8 أبريل، 2024 3:16 م
Search
Close this search box.

أرنستو ساباتو.. أحس بفظاعة العالم وعبرت رواياته عن أجواء كابوسية

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: إعداد- سماح عادل

“إرنستو ساباتو” كاتب من أهم كتاب أمريكا اللاتينية، برز في مجالي الرواية والمقال وكان عالم فيزياء ورسام. كتب ثلاث روايات: (النفق، أبطال ومقابر، الجحيم المهلك)، وعدد كبير جدا من المقالات التي تدور حول الإنسان ووجوديته.
حياته..
ولد “إرنستو ساباتو” في 1911 في مدينة “روخاس، مقاطعة بوينس أيرس”، الأرجنتين، أبوه “فرانسيسكو ساباتو” وأمه “جيوفانا ماريا فيرارى” وتعود أصوله إلى المهاجرين الايطاليين، ولد بعد موت الأبن التاسع و تمت تسميته بنفس اسمه، كانت عائلته تنتمي للطبقة الوسطى.
في 1929 التحق بكلية العلوم الفيزيائية والرياضيات بجامعة “لا بلاتا” القومية، وكان أحد الناشطين في حركة الإصلاح الجامعية واشترك في 1933 مع (هيكتور ب أجوستى، أنجيل هورتادو دى ميندوزاو باولينو جونثالث ألبيردى وآخرين) بتكوين مجموعة “الإنسوريكست” كانت ذات توجه شيوعي. وفي نفس العام اختير لمنصب السكرتير العام لإتحاد الشباب الشيوعيين، وفي خلال دورة عن الماركسية تعرف على “ماتيلدا كوسمينسكى ريختر”، طالبة في السابعة عشرة، تركت منزل والديها لتعيش معه.
في 1934 بدأ يشعر بعدم الثقة في الأفكار الشيوعية وفي ديكتاتورية “ستالين” وتم إرساله لمدة سنتين إلى المدارس اللينينية في موسكو وكانت طبقا لوصف “ساباتو”: “مكان حيث يتعافى الأشخاص أو ينتهي بهم الأمر في معسكرات العمل أو في أحد مستشفيات الأمراض النفسية”.
قبل ذهابه إلى موسكو كان قد سافر إلى بروكسل كمندوب للحزب الاشتراكي الأرجنتيني في مؤتمر ضد الفاشية والحرب، وعندما كان في بروكسل ولخوفه أن يكون ذهابه إلى موسكو بلا عودة ترك المؤتمر وهرب إلى باريس، وهناك قام بكتابة أول رواية تحت عنوان “المصدر المتغير”، وفى عام 1936 عاد إلى “بوينس أيرس” وعقد زواجا مدنيا على “ماتيلدا كوسمينسكى ريختر”.


باحث علمي..
في 1938 حصل علي دكتوراه في الفيزياء من جامعة لابلاتا القومية. وساعده ل”برناندو هوسيه” للحصول علي منحة دراسية سنوية لأجراء أبحاث حول الإشعاع الذري في مختبر كوري في باريس.
في مايو عام 1938 ولد طفله الأول “جورج فريدريك”، وأثناء عمله في باريس قام بالاتصال بالحركة السوريالية و”أوسكار دومينغيز وبنيامين بريتى وروبرتو ماتا أتشاورن واستيبان فرانسيس” وغيرهم. وكان لهذا الاتصال تأثير واضح علي أعماله المستقبلية.
في 1939 تم نقله إلي معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) و لذا قام بمغادرة باريس وكان ذلك قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية. وفي 1940 عاد إلي الأرجنتين من جديد ولكنه كان قد قرر ترك المجال العلمي ولكنه عاد ليخدم كأستاذ في جامعة “لا بلاتا”. وقال عن ذلك: “في المختبر الكوري، في واحدة من أعلى الأهداف التي يمكن أن يأمل بها فيزيائي، وجدت لها معنى. للضرب على أيدي الكفر، تليها دفعة قوية إلى الأمام و التي رفضتها نفسي».
في 1943، بسبب أزمة وجودية، وقرر أن يتقاعد نهائيا من المجال العلمي لتكريس نفسه للأدب والرسم. حيث قام بتعريف العلم علي أنه ليس أخلاقيا لأنه وفق قوله: “من الممكن أن يدفع العلم إلي كارثة”. ثم استقر بعد ذلك في بانتانيو، في قرطبة، ليعيش في مزرعة بدون وجود ماء ولا كهرباء ولكن فقط ليتفرغ للكتابة. في نهاية الحرب العالمية الثانية في عام 1945 ولد ابنه الثاني، “ماريو ساباتو”، الذي أصبح مخرجاً سينمائيا مشهوراً.
الأدب..
في 1943 ظهر أول أعماله الأدبية وهو مقالا عن رواية (اختراع موريل) للكاتب “أدولفو بيوي كاساريس” في مجلة “تيسئو” في “لا بلاتا”. وقام بالنشر في جريدة الجنوب ل”فيكتوريا أوكامبو” وفي 1942 استمر في النشر وقام بمراجعات لبعض الكتب، وكان مسئولا عن “التقويم”، وشارك في “بورخيس التعويض” في العدد 94 من مجلة الجنوب. قام بنشر مقالاته في الصحيفة اليومية “لا ناسيون” وقدم ترجمة ل (ولادة وموت الشمس) ل (جورج جامو). في العام التالي قام بنشر ترجمة ل ABC حول نسبية (برتراند راسل).
في 1945 قام بنشر كتابه الأول بعنوان “واحد والكون”، وهو سلسلة من المقالات الفلسفية التي تنتقد وبوضوح الحياد الأخلاقي للعلم والتحذير من عمليات التجريد من الإنسانية في المجتمعات التكنولوجية، ثم انتقل نحو مواقف التحررية والإنسانية. وحصل، من خلال هذا الكتاب، على الجائزة الأولى للنثر لمدينة “بوينس أيرس” وشاح شرف في جمعية الأرجنتين للأدباء والكتاب. في 1947، وبسبب الأزمات الاقتصادية الخطيرة، تدخلت (جوليان هكسلي) بتعيينه رئيسا لمنظمة اليونسكو ولكنه لم يستمر بها سوى شهران.
في عام 1948 رفضت روايته الأولى “النفق” من الناشرين ونشرت في مجلة “جنوب”، وقال عنها أنها رواية نفسية في صيغة الشخص الأول. في عام 1952، عرض لأول مرة في الأرجنتين فيلم “النفق”، من إنتاج “سونو”، من إخراج “ليون كليومفيسكى”.
في 1961 نشرت روايته “حول الأبطال والقبور”، التي كانت تعتبر واحدة من أفضل روايات القرن العشرين. وتدور أحداث الرواية حول قصة عائلة أرستقراطية في الأرجنتين، تتخللها قصة حميمة عن وفاة الجنرال خوان لافال، بطل الاستقلال، والحروب الأهلية في القرن التاسع عشر حتى عام 1955. حتى 1967 كان هناك أكثر من 120,000 نسخة لهذا العمل، قبل وحصل على لقب فارس الفن والأدب.

و كانت روايته التالية هي “ملاك الجحيم المدمر” وهي عبارة عن سيرة ذاتية تأخذ شكل الحكاية والغريب أن ساباتو كان هو نفسه الشخصية الرئيسية وأيضاً قد أخد بعض الشخصيات من روايته “حول الأبطال والقبور”، حصل على الجائزة الكبرى من المجتمع الأرجنتين للأدباء والكتاب.
في 1975، حصل “ساباتو” علي جائزة التكريس الوطني للأرجنتين. في 1976، حصل على جائزة أفضل رواية خارجية في باريس، فرنسا، عن روايته “ملاك الجحيم المدمر” بينما منح جائزة (ميديسي) في إيطاليا. في 1978، حصل على الصليب الأكبر للاستحقاق المدني في إسبانيا. في عام 1979 تم تكريمه في فرنسا (كقائد جوقة الشرف) لعام 1970، وقال “ساباتو”:”كل ما استطيع قوله أنني تحدثت عن الموضوعات الكبرى في حالة الإنسان: الموت، معنى الحياة، والشعور بالوحدة والأمل وجود الله”. وقال أيضا: “أنا مجرد كاتب عاش المعاناة بسبب مشاكل عصره، ولاسيما بسبب أمتي وليس لدى عنوان آخر”.
في عام 1984، حصل على جائزة (سرفانتس)، وهي أعلى جائزة أدبية نظرا إلى الكتاب الناطقين بالإسبانية. وكان الكاتب الأرجنتين الثاني الذي يحصل على هذه الجائزة، بعد “خورخي لويس بورخيس” في عام 1979. وفي عام 1997 حصل على الجائزة (الدولية مينييز بيلايو الحادية عشرة). وفي 1998 توفيت زوجته “ماتيلد” وقام بنشر مذكراته تحت عنوان (قبل النهاية). وفي عام 2000 قدم كتابة (المقاومة) علي الصفحة الإلكترونية الخاصة ب (كلارين) علي شبكة الإنترنت ليكون بذلك أول كاتباً باللغة الإسبانية يقوم بنشر كتاب له علي شبكة الإنترنت بدل من طباعته علي الورق، وتم بعد ذلك إطلاق النسخة الورقية منه في 16 من يونيو لنفس العام. في عام 2002 حصل على الميدالية الذهبية من دائرة الفنون الجميلة في مدريد وعلى وسام الشرف من جامعة كارلوس الثالث في نفس البلد.
منذ عام 1945 أقام في (الأماكن المقدسة) في مقاطعة “بوينس أيرس” وكان لا يفعل شيئا سوى الرسم حتى منعه الطبيب من الرسم وأيضاً الكتابة. ومنذ 2005 لم يغادر منزله وكان يعيش حياة روتينية ويساعده عدد من الممرضات اللاتي يعددن له الطعام ويقرأن له في المساء حتى ينام. وكان هذا بسبب تقدم العمر به حيث وصل ل (99 عاماً).
في 11 فبراير 2009 رشح للمرة الثالثة من قبل الأكاديمية السويدية كمرشح لجائزة نوبل للآداب في عام 2009 جنبا إلى جنب مع الكاتب الإسباني (فرانسيسكو) و(ميغيل ديلبس).
سخرية وكآبة..
في مقالة بعنوان (إرنستو ساباتو: مزيج من السخرية والكآبة) يقول “فهد الشقيران”: “حمل اسم أخيه الميت، وربما حمل معه جذوة من كآبة لم تمسحها نبراته الساخرة، أو شخصياته الأسطورية التي يوظفها في رواياته: “النفق” عام 1948 أو “أبطال وقبور” عام 1961 وصولا إلى “أبدون” عام 1967، والتي وصفها بـ«اللعنة». ذلك أنه تشبث بالبحث في موضوع العمى من خلال البطل: «فرناندو فيدال أولموس»، الشخصية التي لعبت دورا محوريا في التقرير حول العميان، لا تقل رؤيته في الفنون، واللغة، والدين، والأدب والأساطير عن رواياته، بل طغت أعماله النقدية على شغله وأكلت وقته وهمه.
تعلق كثيرا بأفلاطون وبكيركغارد وبنيتشه وهايدغر الذين حرسوا الروح من أعباء التقنية، أو من «المدن الديكارتية» بحسب وصفه لباريس على سبيل الازدراء. يصف أولئك الفلاسفة بأنهم «عندما كان الجميع يعيشون في رخاء التقدم، وتبهرهم الآلة البخارية، فإنهم كما العصافير والكلاب والقطط التي تملك حواس أرهف من حواسنا، استشعروا الهزات الأرضية، وأحدثوا الثورات الروحية الكبرى»”.
ويضيف: “كما استلهم مقولات هيراقليطس ووظفها فنيا وأدبيا. اعتبر الكتابة دفاعا عن الوجود، يرفض أن يكتب من أجل المال أو الجوائز والحوافز، بل أرادها حربا وجودية، فالكتابة فن ونتاج قلق داخل الذات، لم يكتب قط سيرة حياة، ولا حتى في رواية “أبطال وقبور” ذلك أن أي عمل أدبي أو فني هو سيرة ذاتية بمعنى ما، يكتب: (ليست شجرة فان غوخ إلا صورة لروحه). وجد ضالته في الأدب، وبينما كان يدرس الرياضيات نشبت أزمة روحية عميقة في داخله حين فقد بعض قناعاته الإيمانية، ورأى في الرياضيات والعلوم سببا في «أزمة الجنون التقني لدى الإنسان»، مستعيدا حديث مارتن هيدغر حول القنابل الذرية، و«ميتافيزيقا التقنية». يصرخ مرة كنت أشعر أن الرياضيات مسئولة عن تنامي نزعة تجريد الإنسان من إنسانيته، بتحريمها التفكير السحري، والإبقاء على التفكير المنطقي فقط”.
الروح الكابوسية..
وفي مقالة بعنوان (الأرجنتيني إرنستو ساباتو… كاتب الروح الكابوسيَّة) يقول الكاتب: “الكاتب والروائي الأرجنتيني إرنستو ساباتو يعدّ بحسب النقاد «كافكا الجديد»، إذ تنبش أعماله في أعماق حيرة الإنسان المعاصر وارتباكه، ذلك الإنسان الملقى به في عالم غامض قاس لا يرحم، يرتعد إزاء استحالة وجود أي مخرج.
تبيِّن أعماله هذه شخصيّته المميزة وأسلوبه الخاص في الكتابة، حتى في مواقفه الغريبة. فهذا الكاتب استطاع منذ روايته الأولى «النفق» لفت انتباه النقاد والقراء في أميركا اللاتينية وأوروبا، ورأى كتاب كثر بمن فيهم الفرنسي ألبير كامو والإنكليزي غراهام غرين في روايته «تعبيراً روائياً لافتاً لمأساة الإنسان في المجتمع المعاصر». في المقابل، ثمة من أخذ على الرواية، عدم دقة عالمها الخارجي، وغموض الشخصيات التي تتحرّك حول بطل الرواية كاستيل ورواقها، لكن ساباتو يقول إنه أراد كتابة قصة رسام أصيب بالجنون لأنه لم يتمكّن من التواصل مع أحد، حتى مع المرأة التي يبدو أنها فهمته من خلال الرسم. و”النفق” مكتوبة بلسان مجنون، وهذا النمط من الشخصيات يستدعي، كي يكون وجوده ممكناً، أن ينصرف كلياً إلى هاجسه، يحب ويرى ويسمع ويروي ما ينبغي أن يرى بهواه الخاص والمتأجج. قراءة “النفق” في المستوى الأول ليست سوى اعترافات رسام أصيب بالجنون وقتل بدافع من الغيرة، لكنها في مستوى أعمق مأساة الوحدة، ومأساة التواصل، ومأساة البحث عبثاً عن المطلق”.


ويواصل: “تركت المآسي التي عرفتها الإنسانية في النصف الأول من القرن العشرين، مثل الحرب العالمية والقنبلة الذرية، أثراً عميقاً في ساباتو وزرعت فيه الكثير من التشاؤم وعدم الثقة في الإنسان. يقول خوان بابلو كاستيل، بطل رواية «النفق»: «كون العالم فظيعاً، فهذه حقيقة لا تحتاج إلى برهان». وهذه الفظاعة تتخذ أشكالاً متعددة. يقول ساباتو: «نفسي ترتعش عندما أرى البشر منخرطين في سباق يبعث على الدوار وقد أصابهم الرعب، فلا يعرفون أين هم ذاهبون ولا حتى تحت أي راية ينضوون، في خضم صراع لم يختاروه» ولأن ساباتو ليس متصالحاً مع واقعه، ولأنه رافض عصره الساحق الذي حوَّل الإنسان إلى أداة تستهلك منتجات العصر ذاته، حوّل عالمه الروائي إلى كابوس يملأ صاحبه رعباً، فهنا عصابة للتزوير وهناك عصابة للتهريب وبينهما عصابة لارتكاب الموبقات وأهدافها القتل من دون عذاب، ومن حول هذه وتلك عرّافات ومشعوذون ونساء يسترقن النظر شهوة إلى الجنس بعيون مفترسة متوحّشة”.
وفاته..
توفي في منزله في “سانتوس لوجارس” يوم 30 من إبريل عام 2011 قبل أن يكمل المائة عام بخمسة وخمسون يوماً، وذلك بسبب الالتهاب الرئوي الناتج عن التهاب الشعب الهوائية التي أصابه لبضعة أشهر، وكان يعانى أيضا من مشاكل خطيرة في النظر.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب