12 مارس، 2024 2:51 ص
Search
Close this search box.

أسرار وحكايات من زمن فات .. وكالة “العنبريين” !

Facebook
Twitter
LinkedIn

أنشأها “قلاوون” عام 1281م .. وهدمها “بلدوزر” محافظة القاهرة في 2019م !

خاص : بقلم – عبدالناصر محمد :

حالة نفسية سيئة للغاية تُسيطر على الأمير المملوكي “قلاوون”؛ أحد قادة السلطان “الظاهر بيبرس البندقداري”، كلما مر أمام سجن “حبس المعونة”؛ الذي أمر بإنشائه الخليفة الفاطمي “المأمون”، سنة 517 هجرية / 1122 ميلادية.. نظرًا لأن هذا السجن كان: “شنيع المنظر”؛ حسب وصف شيخ المؤرخين “المقريزي”، وتجاوز السجن كل درجات السوء لدرجة أن المارة من حوله كانوا يحتبسون أنفاسهم بسبب الرائحة الكريهة المقززة التي كانت تصدر منه.

وكان “قلاوون” يمر باستمرار من أمام هذا السجن؛ وهو ذاهبًا إلى “قلعة الجبل”، وكان يشم تلك الرائحة العفنة، فضلاً عن سماعه لأصوات صراخ للمساجين من قطاع الطرق واللصوص ومرتكبي جميع الجرائم نتيجة التعذيب الذي كان يوجه لهم من قبل الحراس، بالإضافة إلى شكوى المساجين من الجوع والعطش والعري وانتشار الحشرات فيما بينهم.

كل هذه المشاهد المقززة كان يمتعض منها “قلاوون”؛ وكان يتمنى أن يأتي يومًا ينهار فيه هذا السجن أو يُنقل إلى مكان آخر، وأن يمر من هذا المكان دون مشاهدته.. وأطلق لخياله العنان وحدثته نفسه بأنه حين يصل إلى الحكم يأمر بهدم هذا السجن، ليس هذا فقط؛ بل ويأمر ببناء سوق للعطور بدلاً منه.. ولكنه سرعان ما أستفاق من أحلام اليقظة مبتسمًا، حيث أن هذا الأمر يصعب تحقيقه في ظل وجود السلطان “الظاهر بيبرس البندقداري”، المعروف بقوته ورباطة جأشه وحب الشعب له؛ حتى لو مات “بيبرس”؛ فإن أبنه “السعيد” سوف يخلفه أو يجلس على العرش أحد كبار الأمراء.. ولكن كان للقدر رأي آخر.

نعم شائت الأقدار أن يجلس “المنصور قلاوون” على عرش البلاد، سنة 1279م، بعد أحداث مثيرة، وبعد أن استقرت له الأمور وأحكم سيطرته على “مصر” و”الشام”؛ وبعد صراعات مع المغول والصليبيين والمنشقين عليه، بدأ يلتفت للشأن الداخلي وقر بالوعد الذي قطعه على نفسه وأصدر فرمانًا بهدم هذا السجن الموبوء، سنة 680 هجرية / 1281 ميلادية، وقرر أن يبني بدلاً منه سوقًا للعنبر؛ أطلق عليه العامة: “سوق العنبريين”، والذي يقع في أشهر شوارع “مصر” على الإطلاق؛ وهو “شارع المعز”.

تحولت رائحة المكان الكريهة إلى رائحة ذكية طيبة؛ وأصبح المكان يسُر الناظرين ببهائه وإبداعه وبالعطر الجميل الذي يُباع فيه، فليس هناك أطيب من العنبر حين تستنشقه يطيب لك وجدانك وينفرج صدرك وتشعر بنشوى وإنتعاش.

وكانت تجارة العنبر رائجة، في تلك الفترة؛ ومن ثم عول السلطان “قلاوون” على بناء هذا السوق؛ ويؤكد ذلك ما ذكره “المقريزي”: “كان العنبر، إذ ذاك؛ بديار مصر “نفاق” – أي منتشرة ورائجة – وللناس فيه رغبة زائدة لا يكاد يوجد بأرض مصر امرأة؛ وإن سلفت إلا ولها قلادة من عنبر وكان يتخذ منه المخاد (الوسائد) والكلل – أي التيجان وروابط الرأس – والستور، وغيرها وتجار العنبر يُعدون من بياض الناس ولهم أموال جزيلة وفيهم رؤساء وأجلاء”.

مرت السنين وتم تطوير السوق أكثر من مرة، خاصة خلال فترة حكم السلطان “الناصر محمد بن قلاوون”، وظل على حاله أعوام وراء أعوام؛ حتى أصبح مجرد عقار غير مسجل كأثر في “شارع المعز”؛ يحمل رقم (88)، ثم تطور حاله وأصبح رقمه في الشارع: (84)، وفجأة وبغرابة شديدة لم تُدرجه “وزارة الآثار” بين الآثار المسجلة لديها، في فضيحة غير مسبوقة ووصمة عار في جبين كل مسؤول في “مصر”، ووصل الأمر أن صدر قرار لهذا العقار، “الوكالة”، وقامت “محافظة القاهرة”، في شباط/فبراير 2019م، بحملة غاشمة على الوكالة مدججة بالبلدوزرات واللوادر والأوناش بهدم هذا الأثر العريق !!

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب