خاص: إعداد- سماح عادل
“أمينة الرحال” رائدة من رائدات الحركة النسائية في العراق، انتمت لعائلة كبيرة تحتوى كثير من المثقفين والمبدعين والمناضلين السياسيين، وكان لها دور هام في فترة الأربعينات في المجتمع العراقي، حيث عملت بالسياسة وبالمحاماة بالعمل التطوعي، وناصرت قضية المرأة وحقوقها.
حياتها..
ولدت عام 1919, في منطقة الدليم، كان والدها “علي صائب” ضابطا في الجيش العثماني برتبة قائمقام عسكري، وكان مديرا للمدرسة الحربية في أسطنبول. نشأت في بيئة عراقية تحرم التقاليد الاجتماعية والدينية فيها على المرأة أي اختلاط مع الرجل، أو الخروج وحدها والاتصال بالآخرين. لكنها قررت تحدي تلك على العادات الاجتماعية فكانت أول امرأة تتخلص من ارتداء غطاء الرأس أي الحجاب في ثلاثينيات القرن العشرين وبخطوتها الجريئة هذه فتحت أبواب التحدي لنساء العراق بحيث صرن يقلدنها بالتدريج, وفي عام 1936 وكانت في السابعة عشر من العمر كانت أول امرأة تحصل على إجازة قيادة سيارة. بعد إتمام دراستها بتفوق في دار المعلمين قدمت طلبا للالتحاق بكلية الحقوق وكانت محامية في عام 1943. وعملت في مكتب المحامي “عبد الرحمن خضر” الذي كان يدرّس في هذه الكلية وله كتابات في القانون.
قيادة السيارة..
ومن هذه الأجواء انطلقت “أمينة” لتتحدى الجهل والتخلف الذي يحيط بها وبالمجتمع، حصلت على لقب السائقة المثالية لأنها أول امرأة استطاعت أن تسوق سيارتها الخاصة وهي انجليزية الصنع من نوع “بيبي فورد” في شوارع بغداد بعد حصولها على إجازة القيادة, وكان سكان بغداد لا يصدقون ما يروه وهي تمر أمامهم بسيارتها فارعة الرأس فيصابون بالذهول، لكن بعضهم بارك لها تلك الخطوة الجريئة والتي اعتبروها انتصار للمرأة العراقية الواعية ومساهمة في تحريرها من ربقة العبودية والتسلط وأشار بعضهم إلى ضرورة أن تأخذ المرأة دورها الريادي إلى جانب الرجل في المجتمع.
العمل التطوعي والسياسي..
وتعد “أمينة الرحال” من رائدات العمل التطوعي في العراق حيث سافرت إلى دمشق لحضور المؤتمر النسائي الشرقي في تموز عام 1930, ونشطت في العمل السياسي ضمن صفوف الحزب الشيوعي العراقي، حتى صارت أول امرأة عضو لجنة مركزية في الحزب من عام 1941 إلى عام 1943، وبجانب عملها السياسي اهتمت بالعمل الجماهيري والديمقراطي حيث أنه لما تأسست جمعية المرأة العراقية المناهضة للفاشية والنازية عام 1945 انتخبت “أمينة الرحال” عضواً في هيئتها الإدارية، واستمرت في هذا العمل بالرغم من توقفها عن مزاولة العمل السياسي الحزبي واشتركت في المؤتمر العربي النسائي في القاهرة عام 1954، وبعد ثورة 14 تموز عام 1958 عينت مشرفة تربوية حتى 1963 بعد انقلاب 8 شباط.
والجدير بالذكر أن “أمينة الرحال” هي الأخت الصغرى للمناضل الماركسي المعروف “حسين الرحال” المولود عام 1901 ، والذي كان من منظمي أولى الحلقات الماركسية في العراق، وقد أسهمت أفكاره في تأثرها بالفكر الماركسي، لذلك انخرطت في العمل السياسي وهي لم تزل طالبة وشاركت في الحركة الوطنية وخاصة ضمن نشاطات الشيوعيين العراقيين من خلال وثباتهم وانتفاضاتهم ضد النظام الملكي ورموزه. و”أمينة الرحال” هي ابنة عم النحات العراقي المعروف “خالد الرحال”.
حصلت “أمينة الرحال” على تكريم من قبل مديرية المرور العامة وذلك لقيادتها سيارتها لأكثر من نصف قرن دون أن ترتكب أية مخالفة وبقيت لنهاية عمرها وحياتها الزاخرة لا تعرف مقدار الغرامة المترتبة على المخالفة المرورية لأنها وببساطة، لم ترتكبها مطلقاً..!!
أول محامية..
في مقالة بعنوان “أكثر من قرن على ولادة أول محامية عراقية” يقول “أحمد مجيد الحسن”: “عندما أُسست نقابة المحامين سنة 1933 اقتصر الانتماء إليها على المحامين من الرجال، لعدم وجود امرأة عراقية من خريجات كلية الحقوق منذ تأسيس مدرسة حقوق بغداد سنة 1908 إلى ذلك التاريخ. إلا أنه بعد مرور عشر سنوات على تأسيس النقابة سنة 1943 انتمت أول عراقية إليها، لتكون المحامية الأولى في العراق. وتعد السيدة “أمينة الرحال” أول امرأة مارست مهنة المحاماة في العراق”.
ويضيف: “”سافرت “أمينة الرحال” وهي طالبة في دار المعلمات، كرئيسة لوفد المرأة العراقية، إلى المؤتمر النسائي الشرقي المنعقد في دمشق في تموز من عام 1930. واندمجت في العمل السياسي وهي طالبة في دار المعلمات، واهتمامها بالعمل الديمقراطي والجماهيري. فقد أصبحت عضواً في جمعية المرأة العراقية المناهضة للفاشية والنازية ثم انتخبت عضوا في هيأتها الإدارية. استقالت (أمينة الرحال) من التعليم في 1/10/1939 لتدخل كلية الحقوق في 6/11/1939. وبعد تخرجها في 1/6/1943 انتمت إلى نقابة المحامين في 12/6/1943. مارست المحاماة لمدة سنتين، ثم أعيد تعيينها في وزارة المعارف (التربية) مديرة لمتوسطة العمارة للبنات بتاريخ 1/9/1945. وبعد ثورة 14 تموز سنة 1958 عينت مشرفة تربوية واستمرت في العمل في وزارة المعارف لغاية 28/8/1963 حين فصلت لأسباب سياسية. وأعيد انتماؤها إلى نقابة المحامين في 16/1/1946 واستمرت بالمحاماة لغاية إحالتها على التقاعد لأسباب صحية في 19/3/1973″.
ذكريات الشباب..
في حوار أجراه معها “علي ناصر الكناني” تقول “أمينة الرحال” عن قيادة السيارة: “ما أن تجاوزت الثامنة عشرة من عمري وبعد ممارسة جيدة ومستمرة بالسياقة قدمت طلبا إلى مديرية المرور لمنحي إجازة سوق خصوصي، وفعلا تم ذلك بعد اجتيازي للاختبار الخاص بذلك وهو أن يجلس إلى جوارك أحد رجال المرور أثناء السياقة لتحديد مستوى كفاءة السائق. ورغم إنها تجربة جديدة بالنسبة لي ولكن تشجيع الأهل والأصدقاء بدد مخاوفي ما ساهم في اجتيازي الاختبار بنجاح منذ المرة الأولى وكان ذلك عام 1936. رغم وجود بعض النساء الأجنبيات اللائي كن يمارسن السياقة بشكل اعتيادي إلا أني كنت عندما أمر بسيارتي في أحد الشوارع ويعرفون إنني عراقية كان بعضهم يصاب بالدهشة والاستغراب!! وخصوصا الأطفال الذين كانوا يصفقون لي في مداعبة طريفة لا تخلو من شغب طفولي بريء.. وبعضهم كان يمتعض غضبا لا يخلو من الشتائم لكوني امرأة سافرة ولا أرتدي العباءة. ومن الطريف أني عندما كنت أتجول بسيارتي في شوارع بغداد كان بعض رجال الشرطة والمرور يؤدون لي التحية اعتقادا منهم أني موظفة أجنبية بمنصب كبير في السلك الدبلوماسي… فكنت اضحك في سري وأتظاهر ((بالفخفخة))”.
وتواصل: “من المواقف التي حصلت معي آنذاك أنني استبدلت، خلال تلك الفترة سيارتي بسيارة أخرى وهي انكليزية الصنع وكان يجلس إلى جواري شقيقي وخلال مرورنا في الشارع المجاور لبناية القشلة حيث كانت تمر به عربات تجرها الخيول، فإذا بي أفاجأ بظهور العربة حيث لم أتمكن حينها من إيقاف السيارة ما أدى الى اصطدامي بالحصان وإصابته بجروح بليغة ولكني تحملت تعويض وتصليح العربة ماديا”.
وتؤكد: ” مضى علي أكثر من خمسين سنة لحصولي على الإجازة وحتى الآن لم ارتكب أية مخالفة مرورية!! لا تستغرب عندما أقول إنني لا أعرف مقدار الغرامة المرورية آنذاك لأنني لم أدفع أية غرامة في حياتي، ولو أني أذكر شيئا أنه لم تكن هناك إشارات ضوئية في شوارع بغداد ما عدا واحدة عند تقاطع الجسر الحديدي نتوقف عندها عندما يمر القطار. بالإضافة إلى قلة السيارات في الشوارع لأن وسائط النقل كانت لا تتعدى عربات تجرها الخيول والكاري”.
وفاتها..
توفت” أمينة الرحال” في 15 شباط 2002 عن عمر 83 عام.