خاص: إعداد – سماح عادل
“أحمد محفوظ عمر” كاتب يمني، واحد من الشخصيات الرائدة في الأدب اليمني الحديث وكان أحد مؤسسي اتحاد الكتاب اليمنيين.
التعريف به..
ولد في عدن عام 1936، في سن مبكرة فاز في مسابقة القصة القصيرة التي نظمتها مجلة “النهضة” عن قصته التي كانت بعنوان “مرضعة الأطفال” 1956. قصصه في كثير من الأحيان تتعامل مع الحياة في المدينة الكبيرة والمواضيع المماثلة. نشر عدة مجموعات من القصص القصيرة بما في ذلك (الإنذار الممزق) 1960 (الأجراس الصامتة) 1974 (يا أهل هذا الجبل) 1978 و(الناب الأزرق) 1980.
ترجمت أعماله إلى اللغة الإيطالية وأدرجت في عام 2009 ضمن مختارات الأدب اليمني التي تدعى بيرل ديلو اليمن.
أحسن قاص يمني..
في مقالة بعنوان (أحمد محفوظ عمر أحسن قاص يمني) كتبها “د. ميخائيل سوفوروف” عرض وتلخيص “د . شهاب القاضي”: “يظل على الدوام الأديب القاص الرائد الكبير أحمد محفوظ عمر، قريبا من نبض الكلمة أو ذلك الخيط الرفيع الذي يجعل فعل القص هو جذر التماهي الوحيد مع بوح الإنسان الخاص وهو يستدعي زمنيته الغائرة في تحولات الأشياء والكائنات والتي لا تتوقف وإنما هي في سيرورة لا تنتهي، من ماض ترشح منه ألوان الطفولة وعبق المكان إلى حاضر يمسك بتلابيب اللايقين والزيف ووعورة الحياة إلى مستقبل ترنو إليه المآقي وهو يبدو مبهما عصيا تطارده مجانيته .
مطلع عقد الخمسينيات من القرن الفائت، بدأ يراعه ينحو نحو فن القصة القصيرة، جاعلا منها صنوا للروح التي تضج بين جنبات جسده النحيل بالحيوية والعنفوان وبالجمال الخلاق فتميز عنده أسلوب القص ونحا متفردا في رؤيته للعالم عن نظرائه في اليمن وبين الكتاب العرب “.
ويضيف: “وعلى هذا السياق يسرني كثيرا أن استعرض الدراسة التي صدرت باللغة الروسية في مجلة (البشير) الصادرة عن جامعة بطرسبرج عام 2005 سلسل رقم(4)إصدار رقم (2)بقلم : د. ميخائيل سوفوروف وهي بعنوان (أحمد محفوظ عمر من التقليدية إلى التحديث) أو(القصة اليمنية الجديدة) وقد نشرتها مجلة الثقافة الصادرة عن وزارة الثقافة والسياحة- الجمهورية اليمنية (العدد79 يوليو 2007 السنة السادسة عشرة) .
يقول فيها: “أحمد محفوظ عمر، أحد الكتاب الذي كان طريقه الإبداعي يوضح اتجاهات التطور الفني للقصة اليمنية منذ أواسط عقد الخمسينات حتى نهاية السبعينات. ولد الكاتب أحمد محفوظ عمر، في ضاحية عدن، مدينة الشيخ عثمان عام 1936 وقد كان في المرحلة الثانوية مهتما “بالفن الأدبي وكان يقرأ كثيرا في الأدب اليمني والعربي والعالمي. في عام 1955 نشر قصته الأولى “ضحية الوطن” في صحيفة النهضة في صفحة الطلاب وفي العام نفسه نشر قصته الثانية “القلب الضائع “في الصحيفة نفسها. وقد نشرت الصحيفة مقالة تشجيعية عن هذا الكاتب المبتدئ، متنبئة له بمستقبل أدبي باهر . وبعد تخرجه في الثانوية العامة عام 1956،عمل مدرسا وكان قد قبل حينها كموظف حكومي مدني في القسم الثقافي في الجيش الفيدرالي في عدن.
استمر أحمد محفوظ عمر في الكتابة وبحلول عام 1960 كان قد نشر (14) قصة من قصصه في الصحف العدنية، ثمان قصص منها جمعت في مجموعة قصصية بعنوان “الانذار الممزق” التي نشرت في العام نفسه وهناك أربع من قصصه قد نشرت متأخرة (1961)،(1966) وأيضا قصة “حساب الشعب” المكتوبة عام 1956 والتي جمعت في مجموعة واحدة اسمها “الناب الأزرق” صدرت عام 1980م”.
الأجراس الصامتة..
وتكمل المقالة: “بعد استقلال جنوب اليمن، قدم أحمد محفوظ عمر استقالته من الجيش في عام 1969م وعمل مدرسا حيث يبدو أن الحياة الجديدة في عدن، أدت إلى خيبة أمل لدى الكاتب وأظهرت روح اليأس والتشاؤم في أدبه. في عام 1974 أصدر المجموعة الجديدة (الأجراس الصامتة)، قصص هذه المجموعة تميزت بلغتها الفنية والتركيبية المعدة بدقة مع انتقاله السريع من مشهد إلى مشهد، من خيال البطل إلى الواقع، من الواقع إلى الذكريات والمناجاة الداخلية العاطفية التي تتحول إلى تيار المشاعر بفكره الفلسفي العميق مع اختلاف نوعية المشاهد، من المدونات اليومية إلى الصور والمشاهد الرمزية.
انتقل الأديب أحمد محفوظ عمر عام 1975م للعمل في مركز البحوث التربوية وأصبح مديرا لمجلة “التربية الجديد” وخلال عمله هناك أصدر مجموعته الجديد “يا أهل هذا الجبل” في عام 1978م التي لقيت تقديرا ليس فقط من قبل النقاد اليمنيين، ولكن من نقاد كثيرين من البلدان العربية” .
وتواصل المقالة: “وقد أشار جونتر أورت إلى أن الشعور بالعزلة والوحدة في مؤلفات أحمد محفوظ عمر تتجاوب مع الانفعالات المشابهة للأبطال المهاجرين في أحد مؤلفات كاتب يمني آخر هو محمد عبدالولي، ولكنهم يملكان الكثير من الاختلافات المبدئية أبطال الكاتب عبدالولي يعانون من الوحدة، وعدم فهم الغير لهم بسبب عيشهم في مجتمع تختلف تقاليده عن تقاليد المجتمع اليمني. أما أبطال الكاتب أحمد محفوظ عمر، فهم وحيدون في مجتمعهم بسبب حياتهم المشوشة، وعيوب المجتمع الأخلاقية والسياسية ويرى بعض النقاد في قصصه تفسيرا لقدر الإنسان العربي في الحياة المعاصرة، وتم اعتبار أحمد محفوظ عمر رائد التحديث في السرد العربي واليمني الذي تبعه الكثير من الكتاب اليمنيين مثل: ابراهيم الكاف، زيد مطيع دماج، ميفع عبدالرحمن، علي صالح عبدالله، كمال الدين محمد، محمد صالح حيدرة وآخرين
في عام 1989 أصدر أحمد محفوظ كتاب مذكرات تحت عنوان “قطرات من حبر ملون” يروي لنا فيها حياة سكان الشيخ عثمان أيام طفولته، يتحدث عن أحداث مختلفة في حياة المواطنين العائلية والاجتماعية، وعن بعض الأحداث البارزة من تاريخ المدينة، كذلك تحدث الكاتب عن شغفه الأدبي وذكر بعض أسماء كتابه المفضلين مثل نجيب محفوظ وجبرا ابراهيم جبرا .وفي عام 2000 تقاعد أحمد محفوظ عمر، وهو عضو مؤسس لأتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين”.
في مساحة الصمت..
في مقالة بعنوان (أحمد محفوظ عمر: يخط أفكاره فـي مساحة الصمت) كتب: “الصمت لغة للتخابر الخفي، وقد يكون الصمت أبلغ من الكلمات والملافظ التي لا تستطيع النفاد إلى أعماق الإنسان، هذا ما اصطفاه القاص أحمد محفوظ عمر الذي يخط أفكاره في مساحة صمت، ويعيش هادئاً بعيداً عن الطنطنة الإعلامية والتمظهرات الخارجية وتلميع الوجه، ومتشبعاً بثقافة الصمت والإصغاء للآخرين، ومعجوناً بالمعانة والآلام، يسكب أحاسيسه في المناطق القصية من المشاعر الإنسانية مترعاً بالحب والوفاء والعفة والشموخ.
فإبداعاته القصصية تمنح المتعة للقلب والنفس، وملفعة بنفحة إنسانية وروحية ثاقبة، وتعتبر مرآة للواقع الاجتماعي، وملمحاً للحب والجمال والجلال، لا تتسم بركتها وهلهلة نسيجها بل بالرصانة والعمق تحتاج لمن يغوص في أعماقها ويضع هذا المبدع في المرتبة المناسبة.
إنه يكتب ويكتب ويمشي فوق صفيح ساخن في أجواء الانكسار شديد الولع بطقوس الكتابة الإبداعية مشغوف بالتوحد والذوبان بتضاريس وتعرجات البيئة المحلية، فله باع طويل في الكتابة القصصية، وله فرادة وقسمات ينفرد بها عن غيره من كتاب القصة والرواية اليمنية”.
وتضيف المقالة: “القاص أحمد محفوظ عمر يكتوي بنيران الإهمال، بالرغم من أنه يقرأ بإمعان مفردات الواقع ومغموس بالهم اليومي، وله سجل ناصع في الإبداع تناولته بعض الأقلام ولم تكتمل دائرة الصورة النقدية في استبصار العالم الداخلي للقاص أحمد محفوظ عمر، وتوضيح مناطق المنزلقات والإجادة في النسيج القصصي التي لا يعرفها إلا المهرة من النقاد.
فالقاص أحمد محفوظ عمر بلغته البسيطة والأنيقة، لا يتهادن مع البيئة الاجتماعية المترعة بالخروم والأمراض، بل ظل ناقداً بفن قدر المستطاع لعورات الواقع متشحاً بالصبر والإرادة القوية”.
ففي قصته الموسومة بـ ( أنظر ماذا ترى ؟!)، يصور لنا القاص بتكنيك قصصي شائق، صبياً يقرأ الفنجان بإيعاز من شيخه الكاهن، الذي لا يريد للصبي أن يقرأ كل شيء في الفنجان، وإنما يعلمه القراءة الانتقائية وتجاوز الحقائق والصور الواضحة والمؤلمة في غميس الواقع، الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى طرد الصبي بقوة واعتساف، واستبداله بصبي آخر، لأنه رأى عالماً تتمزق أوصاله، وشاهد كماً هائلاً من الصور الملفتة للانتباه منها: العهر السياسي، العوز، الدعارة الفكرية، التخمة، العطش، الجوع، الضوضاء، وتيه المصير (والضمائر تسلخ في سراديب الرشوة والفساد)، رأى (المبادئ السامية تهزم بأغلبية المنافقين، والحقوق المشروعة تهدر أمام الهبات الرخيصة، والكرامة تذبح في محاريب الخنى والمروق.. أناس يموتون من الارتواء والتخمة.. وآخرين يموتون من العطش والجوع) .
فأحمد محفوظ عمر كأبطال قصصه يتميز بالصبر لتحقيق الغايات والمقاصد على غرار بطل قصة (يا أهل هذا الجبل) التي ظلت الأصوات تتبعه وهو (يجالد الصعاب ويتجنب النكبات)”.
وتؤكد المقالة: “قد أشار ثلة من النقاد أن الغربة سمة مميزة لأبطال قصص أحمد محفوظ عمر، إذ أن أبطال قصصه يعانون من مكابدات نفسية وأزمة هوية تتقاطع مع الواقع الموبوء بالأمراض والمفعم بالتعقيدات الاجتماعية.
إن الغربة التي يتسم بها أبطال القاص أحمد محفوظ عمر هي سليلة المرارات التي يعيشها أفراد المجتمع، وبما إنه ابن البيئة الوطنية استطاعت ريشته الأنيقة أن تصور بحذق الغربة التي يكابدها العامة، هذا التصوير اللبيب يتواكب بوجه عام مع الدراسات في علم الاجتماع التي تؤكد، أن المواطن العربي يعيش أزمة هوية وغربة عن الواقع المعاش خاصة الجماعات الاجتماعية النشطة والمشغوفة بأمل للتغيير الاجتماعي الإيجابي.
ومع ذلك لا يستسلم للأوضاع المأزومة، ويصرخ. لقد استطاع أحمد محفوظ عمر بشاعريته وبلغة تعبيرية راقية وبتكثيف جمالي عميق أن يعكس البيئة الاجتماعية بتلاوينها الطيفية، ويمنح الفن القصصي روحاً تعبيرية شفافة تسهم في إثراء القصة اليمنية من الناحية التعبيرية والتكنيكية ومن زاوية المضمون والعمق القصصي”.
العيون الملطخة بالطين..
كتب عنه “د. عبد العزيز المقالح” أن قصة “العيون الملطخة بالطين” واحدة من ثلاث قصص يمنية اخترتها في بداية العام الدراسي المنصرم استجابة لطلب عميد كلية الآداب جامعة صنعاء، لتدريسها لطلبة السنة الأولى في القسمين العربي والانجليزي، والقصتان الأخريان هما: للصديق زيد مطيع دماج. وقد كتبت تحليلاً موجزاً لقصة “العيون الملطخة بالطين”، ورأى مدرس المادة أن يردفه بتحليل آخر، وكان للعميد نظرة مخالفة للتحليلين، وكان لمدرس آخر وجهة نظر رابعة.
لقد احترنا جميعاً في تحديد هدف القاص، وقد فسر كل واحد الهدف على حسب فهمه، وفي اعتقادي أن هذا ليس عيباً بقدر ما هو إثراء للعمل الأدبي، وإعطاءه أكثر من جانب، وليس هذا الصنيع في إمكانية أي قاص، وإنما تلك سمة من سمات القاص المبدع الأصيل، وأحمد محفوظ عمر قاص مبدع. وآمل أن يستمر في كتابة القصة، وأن يتجنب كتابة أي شكل أدبي آخر شعراً كان أو نقداً، فإن ذلك سوف يفقده قوة التركيز الذي جعله يتبوأ المكانة العالية بين كتاب القصة في بلادنا بخاصة، وفي الوطن العربي بعامة”.
القصة اليمنية القصيرة..
يقول الكاتب الألماني جونترأورت (جامعة برلين) في كتابه المسمى “دراسات في القصة اليمنية القصيرة”: “عندما بدأ اهتمامي بالقصة القصيرة في اليمن لفتت قصص أحمد محفوظ عمر انتباهي من بين قصص مختلف الأدباء اليمنيين منذُ أول قراءتي لها. وجــدت نفسي أمام قاص جاد وبارع يمارس فن القصة بشيء كبيــر من الوعي والقدرة والمتعة…».
أبرز الملاحظات التي كتبها “جونتر أورت” على قصص “أحمد محفوظ عمر” هي:
– 1 أبطال القصـص يعانون عزلة في مجتمعهم.
– 2يعبر الكاتب عن موقف ناقد تجاه الواقع.
– 3يستخدم أساليب فنية قصصية متطورة.
تجربته..
وعن تجربته القصصية يقول “أحمد محفوظ” لمجلة “الثقافة الجديدة”: “قبل الكتابة تمــر القصة في ورشة عمل خاصة، حيث يصنع لها الهيكل المناسب، وترسم ملامح الشخوص وتقولب الفكــرة. ثم الابتعاد عنها فترة من الزمن، وأعود إليها بين حين وآخر بالإضافة والحذف ثم يأتي وقت الكتابة في زمن مفاجئ تكون فيه درجة الاستعداد في أعلى مرحلة. أما عن مــدى الزمن الذي تستغرقه الكتابة فأمر صعــب للغاية فلا يوجــد وقت محــدد للإبداع. فقــد تستغرق كتابة قصة معينة عــدة أشهر، وقـد تستغرق كتابتها عــدة أيام.. والأمر متروك أولاً وأخيـراً للظروف النفسية والحياتيـــة”.
وفاته..
توفي ” أحمد محفوظ عمر” يوم 27 يناير 2024 عن عمر يناهز 88 عام