23 نوفمبر، 2024 4:14 ص
Search
Close this search box.

أسرار وحكايات .. من زمن فات : الظاهر بيبرس “الاشتراكي” !

أسرار وحكايات .. من زمن فات : الظاهر بيبرس “الاشتراكي” !

خاص : بقلم – عبدالناصر محمد :

الظاهر بيبرس “الاشتراكي” .. يعطي درسًا فى كيفية مواجهة خطر المجاعة والغلاء !

بعد أن استقبل أهالي “مصر المحروسة”، السلطان الظاهر “بيبرس”، عند “بوابة النصر” بطول موكبه المهيب؛ قاهر المغول، حتى “قلعة الجبل”، حيث مقر الحكم؛ أخذ “بيبرس” يستولي على القلوب بعطفه على الشعب؛ ساعيًا نحو محو أي صورة سيئة له في الأذهان؛ وأيضًا ليُكفر عن السيئات التي إرتكبها فيما سلف هو وإخوانه من أسرة “المماليك البحرية”، الذين أطلق عليهم هذا الاسم لأنهم كانوا يسكنون منطقة “الروضة”، الواقعة على “نهر النيل”.. وأتبع “بيبرس” طريق الحكمة في إدارة شؤون البلاد وخفف الضرائب المقررة على الشعب؛ فنجح في إكتساب ثقة الجماهير ومحبتهم له وإستمالتهم إليه، مما ساعده في بسط نفوذه على مقاليد الحكم، وبدأ يُرسي مباديء العدل والمساواة بين ربوع الوطن.

أيها السيدات والسادة.. نحن الآن في حضرة سيدنا السلطان الظاهر “بيبرس البندقداري”، ركن الدنيا والدين، أعظم حكام المماليك؛ بل هو من أعظم من جلسوا على عرش “مصر”، والذي استطاع بحنكته وحكمته وإدارته الجيدة للبلاد أن يجلس على مقعد الحكم بدون صراعات أو مؤامرات تُحاك ضده.. نجح في كسب ود وتأييد جميع الطوائف، بما في ذلك الشيخ “العز بن عبدالسلام”، الملقب بـ”شيخ الإسلام” وسلطان العلماء، رغم أن “بيبرس” هو قاتل، “قطز”، الذي كان بمثابة الإبن والصديق لهذا الشيخ، ولكنها هي عادة هذا النوع من البشر.. عشاق التقرب من السلطة !!.

وبعد بضع سنين من حكم الظاهر “بيبرس” سائت أحوال البلاد والعباد وعم الغلاء، وذلك كنتيجة طبيعية بعد النفقات الهائلة التي أنفقت على معركة “عين جالوت” وفتوحات الشام، وأيضًا لإنخفاض منسوب مياه “النيل”، وتراجع حجم إنتاج الحاصلات الزراعية – لاحظ أهمية عدم نقص معدلات مياه “النيل” منذ قديم الأزل لتُقدر موقف “مصر” حاليًا من السد الأثيوبي -.

وفي عام 662 هجرية / 1263 ميلادية؛ ارتفعت أسعار جميع السلع وبلغ سعر أردب “القمح” مئة درهمًا؛ وتدهورت أحوال المصريين وأشتد الفقر والجوع ليشمل الطبقات المتوسطة، وأصبحت الطبقة الدُنيا الأشد فقرًا تواجه الموت جوعًا؛ لدرجة أنهم في هذه الشدة الخطيرة كانوا يأكلون أوراق اللفت والكرنب وعيدان الفول الأخضر وما شابه ذلك لسد الجوع لهم ولذويهم، وتزايدت معدلات الجريمة داخل المجتمع نتيجة سوء الأحوال.

لم يقف السلطان الظاهر “بيبرس” مكتوف الأيدي أمام هذه الكوارث ويكتفي بالفرجة على شعب يُصارع الموت جوعًا وعطشًا مثل غيره ممن شاءت الأقدار لهم أن يعتلوا عرش البلاد؛ بل بدت عظمته في الأفق لتناطح السحاب وتجلت قدرته على إنقاذ شعبه من شبح العوز والحاجة والذل والهوان، فقام في باديء الأمر بالإندساس بين الناس متخفيًا ليقف بنفسه على حقائق الأمور والأوضاع ولمعايشة الأهالي أحوالهم التعسة غير منتظر لتقارير الحاشية والمقربين، التي دائمًا ترفع شعار: “كله تمام”، ورأى بأم عينيه مدى المحنة التي يعيشها شعبه وشعر بآلامهم وأزمتهم الطاحنة.

وقرر السلطان الظاهر “بيبرس”؛ أن يتبع المنهج الاشتراكي الحكيم، حيث أصدر أوامره لجميع مسؤولي وموظفي الدولة بالقيام، بأسرع وقت ممكن، بحصر جميع الفقراء والمحتاجين في البلاد وجمعهم تحت “القلعة”، (مقر الحكم)، وأتخذ قراره الاشتراكى بتوزيعهم على الأغنياء والأمراء وإلزام هؤلاء بتوفير الطعام لهم ولأسرهم، وبدأ بنفسه، حيث أستأثر بعدد كبير من هؤلاء الفقراء وألزم حاشيته وأهل قصره بتقديم الأطعمة، فطارًا وغداءً وعشاءً يوميًا على نفقته الخاصة، ولم يكتفِ بذلك، السلطان العظيم، بل وزع “القمح” من الشونة الرئيسة للبلاد على الزوايا والأربطة ليقوم المسؤولين بها بتوزيع مئة أردب مخبوزة على الفقراء والمساكين وتُفرق عليهم بجامع “أحمد بن طولون”، الذي يتميز بمساحته الشاسعة.

يعكس هذا الموقف النبيل من السلطان الظاهر “بيبرس البندقداري”؛ مدى حرصه على المساواة بين الناس والتي نادى بها الإسلام، بل كل الأديان السماوية، وعلى انتشار العدل بين جماهير الوطن وحرصه على التدخل السريع لعدم إشاعة الفوضى وتفشي الجريمة داخل المجتمع المسؤول عنه، راجيًا إبتغاء مرضاة الله وللعمل على بث الاستقرار والهدوء داخل البلاد، وعدم التعرض لثورة جياع قد تُقضي على الأخضر واليابس، فليس بعد الحياة شيء آخر يبكي عليه الفقير الجائع.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة