خاص: إعداد- سماح عادل
“أحمد رضا أحمدي” شاعر وكاتب وفنان تشكيلي إيراني.
التعريف به..
ولد في مدينة “كرمان” عام 1940، إنتاجه الشعري كان بمثابة بداية لأحد التيارات المهمة في الشعر الإيراني الحر (النيمائي) أطلق عليه اسم (الموجة الجديدة) وكانت السمة البنيوية البارزة لهذا التيار الشعري نزوعه نحو النثر وتحرره من كل أشكال الوزن والموسيقى الشعرية.
الكتابة..
أصدر عدة مجموعات شعرية ترجم منها إلى الألمانية والفرنسية والإسبانية والعربية واليابانية ولغات أخرى أهمها: (الصحف الزجاجية/ وقت المصائب الجميل/ فقط بكيتُ بياض الحصان/ ألف درجة سلم نحو البحر/ كل تلك الأعوام/ الأسفار الخمسة/ واقفون على الأرض/ خرائب القلب في مهب الريح/ بقعة من العمر على الحائط).
له العديد من الكتب للأطفال يمكن من بينها: (لدي كلام لا يصدقه إلا أنتم الأطفال، كتبت: المطر، هطل المطر، وجدت الأرنب الأبيض في الربيع، الحوض الصغير، السمكة الصغيرة أحلامنا وأحلام جدّنا، و….). ونشر مذكراته اليومية بعنوان:” صفحات النثر اليومي”.
رسالة “فروغ فرخزاد”..
في مقالة بعنوان (“لا تحاول أن تكتب الشعر كثيرًا”: رسالة فروغ فرخزاد إلى الشاعر أحمد رضا أحمدي) ترجمة: “خليل علي حيدر”: تتضمن رسائل من الشاعرة الإيرانية إليه: “رسالة من فروغ..
… سـعيدة جداً [أنا] لذهابكَ إلى مكانٍ لا صلةَ لهُ بهذهِ الحياة الثقافيـة المُصطنعة في طَهران. فلمن هو مثلـكَ، حائز على هذا الذكاء الوافر والذوق [الرفيع] وكذلك البراءة والنقاء الشديد والذهنية النظيفـة القابلة للتفاعل، تُعدُّ فترة من الحياة المُستقلة البعيدة عن هذه الحوادث المُفتعلة السطحية، بمثابةِ أفضل أرضية وحماية للارتقاء.
لا تحاول أن تكتب الشعر كثيراً. لا تنخدع بالإثارةِ والاندفاع. دَعْ الأشياء تَستقر في ذهنكَ. تستقرُ طويلاً حتّى تعتقد أنَّها لم تَحدث أساسًا، مارس الحياة كي تخرج عن الرَّتابة، فالإنسان عندما يغمس نَفسـه في مجرى الحياة، يُعايش كلَّ يومٍ تحوُّلاً ومروراً بمراحل، ومثل هذا التحوُّل هو الذي يخلق الإنسان لحظةً بلحظةٍ ويوماً بيوم، ويعمل على تنميتِهِ. إذا رأيتَ نفسكَ تُكرّرُ فكرةً واحدةً مُعيَّنة، ضع القلم والورق جانباً مثلي، حيثُ قرَّرتُ أن أضعهما جانباً لمدَّةِ عام.
أمارسُ الحياة وأصبرُ قبل الشروع ثانية. المهم، عدم السماح بموت الجذور. دع الآخرين الآن يقولون “أرأيتْ، هذا أيضًا بلغ حده”. إن نطـق أحدهم بهذا الكلام وبلغ سمعك، لا يَنبغي أن تُبادر إلى الإجابة، قُل لنفسكَ في سرّك: لستُ مصنعاً لإنتاج الشعر ولا أبحث عن السـوق. إنَّ الوظيفة الوحيدة للإنسان عندما يَصل حقاً إلى مرحلة الإبداع في اعتقادي، أن يقوم بإبراز هذه الطاقة بعيدًا عن كلِّ انتظار أو تقييم. فما الفرق بين أن يَتحسر على وفاتكَ في مجلسٍ للعزاء القاطنون في الريفييرا أو “قهوة نادري”. الإنسـان يعود كالميت إلى مجلس عزائهِ. يعود بكيانٍ جدیدٍ شابٍ مُذهل.
الوسـطُ الأدبي على حالهِ كما كان، الكثير من الثرثرةِ والكلامِ الفارغ والقليل من الإنتاج.. إنَّني مُصابة بالغثيانِ وأسـعى جهدي في الابتعاد عن هذهِ المَقاييس والأهداف الحمقاء التافهة. إنَّني أُفكِّر بالعالم خارج إيران، وإن كان الأمل في بلوغ العالمية ضئيلٌ جداً وربما لا يزيد عن الصفر. ولكن ما هو إيجابي [في هذا الأمل] أنَّه يُنجي الفرد من ضآلةِ حجم هـذا المحيط الأدبي، الذي لا يزيد بالأمتار عن 4×2، وكذلك من ديدانِ الأحواض هذه، كَما أنَّ هذا الأمل لا يَجعلك تخشـى مـن أن المراكز الثقافية في هذه البلاد قد درستْ إنتاجك ولسوء حظّكَ رَفَضته. بل رُبَّما يجعلكَ تَضحك كتبتُ كثيرًا.”.
ممارسة الحياة..
وتواصل المقالة عرض ما أرسلته “فروغ”: “عزيزي أحمد رضا لا تنسَ “الوزن”، لا تغفل عن قُدرة البُلبلِ. استمع لكلامي. إنَّ أُمنيتي واللهَ أن تشـقَّ موهبتكَ ورهافة حسّكَ وحسـن ذوقكَ مساراً راسخًا ثابتًا يُمكن الاطمئنان إليه. فكلامُكَ له من القيمةِ ما يجعلهُ جديراً بالبقاءِ في الذاكرة، أعتقد أنَّك لم تجد إلى الآن أسلوبَكَ المُميَّز، والطريق الذي تسير فيه لن يقودكَ إليه. هذا الذي اخترته لا يُسمى بالحرية. إنَّه نوعٌ من [اختيار] السهولة والراحة. تماماً كما لو قام أحدهم بالدوس على سائرِ القوانين الأخلاقية زاعمًا: لقد تعبت من هذا الكلام، ثم يعيش في عشوائيَّةً وفَوضى. بينما كلُّ تدميرٍ لا يَنجم عنهُ بناء جديد، لا يُمكن اعتباره في ذاتهِ عَملاً يَستحق الثناء.
ابذُل كلَّ جُهـدكَ في التأمل، وفي ممارسة الحياة مستوعباً إيقاعها. فإنَّك لو أنصتَ إلى أوراقِ الشَّجر ستجد أنَّ لاهتزازها في الهواء إيقاعاً مُعيَّناً. هكذا أجنحة الطيور. عندما تريد الارتفاع تخفـق بأجنحتها، بقوة وبشكلٍ متوالٍ، وعندما ترتفع تطير في خط مستقيم. هكذا أيضاً جريان الماء، هل نظرتَ ذات مرة إلى مجرى الماء؟ إلى التعرُّجات والجداول، وترتيب هذه التعرجات والتشعُّبات. هل لاحظتَ عندما تُلقي بحجرٍ في حوض ماء، بأيّ حسابٍ وطريقةٍ واضحة للعين تتداخل الدوائر وتتَّسع. هل تأملتَ في أيّ وقتٍ حلقات الأغصان المقطوعة، كم هي متجاورة بتناغم وبشكل متوازن.
ولو شاءت هذه الحلقات أن تمضي في مسيرتها هكذا بلا حساب، لما رأينا تناسقاً في حجم الجذوع. مثل هذا النظام نراه سارياً في كل أجزاء الوجود. هذا الحساب الدقيق والتحديد موجـودان. ولو دققتَ النظر أكثر لفهمت كلامي. كل ما يظهر إلى الوجود يحيا ويخضع لسلسلة من النظم والحسابات المحددة ينمو داخلها. هكذا الشعر. وإن كنت ترفض والآخرون كذلك يرفضون، فهم مخطئون باعتقادي. إن لم تضع الطاقة في قالبٍ ما فإنَّك تبددها ولا تستطيع الاستفادة منها، مؤسف أن تضيع رقَّة مشاعرك، ألا تجد كلماتكَ الجميلة الحيَّة قالبها في التعبير الفني. ستدركُ ذاتَ يومٍ أنَّني كنتُ صادقة.
كتبـتُ كثيرًا. أرجو ألا أكون قد أرهقتكَ. اكتُبْ لي الرسائل.. يشعرني ذلك بالسعادة. اعتبرني شقيقتكَ. وإن كنتُ لا أكتب إلا في فترات متباعدة فإنَّني بالمقابل أكتبُ كثيرًا وفي النهاية يعوُّض أحدهما الآخر”.
قصيدة “عرس في الشتاء”..
أحمد رضا أحمدي
ترجمة: محمد الأمين
الخريف الكسول كان جَالساً
يطلي الوريقات باللون الأصفر
ولما اصفرّتِ الوريقات
ماتت العروس.
العريس يُدركُ الآن
لماذا تنمو الأعشاب تحت حوافر الفرس
وضعَ الوريقات في الخُرج
واتجه نحو الشتاء
مع بكائه وفرَسيهِ.
نزلَ الثلجُ
ليطلي لحيّة العريس بالأبيض.
هَرُم العريسُ
فيما طفولته كانت تناديهِ من بين أزهار اللبلاب:
ما زلتَ على قيد الحياة،
لكن العريس لم يسمع نداء طفولته.
حينما جاء الربيع
اخضوضرتِ الوريقات الصُفر
تذكّر العريسُ العروسَ
أرادَ أن يذهب إلى الخريف
ليأتِ بها من هناك لمشاهدة الربيع
لكنَّ فَرَسَه ذهبتْ نحو الصيف
لتشتري الدفء للشتاء.
لفرط عينيكِ
أحمد رضا أحمدي
ترجمة: محمد الأمين
لفرط عينيكِ
لفرط عينيك أستيقظ من النوم باكرا
ناكراً لغتي الأم.
إثرَ طيران الحمائم
تتدفأ الأغصان.
نحن ضيوف أغصان الصيف الدافئة.
للحقيقة فلأقل:
كنّا نتهامس تحت أغصان الأشجار
المرتجفة في الربيع.
الأشجار لا تسمعنا في الشتاء.
في حضورنا وحضور الأشجار العارية
كأنَّ ثمة غفلة تتوهج
على ضوئها كنّا نتدفأ، نتعرّى
ونحترق بعد هنيهة.
تحت الأغصان ذاتها
في ربيع مضى
كانت العروس بلا فكرة واضحة عن المستقبل
لذا انتشر نثار الورود الميتة تحت الأغصان.
في تلك الأعوام،
في خرائب اللاشيء الأخضر.
صارت الورود دموعاً
وكانت السماء زرقاء.
قرب أغصان ورود البيلسان
كان الحريق هائلاً على نحوٍ
أننا نادينا بعضنا الآخر lt;lt;أيها البستانgt;gt;!
وأدركنا أن مفردة lt;lt;ماء السنينgt;gt; تعني البستان
كان الحريق هائلاً على نحوٍ
أن الأساطير جرفتنا
وأن براعم التوت البرّي صارت ثماراً.
كنّا واقفين إلى جواره حين شبَّ الحريق صيفاً
نستطيع الموت وقوفاً
لكنا صبرنا كي نجيب على أسئلتكم حول العروس
التي تداعت في الربيع
فانسكب الزمن من أعيننا.
نظرنا، رأيناكم جميعاً في آخر الصيف
نعرفُ أنكم كائنات صاخبة، غير واقعية،
هرمينَ
وقورينَ
مغرورينً، كنتم.
أذكر امرأة مُسنِّةً
كانت تستفسرُ عن الحدّادين الذين رحلوا
مع ببغائها إلى البحر
ولم يخرجوا منه، قط
رأيتُ مشاعل النار.
موجزة كانت قامتي تحت أغصان الأشجار
جوار الحريق،
لكنها كافية كي أدرك أن الولهينَ يتبرعمون جوار الحرائق
أحببتهم حتى تبرعم الحريق بدوره.
كنّا نبحثً عن مبرّر لإدامة الحياة
قلتُ بإيجاز: سأعود ثانية، مرتدياً حذائي.
أسترجعُ الجلابيب البيضاء من الخيّاط
أتأمل الولهين، مرة أخرى
أُؤمِّن الرؤيا لديهم
كي يدخروها في بيوتهم إلى فصلٍ آخر
هكذا دوّنتُ في مذكرتي يوم الحريق
الحريق الذي أضاء ملامح الإنسان الغارق
في البحر، وأيام العُطل،
وإذا صار الصمتُ بحراً محضاً
رأيتُ في تخومه جادة طاهرة
تبددتْ إثر تشظي الثمار في السلال
فذات يوم عطلةٍ
أضاع الجيران سلال الثمار
وكنتُ أعرف أن قلبي قد نأى كثيراً عن البيت.
كنا على دراية بهذا الوجع
دائماً يفد حديث الموت أثناء الليالي الناصعة
لذا كنا نغيبُ
لنهب الملابس البالية للبحر
ونقفُ منتظرين اللا أحد
وكأنّ الملابس ما زالت على أجسادنا.
لقد مرَّ قلبي المنفيُ بجوار حشدِ
يشيِّع التوابيت تحت مطر الربيع
وأنا المضمّخ بالورد والأسى
كنت أعرف لحظة الموت
أنا والموتُ ممتزجان بوجهكِ المطري. . .
أنتِ الجالسة تحت شمس. . .
أنتِ المحتجبة مع هطول المطر
بحثاً عنكِ، بلا مبالاة، قضينا النهار كله تحت المطر
كنّا نجتاز الجسر
طلبتُ منكِ أن تستضيفيني بمحبةٍ ولطف
فالجادةُ ممتدة،
وقد أضعتُ درب العودة
ومازال المطر يهطل في ذاكرتي.
حشد كبير مرَّ بجوار الحريق
حشد يكرر سؤاله الأبدي:
متى ستخمد نيران الحريق؟
متى ستعود سلّة البحر إلى بيتنا؟
وإذا كنّا نكرّر السؤال ذاته
كانوا يجيبوننا بآهة مقتضبة: كم فسيح هو الليل!
وكنّا نرّد:
جافة هي الأرض
ولا مطر!
على قارعة الطريق رأينا الحريق يشّبُ في مطلع كل فصل. . . كُنّا وما نزال