22 ديسمبر، 2024 10:46 م

“أحمد جواد”.. قدم مسرحا لا يغالط الحقائق ومات احتجاجا

“أحمد جواد”.. قدم مسرحا لا يغالط الحقائق ومات احتجاجا

 

خاص: إعداد- سماح عادل

كانت صدمتي كبيرة حين علمت بخبر وفاة المسرحي المغربي “أحمد جواد”، حيث كنت قد أجريت معه حوارا في عام 2017 حول عمله في مجال المسرح، ومن وقتها أصبح صديقا من ضمن الأصدقاء لدي على “فيسبوك”، كان رجلا مبدعا وكريم الأخلاق، لكنه عاني كثيرا من التهميش ومن تجاهل تاريخه الفني. و”أحمد جواد” من الوجوه الفنية الرائدة في المغرب لديه العديد من المسرحيات.

الموت احتجاجا..

توفي “أحمد جواد” يوم الأحد 2 أبريل- نيسان 2023 عن عمر 62 عاماً بعد أن أشعل النار في جسده في يوم 27 مارس-آذار، أمام مبنى وزارة الثقافة بالعاصمة الرباط كموقف احتجاجي على ما وصفه “بالتهميش الذي تعرض له من طرف مسؤولي الوزارة”. وكان “جواد”، موظفا في مسرح محمد الخامس بالرباط.

أشعل “أحمد جواد” النار بنفسه في مناسبة اليوم العالمي للمسرح أمام مقر وزارة الثقافة في ثم تم إسعافه ونقله إلى مستشفى ابن سينا. وفي شهر مارس الماضي، حاول “جواد” مقابلة وزير الثقافة للتحدث معه في أمر تهميشه وإقصائه، إلا أن طلبه قوبل بالرفض، ولم يتمكن حينها من إتمام هذا اللقاء.

كان قد وعد منذ 10 سنوات بذلك، حيث أعلن في صيف 2013 بأن يحرق نفسه احتجاجاً على ما سماه “الإقصاء”، وسبق له أن تجرد من ملابسه أمام البرلمان المغربي في سياق نفس الاحتجاج.

الجدير بالذكر أن “أحمد جواد” دخل في إضراب عن الطعام منذ السادس من فبراير (شباط) 2023 احتجاجاً على رفض الوزارة دعم عمله المسرحي الجديد “درس في الحب”، بحجة أنه إنتاج قديم. وأكد أن الوزارة المعنية بالقطاع الثقافي في الوقت الذي رفضت فيه دعم عمله الفني، قررت بالمقابل دعم أعمال فنية أخرى قديمة تعود لمسرحيين آخرين. وقد تأسف لاستثنائه من التكريم التقاعدي أسوة بكل العاملين في المسرح الوطني لمحمد الخامس الذين أحيلوا إلى التقاعد.

ردود الفعل..

تنوعت ردود الفعل تجاه ذلك الاحتجاج المأساوي، فقد أعرب “رشيد حموني” عضو مجلس النواب المغربي، عن أسفه للحادث المأساوي الذي أودى بحياة الفنان “أحمد جواد”. ونقلت صحيفة «كود» المغربية، عن النائب “حموني” قوله إن: “الفنان أشعل النار في نفسه بسبب عدم استجابة وزارة الثقافة لمطالبه، وهو دليل على المرحلة الخطيرة التي وصل إليها الفن في المغرب”. وأضاف أن: “الحادث يعيد إلى الأذهان واقعة حرق محمد البوعزيزي لنفسه عام 2010 احتجاجا على الأوضاع الاقتصادية في تونس، في حادثة أدت إلى اندلاع ثورات الربيع العربي”. وطالب النائب المغربي الحكومة بضرورة الاستماع إلى ما يُطلب منها، دون الجلوس في المكاتب بعيدا عن الاحتكاك بالمغاربة.

هدم المسارح..

هذا حوار أجريته معه نشر في موقع “كتابات” بتاريخ 13 يونيو2017:

“أحمد جواد” المسرحي المغربي. يعد أول فنان يخوض اعتصاما وإضراباً عن الطعام مفتوحين ضد قرار سياسي جائر. حيث قاد معركة في منتصف تسعينيات القرن الماضي ضد هدم المسرح البلدي بمدينة “الجديدة” سنة 1994. هو فنان مسرحي ارتبط بالمسرح منذ أواسط السبعينيات من القرن الماضي، مع مسرح الهواة وهو في أوج عطائه، إذ شارك في العديد من الأعمال المسرحية بـ”الجديدة” مع جمعية “عروس الشواطئ” كإحدى أقدم الجمعيات المسرحية بالجديدة، مثل مسرحية “الله يرحم مي طامو” لأحمد الطيب لعلج. و”العين والخلخال” لعبد الكريم برشيد. ومسرحية “البوهالي” للمرحوم عبد الله النظام، والذي خبر الاعتقال والسجون بسبب نصوصه المسرحية أكثر من مرة.

مثلما شارك “جواد” في مسرحية “حلاق درب الفقراء” ليوسف فاضل، وشخص دور البطولة فيها، وأنجز ديكورها الذي كان كله من القصب، بسبب قلة ذات اليد ومن باب التقشف..

وكان لي معه هذا الحوار المشوق:

* قمت بعمل إضراب عن الطعام لكي تتحسن أحوال المسرح المغربي.. حدثنا عن محاكمتك وظروفها؟

  • لا أنا لم أضرب عن الطعام من أجل تحسين أوضاع المسرح المغربي. ولا وضعيتي التي كانت آنذاك أسوأ بكثير من وضعية المسرح المغربي. أنا خضت اعتصاما مع الدخول في إضراب عن الطعام لكي لا يُهد المسرح الوحيد الذي يوجد بمدينتي. ولمعلوماتك فهذا المسرح شيد في عشرينيات القرن الماضي، وكان ذلك بمناسبة اليوم العالمي للمسرح وتحت شعار (بالإضراب عن الطعام احتفل باليوم العالمي للمسرح تضامناً مع المسرح البلدي)، ولقد سبق للسلطات في المغرب أن هدمت المسرح البلدي لمدينة الدار البيضاء. هذا المسرح الذي اقترن باسم الرائد “الطيب الصديقي”. هل سمعتم ببلد يهدم المسارح.. منتهى السخافة.

* في رأيك هل يجب أن يكون الفنان والمثقف مناضلاً يدافع عن إبداعه؟

  • بطبيعة الحال ممارسة الفن عموماً هي نضال.. نضال ضد التخلف، ضد البؤس، ضد الوصوليين والانتهازيين، وفي نفس الوقت من أجل تكريس عالم يسوده العدل والمساواة، وتحترم فيه حقوق الانسان، وخصوصاً حقوق الأقليات وهذا هو المجتمع الديمقراطي الذي نرغب فيه.

* هل المجتمع المدني في المغرب قوي ويقوم بدوره في الدفاع عن حقوق المضطهدين؟

  • أعتقد أننا البلد العربي الوحيد الذي يحضر فيه المجتمع المدني بقوة.. وبرصيد نضالي اكتسبه عبر سنوات النضال، وخصوصاً مرحلة ما يسمى بسنوات “الجمر والرصاص”، ويوم 11 حزيران/ يونيه تكون ربما أضخم مسيرة شعبية بالعاصمة الرباط تضامناً مع ساكنة مدينة الحسية، من أجل إطلاق سراح معتقليها وخصوصاً الجمعيات الحقوقية مثل “الجمعية المغربية لحقوق الإنسان”، و”المنظمة المغربية لحقوق الإنسان”.

* ما تقييمك لحال المسرح المغربي في الوقت الحالي؟

  • للأسف اندحر المسرح المغربي وتم تدجينه بسياسة الدعم وسياسة الريع.. ثم لا يوجد في المغرب مسرح قطاع عام، هناك فرقة حرة تشتغل إما بدعم “وزارة الثقافة”، أو دعم “المسرح الوطني محمد الخامس”، وأغلب المشتغلين في المسرح موظفين بقطاعات أخرى والمستفيدون هم الموالين لأحزاب الأغلبية المشكلة للحكومة.

* متى ازدهر المسرح في المغرب.. وما هي الأسباب؟

  • ازدهر المسرح في المغرب أواخر الخمسينيات.. عندما تبنت الدولة المغربية آنذاك أول جيل، مكونة ومؤطرة من طرف فرنسسين مختصين في تقنيات المسرح، ولا بأس أن نترحم عليهم وهم “عبد الصمد الكنفاوي”، “الطيب الصديقي”، “أحمد الطيب لعلج”، “محمد سعيد عفيفي”، وآخرون.. وأذكر من الأحياء “فاطمة الركراكي، خديجة جمال، عبد الصمد دينيا”.. هؤلاء قدموا روائع المسرح العالمي وأبدعوا كذلك في نصوص مسرحية مغربية، وكانوا يجولون المغرب طولاً وعرضاً، وقدموا عروضهم في الساحات والأسواق الأسبوعية، وهنا استحضر في أواخر ستينيات القرن الماضي حيث كان المرحوم “الطيب الصديقي” في جولة بمسرحية “سيدي عبد الرحمان المجذوب”، وكان ضيف عزيز على “الصديقي” أخذه معه في الجولة، وهذا الضيف هو فنان كبير ومسرحي أكاديمي اسمه “كرم مطاوع” رحمة الله عليه، وكانوا يقصدون مدينة “أكادير” لتقديم العرض، وفي طريقهم توقفوا بمدينة “مراكش” وبالضبط ساحتها جامع الفنا، وقال “الصديقي” لكرم مطاوع ستشاهد المسرحية في هذه الساحة، وفعلاً قدمت مسرحية “سيدي عبد الرحمان المجذوب” بساحة “جامع الفنا”، إهداءً لكرم مطاوع، وهذه المرحلة هي التي قدم فيها “الطيب الصديقي” مقامات “بديع الزمان الهمداني”.. لكن مع هدم المسرح البلدي لمدينة الدار البيضاء، وتعيين وزير الداخلية كوزير للإعلام تم تدجين المسرح وكل الفنون، وكثر المنتفعون والوصوليون والانتهازيون.

مسرح لا يستبلد الجمهور..

* ما نوع المسرحيات التي تحب أن تقدمها؟

  • أحب أن أقدم مسرحاً لا يستبلد الجمهور ولا يغالط الحقائق.. وقد سبق أن قدمت سنة 2009 مسرحية بعنوان (هو) عن فترة سنوات “الجمر والرصاص”، واستحضاراً للذاكرة الجماعية، وتكريماً لكل من ناضل من أجل تكريس ثقافة حقوق الانسان.. واستحضر هنا أننا عندما ذهبنا لتقديم العرض بمدينة “الحسيمة”، والتي تعرف هذه الأيام احتجاجات من أجل رفع التهميش، ومن أجل عدالة اجتماعية.. قلت ذهبنا إلى هذه المدينة المناضلة، وهي بالمناسبة مدينة المجاهد “عبد الكريم الخطابي” الذي عاش في مصر، وقبره كذلك بمصر.

وصلنا للمدينة ليلة قبل تقديم العرض، ونحن في الفندق، وكانت زوجتي تقدم دوراً في هذه المسرحية فتم اعتقالها، وقضت الليلة بالمعتقل، ولم يفرج عنها إلا بتدخل من السيد “أحمد حرزني” رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، وفعلاً تم الإفراج عنها في تمام الساعة الثانية ظهراً وقدمنا العرض في السادسة مساءاً.. في هذا العرض كنا نضع كناشاً في مدخل كل قاعة نعرض فيه ونطلب من الجمهور أن يكتب لنا ارتساماته، بل حتى الانتقاد للأسف الكناش ليس قريب مني الآن، لا نقل لك منه ما خطه لنا جمهور “مدينة الحسيمة”.. كنا في كل عرض نقدم إهداء وتكريماً لشخصية مناضلة وبحضورها.

أما الآن فأنا أقدم رفقة زوجتي “علية جبور” عرض من التراث العربي القديم تحت عنوان (درس في الحب)، فقد جمعت أشعارها ومحكياتها من مراجع عديدة: من “طوق الحمامة” لابن حزم و”أغاني” أبي الفرج الأصفهاني و”رسائل إخوان الصفا” حتى “تزيين الأشواق” لداوود الأنطاكي و”أسد الغابة” لابن الأثير و”الشعر والشعراء” لابن قتيبة، وهناك قصائد من عيون شعر الحب العربي ومقاطع زجلية منتقاة بعناية من دواوين “غزيل البنات” لمراد القادري و”كناش مخ الصيكان” لمحمد الزروالي، فهي قصص وحكايا، أشعار وأزجال، نوادر وطرائف من الموروث العربي عن الحب.

صعود الإسلاميين..

* هل صعود الإسلاميين للسلطة أثر على حركة الثقافة في المغرب؟

  • لا يمكن في المغرب أن يحكم الإسلاميون.. لأن الحكم في المغرب هو بيد “الملك”، والحكومة تتشكل من عدة أحزاب، وغالبيتها نسميها في المغرب “أحزاب إدارية”، وكما قلت في السابق أن المجتمع المدني يرفض ربط الدين بالسياسة، وحتى عندما وصل “حزب العدالة” إلى الحكم، عن طريق صناديق الاقتراع، فهو الآن يشكل الحكومة من خمسة أحزاب معه، ولم يتمكنوا لا في الفترة السابقة، فترة السيد “عبد الاله بن كيران”، ولا هذه الفترة التي يقودها الدكتور “سعد الدين العثماني”، من تخليص “وزارة الأوقاف” والشؤون الإسلامية من القصر ولا كذلك وزارة الداخلية.. إن القصر في المغرب هو الأساسي في اللعبة السياسية، لأنه لا يوجد الآن في المغرب حزب قوي يمكن أن يحكم البلد لوحده.. وهناك جماعة إسلامية قوية في المغرب تسمى “العدل والإحسان” تهتم بالجانب الديني أكثر من الجانب السياسي، وهي جماعة قوية بل أقوى من أي حزب سياسيي بالمغرب.

* ما رأيك في انتفاضة الريف كمثقف مغربي مهموم بوطنه؟

  • مطالب ساكنة الريف مطالب مشروعة.. لكن جل المحللين والإعلاميين لا يقولون الحقيقة، لأنهم يخافون على أنفسهم من أباطرة المخدرات.. هذه المنطقة معروفة بزراعة “القنب الهندي” والذي يستخرج منه مخدر الحشيش، وأغلبية ساكنة المنطقة مدرجين ضمن المبحوث عنهم، وفئة عريضة ليس لها أوراق الهوية ولا يصوتون في الانتخابات، وهؤلاء المنتفعين من تجارة المخدرات يبيضون أموالهم في استثمارات بمدن مثل “فاس، والدار البيضاء، والرباط، ومراكش”، أي بعيداً عن الحسيمة، وهذه العملية قادها وزير الدولة في الداخلية، أو الصدر الأعظم للراحل الحسن الثاني “إدريس البصري”، وقد أصبحت قوية ولها نفوذ داخل الدولة..

وهناك حزب يطالب بتقنين زراعة “القنب الهندي”، ومادام الأمر هكذا فإن المنطقة ستبقى دائماً بيد تجار المخدرات والمهربين.. ثم هناك مشكل آخر له علاقة بالهوية النضالية للمنطقة، وبرمزها المجاهد “عبد الكريم الخطابي”، الذي آن الآوان أن نعديد رفاته من مصر ليدفن قريباً من أهله.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة