خاص: إعداد- سماح عادل
“آمال الزهاوي” شاعرة عراقية من أصل كردي، اسمها الكامل “آمال عبد القادر صالح محمد فيضي الزهاوي”، يرجع نسبها إلى عائلة الزهاوي المعروفة في العراق.
حياتها..
ولدت “آمال الزهاوي” في بغداد سنة 1946، تخرجت من كلية الآداب قسم اللغة العربية، عملت بالصحافة والتدريس. بدأت بنظم الشعر العمودي إلاّ أنّها تحوّلت إلى الشعر الحرّ، وقد تأثّرت بكلمات جبران خليل جبران، وجبرا إبراهيم جبرا، جدّها الشيخ “محمد فيضي” مفتي بغداد، والذي كان شاعراً و”محمد فيضي” هو ابن “الملاّ أحمد بابان” مفتي بغداد كان أجداده البابان من أمراء السليمانية، وعمّها الشاعر “جميل صدقي الزهاوي”، والشاعر “إبراهيم أدهم الزهاوي”.
أنشأت مع زوجها “عداي نجم” في حقبة الثمانينات، شركة للطباعة تضم دار للنشر باسم شركة “عشتار” حيث ساهمت بطبع الأعمال الأدبية للشعراء الشباب، فكانت مطبعتها أوّل من نشر للمبدعين من الشعراء، تحت عنوان (منشورات آمال الزهاوي) وهو حلم لم يتحقق للشباب لولاها.
آبار النقمة..
في حوار معها أجراه “عماد نافع” تقول “آمال الزهاوي” عن مجموعتها الشعرية “آبار النقمة”: “آبار النقمة ديوان كتب بعد الحرب مباشرة، وهو بطبيعة الحال جاء ليعبر عن مفردات الحرب وأحداثها، وما أعقبها من احتلال مرة وتفاصيل بما فيها من انفلات أمني، وقد جاءت إشارات الحرب والدم والموت معبرة في الديوان، بل هي تصوير صادق للأحداث وما فيها من جراح وما فيها من آلام، فالشعر هو مرآة الحياة للجيل الحالي والأجيال اللاحقة، ومن هذه القصائد “عرتق الحلم” التي تعتبر تعبيرا عن الحلم والحب لهذين النهرين دجلة والفرات، الانكسار والتكسير.. انكسار الواقع ومرادفه الشعري في تكسير المعنى, وحتى تكسير اللغة من خلال إقفالها.. كيف يتعامل الشاعر مع هذه المعادلة الصعبة, لأنها تكون بين حساسية الشاعر وعصره.. إن الإحساس بالانكسار في الواقع من أقسى الأحاسيس بالنسبة للشاعر، حيث يدخل في شبكة من الانكسارات المتوالية في اللغة والمعنى، وهنا تبدأ مهمة الشاعر في تصوير هذا الواقع في حركة متواصلة مستديرة، حيث يسلط الشاعر عليها مجهره ويلتقط ما شاء له أن يلتقط، لتصوير الحالة المقفلة التي وصلت إليها الأمور، وهنا تكون براعته وقدرته في التقاط وتصوير المتناقضات.. إن الشعر هو تعبير صادق عن العصر بل هو مرآته وأنا أرى أن شعري يحمل هذه الصفة، ف”آبار النقمة” تصوير للاحتلال وما حدث فيه وما تبعه.. وكذلك ديوان “الشتات” هو تصوير دقيق للحصار وأحداثه مثل قصيدة “يا إلهي مسني الضر”، بما في ذلك من طائرات تقصف وشعب يجوع وتفاصيل دقيقة بشعر جميل متدفق”.
وعن الحركة الشعرية تواصل “آمال الزهاوي”: “الحركة الشعرية زاخرة بالمبدعين الكبار لكن المرحلة التي نعيشها مليئة بالضجيج الذي يؤثر على حالة السمع عندنا، وإن كانت من ناحية أخرى قد وفرت لنا وسائل أعظم للنشر والاطلاع على مواقع وصفحات الشعراء، وعلى كل ما نريده من معلومات يقدمها لنا الانترنت خلال دقائق، والأصدقاء يقبلون على الكتب و”الفيس بوك” بشكل أكبر من السابق، فأنا مثلا امتلأت صفحتي أكثر من 5000 صديق خلال فترة قصيرة، وهذا يدل على اهتمام بالشعر.. لذلك أقول أن الحركة الشعرية في تقدم مستمر، وأن الشباب يتواصلون مع الشعر ويطلعون عليه، وأن لكل عصر ظروفه وأدواته، وإن كنا خسرنا اثنين من نجوم الشعر قبل مدة “نزار قباني” و”محمود درويش”.
حرية البوح..
وفي حوار آخر معها أجراه “عبد الجبار العتابي” تقول “آمال الزهاوي” عن أبرز المراحل في مسيرتها الشعرية: “كل مرحلة هي بارزة في وقتها لكن الآن أشعر بالنضوج الشعري أكثر وبالعمق الفكري، فمثلا البدايات كان فيها عذوبة ونفس عاطفي أكثر، والآن العمق الفكري والحس الوطني هو الطاغي في شعري الآن.. تناولت مواضيع مختلفة ومتشعبة وكثيرة تدخل فيها الأساطير والرؤى والأقنعة والروحانيات ومواضيع عديدة كلها لها طابع فكري فلسفي”.
وتضيف عن قصيدة النثر: “إن الموسيقى شيء مهم في الشعر وأنا اعتبره من ضروراته، والموسيقى عندي سهلة استطيع أن أكتب بموسيقى شعرية واستطيع التعبير بدقة عن الأفكار التي تدور في رأسي، فلماذا أفقد شعري موسيقاه؟ إن الكثير من الذين يكتبون قصيدة النثر ليست لديهم القدرة الموسيقية في التعبير عن أفكارهم، ولكن هناك بعض الأسماء التي تعبر بقصيدة النثر بشكل جميل وفيه صور شعرية مدهشة زلغة مكثفة معبرة ومطواعه وهذا هو المطلوب في قصيدة النثر. وبالنسبة لي القصيدة هي التي تفرض شكلها، وأستطيع من خلال هذا الشكل الذي اختارته لي الفكرة حرية البوح”.
وجع الحروب..
وفي مقالة بعنوان (وداعا شاعرة العراق الكبيرة آمال الزهاوي) تقول “بشرى البستاني” :بصبر العراقيات الصامتات على وجع تواريخ الحروب والفقدان والنيران عاشت المبدعة آمال الزهاوي حراك الحياة والفن والقضية، وكتبت شعرها بين نارين ضاريتين، نار الروح المرهفة الهائمة بأسئلتها الوجودية الحارقة وهي تتأمل حياة يسعى كل ما فيها لغياب أليم، ونار الطغاة والمعتدين الذين أحرقوا شعبها العربي الذي عاصرت فقدانه وتضحياته واحتلالاته، فعاشت عذاب فلسطين وثوارها وكتبت عن الكارثة ديوان (الفدائي والوحش)، وعاشت محنة أمتها العربية وتسلط حكامها وكتبت عن المحنة (أخوة يوسف)، وعاشت محنتها الوجودية في (التداعيات)، فقد كانت هذه المبدعة مخلصة للفن الشعري فيما أنتجت وكتبت من مجموعات أصيلة عبر فهمها الواعي بأهمية الفن ووظيفته المقتدرة على دمج القيمي بالجمالي. فضلا عن تقديمها عالمها الأنثوي وهموم المرأة في مجتمع ذكوري وقيم عشائرية لا ترحم بتشكيلات حداثية مبكرة، كما عبرتْ عن هموم شعبها وأمتها بصدق وانتماء في دواوينها (الطارقون بحار الموت، يقول قس بن ساعدة، الشتات، آبار النقمة)، وكان الديوانان الأخيران مخصصين لمحنة العراق ومكابدات شعبه وعذاب أبريائه، الذين يموتون دون أن يعرفوا لقتلهم ولموتهم وموت أطفالهم أي سبب”.
وتواصل: “لقد بدأت الشاعرة مسيرتها الشعرية بالكتابة عن شتات فلسطين وكأنها كانت تستشرف القادم من التشردات العربية عبر شعرية نسجت خيوطها النصية من خلال الترميز والغياب والتناصات بأنواعها، ولجأت إلى التعبير بالقصيدة الطويلة التي كانت واحدة من روادها، حين وجدت القصيدة الاعتيادية لا تفي بالوقائع المرة وبالخيانات التي لاحقت الإنسانية في عصر أغفل هموم الإنسان ومتطلبات كرامته الأساسية، بجشع ابتلع الحقوق كلها فكان ديوانها (أخوة يوسف) الذي شكل قصيدة واحدة على مدى خمس وثمانين صفحة من القطع المتوسط مازجة الهم الإنساني بالوطني بالقومي بالوجودي، مؤمنة بأن الشعر الأصيل لا ينطلق إلا من واقع، لكن بإشاراته هو وبتشكيلاته الشعرية التي يستمد لظاها ولوعة انبثاقاتها من عذاب المحن ومن دراما الصراع العنيف الذي يعيشه المضطهدون عبر نمذجة اللغة شعرا، بحيث لا يهيمن الإيديولوجي على الشعري والجمالي بل العكس. فكانت الشعرية تتجلى في كل ما كتبت رموزا وأساطير وانزياحات وتضمينات من التاريخ والتراث الديني والمعرفي ومع الأدب القديم وملاحمه وأساطيره، فكان جلجامش حاضرا، وكانت عشتار، وكانت الملكات العراقيات وهن يقلن للعالم ها نحن قبل ثلاثة آلاف عام قبل الميلاد، فأين كانت نساء العالم يوم كنا ملكات وجليلات..! وشعرها إذ ينطلق من إشارات الواقع فلأنه ذاهب للمستقبل عبر المحنة الإنسانية التي ظلت تستعر حتى وصلت اليوم أقصى الذروة الكارثية عنفا”.
قصيدة (الطريق)..
لـ آمال الزهاوي
أميل عليكم خذوني
أشير إليكم خرجت
أنا بنت هذي العواصف
تستقطب الصورة الخالدة
ففيها ولدت وفيها نموت وفيها كبرت
ودرت بمنتصفي بذرة واحدة
وفيها بعدت عن الجرف حتى استدرت
أشير إليكم خرجت
أنا أخرج الآن من جسدي
فهل تدركون الذي خرج الأمس من جسد الماء
لؤلؤة من محار
نقيا كبلورة في المساء
أبيا وحيدا
فلا الأرض فيه استطالت
ولا هو فيها استطال
وذاك السعير الذي يربط القلب بالقلب
ظل دليلي
توثبت فيه.. وناضلت فيه
فهزوه هزوه حتى التذكر
كي يتقد الجمر بالحب
ويشتعل الدم في الوطن العربي
على الدرب كنا يدين
تهبان من جسد واحد
وفي الأفق كنا جناحين
في طائر واحد
بري العيون دليلي
تذكرت أن طريقي مقارعة الصمت بالصوت
والموت بالبعث
ورسم نجوم الثريا على الدرب
أنا هاجسي النور في الظلمات
تذكرت لم تستكن الريح بجسمي
ولم أستكن بها
طريقي التوثب
أنا بنت هذي العواصف أدمنت كل
العذابات
أم أنها أدمنتني
وتشرين ينصب شوكته في العيون
وفي الليل عند السهاد أسى
وضربة عنف
فلا تسألوني
لأنا بصفين نمضي إلى مصدر النار
كلانا يسير إلى الوهج مثل الفراش
وفي الوهج كنا نموت
احترقت
احترقنا جناحين في جسد واحد
فإن الذي كان.. تاريخنا
وإن الذي كان تاريخه أمل البائسين
يشد المحيطين للنهر
لا تسألوني
فلا الماء كان بلا ذرتين
ولا النهر يسعى بلا ضفتين
أميل استقامت حصاة الطريق
فهل أسكن الآن في جسدي؟
***
قصيدة فراشة..
المدى شرنقة
والرؤى فاضت رصاص
أأنا في غفوة من هاجس الليل ترامت
بين موتي والخلاص
أيقظ البعد مزامير الصدى
وتر يجرح في صرخته جسم السكون
ساهرتني نجمة تنضو جوى
فتدلت وردة في جبهتي
تستدير الريح في نفسي
فيا ظل يدي!
آه لو أغدو فراشة
والمسافات جناحان تشدان الهوى
في جسدي يتعرى داخلي الكون
يصب الورد في قلبي رحيقا
من بشاشة.
وفاتها..
رحلت “آمال الزهاوي” في 2015، عن عمر 69 عاما في أحد مستشفيات بغداد.