11 أبريل، 2024 8:18 ص
Search
Close this search box.

آذار نفيسي.. السيرة لديها عمل تأريخي للذات ولإيران ولثورتها المغدورة

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: إعداد- سماح عادل

“آذار نفيسي” كاتبة إيرانية، أستاذة في جامعة “جونز هوبكنز”. حائزة على زمالة من جامعة “أوكسفوردط عملت في إيران كأستاذة للأدب الإنجليزي في جامعة طهران والجامعة الإسلامية المفتوحة وجامعة العلامة الطباطبائي. في عام 1981 فُصلت من جامعة طهران بسبب سلسلة من المواقف التي اعتبرها القائمون على الجامعة مواقف “متمردة”، تبع ذلك حصولها على منحة من جامعة إكسفورد، وفي 1997 غادرت هي وأسرتها إيران، واستقرت في أمريكا.

الثورة..

هي من مواليد 1955 وكملايين الإيرانيين الذين شكلوا عام 1979 تاريخاً محورياً ومفصلياً في حياتهم، شاركت في الثورة آنذاك وكانت من الحالمين بأن تجني لهم الثورة الحرية والكرامة، ولكن هذا ما لم يحدث، حسب شهاداتها، وقالت فيها: “الثورة الإيرانية اختطفتها جماعات ومليشيات متشددة، أرادت فرض إرادتها على الجميع، فصادرت الأحلام، وحجرت على الحرية الفردية التي صارت بمثابة فاكهة محرمة، وجعلت البعض يترحم على أيام الشاه، رغم ما كان فيه من سوءات وفساد”.

وظلت تتابع الوضع السياسي في بلادها، وأتبعت سيرتها “أن تقرأ لوليتا في طهران” بكتاب آخر أطلقت عليه “أشياء كنت ساكتة عنها”، كتاب يرفض السكوت ويتمسك بالحنين لإيران التي كانت تستحضر الذكريات والتاريخ واختطاف الثورة، تقول فيه “هكذا يأتي الماضي إلينا، لا يأتي بصورة رقيقة وناعمة، بل يأتي كالسكين، ودوماً بصورة غير متوقعة، ويأتي بهيئة شذرات، تحاول أن تلملم القطع الصغيرة، لكنك لا تستطيع أن تفهمه فعلاً إلا إذا تقبلت طبيعة كونه لا يمكن أن يستعاد، وأنه متشظٍ”.

أن تقرأ لوليتا في طهران..

سيرتها “أن تقرأ لوليتا في طهران” أحد أبرز الكتب التي تؤرخ لما بعد الثورة الإيرانية حتى يومنا هذا، الكتاب نشر  في عام 2003، وترجم إلى 32 لغة، وتصدر قائمة الكتب الأكثر مبيعاً لنيويورك تايمز لمدة أكثر من مائة أسبوع.

يدور الكتاب في باحة خلقتها الكاتبة بنفسها بعد استقالتها من الجامعة، واختارت سبع من الطالبات لتخوض معهن نقاشات في الأدب، لأن الأدب برأيها من مهمته كشف الحقيقة، ففكرت بانتقاء عمل أدبي يعكس واقعها في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وتتبدل الأيام ومعها تتقلب صفحات من الروايات العالمية والمحلية كالفضاء المفتوح الذي تتنفسن فيه الحرية التي لا يجدنها خارج جدران البيت، فضاء أقرب للسحر منه للحقيقة، تصفه “آذر نفيسي” في كتابها: “كنا ونحن جالسات متحلقات حول طاولة القهوة الواسعة وقد كللتها باقات الزهور، نحلق بنشوة من رواية لأخرى نقرأها. وإذ أنظر للماضي الآن أراني مذهولة للكم الذي تعلمناه من دون وعي”.

اكتشفت نفيسي أن من بين طالباتها من تعرضت للسجن والقهر والتعذيب عقب الثورة، وأن من بينهن من هي بحاجة إلى علاج نفسي، وتقول في ذلك: “إن أسوأ الجرائم التي يمكن أن ترتكبها عقول الأنظمة الشمولية هي أن تجعل مواطنيها ضحاياها شركاء في جرائمه، فحينما ترقص مع جلادك، وتشارك بنفسك في حكم الإعدام على نفسك، فإن ذلك الفعل هو أقصى درجات الوحشية”.

تختتم “آذار نفيسي” الرواية الذاتية بنزعة نوستالجية مكثفة “ولكن يجب ألا يغيب عن الذهن أن رفضها للأنظمة شيء، وحبها لوطنها وأهلها وأصدقائها شيء آخر، على الرغم من ابتعادها عنهم في بلاد الغرب، فقد ظل الحنين يشدّها إليهم تقول: “فقد ظل غيابهم حاضراً فينا مثل ألم مبرح يوخزُ المشاعر دون أن يكون له من سبب عضوي، وهذا هو ما تعنيه لي طهرانُ تماماً: فغيابها يبدو أكثر حقيقية وعمقاً من حضورها”.

أشياء كنت ساكتة عنها..

في ذكرياتها التي صدرت بعنوان “أشياء كنت ساكتة عنها” أكدت أنها ضد السكوت، وأنها تواصل النبش في تاريخها العائلي المتماس مع أزمة بلدها، كي تكمل تفاصيل لوحة كبيرة.

لم تكتفِ “آذار نفيسي” بما قدمته من سيرة من قبل في «أن تقرأ لوليتا في طهران»، ذلك الكتاب الذي لقي صدى كبيراً حين صدوره قبل سنوات؛ إذ تروي في «أشياء كنت ساكتة عنها» حكايا عن العائلة، وصوراً عن إيران القديمة التي ترعرعت فيها، و«قصة أسرة تتكشف إزاء خلفية عهد مضطرب من تاريخ إيران السياسي والثقافي».

تبرّر “آذار نفيسي” سبب العودة إلى الذكريات بقولها «هكذا يأتي الماضي إلينا، لا يأتي بصورة رقيقة وناعمة، بل يأتي كالسكين، ودوماً بصورة غير متوقعة، ويأتي بهيئة شذرات، تحاول أن تلملم القطع الصغيرة، لكنك لا تستطيع أن تفهمه فعلاً إلا إذا تقبلت طبيعة كونه لا يمكن أن يستعاد، وأنه متشظٍ». فهي تحاول لملمة ذلك الماضي، وإذا كانت في كتابها الأول «أن تقرأ لوليتا في طهران» قد انشغلت بذاتها أكثر، وبقضية الحرية التي حاولت انتزاعها غلاباً، وما تعرضت له من مضايقات، فإنها في «أشياء كنت ساكتة عنها» تنطلق من يوميات الأب “أحمد نفيسي”، وكذلك الأم “نزهت نفيسي”، ولا تغيب الحرية التي تعد القضية الأبرز لدى الكاتبة، التي أجبرت على الهجرة من وطنها، والاستقرار في أميركا.

بدأ الوالد المولع بالأدب والفلسفة، وجلال الدين الرومي، وفريد الدين العطار و«شاهنامه» الفردوسي، في كتابة يومياته، وابنته في الرابعة من العمر، وأعطاها إياها بعد عقود، وكانت قد جرت في النهر أحداث بالجملة، فتغيّر شكل إيران كلياً، وتعرّض الأب لحكاية درامية خلال الستينات من القرن الماضي، إذ علا نجمه ووصل إلى منصب محافظ طهران، ثم سجن باتهامات الفساد، وأفرج عنه بعد ذلك وبرئ من تهم الفساد، إلا أن تهمة العصيان والعيب في الشاه لم تسقط عنه، لذا حرم تولي وظائف.

بسلاسة تنتقل “آذار” بين الشأن الشخصي والعام، تقتبس من يوميات الأب، وتعلق عليها، تسرد قصة من تراث بلادها الحافل بالأساطير والشعر، وتعود إلى أزمات، داخل بيتها وخارجه، تروي تفاصيل قد يتحرّج البعض من البوح بها، لكن يبدو أن “آذار” ضد الصمت بكل صوره؛ فكما تنتقد الشأن العام والتضييق على الحريات، تنتقد أمها وبعض فصول حياتها الأولى مع زوجها وولديها، إلا أن ذلك الانتقاد يصل قبل النهاية إلى شيء آخر، تكشف عنه قراءة كتاب «أشياء كنت ساكتة عنها»، الذي نقله إلى العربية المترجم العراقي علي عبد الأمير صالح، وصدر عن منشورات الجمل.

تقول الكاتبة معلقة على موت أبويها، وعدم استطاعتها توديعهما للمرة الأخيرة، والإطلالة عليهما قبل الرقدة الأخيرة: “لقد قيل لي مراراً إنها لم تكن غلطتي ألا أكون حاضرة عندما توفي أبواي، لكن هذه الأقوال كلها لم تمنحني العزاء، ولا أشعر بأنني أفضل حالاً، لأن السياسة حقيقة هي التي منعتني من رؤية أبويّ، ولا أشعر بالسلوى لأن بنات أخريات تعين عليهن أن يعانين أكثر مني، كأولاد مديرة مدرستي القديمة، الذين كانوا بعيدين عندما وضعوا أمهم في كيس وشنقوها، أو قتلتها زمرة الرمي بالرصاص، إنني ألعن الأنظمة الشمولية لأنها تعلق مواطنيها من نياط أفئدتهم. علمتني الثورة ألا أجد العزاء في مآسي الناس الآخرين، وألا أشعر بالامتنان لأن أناساً آخرين كانوا يتعذبون أكثر مني. الوجع والخسارة، كالحب والفرح، فريدان وشخصيان؛ لا يمكن تخفيفهما من خلال المقارنة بالآخرين”.

يمكن تصنيف الكتاب بأنه ينتمي إلى أدب السيرة، فهو يرصد تفاصيل الطفولة والمحيط الاجتماعي والعلاقات الأسرية والروابط العائلية، وقصص الزواج والطلاق والحب والجنس. خصوصاً أن “آذار نفيسي” من أسرة عريقة، وكان والدها محافظاً لطهران وتعرض للاعتقال والمحاكمة والسجن. إلا أنه في المقابل، كتاب ينطوي على حس نقدي رفيع، بسبب الثقافة الأدبية التي تتمتع بها المؤلفة، وهي الأكاديمية الشغوفة بالأدب والفلسفة.

الحس النقدي..

وعندما يتساوى الحس النقدي مع التذكر والتداعي، تصبح السيرة عملاً تأْريخياً، ليس للذات، فحسب، بل للعالم الخارجي الذي كانت ثورة الخميني، جزءاً أساسياً فيه، لما مثلته من صدمة ثقافية بالغة تركت أثرها لدى “نفيسي” التي عبرت، بشخصها، عن دهشة جيل إيراني كامل تعرض للخديعة من اختباء الخميني وراء العلمانيين والقوميين واليساريين، ثم اختطافه للثورة والقضاء على حلفائه في مرحلة تالية.

وقد تكون الأشياء التي كانت ساكتة عنها، هي المحرك الفعلي للتعامل مع مذكراتها بصفتها “إجابة عن أسئلة رقيبي ومحققي الداخلي” عندما حاولت فهم: “ماذا يعني بالنسبة للضحية أن تصبح شريكة في جرائم الدولة بزمن طويل”. ذلك أن أنواع السكوت والصمت، كثيرة، على حد قولها، إلا أن أقساها: “سكوت الشهود الذين يفضلون تجاهل الحقيقة، وسكوت الضحايا الذين يصبحون غالباً شركاء في الجرائم التي ارتكبت ضدهم”.

من هنا، قررت نفيسي التحدث عن الأشياء التي كانت ساكتة عنها، على الأقل كيلا يكون الضحايا شركاء في ما ارتكب ضدهم في زمن ما، عندما فرض: “النظام السياسي عديم الرحمة صورته الخاصة على مواطنيه، سارقاً هوياتهم وتعريفاتهم لأنفسهم”. لكنها لا توفر الشارع السياسي والجماهير من سهام نقدها التي طالت المجتمع الإيراني بأسره بعد عام 1978 عندما قام الإيرانيون: “باختيار آية الله الخميني الذي كان يبز الشاه في طغيانه”. مما دفعها إلى انتقاد الشارع السياسي بأكمله بعدما كان “يتفجع على مصدق” ثم “ينتخب خميني” فتقول: “إلى أي مدى يمكننا أن نثق بالجماهير؟”.

حريق..

في شهر أغسطس من عام 1978، قام مجهولون بإضرام النار في سينما “ريكس” في مدينة عبادان، وعلى الفور تم اتهام حكومة الشاه بالعملية. وتتحدث المؤلفة عن أن المعارضة العلمانية والدينية، قد ثارت ثائرتها على الشاه، ذلك أن الحريق المتعمد في السينما قد أدى إلى أن يلقى أكثر من 400 شخص مصرعهم حرقاً، خصوصاً أن الحريق كان في شهر رمضان، ما أكسب الحادث أبعاداً دينية وشعبية جارفة. وتؤكد المؤلفة أن حكومة الشاه لم تكن وراء الحريق، بل أفراد من “المعارضة الدينية” الذين قاموا بهذا من أجل أن “يسرعوا العملية الثورية”.

وعلى الرغم من قسوة ما كشفته المؤلفة، من تورط جماعة الخميني بحرق الإيرانيين، فقط لـ”يهيجوا الجماهير ضد الشاه”، فإنها تستخدم هذه الحادثة، لتبكيت نفسها وتوجيه اللوم القاسي لذاتها، على اعتبار أنها، أي المؤلفة، كانت “ساكتة” وقت حصول المجزرة: “أين كنتُ عندما اكتشفنا هذه الحقيقة؟ ماذا فعلت؟.. الجميع متورطون، حتى الضحايا، أو المتفرجون، ومنهم أنا”. ومن جملة المتورطين “وسائل الإعلام العالمية، وكل شرائح المجتمع الإيراني، العلمانيون، القوميون، الراديكاليون” الذين كانوا “يحجون” إلى مزرعة الخميني في قرية فرنسية “كي يعبروا عن احترامهم وتقديرهم له”. لتختم الأكاديمية الإيرانية في سخرية لاذعة: “إن مفارقة الرجل الإلهي (الخميني) الذي يدير ظهره للعالم، وفي الوقت نفسه يتآمر ويخطط للسيطرة عليه”.

بل إن المؤلفة، تتحدث، بعد كل ما فعله الخميني بالشعب الإيراني، فزعيم الثورة “محروس” إلى درجة أن سيدة إيرانية شوهت سمعته، فقفزت عليها قطة من برميل القمامة، انتقاماً، وعضتها، مما أدى إلى موتها! حتى إن خالة المؤلفة كانت تحدثها عن صورة الخميني التي تظهر على القمر، هناك، في السماء!”.

مؤلفاتها..

  • رواية “أن تقرأ لوليتا في طهران” ترجمت إلى 32 لغة، وتصدرت قائمة الكتب الأكثر مبيعا للنيويورك تايمز لمدة أكثر من مائة أسبوع.
  • “خلافًا لتيراط دراسة نقدية لروايات “فلاديمير نابوكوف”.
  • “أشياء كنت ساكتة عنها”.
  • “جمهورية الخيال: أميركا في ثلاثة كتب”.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب