خاص: إعداد- سماح عادل
“أحمد صبري” شاعر وصحفي مغربي، أحد مؤسسي الجمعية المغربية للصحافة الرياضية، المناضل بالاتحاد الاشتراكي، لاعب الحياة ونجم الشباب البيضاويين، ورئيس الحياة البيضاوية لكرة القدم
حياته..
ولد في 11 ديسمبر 1939 بالدار البيضاء، حاصل على الكفاءة التربوية، خريج الأكاديمية الدولية CIOJ، أستاذ محاضر تابع للفيفا (دولي)، أستاذ متقاعد، عمل بمعهد الرياضات ومدير تقني في جامعة كرة القدم. عضو المكتب المركزي لمأمورتي، ورئيس فرع الدار البيضاء لثلاث مأموريات.
الكتابة..
بدأ “أحمد صبري” الكتابة سنة 1950. التحق عام 1956 بجمعية الصداقة الشعرية بالدار البيضاء، ثم انضم إلى اتحاد كتاب المغرب. يتوزع إنتاج أحمد صبري بين الكتابة الشعرية والقصصية، الترجمة والمقالة الصحفية. نشر كتاباته في منابر عديدة، منها: (التحرير، الرأي العام، المحرر، الاتحاد الاشتراكي، الكفاح الوطني، المكافح، أقلام، المبادئ الرائد)…:
كتب الشعر منذ مطلع الستينيات. هذا التاريخ الذي يعتبر البداية الحقيقية للأدب المغربي الحداثي، ليس على مستوى الأشكال الفنية، والأجناس الأدبية فحسب، بل على مستوى الرؤية للعالم. وهي رؤية تقدمية ثورية تسعى إلى التغيير والانعتاق من التخلف وكل ما يكبل الإنسان من قيود وأغلال.
في هذا التاريخ بالذات، والمغرب آنذاك يمر من عنق الزجاجة، طرق الشاعر باب القصيدة، وهو شاب يافع له من الطاقة ما يكفي لكي ينخرط في أكثر من مجال، ويفلح فيه، وذلك بإصراره وتحديه لكل الصعاب في زمن عصيب تتلاطم أمواجه يميناً ويساراً.
اختار الشاعر من بين الطرق، الطريق الأجدر به: الطريق الصَّعب لأنه الوحيد الذي يفضي إلى غد أفضل. طريق النضال من أجل قيم الحرية والمساواة والعدل، وما يقتضي ذلك من مواجهة لرموز التخلف وأشكاله وأنماطه.
انطلاقاً من هذا الانخراط المبكِّر في حياتِه تكونت لديه مرجعية صلبة ومنيعة حَصَّنتْهُ، وجعلتهُ يرسمُ أفقاً مشرِّفا لمساره كإنسان وكمبدع، وِفق منظور جمالي حداثي. لذلك بمجرد أن امتلك ناصية القول الشعري، انخرط في الالتزام بقضايا وطنه، لأنه المرحلة كانت تفرض أن تُجنَّد الكلمة بخوض معركة التغيير.
كان شاباً ساعتها، لذلك جاءت باكورتُه الأولى:
«أهداني خوخة فمات!» ثائرةً ومتمردةً على الأنماط الشعرية السائدة والمتمثلة أساسا في الشعر العمودي الذي لم يستطع الخروج من جُبّة التراث بمضامينه وأشكاله وصُوره، والشعر الرومانسي الحالم على نحو نماذجه المعروفة في الشعر مع جماعة أبُّولو وغيرهم.
كانت المرحلةُ تستوجب وجودَ وسيلة أخرى لمقاربة الواقع وملامسة أوجاعه خارج المكرور من كلام الأولين، وسيلة أخرى لقوْلِ شعرٍ مختلفِ يُدين ويحتجُّ ويحلم بغد أفضل. لذلك كان من الطبيعي أن تحدث المواجهة والصدام بيْن من يكرس التقليد والجمود والمحافظة وبين من يدعو إلى الحداثة والتحديث.
من أعماله..
– أهداني خوخة ومات: شعر, الدار البيضاء, دار النشر المغربية، 1967.
– شخوص معلقة من الأرجل: قصص, الدار البيضاء, دار النشر المغربية، 1976.
– قصائد تهفو وتنحني: شعر، القنيطرة، البوكيلي للنشر، 1997.
– ألف ليلة بيوم واحد/ أدمون عمران المليح، ترجمة أحمد صبري، تقديم محمد برادة, الدار البيضاء, الفنك، 1990, 175 ص. الكتاب ترجمة لرواية إ . ع. المليح: Mille ans, un jour .
“أهداني خوخة فمات!”..
نفهم الصراع الذي أثاره الديوان سنة صدوره 1967 بين مهاجِم ومُدافع.. وهو صراع بقدر ما هو صراع حول مفهوم الشعر وما يتعلق به من جماليات، فهو في الواقع صراع بين يمين يسعى إلى تكريس الماضي، ويسارٍ يسعى إلى بناء مغرب جديد. ذلك الذي حرَّرته دماء الشهداء وفي مُقدمتهم الشهيد محمد بن حمو لفاخري ذات أربعاء حزين، وهو يُهدي قبل أيام قليلة فقط خوخةً للشاعر، خوخَةً التقطتها نَباهةُ الشاعر، إذ أدرك بعد الحدث الفاجع، أن تلك الفاكهة إنما هي رسالة مُشَفَّرة، أو وَصية توصي بالبذرة التي ترمز للاستمرارية والتجدد. ألم يقل أحدهم: السِّرُّ في البذرة.. أما الفاكهةُ فنكْهةٌ عابرة. إذا هذا هو أصل تسمية الديوان: أهداني خوخة فمات!
حسنا فعل الشاعر حين أرفق ديوانه بملحقٍ خاص بالنقد والنقد المضاد. هذا الملحق أعادنا، نحن الأجيالَ اللاحقةَ، إلى مرحلة لا نعرف عنها الشيء الكثير، ومن ذلك الصراع أو الجدال الذي أثاره الديوان بعد صدوره سنة 1967.
هذا الملحق وقَّعته عدة أسماء هي الأستاذة الشاعرة “مليكة العاصمي” التي كتبت في مقال بعنوان: «محاولة نقد» تهاجم المجموعة الشعرية مستهجنة لها في كثير من الأحيان مركزة خاصة على الإيقاع العروضي وبعض مفردات المعجم وبعض المعاني، لتخلص إلى موقف جد سلبي.هذا المقال للأستاذة “العاصمي” أثار حَفيظة كثير من المثقفين والمبدعين الذين سارعوا للرد. وفي مقدمة هؤلاء، المرحوم “محمد الحبيب الفرقاني” الذي استعرض مزايا الديوان معتبراً إياه ديوانا فريداً من نوعه وصاحبه قائلا «يُعد شاعراً وطنياً بحق، لأنه استطاع أن ينفرد من بين كل الشعراء الشباب في بلادنا ليعطينا شعراً غنياً ذا عطاء ناضج يستحق الحياة والخلود، لا شعراً يذبل ويموتُ بمرور وقته»
في نفس الاتجاه، كتب المرحوم “عبد القادر الصحراوي” مقالا تحت عنوان: «من أجل نقد مسئول» اعتبر فيه حكم “العاصمي” على ديوان “أحمد صبري” حكما مُتعسفا. وقد ربط هجومها باليمين الثقافي الذي يحارب الكتابات المتنورة المعطاء.
أقلام أخرى شاركت في هذه «المعركة» النقدية. وهم أسماء مسئولة. هؤلاء هم الأساتذة “إبراهيم السولامي أحمد السطاتي وإدريس الخوري”. وكلهم أشادوا بالمجموعة واعتبروها خطوة جديدة في مسار الشعر المغربي الحديث، خطوة إلى جانب خطوات مشابهة يخطوها شعراء ك”المجاطي والجوماري والهواري والملياني” وآخرين.
إصدار حديث..
تم إصدار كتاب في طبعة جديدة لأعمال أحمد صبري، يغطي هذا الكتاب بجزئيه عُمراً بكامله، إذ تمتد المسافة الزمنية من سنة 1961 إلى سنة 2008. الجزء الأول خصَّصه الشاعر لديوانه الأول: «أهداني خوخة فمات!» مع ملحق من 70 ص عنونه ب: الديوان بين النقد والنقد المضاد، مع شهادتين في حق الشاعر لكل من الشاعر إدريس الملياني والأستاذ بوشعيب بن ادريس فقار.
الجزء الثاني وضع له العنوان التالي: وطن الإنسان، إنسان الوطن. الديوان بجزئيه يحمل عنوان «أزلية المواجهة».
وتجدر الإشارة إلى أن هذا الديوان صدر عن مطبعة النجاح سنة 2009. كما أنه طبع بدعم من المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان.
أما الغلاف فقد كلَّل بلوحة للفنان بوشعيب الهبولي، سواء الجزء الأول أو الثاني. التقديم من توقيع رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، الأستاذ أحمد حرزني.
وصف الكتاب الكاتب “محمد بوجبير” في مقالة له عنه يقول: “العنوان باعتباره عتبةَ الديوان ومدخلا يحمل دلالة واضحة. أزلية المواجهة وأبدية الصراع، كما لو أن الحياة محكومة بهذه الثنائية الأزلية، بين الخير والشر، بين العدل والظلم وبين السلم والحرب، بين الانعتاق والجمود.. بين التقليد والتحديث وهلمَّ ثنائيات ضدية.
يضم الجزء الثاني من الديوان الأقسام التالية: زمن الجمر على الجسد أدوات بناء التاريخ زلزال العراق مرآة فلسطين حيرة المدينة أسئلة المدينة خمس قصائد/ صلوات على بوابة تازمامارت المحارب والغجرية غياب الشعراء حضور أبدي الجسد المواجهة.
من خلال هذه العناوين، يمكن أن نستشف عالم الشاعر ورؤيته الشعرية. فهو أخذ على نفسه أن يكرس قصائده للدفاع عن القضايا الجوهرية التي تضمن حياة كريمة. وسلاحه في ذلك الكلمة الهادفة. يَتسعُ هَمَّه النبيل ليتجاوز حدود الوطن إلى أقطار أخرى مغاربية وعربية وإفريقية.. كتب عن الوطن الذي يعشقه حد الخبل، كما غنى للثورة الجزائرية وفلسطين وأنغولا والعراق مركزاً على ضرورة المواجهة والصمود والدفاع عن الكرامة”.
ويؤكد في مقاله على أنه: “في تجربة الأستاذ أحمد صبري، يَصعب التفريق بين الكلمة والموقف، نشأ على هذا الاختيار وشبَّ عليه كما شاب، فهي قناعته، لذلك جاءت لغته مباشرة حيناً عارية من كل دِثار بلاغي، وحيناً آخر يتوسل بالرمز، ويكتفي بالإيماءة والإشارة. مَعَ حضور لافِت للقاموس السياسي والاجتماعي. وحتى عندما يجنح للعاطفة والوجدان وترق ألفاظه، فإنه لا يكاد يتخلى عن التزامه، حتى وهو يهفو بقلبه ليكتب قصائد حب لابنته البكر ليلى”.
تكريم..
احتفى الائتلاف المغربي للثقافة والفنون بالتجربة الشعرية للأديب المغربي “أحمد صبري”، وذكر الأديب “صلاح بوسريف” في مداخلته التي حملت عنوان «الشعر تأجيل دائم»، أن “أحمد صبري” ينتمي إلى جيل كان له دور في الريادة الشعرية، من خلال تمرده على القوالب السائدة، وقد كرس حياته للكتابة بمسؤولية، رغم أن مهام كثيرة سرقته من الشعر، وظل يصبو إلى أن يكتب نصه الشعري بحذر وانتباه.
وعند تركيزه على انتماء صبري إلى جيل الستينات، أوضح أن ذلك يساعد على تحديد شجرة النسب الشعري، مع الوعي بأن مفهوم الجيل يظل مفهوما إجرائيا وليس للمفاضلة بين الشعراء، فلا أحد يكرر غيره، كما أنه لا يمكن أن يحدث التماثل حتى في حالة التقليد، على اعتبار أن الشعر هو إبداع وخلق، وبالتالي يبقى النص هو الحجة والحكم.
إن جيل صبري فتح طرقا جديدة في دغل كانت المعرفة فيه هي الماضي. كان يكتب من خارج الماضي، واستطاع أن يخلق انفراجات أوسع للنص الشعري المغربي.
وأوضح بعد ذلك أنه ليس هناك تفاوت في مختلف مراحل الكتابة الشعرية لصبري، وقد اتسمت هذه التجربة بعدم التواصل مع الماضي، كمثال على ذلك: التخلي عن توظيف الأسطورة والاكتفاء بالواقع، دون التنازل عن اختياره الشعري، الذي يحمل دلالة على الاستمرارية.
وانتهى إلى القول، إنه بالرغم من كثرة الانشغالات التي ظلت تشد صبري إلى غير الشعر: الرياضة، النقابة، الصحافة، بالرغم من ذلك، فهو لم يفرط في الشعر.
وتكلم ” أحمد صبري” عن تجربته وعن ذاته، ملفتا الانتباه إلى أن الكلام النقدي يعلو على العواطف، وأنه ليس من حقه تناول تجربته الشعرية بالنقد. وفسر صموده ومواصلته السير على درب الإبداع، بالقول إن التيار الحقيقي الصادق يمخر العباب، رغم كل المضايقات، مضيفا بأسلوب دارج: «اللي عندو عندو».
وأوضح أن إبداعه الشعري، له مبرراته، باعتبار أنه نابع من المعاناة والاكتواء بقسوة الجمر والبرد، في مختلف الفضاءات، فدون هذه الأحاسيس، على الشاعر أن يمنع نفسه من كتابة الشعر، لأنه خارج دواعي الكتابة الشعرية.
وأشار، في ختام مداخلته، إلى أنه طالما عانى من التهميش، لأنه لم يكن يسترضي أي أحد، مع الوعي أنه في ظل الزبونية، يفقد النقد خصوصيته. وبتأثر شديد، عبر عن خوفه على الشعر المغربي الجاد من الاندثار.
وفاته..
توفي “أحمد صبري” في يوم 10 ديسمبر 2022