قراءة في كتاب أبي أمي نحن متهمون.. لعلي شريعتي
محمد ساجت السليطي.
في كتابه (أبي أمي… نحن متهمون) يتطرق علي شريعتي لمفارقة حدثت معه، وهي المفارقة التي يقع فيها الشخص الذي يمضي في تحصيل العلوم والمعارف الإنسانية ويكون على اطلاع واسع على معظم وأغلب الثقافات والفلسفات والايدولوجيات المعاصرة، ويبقى بنفس الوقت وفياً لمفاهيمه ومعتقداته الدينية والمذهبية..
فهو هنا سيقع بين حجري رحى، بين رجال الدين «التقليدين» ، ورجال الفكر «العصريين»، يقول شريعتي : “وها أنتم ترون أن حصافتي دفعتني في النهاية إلى اختيار طريق واختيار لغة تثير عليّ كلتا الطبقتين : الطبقة الدين الرسمية وطبقة المفكرين الرسمية، وكلتاهما تعتبراني على باطل.”
من جهة الطبقة الدينية ورجال الدين، فهم يعتبرون اعماله وكتاباته ذات الطابع الديني مصدر للضلال والتضليل والزندقة، فلا يتم الاعتراف بها، ولا يعتبر كتابه في هذا الحقل كتاب ديني، ولن يتقبلوه كإنسان يتحدث عن الدين، ودون أن يقرأوا كتابه أو يسمعوا كلامه أو حتى يعرفونه سيجعلون منه هدفا، للاتهام والتكفير وإلصاق تهمة الفسق.
ويعتبرونه هو ومؤلفاته وكتبه من المخاطر التي تحدق بالدين والمذهب، وما تهم التكفير والزندقة بحقه إلا وسيلة غايتها الحفاظ على الدين والمذهب، والحفاظ على الاتباع*.
أما المؤمنين أو الذين يبدون مؤمنين بالدين التقليدي الموروث، فهم فضلاً عن اعتراضهم على تحليلاته وتفسيراته لبعض القضايا الدينية والمذهبية، تراهم لا يغفرون له بعض الأشياء الصغيرة أيضا، فهم مثلا يتساءلون: لماذا يرتدي ربطة عنق؟ ولماذا يُزين لحيته؟ لماذا لا يطلب من مستمعيه أثناء محاضراته أن يهتفوا بالصلاة على النبي وآله بالقدر الكافي؟.
هذه هي اعظم المخاطر، وأكثر الأخطاء إثارة للدهشة، وأشد الانحرافات وأنواع الاعوجاج والسقوط التي لا تقبل التحمل بالنسبة لبيئتهم الاجتماعية ولعالم عقائدهم المذهبية الفكرية والروحية. هذه هي الأمور التي جعلتهم في هذه الحالة من الضيق!! هذه إذن اعتراضاتهم ومخاوفهم الأساسية، هذه هي فحسب التي ذكروها في كتبهم.. بل وفي كتب كتّابهم وعلمائهم، هذا هو مصيره من هذه الناحية.
أما من الناحية الأخرى، من جهة طبقة المفكرين التقدميين والباحثين والنقاد والمترجمين العصريين، فهو متهم بتأييد الدين ومناصرة المذهب، وسوف يتعرض للقمع بوصفه «انسان غريب لا تزال توجد فيه انتماءات سلفية ورجعية»
يقول علي شريعتي إن واحد من نفس هذا النوع من المفكرين وصفني في إحدى الجرائد قائلا : «إنه إنسان بينما يوصف بأنه عالم فإن هناك رواسب دينية لا تزال باقية في ذهنه تشل تفكيره العلمي.. وذلك راجع إلى تربيته الأولى التي أبقته في ذلك الانحطاط الديني القديم»!!
يقول شريعتي تصلني اعتراضات من هذه الطبقة كمثل إنك تخون العلم وتخون المفكرين باستنادك وتركيزك على المذهب، ويقول شريعتي “وأنا مهتم بمن يوجهون هذا الاعتراض؛ لأنني مسؤول أمام هذه الطبقة، فهذه الطبقة هي التي تصنع اليوم وغداً، وفكر هذا المجتمع وثقافته واعتقاده، بل وتصنع المجتمع نفسه.. لأن من هؤلاء الكاتب والمفكر والاديب والطبيب والمهندس، وهم مظهر هذا المجتمع وهذا العصر، وليس لي مع أولئك الذين يعيشون الآن باسم الدين، ولهم السلطة والنفوذ والرسمية أية آصرة طبقية أو اجتماعية، لا أحس بقلق أو تخوف إن خالفوني أو وافقوني، لا شيء عندي يأخذونه، ولا اريد شيئا يجعلهم يهتمون بي أو يؤيدونني، ولا أنا اتعيّش عن طريق الدين بحيث ينقطع عيشي، ولا أنا من أهل المنبر، ولا المحراب، ولا ارتدي كسوة رجال الدين ولا أتبوأ منصبا دينيا، وليس هنالك تشخيص وتميز مذهبي لدي، وكما أنني لا أبحث عن المريدين والمؤيدين الاغنياء.
أجل إن الكثير من الاعتراضات والانتقادات التي توجه اليّ هي من هذا القبيل : «إنك كمتعلم عصري وكاتب منتمي إلى هذا الجيل، لماذا توقف كل همتك وقدرتك وقلمك وفكرك بل وعلمك من أجل الدفاع عن الدين وتفسيره وتبريره، وفي هذا الجيل؟ وفي هذا العصر؟ إن هذه خيانة لهذا الجيل ولهذا العصر».”
يقول شريعتي “أن هناك تلميذ سابق له يعد الآن من الكتاب والفنانين العصريين، كتب إلى صديقه وهو أحد معارفي : «خسارة بالنسبة لشريعتي أن تكون أفكاره دينية، وإلا لأصبح صنم المفكرين عندنا»، هذه هي تهمتي أمام رهطي، وفي جوي وطبقتي،” وهذا هو المصير من هذه الناحية..
______________________________________________
*: على حد قول شريعتي فإن كل هذه الاهتمامات المذهبية والمخاوف الاجتماعية ذات جذور اقتصادية قبل أن تكون ذات جذور عقائدية.
✍️ محمد ساجت السليطي.
#كتاب_وتعليق