خاص: إعداد- سماح عادل
“أحمد زكي أبو شادي” شاعر وطبيب مصري، أسس مدرسة “أبوللو” التي ضمت شعراء الرومانسية المعاصرين، وكتب دواوين ومسرحيات، وبعد هجوم النقاد عليه هاجر إلى أمريكا وتوفي بها.
حياته..
ولد “أحمد زكي محمد أبو شادي” يوم 9 فبراير 1892 في حي عابدين، وكان والده “محمد أبو شادي” “بك” نقيبا للمحامين، وأحد أعضاء حزب الوفد البارزين. أتم تعليمه الثانوي، وبعدها دخل مدرسة الطب بقصر العيني، ثم سافر إلى بريطانيا عام 1913 ليستكمل دراسة الطب, حيث أتقن اللغة الإنجليزية.
عاد “أحمد زكي أبو شادي” في 1922 إلى مصر مضطرا بسبب نشاطه الوطني ضد الاحتلال البريطاني لبلده، فعمل أستاذا بكلية الطب، واستمر يزاول مهنة الطب والتدريس حتى وصل إلى منصب وكيل كلية الطب بجامعة الإسكندرية، كما أسس “جمعية آداب اللغة العربية”.
الكتابة..
بدأ “أحمد زكي أبو شادي” كتابة الشعر وهو فتى إذ أصدر ديوانه الشعري الأول “أنداء الفجر” عام 1910، ثم أتبعه بديوانين 1927 و1928، كما نشر 1927 أولى مسرحياته بعنوان “الآلهة”.
أنشأ في عام 1932 مجلة “أبوللو”، و”جماعة أبوللو الأدبية”، ودعا إلى التجديد في الشعر العربي والتخلص من تقاليده, وكان من بين أنصار هذه الدعوة من الشعراء: “إبراهيم ناجي وعلي محمود طه”، وغيرهم من مشاهير نهج مدرسة “أبوللو”، المعروفة بالرومانسية والقافية المتغيرة على طول القصيدة.
“أبوللو”..
حدد رسالة “جماعة أبوللو” في عدد مجلتها الأول بأنها “السمو بالشعر العربي وتوجيه جهود الشعراء توجيهاً شريفاً.. وترقية مستوى الشعراء أدبياً واجتماعياً ومادياً، والدفاع عن صوالحهم وكرامتهم… ومناصرة النهضات الفنية في عالم الشعر”.
صدر من “أبوللو” خمسة وعشرون عدداً، من سبتمبر 1932 حتى ديسمبر 1934. وكانت حدثا أدبيا وثقافيا عظيما، وعلامة بارزة مضيئة وفارقة ومؤثرة في تاريخ الشعر العربي الحديث. على صفحاتها تألقت أسماء المبدعين الشباب الذين حظوا برعايتها وتشجيعها، ومنهم “أبو القاسم الشابي، وناجي وعلي محمود طه وصالح جودت” وبقية أبناء “جماعة أبوللو” ورواد الرومانسية في الشعر الحديث.
أما إبداع “أبو شادي” الشعري، فيقول فيه صديقه في “أبوللو” الشاعر الناقد “حسن كامل الصيرفي”: “لعل أحداً من الشعراء لم يلج عوالم شتى قد تتهيبها أجنحة الشعر كما ولج الدكتور أحمد زكي أبو شادي.. ولعل أحداً من الشعراء في العصر الحديث لم يلق من الجحود ما لقي أبو شادي. ومرد هذا الجحود هو هذا الولوج الجريء، ولا أتهيب أو أغالي حين أقول: هذا الفتح أو هذا الارتياد”.
ويعد «أبو شادي» أسخى الشعراء إنتاجاً، وقد بلغ عدد دواوينه خمسة وعشرين ديواناً، كانت في مجملها شعراً إنسانياً نبيلاً وجميلاً، ومرآة لمشاعر صافية، وقلباً لا يعرف الحقد، وروحاً تواقة للحق والخير والجمال.
لكن جماعة “أبوللو” واجهت نقدا لاذعا وحربا قاسية من الشعراء المحافظين التابعين لنهج مدرسة الإحياء والبعث، ومن أنصار التجديد، ومن هؤلاء “عباس العقاد” و”إبراهيم المازني”.
ضاق “أبو شادي” بالنقد الموجه له والهجوم المستمر عليه، فهاجر إلى أمريكا 1946 وكتب في بعض صحفها العربية، وعمل في التجارة وفي الإذاعة، وانتخب أستاذا للأدب العربي في معهد آسيا، وأسس مع آخرين رابطة أدبية باسم “رابطة منيرفا” “إلهة الحكمة عند الإغريق”، وهي رابطة أدبية على غرار “أبوللو”، ضمت مفكرين عربا وأميركيين.
وقد كانت غربته الأولى في انجلترا هامة، حيث اطلع على الآداب الغربية، وكتب أشعار الشباب التي بشرت بتوجهاته التجديدية في الشعر العربي، التي من أبرزها التعبير الرمزي والوجدان الفردي ووحدة القصيدة وتنوع الأشكال أو البحور والقوافي. وهي التوجهات التي تفتحت كأنضر تجليات الرومانسية العربية في أشعارها “ناجي وعلي محمود طه وصالح جودت ومحمود حسن إسماعيل والشابي والتيجاني يوسف بشير وحسن الصيرفي ومختار الوكيل”، إلى جانب “أبو شادي” وغيره ممن ضمتهم “جمعية أبوللو”.
ويقول الشاعر”فالح الحجية الكيلاني” عنه: “امتازت شخصيته بالطموح والثقة بالنفس والإيمان القوي بقدرات الإنسان والتحلي بالمثل العليا والكفاح الوطني، لما تصبو إليه النفس في مجال الخلق والإبداع وتحقيق الإخاء الأدبي، وخدمة اللغة العربية. فهو شاعر صادق الحس رقيق الشعورغلب على شعره الطابع الوطني والحنين إلى وطنه وفيه رومانسية جميلة”.
أعماله..
كان إنتاج “أحمد زكي أبو شادي” الأدبي غزيرا، وصدر له عدد كبير من الدواوين، منها: “زينب”، و”مصريات”، و”أنين ورنين”، و”الشفق الباكي” الذي جمع فيه كل ما كتبه حتى 1927. ومن دواوينه في ثلاثينيات القرن العشرين: “أشعة وظلال”، و”الشعلة”، و”أطياف الربيع”، و”أغاني أبي شادي”، و”الينبوع”، و”عودة الراعي”، و”العباب”، و”شعر الريف”.
صدر له في الأربعينيات: “من السماء”، و”قطرة يراع”، و”أناشيد الحياة”، و”إيزيس”، و”فوق العباب”، و”شعر الوجدان”، و”الإنسان الجديد”.
له تجربة في الشعر التمثيلي قدم منها في 1927: “إحسان”، و”أزدشير”، و”الزباء”، و”الآلهة”، كما ألف شعرا بالإنجليزية منه دواوين: “أغاني العدم”، و”أغاني الحب”، و”أغاني السرور والحب”.
وفاته..
توفي “أحمد زكي أبو شادي” يوم 12 أبريل 1955 في واشنطن.
قصيدة لأحمد زكي أبو شادي
المناجاة
طرفتْ، فلما اغرورقتْ عيني وصَحَتْ صحوتُ للوعة البيْنِ
خمسٌ من السنوات قد ذهبتْ بـأعـزِّ مـا سميتُه «وطني»
مـا زالـتِ «الأفراحُ» تنهبهُ وهْي «المآتمُ» في رؤى الفَطِن
«أفـراحُ» ساداتٍ له نُجُبٍ مـن كـل صُـعلوكٍ ومُمتنِّ
طـالـتْ أياديهم، وإذ لمسوا أعلى الذُّرا سقطوا عن القُنَن
يـا ليتهم سقطوا وما تركوا زُمَـراً تُـتـابـعهم بلا أَيْن
تـركوا الوصوليّين، صاعِدُهُمْ صِـنْـوٌ لهابطهم، أخو ضَغَن
وكـأنَّـهـم أكـوازُ ساقيةٍ دوَّارةٍ بـالـشـرّ لـلفَطِن
لا شـيءَ يشغلهم ويسعدهم إلا الأذى فـي الـسرِّ والعلن
عـبـثوا بنا وبكلِّ ما ورثتْ (مصرُ) العزيزةُ من غِنى الزَّمن!
****
هـذا الربيعُ السمحُ، واكفُهُ دمعي.. ودمعُ البؤسِ في وطني
خـلَّـفتُهُ أَسْوانَ.. قد سلبوا قـهـراً وشـائجَ نفعِهِ منّي
خَـلَّـفـتُه لا شيءَ يشغلني إلاهُ، وهْـو بـشـغله عنِّي!
وتـركتُه الأغلى الذي فُتنتْ روحـي به، وأشاح عن فنِّي
يـا لـلـربيع مُمازحاً فَرِحاً ولـئـن بكى، ومُشنِّفاً أُذني!
أُصـغـي إليه ولا أُحسُّ بهِ وهـواه فـي قلبي وفي عيني
يـجـري ويـقفز في مداعبةٍ نـشـوانَ مـن فَنَنٍ إلى فنن
والـشمسُ قد تركتْ غلائلَها نَـهـبـاً لديه، فلجَّ في الفِتَن
وبـدتْ عرائسُهُ وقد وُلدتْ فـي الـفجر راقصةً تُغازلني
عَـرِيـتْ، وكلُّ كيانها عَبَقٌ ورؤى وأطـيـافٌ من اللَّوْن
يـا لُـطـفَها في ما تُبادلني بِـمـنوَّعٍ من سحرها الفنِّي!
وأنـا كـأنّـي لم أخصَّ بِها شِـعري، ولم يزخر بها زمني
وكـأنّـمـا غفرتْ مُجانبتي ورأتْ أسـايَ أجلَّ من دَيْني!
مـن ذا يُحسُّ شعورَ مُغتربٍ غـيـرُ الـربيع بدمعهِ الهَتِن
غـيـرُ (الطبيعة) وهيَ حانيةٌ تـسعى وتمنحنا الذي تجني؟
هـيَ بي ولَوْعة مهجتي أدرى وبـكـلِّ مـا ألقاه من محن
ولـئن تكن عصفتْ فغَضْبَتُها شِـبـهُ العتاب يُساقُ للوَسِن
إنْ حـال دون لقائها مرضي وغـدا الفِراشُ مُحاصِراً ذهني
فـبـكـلِّ جارحةٍ لها شغفي وبـهـا أظـلُّ مُناجياً وطني!