ألفريد كينسي.. درس السلوك الجنسي علميا وله مقياس مشهور

ألفريد كينسي.. درس السلوك الجنسي علميا وله مقياس مشهور

 

خاص: إعداد – سماح عادل

“ألفريد تشارلز كينسي”، أحيائي أمريكي، وأستاذ علم الحشرات وعلم الحيوان، وعالم جنس، أسس معهد أبحاث الجنس في جامعة إنديانا بلومنغتون في عام 1947، والمعروف سابقًا باسم معهد كينسي للبحث في الجنس والنوع الاجتماعي والتكاثر. اشتهر كينسي من خلال كتابيه: «السلوك الجنسي لدى ذَكَر الإنسان» نُشر عام 1948، و«السلوك الجنسي لدى أنثى الإنسان» نُشر عام 1953.

أثارت أبحاث كينسي حول الجنسانية، والتي كانت الركيزة الأساسية لعلم الجنس فيما بعد، جدلًا في أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين. أثرت كتاباته على القيم الاجتماعية والثقافية في الولايات المتحدة، وكذلك على الصعيد الدولي أيضًا.

حياته..

وُلد “ألفريد كينسي” في يونيو عام 1894 في مدينة هوبوكين في مقاطعة هدسون في ولاية نيوجيرسي الأمريكية، كان والده أستاذًا جامعيًا في معهد ستيفنز للتقنية. انتقل بعمر العاشرة مع عائلته إلى بلدة قرية ساوث أورانج بولاية نيوجيرسي. أظهر اهتمامًا كبيرًا بالطبيعة والتخييم في عمر مبكر أيضًا.عكست هذه الرغبة أطروحة “كينسي” الجامعية الأولى في علم النفس، وهي أطروحة عن الديناميكيات الجماعية للفتيان الصغار.

علم الحشرات..

أصبح “كينسي” مهتمًا بعلم الأحياء وعلم النبات وعلم الحيوان. في خريف عام 1914، التحق بكلية بودوين، درس هناك علم الحشرات. وتخرج ثم تابع دراساته العليا في معهد بوسي التابع لجامعة هارفارد، الذي يتمتع بواحد من أكثر برامج علم الأحياء شهرة في الولايات المتحدة. وهناك درس علم الأحياء التطبيقي تحت إشراف “ويليام مورتن ويلر” العالم الذي ساهم مساهمة بارزة في علم الحشرات. عمل “كينسي” تحت إشراف “ويلر” باستقلالية تامة.

حصل “كينسي” على درجة الماجستير في عام 1919 من جامعة هارفارد. في عام 1920 نشر عدة أبحاث تحت إشراف المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي في مدينة نيويورك، وهناك قدم الآبرات إلى المجتمع العلمي ووصف تطورها. ومن بين أكثر من ثمانية عشر مليون حشرة في مجموعة المتحف، كان هناك نحو 5 ملايين منها جمعها “كينسي”.

كتب “كينسي” كتابًا مدرسيًا مستعملًا على نطاق واسع في المدارس الثانوية بعنوان «مقدمة في علم الأحياء» نُشِر في أكتوبر 1926. أيد الكتاب التطور، ووحَّد مجالي علم الحيوان وعلم النبات اللذين كانا منفصلين في السابق. شارك “كينسي” في تأليف كتاب «النباتات البرية الصالحة للأكل: شمال شرق أمريكا الشمالية» نُشر في عام 1943، بالمشاركة مع “مريت ليندن فرنالد”.

موضوع الجنس..

في أواخر ثلاثينات القرن العشرين، قدمت جمعية طالبات جامعة إنديانا التماساً بتقديم منهج تعليمي للطلبة المتزوجين ومن يفكرون في الزواج، فأوكلت هذه المهمة إلى “كينسي”. وكان الطلبة يسألون أسئلة مثل: ما أثر العلاقات الجنسية قبل الزواج على الحياة الزوجية؟ ما هي الممارسات الجنسية الطبيعية، وما هي الشاذة؟ لقد كان القدر المحدود من المعلومات التي لديهم عن تلك الأمور مستمداً من الدين، أو الفلسفة، أو المعايير الاجتماعية، وسرعان ما اكتشف “كينسي” أن المعلومات العلمية عن السلوك الجنسي للحشرات البسيطة أكثر من مثيلتها عن السلوك الجنسي لدى البشر.

وكان الطبيب الإنجليزي “هنري هافلوكإليس” قد قدم أول معالجة للموضوع في كتابه Studies in the Psychology of Sex ” والذي نُشر في سبعة مجلدات بين ١٨٩٦، و١٩٢۸، ولكن الحكومة البريطانية منعت تداول الكتاب. ثم جاء  “فرويد” فقلل الحظر المفروض على موضوع الجنس، ولكنه لم يُجر فيه أبداً بحثاً علميّاً موسعاً، لذلك بدأ “كينسي” يجمع المتوافر من معلومات عن الموضوع عام ١٩۳٨.

وبعد عشر سنوات، نشر “كينسي” وفريق العاملين معه كتاب “السلوك الجنسي لدى المرأة”، والذي حقق أعلى المبيعات على مستوى الولايات المتحدة حيث بيع منه أكثر من نصف مليون نسخة، رغم أن الكتاب كان موجهاً لطلبة الجامعة. أصبح “كينسي” شخصية شهيرة في كل أنحاء الولايات المتحدة، وكذلك اشتُهر معهد “كينسي” لبحوث الجنس. وقد نشر بعد ذلك بخمس سنوات كتابه “السلوك الجنسي عند الرجل”، وجاء الكتاب في ٨۰۰ صفحة وشاركه تأليفه  “يول جيبهارد”،  و”وارديلبوميروي”  و”كلايد مارتن”. وأصبح الكتابان مشهوران باسم  ” تقريريَّ كينسي” ربما بسبب حرج القراء من السؤال عنهما في المكتبات نتيجة لعنوانيهما المخجلين. وفي عام ١٩٥۳ وهو عادم صدور الكتاب الثاني  ظهر”كينسي” على غلاف مجلة تايم.

كان البحث الذي أجراه “كينسي” واحداً من أعظم المشروعات العلمية في التاريخ، وكان تمويل البحث تمويلاً مشتركاً من جامعة إنديانا، ولجنة بحوث المشاكل الجنسية بالمجلس القومي الأمريكي للبحوث تحت توجيه “روبرت ييركس” المشهور ببحوثه في اختبارات الذكاء وسلوك الحيوانات، وتحت رعاية مؤسسة روكفيللر.

وقد تزامن إجراء البحث مع التقدم الذي طرأ على أساليب البحث مما ضمن درجة جيدة من الدقة في أن تكون عينة البحث تمثيلاً دقيقاً للجمهور بوجه عام، بدلاً من الاعتماد على عدد محدود من الحالات. ولكن كيف سيحصل “كينسي” على معلومات دقيقة في بحثه إذا أخذنا في الاعتبار طبيعة العلاقة الجنسية التي تحدث خلف أبواب مغلقة؟ لقد كانت قوانين بعض الولايات تجرم حكي الناس لقصص تتعلق بعلاقاتهم الجنسية، لذلك كان على “كينسي” وفريق العاملين معه أن يستخدموا أسلوباً في استطلاع الآراء يضمن أن يتم إخفاء هويات المشاركين في استطلاع الرأي وحماية اعترافاتهم.

وقد سأل  “كينسي” وفريقه المشاركين في استطلاع الرأي 350 سؤالاً عن تاريخهم الجنسي، وقدم بعض المشاركين يوميات تسجل نشاطاتهم الجنسية اليومية. وقد تم بحث كل جوانب السلوك الجنسي، سواء من ناحية المرحلة العمرية، أو الحالة الاجتماعية، أو المستوى التعليمي والطبقة الاقتصادية والاجتماعية، أو الخلفية الدينية، أو سكني الحضر والريف.

وفي الفترة من 1938 – 1956 تمت دراسة 17000 شخص، أشرف  “كينسي” بنفسه على أكثر من خمسة آلاف لقاء منها. وكتاب “السلوك الجنسي لدى المرأة” يقوم أساساً على دراسة 5940 حالة لنساء أمريكيات من أصول أوربية بالإضافة إلى قصص حكتها 1849 امرأة كانت ضمن تصنيفات أخرى. وتضمَّن الكتاب قائمة طويلة بوظائف النساء المستطلع آراؤهن بدء من ممرضات بالجيش، لطالبات بالمدارس الثانوية، لراقصات، لعاملات بالمصانع، لمتخصصات في الاقتصاد، لُمدرسات، لمخرجات في السينما، لموظفات في مكاتب. أما الوعاء الأكبر للدراسة، فقد احتوى على سجينات.

 النتائج..

بالإضافة إلى القدر الهائل من البيانات الأولية، فقد وجدت أفكار علم النفس، وعلم الأحياء، وسلوكيات الحيوان، والعلاج النفسي، وعلم وظائف أعضاء الجسم، والأنثروبولوجي، وعلم الإحصاء، والقانون طريقها إلى “كتاب السلوك الجنسي لدى المرأة” وبه جهد أكبر للنظر للتاريخ الجنسي عبر الأعمار. ورغم اللغة العلمية الجافة، والرسوم، والجداول الكثيرة في الكتاب، فقد بدا الكتاب أكثر صدمة، وذلك لأن الحالة الجنسية لدى المرأة تتضمن المزيد من المحاذير التي لا يجب مناقشتها، وكانت الدراسة تتطلب معلومات صادقة للغاية عن الأسرار الشخصية العميقة.

ومع ذلك ، يجد آخرون بأن التوجه الجنسي أكثر تعقيدًا بكثير وأنه يُنظر إليه بشكل أفضل على طول السلسلة متصلة أو طيف من التنوع والألوان. لذلك يمكن إرجاع فكرة طيف التوجه الجنسي إلى ألفريد كينسي.

سلّم كينسي..

أنشأ “كينسي” مقياس سمي “سلم كينسي”، يُستخدم  لوصف تجربة الشخص الجنسية، أو الاستجابة في وقت معين، ويبدأ مجاله من صفر ويعني غيريّا حصراً، حتى 6 مما يعني مثليّا حصراً، واُعتبر الناس الذين صنفوا في مكان ما بين 2 و4 مزدوجي الميول الجنسية، بينما اعتبر عالما الاجتماع “مارتن واينبرغ” و”كولن ويليامز” من حيث المبدأ، بأن الأشخاص الذين يصنفون في مكان ما بين 1 إلى 5 هم مزدوجو ميول جنسية. وقد تم إضافة فئة X إلى “سلّم كينسي” وتعني اللاجنسية. يُمكن اعتبار اللاجنسية غياباً في التوجُّه الجنسي، أو أحد التنوعات بين التوجهات الجنسية التي تشمل الغيرية والمثلية والازدواجية الجنسية. كما أنه مصطلح واسع يُصنِّف طيفاً واسعاً من الهويات اللاجنسية الفرعية.

شرح سلم “كينسى”:

0 مغاير تماماً

1 مغاير في الغالب، مثلي عرضاً

2 مغاير في الغالب، مثلي أكثر عرضاً

3 مزدوج الميول الجنسية

4 مثلي في الغالب، مغاير أكثر عرضاً

5 مثلي في الغالب، مغاير عرضاً

6 مثلي تماماً

إكس X لا جنسي.

يمكن القول بأن علم الجنس الحديث مبني على أسس وضعها “كينسى”. وبفضل أبحاث “كينسي” في علم الجنس، أصبح هذا العلم مثله مثل باقي العلوم، مبنياً على أسس علمية تعتمد على تقييم كل سلوك جنسي بعينات مختلفة من المجتمع. هذه الطريقة سمحت له بتصحيح العديد من الأفكار الخاطئة.

على سبيل المثال، قبل “كينسي” كان “كرافت أيبنغ” يعتقد بأن الممارسة الجنسية الذاتية، الاستمناء أو ما يعرف بـ”العادة السرية” يقود إلى الجنون، لمجرد أنه لاحظ أن المرضى الذين درس حالتهم يمارسون الاستمناء. ولكنه لم يراع الحقيقة الإحصائية التي أثبتها “كينسي” والتي تفيد أيضاً بأن الأشخاص الطبيعيين أيضا يمارسون الاستمناء، وبمقدار يعادل إن لم يكن أكثر من المصابين بالجنون. مما يدل على عدم وجود أي رابط بين الجنون والاستمناء.

الأخطاء القديمة لم تقتصر على “كرافت” وأمثاله ممن ساعدوا على نشر الأفكار الجنونية في علم الجنس. حتى “فرويد” مثلاً، رغم أن العديد من نظرياته ما تزال مقبولة في عصرنا، إلا أنه وقع في العديد من الأخطاء. كقوله بأن استعمال الواقي الذكري يخلف وراءه حالة من العُصاب النفسي والقلق دون أن يكون وراءه أي خلفية إحصائية تبين حالة غير المصابين بالعُصاب والذين يستعملون الواقي الذكري.

بالتأكيد فإن اللجوء إلى علم الإحصاء وتطبيق الرياضيات على الأمور الطبية والإنسانية قد يوقع في الخطأ. عندما بدأ “كينسي” دراسته للجنس استطاع الحصول على العديد من الدراسات التي كانت تستجوب البشر عن عاداتهم الجنسية. ولكنه أظهر الأخطاء العديدة التي وقعت بها هذه الدراسات نتيجة سوء اختيار العينات التي اقتصرت على فئات معينة من المجتمع، أو طرح الأسئلة بشكل لا يمكن معه الحصول على إجابة حقيقية نتيجة الخجل أو الخوف من التعبير بصراحة سواء من قبل السائل أو المجيب. ولضيق الوقت الذي لا يسمح للصراحة أن تستقر بين السائل والمجيب الذي سيتردد كثيراً قبل أن يجيب بصدق خوفا من أن يصبح عرضةً للسخرية.

كانت أولى الحقائق التي توصل “كينسي” إليها أن السلوك الجنسي للبشر يعتمد على المستوى العلمي والاجتماعي. نبهه لهذه الحقيقة أحد حراس الحرم الجامعي الذي لاحظ أن الشبان من طلاب الجامعة يقضون فترة طويلة في الحديقة يتبادلون اللمسات والقبل. هذه الحقيقة جلت لكنسي عندما استجوب 17 ألف شخص فتبين له أن المغازلة هي أمر يقوم به بشكل خاص الرجال من المجتمعات المتوسطة والعليا وممن حصلوا على دراسات جامعية. وتبين له أن الرجال من الطبقات الأخرى والذين اقتصروا على التعليم الابتدائي، إن حصل ومارسوا الغزل، فإنه يكون سريعاً ويقتصر على عدة قبلات تسبق الجماع الحقيقي، هذا السلوك يختلف عن سلوك الطلاب وفئات المجتمع العليا الذين يمارسون الإثارة الجنسية لفترات طويلة وحتى دون أن يتلوها الجماع.

ذكر “كينسي” نتائج تثبت ذلك مثل أن الوصول إلى قمة المتعة أي النشوة “أورجازم” بفضل اللمس والتقبيل ممكنة عند:

ـ 16 % من الرجال ذوي التعليم الابتدائي.

ـ 32 % من الرجال ذوي التعليم الثانوي.

ـ 61 % من الرجال ذوي التعليم العالي. والذين قد يتأخر زواجهم كثيرا إلى ما بعد سن الثلاثين.

في العام 1939 وصل عدد الأشخاص الذين استجوبهم كنسي حول سلوكهم الجنسي إلى 733 شخصاً وبدأ يكتسب خبرة كبيرة واكتشف أموراً عديدة حول السلوك الجنسي للبشر مما سمح له بوضع طريقة علمية للاستجواب تضم 300 إلى 500 سؤال، وتوصل إلى أفضل الوسائل التي مكنته من الحصول على الأجوبة الصريحة والمعبرة.

استمرت دراسة “كينسي” سنوات عديدة، حتى مماته. ولم يتوقف عنها حتى بعد نشره كتابيه المشهورين:

ـ السلوك الجنسي عند الرجال، 1948

ـ السلوك الجنسي عند النساء، 1953

ونشرت النتائج الإضافية في كتبه التي نشرت بعد وفاته عن:

ـ الحمل، الولادة والإجهاض، 1958

ـ وكتابه عن الإجرام الجنسي 1965.

ولدى وفاته وصل عدد الأشخاص الذين تم استجوابهم إلى 17500 شخص، وسجلت جميع المقابلات من قبل “كينسي” شخصياً أو من معاونيه الثلاثة. الأشخاص الذين تم استجوابهم هم من الأشخاص التطوعيين المنتشرين بمناطق عديدة من البلاد ومن مختلف طبقات المجتمع حتى تكون العينة معبرة قدر الإمكان عن كامل المجتمع.

وفاته..

كان “كينسي” يطمح للوصول إلى 100 ألف مقابلة ولكن الموت منعه من ذلك إذ توفي عام 1956 عن عمر ناهز الـ 62 سنة بهجمة قلبية. ويقال أن الإرهاق كان له دور كبير بموته، لدرجة أنه كان يغفو على مقعده أثناء محاضراته. ولم يستمع لنصائح طبيبه بالراحة والإقلال من فترات العمل.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة