25 فبراير، 2025 12:51 ص

أكذوبة العصر الجاهلي !

أكذوبة العصر الجاهلي !

خاص : بقلم – عدة بن عطية الحاج (ابن الريف) :

جاء القرآن في عصر يُسمّى مجازًا العصر الجاهلي، ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، ولكي يُميط اللثام عن بعض التقاليد البالية والتي كان يُعاني منها المجتمع الجاهلي؛ كالحروب التي بين القبائل، كـ”حرب داحس والغبراء” و”حرب البسوس”؛ التي دامت أربعين سنة وسقطت فيها أرواح عديدة، وكانوا يعبدون الأصنام؛ كان لكلّ قبيلة صنمها الخاص يعبدونه لكي يقربهم إلى الله زلفى وكانوا يحجّون إلى الصنم الكبير الموجود في جوف الكعبة، كانوا يقسمون بـ”اللات” و”العزّى” ويقدّمون الذبائح إلى الأوثان حتى ترضى عنهم أصنامهم الصغرى ويرضى عنهم صنمهم الأكبر الموجود في جوف الكعبة، ويرضى عنهم الله الذي يسكن في السماء، فهذه الأصنام الصغرى والصنم الأكبر هم مجرد وسائط بينهم وبين الله، فكانوا عندما يركبون البحر يدعون الله الواحد الأحد، أمّا عندما ينزلون إلى البرّ فيدعون الأصنام الصغرى والصنم الموجود في جوف الكعبة، فالمشركون لم يجهلوا حقيقة الله الموجود في السماء؛ بل كانوا يعرفونه حقّ المعرفة ويدعونه تضرّعًا وخفية ويدعونه رغبًا ورهبًا في الليل وفي النهار، فوالد “محمّد” اسمه “عبدالله”؛ وعمّه اسمه “عبدالعزّى”، فجدّ النبي؛ “عبدالمطلب”، كان يؤمن بوجود الله ويؤمن بشفاعة “اللات” و”العزّى” و”مناة” الثالثة الأخرى، فالمشركون عبدوا الله وعبدوا معه غيره كوسائط وشفعاء، وهذه الوسائط والشفعاء هي الأصنام التي كانوا يعتقدون بأنّها “بنات الله”؛ وهي عبارة عن ملائكة مسخت حجارة وصارت تُعبد من دون الله، كان في “شبه الجزيرة العربية” ديانات شتّى كـ”الحنفية” السمحاء؛ التي إنبثق منها “الإسلام”، والديانة “الزرادشتية”؛ (المجوسية)، وهي ديانة دخلت “شبه الجزيرة العربية” عن طريق الفُرس؛ والديانة “اليهودية” التي جاءت من “مصر” عن طريق النبي “موسى” والنبي “يوسف”، يقول الله في القرآن عن فرعون مخاطبًا “موسى”: {أليس لي ملك مصر}، وفي آية أخرى يقول الله على لسان “يوسف”: {أدخلوا مصر إن شاء الله آمنين}، واستقرّ اليهود في “المدينة” وكانوا يأتون إلى “مكّة” من أجل التجارة ومن أجل المشاركة في المهرجان الشعري الذي كان يُقام في “سوق عكاظ”، وكان الشعراء يتنافسون أيهم أشعر من الآخر، أمّا الديانة “النصرانية” فجاءت عن طريق الروم وكانوا يؤمنون ببشرية النبي “يسوع” عندهم و”عيسى” عندنا، كانوا يعتقدون بأنّ “عيسى” ليس هو إبن الله بل هو عبدالله ورسوله، وكانوا يعتمدون في ديانتهم على “الكتاب المقدّس”؛ (التوراة)، وليس على الأناجيل الأربعة: كـ”إنجيل مرقص” و”إنجيل يوحنا” و”إنجيل لوقا” و”إنجيل متّى”؛ وخير من يُمثلهم هو القسّ “ورقة بن نوفل”، وهو الذي شهد بالنبوة لـ”محمّد” (ص)، بناءً على طلب من “خديجة” بنت عمّه؛ التي أخبرها زوجها النبي بأنّه يرى أشياء غريبة في “غار حراء” تتمثّل في صورة رجل يُعنّفه ويقول له: {اقرأ}، فيرد النبي: ما أنا بقاريء، ويفرّ مسرعًا إلى زوجته ويخبرها بما حدث له ويقول لها: “زمّلوني، زمّلوني، دثّروني، دثّروني”، فالوحي الذي كان يتنزّل عليه كان يُصيبه ببرودة شديدة، ويجعل جسمه يثقل ثقلاً شديدًا، يقول الله في القرآن: {إنّا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً}، فالنبي “محمد” (ص) كان يُحسن القراءة والكتابة ولم يكن أمّيًّا، وخير دليل على ذلك: قول جبريل له: {اقرأ}، يعني أراه شيئًا مكتوبًا، فقال له النبي: “ما أنا بقاريء، يعني لا أقرأ شيئًا لست متأكدًا من مصدره، هل هو وحي من ملاك ؟ أو هو وحي من شيطان ؟، لذلك قال النبي لجبريل: ما أنا بقاريء ما جئتني به حتى أتأكد من هويتك، هل أنت ملاك أم شيطان ؟ وكذلك هناك دليل بأنّ النبي “محمّد” كان يُحسن القراءة، لأنه ليلة أسري به إلى “سدرة المنتهى” قرأ فوق العرش الكلمة المشرّفة: {لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله}، وكان له كتبة للوحي يكتبون له القرآن، وكان “محمّد” يُراجع ما يكتبون ويُصحّح لهم بعض الأخطاء التي ارتكبوها، فالرسول منع تدوين الحديث حتى لا يختلط بالقرآن، فالنبي “محمّد” كان فارسًا من فرسان البيان، لم يكن أمّيًّا، ولقب: “الأمّيّ” أطلق عليه لأنّه ليس من أنبياء “بني إسرائيل”، بل هو نبيّ من العرب الأقحاح، كانت للنبي ملكة شعرية وملكة نثرية هائلة، له بيت يتيم قاله في إحدى الغزوات: “أنا نبي لا كذب … أنا ابن عبدالمطلب”.

والأحاديث التي رويت عنه فيها بلاغة رهيبة، تدلّ على أنّ النبيّ ليس بأمّيّ، بل هو متمكّن من ناصية اللغة العربية ومن آدابها من أمثال وحكم وأشعار وأسجاع كهّان وخطب ووصايا.

وأمّا الدليل على أنّ “محمّدًا” كان يُتقن الكتابة هو قوله لـ”عمر بن الخطاب”؛ وهو يحتضر: “آيتوني بدواة وقلم أكتب بهما كتابًا لن تضلّوا بعده أبدا”، قال له “عمر”: “حسبنا كتاب الله”، والتفت “عمر” إلى الصحابة؛ وقال لهم: “إنّ محمّدًا يهجر؛ (يعني يهذي بسبب الحمّة التي أصابته)، مات النبي واندلعت الفتن بين الصحابة بسبب عدم تدوين ذلك الكتاب الذي أراده الرسول أن يكون دستورًا للمسلمين، وأراد الرسول أن يُعيّن في ذلك الكتاب خليفة للمسلمين من بعده، ربّما كان سيُعيّن “عليًّا بن أبي طالب” خليفة للمسلمين؛ لأنّه هو أولى بذلك علمًا وشجاعة ونسبًا وأدبًا شعره ونثره، ولكن قدّر الله وما شاء فعل، فـ (نهج البلاغة) للإمام “عليّ” يُعتبر من عيون الأدب في عصر صدر الإسلام، فهو شاعر ووالده؛ “أبوطالب” شاعر، وابن عمّه النبي “محمّد”؛ يُجيد قرض الشعر.

إنّ العصر الذي جاء فيه النبي “محمّد” (ص)؛ وظهر فيه أمره ليس عصرًا جاهليًّا، بل هو عصر شعر وبلاغة وبيان، فمن الشعراء: “الشنفرى” و”عروة بن الورد”، و”تأبط شرّا”، و”المهلهل”، و”الخنساء”، و”زهير بن أبي سلمى”، ومن الخطباء: “هاشم بن عبدالمناف”؛ جدّ النبي “محمّد” (ص)؛ وقسّ بن ساعدة، وظهر أدب الوصايا كوصية “أمامة بنت الحارث”، وظهر سجع الكهّان كسجع “سطيح الكاهن”، وكان هناك التعايش بين الأديان: فكان في “شبه الجزيرة العربية”، المشركون؛ (عبدة الأوثان والأصنام)، واليهود الذين استقروا في المدينة، والنصارى الذين استقروا في الشام؛ وكانوا يأتون إلى “مكّة” من أجل التجارة، وكان النبي “محمّد”؛ قبل بعثته، يلتقي بهم في الشام ويحاورهم حول ألوهية المسيح، فهم كانوا يعتقدون بأن “عيسى” عبد الله ورسوله وليس إبنًا لله، كانوا يؤمنون بالكتاب المقدس؛ (التوراة)، الذي يُبشّر بظهور نبي من بني إسرائيل يأتي بعد النبي “عيسى”، لم يكونوا يؤمنون بالإنجيل، لأنّه تعرّض للتحريف من خلال إدعاء بأن “يسوع” المسيح (عيسى)؛ هو ابن الله من زوجته “مريم”، ولكن نصارى الشام الذين كانوا يأتون إلى “مكّة” وكان النبي “محمد” يلتقيهم كانوا يؤمنون بفكرة الإله المتجسّد وفحواها بأنّ الله حلّ في جسد “عيسى”، وهذه الفكرة لم تعجب النبي “محمّد” (ص)؛ وعندما نزل عليه القرآن فنّد الله هذه الفكرة؛ وقال بأنّ “عيسى” هو عبد الله ورسوله؛ وبأنّه رُفع إلى السماء ولم يُصلب وسيعود في آخر الزمان ويعتنق دين الإسلام ويموت ويصلّي عليه المسلمون صلاة الجنازة ويقومون بدفنه في بيت المقدس، يعني في ذلك القبر الفارغ الموجود في كنيسة القيامة بـ”فلسطين”.

فالنبي “محمّد” (ص)؛ قبل نبوته، لم يكن يعبد الأصنام، بل كان على دين جدّه “إبراهيم”، كان على دين “الحنفية” السمحاء، وهو الذي سمّانا بالمسلمين، فدين “الحنفية” السمحاء يعتقد معتنقوه بوجود إله خالق ويؤمنون باليوم الآخر، فـ”محمّد” لم يأتِ بدين جديد بل هو من الأحناف، كـ”قسّ بن ساعدة” و”زهير بن أبي سلمى”، يقول الرسول: “بُعثت بالحنفية السمحاء”، ويقول أيضًا: “جئت لأتمّم مكارم الأخلاق”، أي جاء ليتمّم دين جدّه “إبراهيم”؛ دين “الحنفية” السمحاء، فالنبي “إبراهيم” هو الذي سمّانا بالمسلمين، فإرهاصات “الإسلام” كانت موجودة قبل ظهور النبي “محمّد”، فالعصر الذي سبق ظهور الإسلام ليس عصرًا جاهليًّا؛ بل هو عصر “حنفيّ” سمح، “حنفي” يعني يعبد إلاهًا واحدًا ويؤمن بالبعث وباليوم الآخر، أمّا سمح فهو متسامح مع الآخر ويحترم الديانات الأخرى.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة