خاص: إعداد- سماح عادل
“أحمد الجنديل”، قاص وروائي وناقد عراقي، وعضو اتحاد الأدباء والكتاب في العراق، وعضو نقابة الصحافيين العراقيين. ونشر مقالاته في دوريات محلية وعربية عدة.
التعريف به..
ولد في محافظة ذي قار 1947، حائز على جائزة أفضل كاتب عمود صحفي في العراق عام 2016. أصدر ست مجموعات قصصية، وكذلك أربع روايات فضلا عن مسرحيتين، صدرت له في القصة القصيرة مجموعة ”الهذيان داخل حقيبة الموت“ عام 2007، و“أنا وكلبي والصقيع“ عام 2007، و“طقوس لا تعرف الحياء“ عام 2009، و“بيادر الخوف“ عام 2010، و“لا شيء سوى السراب“ عام 2012، و“سواقي العسل المر“ عام 2013.و في الرواية رواية ”الرماد“ عام 2011، و“إمبراطورية الثعابين“ عام 2017، و“آلهة من دخان“ عام 2019، و“الشيطان يتألق ليلا“ عام 2020، و“غابة الوهم“ عام 2020.
عمل مسئول القسم الثقافي في جريدة الناس وجريدة الزوراء.
“ثلاث وستون”..
رواية ”ثلاثٌ وستون“، للكاتب “أحمد الجنديل”، تدور أحداثها حول معاناة مدرس أفنى شبابه في مجال التعليم، وبعد وصوله الى مرحلة التقاعد بدأ يواجه حالات من الفساد الإداري أثناء إنجازه معاملة التقاعد. ومن هنا يبدأ الصراع بين المثل العليا التي رافقته طيلة عمله الوظيفي، وبين حالات الفساد المتفشي في مراكز السلطة، ليتمم العمل الجديد ما بدأه الكاتب من انتصار للقيم في روايتيه السابقتين؛ ”إمبراطورية الثعابين“ و“آلهة من دخان“.
قال “الجنديل” عن روايته في حديث صحفي: “إن البطل في الرواية يواجه صنوفًا من التعامل المنحرف في دوائر الدولة، فيرفض إعطاء الرشوة ويصبر للحفاظ على سيرته النظيفة، ونتيجة المعاناة والتعب وهو يتنقل من محافظة إلى أخرى، يتعرض لأزمة تغير مجرى حياته. تهدف الرواية إلى كشف الفساد الإداري والإساءة إلى رمز تربوي، ودفعه إلى ممارسة انحراف لم يمارسه يومًا خلال مسيرته المهنية”.”ثلاثٌ وستون“ من إصدارات العام 2021، عن دار مداد العراقية، وصدرت عنها طبعة أخرى من دار تموز السورية، وتقع في 161 صفحة من القطع المتوسط.
فك طلاسم الحرف..
في حوار معه يقول “أحمد الجنديل” عن الروائي الناجح: “الروائي الناجح مَن يلتقط الحدث المؤثر ويعتني به ويكتب عنه بصدق، مستعيناً بما لديه من ذاكرة وتجربة وثقافة ومعرفة واسعة في كتابة الرواية. منذ أن مارست فكّ طلاسم الحرف وأنا أمقت الكتابة بالقلم المذّهب الوردي، ومنذ أن وضعت قدمي على طريق الوجع والألم وأنا أطلق النار من قلم الرصاص الذي أحمله طيلة رحلتي مع الحرف، سواء في عالم الصحافة أو في عالم الأدب، رواياتي خرجت من رحم قلم الرصاص، شأنها شأن الروايات والقصص التي كتبتها طيلة نصف قرن”.
وعن تقييم الرواية العربية بعد ما يسمى ب”الربيع العربي” يقول: “ما تمخّض عن”الربيع العربي”ظاهرة الكتابة على طريقة”سلق البيض” أو “حاضر يا فندم”، وفتحت المطابع فكّيها وخرجت منها عشرات الروايات التي تفتقر إلى أبسط عناصر وخصائص الرواية الناجحة، وانتهى عصر كنّا نرى فيه الرواية على أنها لعبة فنية كبيرة تحتاج الى جهد كبير وصبر طويل ومهارة واسعة وثقافة وتجربة وذاكرة الخ. وخرج لنا عصر تداخل فيه الروائي وكاتب الرواية والناقد وكاتب النقد.
وقد انسحب هذا على الشعر وغيره من الفنون والآداب، هذه الظاهرة الخطيرة أفرزت حالة من الإرباك بين الروائي الحقيقي وبين كاتب الرواية الذي لا يعرف كيف يكتب، نتيجة وسائل الاتصال واتباع العلاقات الرخيصة في صناعة الشهرة والأسلوب غير الأخلاقي في تسليط الأضواء على أعمال تافهة، ما جعل الكثير من المبدعين يلوذون بالصمت والمتلقّين يعزفون عن القراءة. وبهذا تحقّق لأولي الأمر رفع الصداع عن رؤوسهم نتيجة تهميش أقلام المبدعين التي لا تعرف النفاق أو المديح لهذا الحاكم أو ذاك”.
فتوة القلم..
وعن لمن يكتب يقول: “الفقراء يعشقون الإبداع والجمال، وقد كنتُ فقيراً، كذلك المكان لعب دوراً كبيراً فقد عشتُ في مدينة تمتهن الشعر، فعاصرتُ الكبار من المبدعين في مدينتي، كذلك الرغبة العارمة في التعرف على كبار المبدعين العرب، إنها عوامل كثيرة دفعتني للدخول إلى هذا العالم.
هناك صراع بين الآباء والأبناء، وهناك صراع بين جيل وجيل عندما يتمسك كل طرف بآرائه ومعتقداته، نتيجة التغيير الحاصل في مجمل التصورات نحو الكون والحياة. في مجال الإبداع تكون القراءة المستمرة والاطلاع على تجارب الآخرين، ودراسة مناهج النقد بروح رياضية منفتحة والتفاعل الإيجابي مع ما يستجد تساهم جميعها على تضييق الفجوة بين زمن وآخر. لقد انسلخت من مسيرة حياتي سبعة عقود وثلاث سنوات، وما زلت أشعر بالفتوة مع قلمي رغم أن جسدي يقترب من نهايته وكل مؤشراته تنذر بالرحيل”.
غابة الوهم..
هي الرواية الخامسة له صدرت عن دار مداد للثقافة والإعلان والنشر. ويقول “أحمد الجنديل” عن روايته: “تعتمدُ في بنائها على عالميْن الأول في غابة حقيقية والثاني في غابة افتراضية. الرواية عبارة عن تفكيك الواقع عبر مرويات يتداخل فيها المعقول واللامعقول، اليقظة بالحلم، الواقع بالخيال لتشكل في نهاية المطاف شاهدا على مرحلة تاريخية تتصف بصنوف العنف والتفكك. البناء الروائي يقوم على دمج التخيل بالواقع وعبر مسارات فنتازيا قادرة على تحويل نفسها إلى واقع ممزق ومتنوع في الأسلوب والبناء. في الرواية يموت زمن الحكي والقول، والإيقاع الدرامي لا يمكن معرفته إلا من خلال المرويات الصغيرة التي تضمنتها الرواية. هذه الرواية لا تدخل في صنف الروايات الكلاسيكية ولا تهتم بالتقنيات الفنية الحديثة لكتابة الرواية، وتخلصا من الدخول إلى عالم المألوف والمعروف والمسبوق بقناعات قائمة على التلقين أطلقتُ عليها “مرويات” وليست “رواية””.
ويضيف: “هذه الرواية بدأت بكتابتها عام 2007 وتركتها وكتبت الفصل الأول منها بيني وبين كلبي الفصل الأول ما يرويه لي كلبي من حكايات وعندما تم اغتياله برصاصة غير طائشة لوفائه بدأ الفصل الثاني الفصل الثاني حكايات عن عالمنا أرويها وأنا بجوار قبر الكلب تنتهي بنشيد الخلاص لا يوجد فيها زمن الحدث ولا زمن الكتابة عن الحدث.. ولا يوجد مكان معلوم وإنما تدور كل الأحداث في مكان افتراضي”.
التهكم..
وفي مقالة بعنوان “التهكم ودوره في صنع الحدث القصصي عند أحمد الجنديل – قراءة في سواقي العسل المر” كتب “علي حسين يوسف”: “تكتسب المفردة أو والجملة في العمل الأدبي دورها المميز من خلال قدرتها على الإيحاء بأكثر من دلالة معنوية, ولا يكون ذلك مالم يتوفر عنصر الخيال الخلاق الذي يوفر الأرضية المناسبة للمتلقي للسياحة على سطح النص الأدبي ليجوس تضاريسه، ويتلقف مفاجأته.
ومن البديهي أن المفردة أو المركب اللغوي في الصنعة القصصية لابد أن يتوجه بهما ليؤديا فعلا ما، كأن يكون إثارة عواطف: الشفقة، أو العداء, أو الحب, أو الكره, أو السخرية, أو التهكم, أو التعجب بإيجاز”.
ويؤكد: “والقارئ لمجموعة (سواقي العسل المر) للقاص العراقي أحمد الجنديل قد يلاحظ سيطرة فعل التهكم على تفاصيل الحدث القصصي بشكل يمكن أن يكون مقصودا لذاته، ونعتقد أنه لا مشاحة في ذلك, إذن القاص أحمد الجنديل أراد من الوهلة الأولى أن تكون قصصه القصيرة ـــ في مجموعته هذه ــ سواقي مترعة بالعسل المر مهداة إلى أولئك الذين استبدلوا رؤوسهم برؤوس الأوثان.
فالقاص الجنديل يخبرنا منذ البداية أنه بصدد كتابة بيان رافض وثوري ـــ قد يكون بشكل انتقامي, من خلال الكلمة طبعا ــ لفضح أساليب المتاجرة بالمشاعر الإنسانية السامية عن طريق الغوص في تفاصيل الحياة, فالقصة القصيرة (تقوم على الاعتقاد بأن الحياة ليست تيارا ممتدا متصلا، بل هي جزيئات صغيرة متتالية، تشبه جزيئات الصور السينمائية، وأن الحياة إنما يتم سبر أغوارها وتحليل عناصرها عن طريق الإمعان في جزئية واحدة منها، ووضعها تحت المجهر وإظهار خطوطها المتقاطعة، كما يظهر النسيج الحي الذي توضع شريحة منه تحت المجهر، ومن ثم كان الراوي محصوراً في هذا الإطار) . كما تقول الناقدة ماري لويز برات..
وعليه فإن قصص المجموعة قد تبدو للقارئ مصابة بالجنون، لكنها في الوقت ذاته مطهرة بتعاويذ الألم، فمن جهة قد توحي تلك القصص بأنها حكايات من عالم خرافي لتحكي لنا مدى الإثم التي يقترفه أولئك الذين استبدلوا رؤوسهم، وتارة أخرى قد توحي تلك القصص بأنها معزوفات من الحزن الذي تقطر دما دون أن يعرف أحد لماذا؟ وكيف؟, لكننا لا نملك إزائها إلا الابتسامة المرة”.
وفاته..
توفى “أحمد الجنديل” يوم ١١ مايو ٢٠٢٣ عن عمر يناهز ٧٦.