيرا من عناصر التعب، والسعادة أصلا نسبية، ولكن على الرغم من كل شيء بلا شك الحرية قد أسعدتها، فعلى الأقل كونت الحرية لها الشخصية المميزة، وجعلت منها إنسانة لها حقوق وواجبات في المجتمع، وكل هذا يحسب لصالحها أولا وأخيرا، وهى بالتأكيد تسعد به لأنه جعل منها إنسانة بعد أن كانت عفوا (شلتة) لا حول ولا قوة لها”.
وعن تحقيق عمل المرأة الحرية لها تؤكد “امينة السعيد”: ” لقد تحقق هذا إلى حد كبير جدا، ولكن المرأة اليوم انشغلت بمشاكل الحياة مما أبعدها وأفقدها هذا الشعور بلذة الحياة العملية.. ففي أيامي أنا كانت المرأة الجامعية تعمل لتثبت أن لها رسالة وقيمة ودورا في المجتمع، ولكن اليوم المرأة التي تدخل الجامعة تدخلها بلا رسالة وليس مهما عندها أن تتفوق، فهي تريد فقط أن تجد الزوج الذي يتزوجها، ويريحها من عبء العمل، ويا حبذا لو كان هذا الزوج مقتدرا ماديا فتكون قد بلغت المراد، في حين أنه على أيامي كان العمل هو الهدف الأول والأخير والمادة كانت آخر ما نفكر فيه، وأنا أحمد الله أن زوجي كان موفقا ماديا، وليس في حاجة لدخلي، ولكن لو وصلت الأمور بيننا إلى حافة الطلاق لاخترت الطلاق على ترك الوظيفة لأن العمل كان تكملة لذاتي وكرامتي الاجتماعية”.
الأبناء..
وعن تربية أبناءها تروي “أمينة السعيد “: “ابنتي الكبرى انجي زين العابدين في كلية الزراعة، وثاني أبنائي حازم زين الدين هو مدير مبيعات في شركة موبيل أويل، وثالث أبنائي باسل زين العابدين قد اختار لنفسه الأعمال الحرة.. وقد أعطيتهم جميعا كل ما حرمت منه أنا شخصيا، وهو ليس حرمانا ماديا بل معنويا، فأنا قد حرمت منذ الصغر من الحرية فأدخلتهم مدارس مشتركة منذ الصغر، فعندما وصلوا إلى المرحلة الجامعية كان الاختلاط شيئا عاديا بالنسبة لهم، وأنا قد اتبعت في تربيتهم أسلوب الإقناع ولم استعمل الضرب كوسيلة لعقابي أبدا معهم ، ولكن كانت كلمتنا أنا ووالدهم مقدسة وواحدة لا تتغير وعقابي لهم دائما كان عقابا معنويا، أجنبهم الإسراف والتبذير بعد أن لاحظنا أنا ووالدهم عدم تقديرهم للمادة لصغر سنهم، فكانوا يسرفون في استهلاك الحلوى والمشروبات الغازية بدون وعى بأن يطلب الطفل الحلوى والمياه ولا يكاد يتذوقها حتى يتركها إلى متعة أخرى. اتفقت مع والدهم على أننا مسئولان عنهم في العلاج والغذاء في المنزل والمدرسة، على أن نعطيهم مبلغا من المال سنويا في مظروف عليه اسم كل منهم بداية من منتصف شهر سبتمبر قبل بدأ السنة الدراسية وهم عليهم الكساء المدرسي والنزهة على مدار السنة، كانت أنجى في الثالثة عشرة وحازم في الثانية عشرة وباسل في الثامنة فكان في رعاية إخوته، وأذكر بعد هذا الاتفاق بثلاثة أشهر أن جاءتني ابنتي تطلب من رصيدها سبعين جنيها، فارتجف قلبي في صدري من الهلع، ولكنى سلمتها المبلغ من رصيدها بهدوء، فإذا بها تسألني في فزع ( ألم تسأليني لماذا أريد هذا المبلغ الكبير؟) فأجبتها بالنفي لأن هذا مسؤوليتها، وإذا رأيتها في البرد القارس بثياب خفيفة لن تصعب على فتراجعت قائلة “أرجوك ردى النقود إلى مكانها فنحن كنا نمتحنك”.كان عمري في ذلك الوقت فى بداية الثلاثينات وأذكر بعدها أنهم كانوا يتقاسمون زجاجة المياه الغازية، وقطعة الحلوى بعد أن كانوا لا يقيمون وزنا للقرش، وعندما أصبح المال مالهم حتى الأحذية كانوا يحافظون على صيانتها، فتعلموا الاقتصاد منذ الصغر، وأصبح لكل منهم رأس مال وضعوه في البوستة بأسمائهم”.
وعن زواجها وهل كان عن حب تقول “أمينة السعيد”: “جدا.. جدا وأشارت إلى صورة زوجها الراحل بكلتا يديها، واكتسى وجهها بفرح حزين والكلمات تتدفق من قلبها إلى شفتيها.. هذا الرجل كان حياتي بأكملها، وليس حبا فقط فقد نشأنا معا بحكم الجيرة أطفالاً، كنا أصدقاء نلعب معا، وفى المراهقة ربطنا الحب معا، وعندما التحقنا بالجامعة كنت أحمل اسمه مع خاتم الخطوبة في إصبعي، وبعد التخرج أصبحت زوجته، وعشنا هذا العمر معا في حب لا حدود له.. حب كله إخلاص ومودة واحترام وإجلال، ولا أذكر إنه في يوم من الأيام أساء إلى أو أسأت إليه حتى ولو بكلمة أو بلفظ ، ولذلك عندما توفى شعرت بتمزق فظيع أن أفقد من شاركني كل هذا العمر مشاركة وجدانية وحياتية”.
قصور العقل..
واستطردت عن غيرة الزوج من شهرة ونجاح زوجته : “نحن في عالمنا العربي للأسف الرجل غير ناضج بما فيه الكفاية ليتقبل هذا الوضع فبدلا من أن يفخر الزوج العربي بزوجته يغار منها ومن شهرتها، ويكون ذلك سببا في تعاسة بيوت زوجية عديدة، وهذا يدلنا على قصور في إدراك الرجل العربي ونموه العقلي في كل البلاد العربية، والمجتمع الرجالي متخلف بدليل أننا الآن ونحن على مشارف القرن الواحد والعشرين نجد من ينادى بأن تمنع المرأة من العمل مع صرف راتبها لها بدون أن يقابله عمل تقوم به، فهم يريدون أن يجعلوا من النساء المتعلمات متسولات”.
وعن الاتصال بالثقافة الغربية وهل أبعدت الإنسان عن تراثه وانتمائه تجزم “أمينة السعيد”: “بلا شك أن الدراسة الأجنبية الحقيقة البعيدة عن السطحيات توجد ضميرا كبيرا وعظيما جدا.. المهم أن يصلهم بالجوهر، والعرب دائما محافظون على جذورهم.. وليس من السهل زرعهم في أرض أخرى بدليل تعاقب الاحتلال الفرنسي والإنجليزي على البلاد العربية ومع ذلك لم يتسرب لوجدان العربي لا بعادتهم ولا بتقاليدهم، ولكن التناقض هو أننا في بلاد نجمع بين المتعلمين والأميين.. والأميون هم الأغلبية وهنا يكون التناقض لأن المتعلم بجده واجتهاده نسبته قليلة إلى الأميين حيث الأمية تثقل هالكنا، فأصبح المتعلم المزروع في أرض غير أرضه.. الإنسان العربي لم يتحقق له من الآمال ما كان ينبغي أن يتحقق له.. فالإنسان العربي يقاوم التقدم وبداخله عنصر عجيب جدا يحارب العلم والتقدم والفكر العلمي وهذا عن الزمن الماضي القصير أو الطويل وقد كان من الممكن أن ينجز أكثر مما وصل إليه.. عندما التقى بالرجل العربي اليوم المتعلم أجد أن أبى كان أكثر حضارة منه وأبى يمثل ثلاثة أجيال من الماضي فأجد أن أبى كان أكثر تقدمية وأكثر ذكاء وأكثر فهما للمجتمع العربي.. هذا يرجع أن ثقافة الرجل العربي اليوم ثقافة سطحية وجذورنا العربية العميقة الموجودة لا تجد من يساندها ويقومها، ومن يقومها يهاجم ويشهر به ، وإذا كتب أو قال ما يدعو إلى الحرية العلمية وإلى التقدم العلمي حدث له مثل ذلك”.
الأدب والمرأة..
وعن سؤال هل الأدب العربي يعبر عن المرأة تجيب “أمينة السعيد”: “قليل منه فقط هو الذي يعبر عن المرأة العربية.. أما معظم كاتباتنا فمقلدات لفرنسوا ساجان وغيرها ولا تحاول الأديبة العربية اليوم أن تقدم شيئا نابعا من بيئتها وأصول حياتها”.
وعن سؤال هل الأديبات العربيات مقيدات ومقلدات تقول: “لا طبعا لأن التقييد سلوك اجتماعي، ولكن نحن يمكن أن نقول أيضا مقيدات لأن الأديبة العربية اليوم إذا قالت كل ما يجيش بصدرها بصراحة ووضوح يثور عليها المجتمع مما يدفعها أن تكون هي رقيب نفسها، لا تقدم المرأة كما يجب وأنت على حق بسؤلك فهن مقلدات ومقيدات”.
بين المنع والاستحواذ..
وعن الرجال الذين يرفضون عمل المرأة أو الذين يستحوذون على دخلها تقول: “مازال العمل مقرونا في بلادنا بالفقر وهذه نظرة خاطئة جدا وفرص النقاوة الاجتماعية والتفتح الاجتماعي غير موجودة بسبب الردة الحضارية التي تمر بها البلاد العربية بأكملها.. ما تعليق على نموذج آخر لرجل يستمريء دخل زوجته ببلادة وبرود وهذه نماذج موجودة بنسبة عالية الآن ماذا أصاب مجتمعنا وكيف ارتد النقيض إلى النقيض؟ نعم هذا النموذج موجود في مجتمعنا مع الأسف.. والرجل بهذه الطريقة يدفع كرامته مقابل دخل زوجته.. لأن المرأة في طبيعتها تحتقر بعنف الرجل الذي يستغلها ماديا وأنا تأتيني الكثيرات باكيات لأن أزوجهن يستولون على مرتباتهن ويعطونهن فقط مقابل المواصلات وقدحا من القهوة خلال العمل.. وهى مضطرة أن تعطيه وإلا طلقها وحرمها من أطفالها وقوانيننا السيئة لا تعطيها الحماية وليس السهل أن تعترض الأم لفقدان أبنائها، وأنا أيضا ألوم المرأة على ضعفها وسلبيتها ولكن الرجل العربي بطبعه لديه شهامة لا أدرى أين ذهبت”.
الشابات والردة الحضارية..
وعن الفتيات في هذه الأيام وهل تصيبها الأوضاع بالاكتئاب تقول “أمينة السعيد “: “أنا لو كنت مكانها لما كنت أشعر بالسعادة فليس هناك ما يسرني، وأنا أكبر سنا، والمفروض أن أكون أكثر حلما، ضاق صدري بكل السيئات والنواقص التي تحيطني، فكيف إذن بفتاة في مقتبل العمر وكل الطرق في وجهها ليست مشرقة بل مسدودة. لم تنتج حركتنا وكفاحنا في قضية المرأة أية ثمار لهؤلاء الشابات لأنه توجد ردة حضارية.. الاكتئاب أصبح مرض العصر فليس هناك اليوم شاب أو شابة لا يعانى من مرض نفسي.. فتاة اليوم تدخل الجامعة لأن الشهادة تؤهلها لوظيفة تتزوج من خلالها وتحسن مستواها المادي.. وأنا أقول لها املئي قلب أبنائك بالصدق أو اغرسي فيهم ثقتهم بك وكوني لهم القدوة الصادقة الواثقة المؤمنة.. يجب أن تكوني ذات رسالة، وإذا لم تكن لديها رسالة فالتظل داخل جدران بيتها فتريحي وتستريحي.. وأنا لا ألومها فما فيها يكفيها”.
وتؤكد “أمينة السعيد” أن ما ينقص المرأة: “ينقصها الكثير جدا.. تنقصها الحرية وينقصها الفهم الاجتماعي.. من المتعلمات أميات اجتماعيا وحضاريا فقد نجد (بنت البلد) غير المتعلمة تفوق متخرجة الجامعة فهما ورؤية للحياة.. فعلى المرأة اليوم أن تعرف ماذا تريد وأين هي وما هي أهدافها في الحياة فالمرأة اليوم مقلدة تتبع الموضة العمياء وترتدي الأزياء كالبهلوان لتلفت إليها الأنظار أو تنقلب إلى النقيض” .
وفاتها..
رغم الحرب الضروس التي قادتها السعيد ضد أصحاب الأفكار المتطرفة ضد المرأة إلا أنه سيطر على كتاباتها الطابع الحزين الذي ظهر فيما نسب إليها من كلمات في أحد أعداد مجلة الهلال عام 1955، قائلة فيه :”لا أريد أن أعيش إلى مثل هذا العمر المديد، فأكبر عقاب نجازى به على سعادتنا الحاضرة، أن يمتد العمر بمثيلاتي إلى ما بعد 50 سنة قادمة، وأصبح من العجائز الفانيات، هياكل بشرية محطمة، تعزيها ذكرى قديمة لمجد زائل، ومكانة انتزعتها مجاهدات جديدات”.
قبل وفاة “أمينة السعيد” بحوالي أربعة أيام قامت بكتابة: “لقد أفنيت عمري بأكمله من أجل المرأة المصرية أما الآن فقد هدني المرض وتنازلت الكثير من النساء عن حقوقهن، فالمرأة المصرية ضعيفة ولا خلاص لها إلا بالنضال والأمل” وتوفيت عام 1995 عن عمر يناهز خمسة وثمانين عام.