19 أبريل، 2024 10:51 ص
Search
Close this search box.

أصل التفاوت بين الناس

Facebook
Twitter
LinkedIn

“أصل التفاوت بين الناس” عن دار الرافدين
صدر عن دار الرافدين في بيروت طبعة جديدة من كتاب الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو (أصل التفاوت بين الناس) بترجمة عادل زعيتر، وكانت الطبعة الأولى من هذه الترجمة قد صدرت عام 1954.
يعدُّ هذا الكتاب من الكلاسيكيات الفلسفية والاجتماعية العالمية، وهو مَعِيْنُ فكرٍ فلسفي متجدد للمتخصصين في الفلسفة، والعلوم الإنسانية والاجتماعية؛ لما له من أهمية مفصلية في ترسيم حدود فاصلة يُبنَى عليها التفكير في نشأة التفاوت الاجتماعي والصراعات المترتبة عليه.
ويهتم هذا الكتاب بإجلاء مبادئ الديمقراطية السياسية القائمة على إرساء قواعد الاشتراكية التي دعا إليها روسو.
ويحمل هذا الكتاب تأملات الإنسان التي تُستلهَم من طبيعته المتجردة التي تحمل في طَوِيَّتها جوهر الأصالة في التكوين الإنساني، وذلك من خلال دراسته للإنسان، وحاجاته الحقيقية.
ويشتمل الكتاب على وصف خيالي لحال الإنسان الذي تكبله الأغلال في كل مكان، كما يعلِّل الفساد القائم بين البشر بالتفاوت بين أفراد المجتمع في المعاملات. ومَنْ يقرأ هذا الكتاب يدرك أنه أمام نصٍّ فلسفيٍّ فريد استطاع أن يفرض نفسه لثلاثة قرون على الفكر البشري.

يعدّ جان جاك روسو من أوائل الفلاسفة الذين ركزوا في العصر الحديث على الخطاب الفلسفي الناسوتي ,يتجلى لنا منظوره الأنثروبولوجي في خطابه أصل التفاوت بين البشر ,في اتخاذه الإنسان موضوعًا للدراسة, جاعلًا من البدائي نموذج يعكس لنا الحالة الطبيعية للإنسان , أو حتى “نموذج للفرز بين ماهو طبيعي وماهو اصطناعي في طبيعة الإنسان المدني” , مقارنًا _من الناحية الفيزيقية والأخلاقية_بين البدائي والمتمدن من جهة , وبين الإنسان والحيوان من جهة أخرى

في عام 1753 طرحت أكاديمية ديجون سؤالًا على عموم الكتّاب : ما أصل التفاوت بين البشر وهل يجيزه الناموس الطبيعي , وليعالج هذه المسألة سافر روسو إلى غابة سان جرمان لما يزيد عن أسبوع , متأملا في الصورة الأولى للبشر , ليتبيّن التضاد بين الانسان الاول والانسان الحالي
يستخلص روسو أن اللامساواة بين البشر بدأت بانتقال الإنسان من الحالة الطبيعية_البدائية ,إلى الحالة المدنية إذ كان المرء قبل المدنية لا يختلف عن أخيه الإنسان في شيء كما كان حرّا لا يخضع للاستعباد , إلى أن تغلغت مظاهر الحضارة في المجتمعات , فبرز حب التملك لدى البشر لتؤسس وضع الغني والفقير , ثم أجازت الرياسة وضع القوي والضعيف , بينما أسست السلطة الاعتباطية علاقة السيد والعبد , ومن ثم كان التفاوت المدني نفي للمساواة الطبيعية , وكانت المدنية منشأ للاستعباد والاضطهاد وشريعة الأقوى
وينفي روسو عن الإنسان البدائي صفة الكائن المتوحش كما يتصوّره الفلاسفة التقدميين بل يذهب إلى ابعد من ذلك إذ يرى أن الحالة المدنية للانسان هي التي تجعل منه كائنًا متوحشا أي أن إنسان العصر الحديث الذي يتخلى عن حقوقه الطبيعية باسم قوانين تجيز التفاوت يتردى بذلك إلى أسفل من الحيوانية , وإذ يشير إلى أن البدائي مسالم بطبعه , يقول حول وحشية الانسان المدني : إن ما يرتكب من مجازر قتل في يوم واحد من المعارك , وما يرتكب من فظائع في سبيل الاستيلاء على مدينة واحدة ,لأكثر مما حصل في الحالة الطبيعية طوال قرون كاملة وعلى وجه البسيطة جمعاء .
أيضا يعيد روسو النظر في نظام الملكات الإنسانية , فإذا كانت الفلسفة الكلاسيكية العقلانية تقول بأن ما يميز الانسان عن سائر الحيوان هو كونه عاقلا أولا , فإن فلسفة روسو تقول بأسبقية الشعور وملكة الإرادة على التفكير العقلي مؤكدا فكرة الحرية كخاصية ينفرد بها الإنسان , يقول في هذا المضمار أن التمييز النوعي الذي للإنسان بين سائر الحيوان لا يقيمه الذهن بقدر ما يصنعه كون الإنسان فاعلًا حرًا
ذلك أن للحيوان ناموس طبيعي وقواعد بيولوجية لا يستطيع تجاوزها , وهو يختار بمقتضى غريزة , بينما يتجاوز الانسان الطبيعة ويختار بمقتضى إرادته الحرة : فالإرادة تظل تتكلم عندما تسكت الطبيعة
خاصية الانسان الثانية عند روسو هي ملكة التكامل أو التحسّن وهي التي تدفع الانسان إلى التطور عبر مرور القرون : بينما الحيوان يكون بعد بضعة أشهر ما سيكونه كامل حياته ويكون نوعه بعد ألف عام ما كانه منذ العام الأول من الألفية تلك , وينتقد روسو هذه الملكة عند الانسان بأنها مصدر جميع شقاوات الانسان وهي التي انتشلته من وضعه الاصلي فحوّلته بطول المدة إلى طاغية على نفسه وعلى الطبيعة

ختامًا , ولو أننّا نلتمس المنظور الموضوعي للفكر الروسوي اتجاه الانسان البدائي الأوّل , باتخاذه هذا الأخير نموذجًا يحدّد كل ما هو خاصية إنسانية طبيعيّة عند البشر , وكل ما هو خاصية اصطناعية تجيزها المدنية لا الطبيعة , إلا أن روسو يقع رغم ذلك يقع في بعض المغالطات الإثنولوجية الأولى : إذا كان روسو يرى في الانسان البدائي كائنًا بيولوجيا أبعد ما يكون عن التفكير العقلي , فإنه يستخلص من ذلك أنّ “التفكير حالة تُضادّ الطبيعة , وأن الإنسان الذي يتأمل بعقله حيوان فاسد” .
في الواقع ليس هناك ما يشير إلى أن التفكير العقلي أو حتى التأمل الفلسفي حكرا على الانسان المدني, يتخذ كلود ليفي شتراوس من الاسطورة مادّة لدراسة الفكر البدائي , لينفي كون التفكير البدائي مقتصرا على الحاجات البيولوجية , يقول في كتابه الأسطورة والمعنى أن هذه الشعوب : قادرة تماما على القيام بتفكير منزّه عن الهوى , وهم يتقدّمون لفهم العالم المحيط بهم من خلال وسائل عقلية , بالضبط كما يفعل الفيلسوف أو حتى العالم , إنهم يستطيعون ذلك ويطمحون إليه أيضا

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب