باريس/ أفراح شوقي
مع حضور غير متوقع بعد عامين من الانقطاع بسبب أزمة كورونا، عاد مهرجان الإنسانية اللومانتيه السنوي من جديد بنسخته ال87 ليحتضن زواره والمئات من الدول المشاركة على مدى ثلاثة أيام اختتمت أول أمس الأحد، وقد وصفها مراقبون بأنها جسدت أكبر حدث ثقافي وفني في فرنسا.
Fête de l’Humanité
بموقعه الجديد هذا العام في القاعدة الجوية “بليسي باتيه” في مدينة “بريتيني” في ضواحي جنوب باريس، هو مهرجان تقليدي سنوي تأسس مع بداية ثلاثينيات القرن الماضي، بعد مبادرة من صحيفة (اللومانتيه) الفرنسية الشهيرة، والذي حولته إلى عيد عالمي وطقس من طقوس التعايش السلمي، يشارك به كل عام المئات من المنظمات والأحزاب والتيارات وجميع القوى السياسية لليسار الفرنسي من مختلف دول العالم، وكذلك محبي الإنسانية ودعاة حقوق الإنسان والحريات المدنية ووسائل الإعلام، للاستمتاع بفقرات المهرجان كالعروض المسرحية والسينمائية والموسيقية والشعرية.
ويشهد أيضا تنظيم المناظرات الثقافية والاجتماعية والسياسية وكذلك معارض لصور المناضلين عبر العالم، وأخرى تعكس الفولكلور والموروث الشعبي والأزياء لكل بلد، ومعارض الكتاب لكبار الكتاب والمهتمين بالإنسانية وحقوق الإنسان عبر العالم.
طريق الشعب..
ويمثّل العراق في المهرجان صحيفة “طريق الشعب” التي أصدرها ومازال الحزب الشيوعي العراقي، حيث تعود مشاركتها إلى أكثر من خمسة عقود، وتشهد زيارات رسمية عالمية ومحلية وعربية، ومن بينها ممثل السفارة العراقية بباريس.
خيمة الجريدة هذا العام حملت اسم الفنان التشكيلي الراحل “صلاح جياد” أحد أعمدة الخيمة لسنوات مضت، أما برنامجها فتميز بالعديد من الفعاليات، افتتحت بجلسة حوارية سياسية تحدث خلالها الرفيق “فاروق فياض” عضو المكتب السياسي للحزب، عن الانسداد السياسي والوضع المعقد الراهن للبلد، والحلول المطروحة للخروج من الأزمة والحاجة إلى طرح بديل وطني ديمقراطي عابر للطائفية يضع مصلحة المواطن فوق كل شي.
تلتها ندوة ثقافية للاحتفاء بتجربة الفنان العراقي “زياد جسام” القادم من بغداد، وعمله الفني الجديد الانستليشن قدمه الإعلامي “محمد الربيعي” بحضور نخبة من المثقفين والفنانين والإعلاميين.
يقول “زياد” عن تجربة مشاركته: “كانت فرصة مهمة للتعرف على ثقافات العالم ومعرفة طقوسها وفلكلورها، إذ يمثل المهرجان خليط عجيب من العديد من دول العالم، تحتفل خلال 3 أيام بعرض نتاجها وفنونها كأنها وطن مصغر.
فرقة بابل العراقية شاركت هي الأخرى بعدد من الأغاني التراثية والفولكلورية والوطنية عربية وكردية، أطربت أسماع الحضور وتفاعل معها الجمهور, تقول “بشرى علي” إحدى عضوات الفرقة أن أجمل مافي المهرجان هو تفاعل الأجانب من زوار الخيمة مع مانقدمه من أغنيات، حتى أنهم يكررون زياراتهم ويرددون بعض الكلمات معنا وهي فرصة للاطلاع على الفنون العربية والأجنبية.
مسيرة المرأة العراقية..
شهد اليوم الثاني للمهرجان تنظيم مسيرة لعدد من نساء رابطة المرأة العراقية، جابت أرض المهرجان وحملت شعارات كتبت باللغة الفرنسية، وقد طالبت بإقرار المزيد من القوانين المنصفة للمرأة وحث الحكومة على توفير فرص العمل لهن لضمان كرامتهن وحقوقهن بالحياة الكريمة، إضافة إلى رفض زواج القاصرات والمطالبة بتشديد القوانين بشأن هذا الموضوع للحد من هذه الظاهرة، والسعي لإيجاد مأوى آمن لمن لا مأوى لهن بسبب زيادة ظاهرة العنف تجاه المرأة والطفل.
انتفاضة تشرين..
وعن أثر انتفاضة تشرين ودور النساء فيها وقصص البطولة التي سجلت وقتها، تحدثت الناشطة “سهاد الخطيب” القادمة من النجف الأشرف، في جلسة تفاعل معها الحضور بالعديد من الأسئلة والمناقشات. وشارك الرفيق “كاوة محمود” سكرتير الحزب الشيوعي الكردستاني فعاليات خيمة العراق بندوة تناولت الشأن السياسي في العراق عامة وإقليم كردستان خاصة.
الخط العربي الحر..
آخر أيام المهرجان شهدت عرضا للخط العربي الحر للفنان “محمد صالح” على أنغام عود الفنان “أحمد ناجي” وكذلك ندوة حوارية عن الحياة الثقافية للأنصار حاضر فيها الإعلامي والكاتب “يوسف أبو الفوز”.
وفي جولة سريعة لما تضمنه “مهرجان اللومانيته”، نلاحظ انتصاب الخيم البيضاء على مد البصر، تتصدرها عدد كبير من الواجهات والعناوين من معظم بلدان العالم، تعلن عن مشاركتها ومعروضاتها بطرق مشوقة ومنوعة وحديثة تعكس هوية بلادهم بأسلوب فني جديد، مررنا قرب خيمة فلسطين فكان الحطة الفلسطينية الفلكلورية أول مالفت انتباهنا، كذلك المشغولات اليدوية المصنوعة من الزجاج، وخبز الصاج الشهير يغلف المكان بالروائح الزكية.
بالقرب منه انتصبت خيمة لبنان، وهي تستعرض فلكلورها وتستعد لبدء جلستها الثقافية في أول أيام المهرجان.
ملصق المهرجان حمل 87 زهرة بألوان زاهية تخترق ظلام الخلفية، تدل على حجم الزخم المشترك نحو بناء يجدد السلم والتضامن حول العالم وأهمية التعددية الثقافية.
مهرجان اللومانيته..
يذكر أن المهرجان أسسه “مارسيل كاتشين” مدير الإنسانية آنذاك، تم إصداره الأول في 7 سبتمبر 1930 وهو حدث سياسي متعدد الثقافات وتقليديًا سنويا يجمع الناشطين والمتعاطفين مع الأحزاب اليسارية في فرنسا، وهو أيضا يسعى لتقديم الدعم للحزب كجزء مهم من موارده.
وقد شهدت نسخته هذا العام حضور العديد من الشخصيات السياسية وقادة الأحزاب مثل “فابيان روسيل” و”انسوميس جان لوك” وبعض أعضاء الحكومة الفرنسية. ومن بينهم وزير الموازنة “جبرائيل عتال” ووزيرة الدولة المكلفة بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني والحياة النقابية “مارلين شيابا”.