24 سبتمبر، 2024 1:21 م
Search
Close this search box.

“أصول الفروق بين الجنسين” .. المطالبة بإلغاء تقسيم العمل وتغيير العلاقات الاجتماعية

“أصول الفروق بين الجنسين” .. المطالبة بإلغاء تقسيم العمل وتغيير العلاقات الاجتماعية

خاص : عرض – سماح عادل :

منذ الولادة وحتى الكبر.. وتأثيرات المجتمع على تقسيم الإنسان إلى “رجل وامرأة”؛ لا تنتهي.. فنتيجة للتربية والتلقين واختلاف المعاملة تتم تنشئة المرأة بصورة مغايرة تماماً عن الرجل، في كتاب (أصول الفروق بين الجنسين)؛ للباحثة الألمانية، “اورزولا شوي”، ترجمة، “بوعلي ياسين”، يتبين أثر التربية منذ الصغر على ترسيخ الفروق بين الرجل والمرأة، وعلى اكتساب الإثنان مهارات وسلوكيات يعتبرها علم النفس والدراسات الماركسية فروقاً بيولوجية طبيعية.

لا نولد بنات..

بدءً من المقدمة؛ تقر الكاتبة أننا لا نولد “بنات” أو “فتيان”، إنما يجعلون منا كذلك، إن الأطفال يدفعون من يومهم الأول بصورة منتظمة إلى دور جنساني ويسمخون إلى كائن نسميه “أنثى” أو “ذكر”، هذه السيرورة تحد الإثنين، إلا أن البنت تحد أكثر من الصبي في إمكانياتها الكامنة، تنتقص في استقلاليتها وتظلم على صعيد الواقع، إن الخصائص الأنثوية التي كانت تعبر أصيلة مثل عاطفة الأمومة والعاطفية، والاهتمام الاجتماعي، والسلبية ليست أنثوية بالطبيعة ولا فطرية بل مكتسبة ثقافيًا عبر تأثيرات مباشرة في الأيام والسنوات الأولى من الحياة.

التربية على الأنوثة تعني التربية على الخضوع، على تقسيم العمل الذكري – الأنثوي، على العمل خارج – داخل البيت، على العقلانية – العاطفية على الإبداع – التقليد، فجميع القدرات الأنثوية المميزة في السنوات الأولى من العمر، أي القدرات التي يجري تشجيعها لدى البنات الصغيرات تخدم بصورة مباشرة تخفيف عبء العمل عن الكبار، إن عمل البنات يأخذ حجمًا أكبر مما كان يظن حتى الآن.

نتيجة التقسيم للعمل تبعًا للجنس تملك النساء من القوة والمرونة الجسدية أقل من الرجال، وهو ما يتخذ مرة أخرى ذريعة لتقسيم العمل حسب الجنس، لقد أثبت علم النفس التجريبي أن أكثر الخصائص الأنثوية مثل: (أقل عدوانية، أقل اهتمامًا بالأشياء التقنية، أكثر سلبية، أقل استقلالًا، أقل إبداعًا، أقل طموحًا)، سببها اجتماعي.

عمل المرأة الاجتماعي..

حتى الآن لم يقد توسع عمل المرأة الاجتماعي بأي حال إلى تحرير المرأة، كما ظن “إنغلز”، وغيره من المنظرين الاشتراكيين، إن كسب العيش ضروري من أجل استقلال المرأة نسبيًا عن الرجل، وبالتالي هو شرط لا غنى عنه لتحرير المرأة، غير أن هذا لا يعني كما رأت “كلارا زيتكين” تغييرا بسيطا للمشهد، فقد تحولت من عبدة للزوج إلى عبدة لرب العمل لكنها في الوقت ذاته تبقى عبدة للزوج، فبدلا من سيد واحد يصبح لها سيدان، لذا لا تقود مشاركة النساء في عملية الإنتاج الاجتماعي تلقائيا إلى رفع منزلتها الوضيعة، حتى لو أدت المشاركة إلى جمعنة جزئية لوظيفة التدبير المنزلي وتنشئة الأطفال، كما هي الحال في بعض البلدان الاشتراكية وكذلك جزئيا في البلدان الرأسمالية، حيث لا تعود هذه الوظيفة فردية بل مهمة جماعية للنساء طالما بقى تقسيم العمل جنسانيا وبالتالي بقيت سيادة الرجال على النساء قائمة، فلا يمكن وجود المساواة بين منزلتي الجنسين، وطوال ذلك سينقسم الأطفال في عملية الجمعنة دائما من جديد إلى نساء ورجال وسيعاد إنتاج علاقة التسلط القائمة.

المنظرين الاشتراكيين..

طالما أن المنظرين الاشتراكيين لا يضعون تقسيم العمل بين الجنسين بكليته موضع المسائلة وطالما أنهم ولو ضمن حدود ينطلقون من الفروق البيولوجية الطبيعية بين النساء والرجال، فإن اشتراكية كهذه مقامة على هذا الأساس لن تخلص النساء من منزلتهن المنقوصة، بالعكس هم يضفون شرعية على سيادة الرجال للنساء من خلال الفرق الطبيعي المزعوم الذي هو ذريعة لاضطهاد جنس النساء، ولاستغلال الكفاءات الأنثوية في حقل إعادة الإنتاج “تربية الأطفال وأعمال المنزل” كما في حقل الإنتاج “إنتاج المجتمع” وهكذا فإن حلهم لمشكلة اضطهاد المرأة لا يستهدف تحرير المرأة من ذلك التقسيم للعمل بين الجنسين، إذ أنه طبيعي وكل ما يجب فعله هو التقليل من تلك الطفرات التي تنشأ ضمن المجتمع المعنى، وهكذا تبقى في المجتمعات الاشتراكية أيضا قدرة المرأة على الأمومة البيولوجية ذريعة لإلقاء مسئولية الأمومة الاجتماعية على عاتق النساء وحدهن، بذلك تتفاقم في نفس الوقت مشكلة الأعباء المضاعفة لدى النساء إذ عليهن أن يقمن أيضا بكل ما يقوم به الرجال، مع أن تقييدهن ضمن مجال إعادة الإنتاج الخاص يعيقهن عن المشاركة في المجالات الاجتماعية الأخرى، أي في المجالات الذكرية، هناك فقط أداة سلطوية أساسية جدا “الجيش” تبدو المرأة ما تزال مستبعدة عنها، مثل هذه الاشتراكية المطبوعة بالبطريكية لا تجلب للنساء أي تحرر من اضطهادهن كنساء.

مراحل تطور الشخصية..

يكتسب الرجال والنساء بصورة فعالة في كل مرحلة من مراحل تطور نشأتهم الفردية النواتج الاجتماعية بنوعيها المادي والمعنوي، ويطورون بذلك قدراتهم وخصائصهم المميزة الأنثوية والذكرية، ولكن ليس جميع أنواع النشاطات لها نفس الأهمية في كل مرحلة من مراحل التطور، وليس جميع الأنشطة في كل سن، أي في كل درجة تطور، ولدى كلا الجنسين لها نفس التمثيل، البعض منها يهيمن في فترة زمنية معينة أو ينال أهمية أكبر في التطور اللاحق للبنات أو الصبيان.

أن الشروط التاريخية الملموسة لتقسيم العمل جنسانيا وعلاقات السيطرة والوظائف الاجتماعية التي يحوزها الرجال والنساء في ظل هذه الشروط هي التي تحدد وتؤثر على المضمون الملموس لكل درجة من درجات التطور، وكذلك على كامل مجرى التطور النفسي، هذا يعني أن الشروط الجنسانية والطبقية للمرحلة التاريخية الملموسة المعنية تقود إلى المضمون الخاص لمراحل تطور الشخصية، وأن مدة ومضمون مراحل التطور التي تهيئ النساء والرجال لعملهم المميز جنسانيا وطبقيا لم يكونا بأي حال في مجرى التاريخ دائما هما نفسهما، مثلا أن مرحلة الحضانة وزمن المدرسة قد تغير حجمهما الزمني من عصر إلى عصر وذلك بقدر ما نمت متطلبات المجتمع لفترة التطور هذه.

تطور الشخصية في جانبها الجنساني..

أن ما ينتظره المربون والعالم المحيط من الأطفال من الناحية الجنسانية يقود من جانب الكبار إلى متطلبات ومعاملة متباينة للأطفال، ويقود من جانب الأطفال إلى تجارب متباينة جنسانيا فمنذ ساعة الولادة يمسخ البشر إلى نساء ورجال.

بعد الولادة أهمية الإثارة الحسية..

أن فترة ما بعد الولادة هي فترة انتقالية من حالة وجود داخل الرحم إلى الوجود خارجه، في هذه الفترة أي خلال الأسبوعين الأولين حتى الأسابيع الثلاثة الأولى لا توجد فروق واضحة بين حالة النوم وحالة الصحو، ويعيش المولود في هذه الفترة على أساس نشاطه الانعكاسي الغريزي، وتعتبر الإثارة اللمسية هامة لينال الأطفال شروطا أفضل لتطوير مبكر لقدراتهم المعرفية والاجتماعية، وتوجد دراسة ل”ه أ موس” تبين أن الأمهات يأخذن المواليد الذكور في سن ثلاثة أسابيع من السرير ويحملنهم أكثر مما يفعلون مع البنات بنفس السن، هذا الفرق يستمر وفي سن 3 شهور يكون في الحقيقة أقل لكنه يكون لصالح الذكور، إن الأمهات المشمولات بالبحث في هذه الدراسة قد أدهشتهن هذه النتيجة ولم يعين أنهن يفضلن الذكور على هذا المستوى، وأظهرت دراسة أخرى أن سلوك الآباء فيما يخص التربية على الأدوار الجنسانية أكثر محافظة من الأمهات، المربون يعاملون البنات والصبيان منذ ولادتهم بصورة متباينة ويتسببون بذلك اختلافا في سلوك الجنسين، وأيضا البنات المولودات حديثا في كثير من الأحيان يلقين تقييدا في حركتهن وإلا فأنهن يصبحن شرسات، هذه الإعاقة للرضع الإناث يمكن أن تؤدي إلى التقليل من النشاط الانعكاسي الحركي فيتصرفن بسلبية أكبر، بالمقابل تؤدي زيادة الإثارة لدى الصبيان إلى زيادة النشاط الانعكاسي الحركي فيصبحون أكثر حيوية، ويمكن استخلاص أن الحاجة إلى ترويض الطفل يكون أقوى لدى الأم عندما يتعلق الأمر بالبنت أما الصبي ومع أنه صغير وبلا مقاومة فهو رمز السلطة التي تخضع لها الأم نفسها.

اللعب المبكرة..

بالرغم من أن القسم الأكبر من أدوات اللعب في هذه المرحلة لا تزال حيادية، إلا أنه اكتشفت دراسة أنه يجري التفريق في اختيار الألوان واللعب الصغيرة الخاصة بالأطفال الذكور والإناث وهنا يظهر ما سيصبح واضحا جدا فيما بعد، حيث يسمح للبنات اللعب بلعب الصبيان لكن الصبيان لا يسمح لهم أبدا اللعب بلعب البنات، ذلك لأن كل ما يخص الدور الذكري يوضع كمعيار، ويمكن للبنت أيضا بعض الحين أن تطمح إلي الدور الذكوري إنما كل ما يخص الدور الأنثوي يعتبر ناقصا ولهذا فهو مرذول بالنسبة للصبيان.

ونتائج المعاملة المميزة جنسانيا في سن الرضاعة والمرحلة المبكرة من سن الحضانة الصبيان يتطورون في مجالات مرسومة بشكل أوسع وبصورة أكثر استقلالا أما البنات فيتدربن في وقت مبكر جدا على وظائفهن اللاحقة كربات بيت وأمهات.

قوالب الأدوار الجنسانية..

إن تصوير الجنسين في مختلف وسائل الإعلام يرتبط ارتباطا وثيقا بالتقييم الاجتماعي لمؤنث ومذكر، ويتبين في الدراسات أن سلوك النساء يقاس دائما بالسلوك الرجالي، الإنسان يساوي الرجل، هذا الاحتقار الاجتماعي للنساء يجد تعبيره الدرامي في الصورة التي يختلقها الأطباء النفسيون عن المرأة، في هذه الصورة يبدو جليا أن الأنوثة لا تعتبر شيئا مغايرا بل شاذا، الانوثة تساوي الشذوذ والمرض.

تقبل الدور الجنساني..

مع الوعي بالانتماء الجنساني يمكن لقوالب الأدوار الجنسانية التي تربي عليها الأطفال “الأم تطبخ وتنظف المنزل والأب يقرأ الصحف ويعمل بالخارج” تصير إلى نوع من التأثير الجواني على السلوك، ومما يعبر عن دونية الدور الأنثوي الواضحة من البداية الدراسات المعدة حول ازدواجية الأدوار الجنسانية حيث يتأكد دائما من جديد أن البنات من مختلف مراحل العمر أقل طواعية بكثير من الصبيان لتقبل دورهن الجنساني، وخرجت نتائج بعض الدراسات أن نسبة كبيرة من البنات يتمنين أن يكن ذكورا في حين أن نسبة أقل من الذكور يتمنون أن يصبحن بناتا، إن قبول الدور الجنساني من قبل البنت لا يجري عموما دون مقاومة والمقاومة لا تزال نسبيا بلا أمل، وتبين الدراسات كيف أن البنات وقد جرى من مرحلة إلى أخرى ربط تطورهن بصورة مميزة جنسانيا قد قسرن على الدور الجنساني، مع ازدياد العمر لا يبقى محيط البنت كما هو لدى الصبي في تشعب وتنوع مستمر، بل يتم تدريب يتكامل شيئا فشيئا على القدرات الأنثوية المميزة، البنت تربط بالبيت والصبي يعيش العالم في الخارج.

تغيير العلاقات الاجتماعية..

السؤال الهام هو ما العمل الذي يتوجب القيام به أثناء النضال ضد الاضطهاد والاستغلال عامة لمواجهة الاضطهاد النوعي وسيطرة الرجال على النساء؟ إن السؤال متشعب، في الحقيقة الهدف في النضال ضد اضطهاد المرأة هو تحررها الجذري من حبسها ضمن ما يسمى جوهرها الطبيعي، الأمر الذي يتوافق مع زعزعة المبدأ الرجالي أي المعايير والقيم البطريركية، نقد الأدوار وحده لا يكفي وأيضا المطالبة بتربية مغايرة، فيما لو اقتصر الأمر على ذلك، لا تفي بالغرض لأنها مبتسرة، فمن أجل تربية محررة للذكور والإناث لا يمكن تطوير تصورات تربوية متحللة من العلاقات الاجتماعية الموضوعية الحالية ما لم يتم تغيير العلاقات الاجتماعية، علاقات التسلط الجنسانية والطبقية، إن الإلغاء الكلي لأي تقسيم عمل وتخصيص تساوي جنساني في حقلي الإنتاج وإعادة الإنتاج هو الشرط الرئيسي اللازم لتحرير النساء.

وعلى مستوى علم النفس مثلا لابد التنبيه كيف أن هذا العلم بالذات يساهم في تبرير وحجب اضطهاد النساء، يجب تيبان أن هذا العلم لا يقف في خدمة الرأسمال فحسب بل في خدمة البطريكية أيضا، ويعود السبب في أن علم النفس لا يطرح مسألة التسبب الاجتماعي للفروق الجنسانية طرحا جذريا كافيا.

الكاتبة..

“اورزولا شوي”، حاصلة على دبلوم في علم النفس ودكتوراه في الفلسفة، كما درست الفلسفة وعلم الاجتماع في جامعة فرانكفورت، وعلم النفس في الجامعة الحرة ببرلين، وعملت من 1971 إلى 1976 معيدة في المعهد النفساني التابع لجامعة برلين، والكاتبة تسترشد بالفكر الماركسي في كتابها، وقد أثار هذا الكتاب ضجة في الأوساط الثقافية الألمانية الغربية وقت صدوره 1977 وبيعت منه نسخ كثيرة وصدر بعدة طبعات.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة