7 أبريل، 2024 2:01 ص
Search
Close this search box.

أحمد فؤاد نجم.. شاعر الفقراء والثورة الذي تغنى بمصر البهية

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص: إعداد- سماح عادل

“أحمد فؤاد نجم” شاعر مصري، يكتب الشعر العامي، مشهور بمواقفه الجريئة والثورية، وبأشعاره وقصائده التي واكبت فترات وأحداث هامة من تاريخ مصر.

النكسة وتحول الحلم..

في حوار معه أجراه “جهاد أسعد محمد”  و”رائد وحش” يقول “أحمد فؤاد نجم” عن حياته: “علمتني المواطنة المصرية هانم مرسي محمد نجم، أمي عليها السلام.. أنا لم أدخل المدارس نهائياً لكن أمي كانت مدرستي، فمنها تعلمت أن أكون صوت المقهورين.. بنت عمي علمتني الألف باء.. وحكاية القصيدة الأولى ما “تتنسيش”.. كان أخي عبد العزيز يحب ابنة عمي الكبرى وكان يراسلها عن طريقي.. وكنت غالباً لا أوصل رسائله لها بسبب لا مبالاتي وقناعتي أنه لا جدوى من علاقة كهذه. كتب في إحدى الرسائل أغنية لعبد الوهاب “حياتي إنته”، أخذت الرسالة وسألته: لماذا كتبت لها هذه الأغنية؟ هل أنت عبد الوهاب لترسل باسمه؟؟ فذكرني أنه لا يعرف نظم الشعر لذلك قام بنسخها. فقلت له أنا أكتب لك. قال: إنته بتعرف تكتب.. يا الله؟؟ فكتبت له قصيدة لا أزال أذكرها حتى الآن: “يا حبيبي أنا محتار/ أعمل إيه في دلالك/ والقلب قايد نار/ من كتر كلام عزالك”. ولكن الكلام لم يعجب المحبوبة، فعاقبني عقوبة شديدة جداً، ويومها قررت ألا أقترب من الشعر أبداً.. بدأت أكتب متناسياً قرار العزوف، و”ما لقيتش نفسي غير أنو أصبح منتهى أملي كأمل كل شعراء تلك الفترة، أن تغني لي أم كلثوم”. ثم التقيت بمجموعة مثقفي مجلة “روز اليوسف” لا سيما الرسام حجازي. وذات يوم دعاني للغداء، وسألني هل قرأت بيرم التونسي؟ وكانت كل معلوماتي عنه هي أغاني أم كلثوم، فقلت له: “ما عجبنيش”.. فضحك، وحين خرجت من عنده أعطاني دواوين بيرم، فأخذتها وقد شعرت أن في ذلك رسالة خاصة لي. وحين بدأت بقراءته (جرالي اللي جرالي)، ورحت أكتشف عظمة شعر بيرم، والأهم هو اكتشافي أن الشعر له وظيفة أخرى وطعم آخر بمنأى عن الغناء، ومن خلال لقائي اليومي مع شيوعيي “روز اليوسف” حجازي وفؤاد قعود ومصطفى رمزي ومحي الدين اللباد… بدأت أكتب أشياء خاصة تلامس العام دون أن تتعمق فيه”..

وعن 67 يواصل: “استمريت بالحال ده حتى كارثة 67 التي كانت نكسة بحق، نكسة غير متوقعة، وقد تزامن حدوثها مع لقائي بالشيخ إمام، فكان هذان العاملان -النكسة ولقائي الشيخ إمام- أساسيين في تحولي من شاعر غنائي إلى شاعر مناضل. أمي حمتني.. كانت تقول لي: “إنته الراجل الوحيد في ولادي”، و”أوعى تبلع لسانك”.. كانت تتعامل معي بمنتهى القسوة كي تجعلني رجلاً. إن نكسة 67  غيرت كل طموحاتي، فقد كنت متحمساً أكثر من جمال عبد الناصر، لست أنا فقط، بل كل المصريين. أذكر أن الشيخ حسين من جيرانا في “حوش آدم” كان يناديني بثقة: “أبو النجوم.. بكرا ح نتغدا في تل أبيب”.. كنا واثقين أن (إسرائيل) إلى البحر، وهذا ليس موقفاً عدوانياً لأن هذا هو مكان الغزاة البرابرة جميعاً. النكسة غيّرت مشروعي في الحياة، لكنها لم تهز احترامي لعبد الناصر، طبعاً لم أكن أحترمه لسواد عينيه، بل لأنه كان مشروعي، مشروعنا كلنا، إنه أمير الفقراء، فأول عبارة من عباراته كانت: “ارفع رأسك يا أخي فقد مضى عهد الاستعباد”. الفلاح المصري لم يرفع رأسه إلا في عهد عبد الناصر، ولم ينحن بعدها أبداً. وربما يكون هناك فلاحون من سني لا تزال آثار كرابيج الإقطاع على ظهورهم حتى اليوم”.

ويضيف “أحمد فؤاد نجم”: “كان الشخصي دائماً يدفعني إلى العام دون أن أنتبه.. مثلاً كنت أحب ابنة عمي وهي من عمري تقريباً، لكنني لم أستطع الزواج منها لأنها من تلك الطبقة التي سرقتنا، وعندما دخلت السجن سنة 1959 بتهمة تزوير أوراق رسمية، وحكمت لمدة ثلاث سنين، وكنت قد فعلت تلك الفعلة حقيقة، لم يتوفر لي الوقت لكي أعيش أحزاني الشخصية وأكتب القصيدة الذاتية. فوجئت بأنه في السجن كانت هناك مكتبة ضخمة، والفضل في ذلك يعود للمساجين الشيوعيين.. وهكذا أتيح لي قراءة بيرم ثانية، وبدأت أكتب من واقع السجن طوال فترة الحكم. وفي يوم من الأيام دخل أحد الضابط وأعطاني “الأهرام” لأقرأ خبراً عن مسابقة عن “مشروع الكتابة الأول” التي يقيمها “المجلس الأعلى للفنون والآداب”، فشاركت في المسابقة، وفي يوم الإفراج عني من عام 1961 دخل مدير السجن وبارك لي، فحسبت للوهلة الأولى أنه يبارك لي بالإفراج، لكنه سارع ما أعطاني ملحق جريدة كي أقرأ خبر فوز ديواني “صور من الحياة والسجن” بالجائزة.. خرجت من السجن، وطوّالي عالمجلس، أخذت النسخ بتاعتي، ركبت الباص وأعطيت نسخة للرجل الجالس جواري بكل فخر، وقد عاملني بمنتهى الرقة حيث أخذ الكتاب وقال: “حأقرالك وأتابعك”.. ساعتها قلت في نفسي: سأصفي حساباتي مع الآخرين، وأولهم ابنة عمي التي تزوجت من ابن عم آخر، ولاشك أنها الآن بعد أن تعرف أنني أصبحت أديباً معروفاً سوف تنتحر. رحت مكتب زوجها، أعطيته الكتاب، وبدء من اليوم الثاني بدأت أقرأ صفحة الحوادث منتظراً خبر انتحارها كما يحدث في أفلام السينما في مثل هذه الحالات.. لكن دون جدوى! فبعد عشرة أيام وأنا على نار، رجعت إلى ابن عمي وسألته إن كان قد قرأ الديوان؟ وأنا أعرف أنه لا يقرأ (ولا ينيّل)، لكن كنت آمل أن يأخذ الديوان ويرميه على طاولة السفرة فتأتي زوجته وترى اسمي عليه فتأخذه وتدخل الغرفة وتغرّق الكتاب بدموعها، وحين يدخل إليها يجدها ميتة!!! سألته والديوان أمام على المكتب فقال: “في واحد مجنون هنا بيقول عليك إنك خليفة بيرم التونسي.. يا سيدي مبروك على بيرم وعليك وعلى سعد الموجي”.. وسعد الموجي الذي يقصده هو مدير المطبوعات، وهو نموذج لابن الحارة المصرية النابغ، وهو الذي عرّفني على الشيخ إمام”..

الشيخ إمام..

وعن الشيخ إمام يقول: “حين التقيت بسعد الموجي وجدته شخصاً متواضعاً، واقترح عليّ أن يعرفني على رجل فنان يعيش في “حوش آدم”، وهو يراه فناناً حقيقياً رغم أن الجميع يقولون إنه دقة قديمة. وتواعدنا يوم الجمعة وهذا هو الموعد الوحيد الذي وفيت به في حياتي. دخلنا البيت وجاء الشيخ إمام وقال له سعد: معي الشاعر أحمد فؤاد نجم. فتناول إمام العود وبدأ يدوزن به حوالي ساعة. وطلبت منه أن يسمعنا شيئاً للسيد درويش أو الشيخ زكريا، فنوّر وجه وأجلسني قربه، وراح يغني فسحرني بأستاذيته كعواد ومغن.. بعدها أقمت عند الشيخ إمام حوالي ثلاثة شهور، وأعطيته قصيدة لي لكي يلحنها، لكنه أهملها، ولم أفتح معه الموضوع مرة ثانية.. وذات يوم كنا أنا وهو وسعد الموجي سهرانين، فأعطاني سعد ورقة وقال لي: اكتب، فكتبت: “أنا أتوب عن حبك أنا؟.. أنا ليّ في بعدك هنا؟ أنا باترجاك الله يجازيك.. يا شاغلني معاك وشاغلني عليك.. وإن غبت سنة.. أنا برضو أنا.. لا اقدر أنساك ولا ليّ غنى.. ولا أتوب عن حبك أنا” فطرب لها إمام وظللت إلى جواره حتى لحّنها وهكذا كانت البداية. بعدها عملنا “عشق الصبايا” والكثير من الأغاني المختلفة وقدمناها للإذاعة.. هذا كله قبل النكسة ومن بعدها جاء التحول، ومشينا في المشروع الفني السياسي المعروف للجميع.. العلاقة بيني وبين إمام لم تكن مجرد شراكة بل كانت أكبر وأعمق.. بعض الأشخاص كان حضورهم مؤقتاً أو عابراً، وبعضهم كان لحضوره قيمة خاصة جداً ومنهم الشاعر الكبير فؤاد قعود صاحب: الشحات، البياع.. هذا الرجل عمل إضافة كبيرة في الأغنية التي كنا نقدمها وطبعها بالبعد الطبقي”.

في حوار مع ابنته “زينب” أجراه “خيري حسن” تقول عن والدها: ” إنني كل يوم وكل ساعة، أكتشف قيمة وعظمة ونبل هذا الأب. أنا عندما يعرف الناس، أنني ابنة أحمد فؤاد نجم بـ«يشيلونى» من على الأرض «شيل»!”.

وتواصل عن  حب أبيها للفقراء: “أعتقد تكوينه كده. أنت تعلم أن أبى تربى في الملجأ وعمره 6 سنوات، وظل فيه عشر سنوات، وفيه اشتغل في ورش الجزمجية وفى المطبعة، واشتغل ترزي داخل الملجأ.. وهذه مهن الناس الغلابة.. إذن نستطيع أن نقول إنه تربى مع الفقراء وعاش بينهم. ثم جاءت بعد ذلك مرحلة الترحال من عزبة «أبو نجم» في الشرقية إلى منطقة فايد في الإسماعيلية ومنطقة القناة، ثم العمل في السكة الحديد بالزقازيق، ثم الوصول للقاهرة والعيش في حارة «حوش قدم».. والتعرف على الشيخ إمام لتبدأ رحلة جديدة.. لكن هذه المرة رحلة إبداع، إبداع كان سبباً في أن يكون زبوناً دائماً فى السجون طول عهد السادات”.

وعن وفاته تضيف: “يوم الثلاثاء 3 ديسمبر 2013 كنت في بيتي الذي لا يبعد عن هنا أكثر من دقائق.. فجأة رن الهاتف، أمي تصرخ.. لم تكمل كلامها من البكاء.. بعد دقائق كنت هنا، أبوكي مات، كانت هذه الكلمات التي سمعت أمي وهى تنطقها وأنا أفتح باب الشقة عليها.. كانت هذه الكلمات أسوأ كلمات سمعتها في حياتي، وضعت أمي السماعة وجلسنا حتى جاءت أختي.. و.. مات أبويا.. الرجل الجميل.. الطيب.. الإنسان.. الشاعر.. المبدع.. مات كل شيء في حياتنا بموته، قلت: كيف كان موته؟ قالت: مات واقفاً.. لم يمرض.. لم يشكُ.. فجأة بعدها استيقظ من نومه في الصباح.. جلس- كعادته- يقرأ جرائد الصباح.. ثم فجأة سقط في مكانه، وكأنه أراد أن يواجه الموت بنفس قوته التي اعتدنا أن نراه عليها، مات وتركنا حزانًا بفراقه، مات وترك مصر البهية التي كتب لها”.

 

 

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب