خاص : قراءة – سماح عادل :
رواية (آحاد أغسطس)؛ للكاتب الفرنسي “باتريك موديانو”، ترجمة “صالح الأشمر”، إصدار دار الساقي 2015.. رواية تحكي عن قصة حب، لكنها ليست قصة حب عادية، وإنما قصة تنطوي على مغامرة وتنتهي نهاية سيئة، يسرف كاتبها في الغموض مما يؤثر على جمال الحكاية.
الشخصيات..
“جان”: البطل، رجل كان يعمل مصوراً.. وذهب إلى إحدى مدن فرنسا لتصوير بعض المناظر الطبيعية بغرض عمل كتاب، يتقابل مع سيدة ويقع في غرامها ثم تبدأ المغامرة.
“سيلفيا”: سيدة تعيش مع رجل وأمه.. لكنه يرفض الزواج منها خوفاً من أمه، التي تملك أموالاً كثيرة يخشى من فقدانها، تقابل “جان” بالصدفة ثم تدخل معه في علاقة حميمة وتهرب من صديقها لأجله.
“فيلكور”: هو الرجل الذي يعيش مع “سيلفيا”.. يرفض الزواج منها بسبب أن أمه ترفض ذلك، وهو يعمل معها.
“السيد والسيدة نيل”: زوجان يقابلان “جان” و”سيلفيا” بعد هروبهما.. ويوهمانهما أنهما سيدان راقيان وأغنياء، في حين أنهما كانا يخططان للسطو على “الماسة” التي بحوزة “سيلفيا”.
الراوي..
الراوي هو البطل، “جان”، يحكي بضمير المتكلم، يصور دواخل شخصية البطل فقط، ويحكي عن باقي الشخصيات بما يظهر له من تحركاتهم الخارجية.
السرد..
السرد هادئ الإيقاع، يبدأ بداية مشوقة ويستمر في التشويق لتنتهي الرواية بنهاية مفتوحة.. الرواية تقع في حوالي 220 صفحة من القطع المتوسط.. لكن الحكي يتسم بغموض شديد يأخذ الكاتب في كشفه بالتدريج، لنكتشف أن بداية الرواية هي نهايتها ثم يخفي الكاتب عمداً بعض الحقائق الهامة التي تحبط بعض القراء، وتجعلهم يفقدون اللذة بنهاية مريحة لأذهانهم، بالنسبة لي كرهت هذا الغموض، لأنه يبقي ذهني مشغولاً في محاولة تفسير الأحداث وإعادتها في ذهني لفهم ما تعمد الكاتب السكوت عنه.
الإسراف في الغموض..
تبدأ الرواية بشكل جذاب، حين يقابل البطل “جان” السيد “فيلكور” بالصدفة، وهو يبيع بعض الملابس المستعملة، وحين يتعرف عليه “فيلكور” تتغير طريقته في التحدث إلى الزبائن الملتفين حوله، ثم يتحدثان “جان” و”فيلكور”، ونفهم من حديثهما أنها عاشقين لامرأة واحدة تدعى “سيلفيا”، وأن ما بينهما خلاف قديم حول هذا العشق، لكن “جان” يرفض الحديث عن “سيلفيا” رغم إلحاح “فيلكور” على ذلك، وتنتهي المقابلة دون كشف ماهية العلاقة بينهما، ثم يلاحق “فيلكور”، “جان”، على الهاتف بعد أن يبحث عنه في دليل الهاتف، ويرفض “جان” الحديث عن “سيلفيا”، ويصر على ذلك، ويختفي “فيلكور” دون معرفة إلى أين ذهب ؟، لكن الكاتب يقدم إحتمالات ولا يرجح إحداها. ثم يبدأ في إستدعاء الذكريات، وكأن مقابلته لـ “فيلكور” قد أحيت ذكرياته مع “سيلفيا”، التي قابلها منذ 7 سنوات.
يحكي عن هروبهما وإنتقالهما إلى مدينة “نيس”، وكيف كانا يختبئان في غرفة فقيرة ولا يخرجان إلا في الليل خوفاً من ملاحقة “فيلكور” لهما، وقد يظن القارئ أن هروبهما من “فيلكور” بسبب أن “سيلفيا” تركته لتعيش مع “جان”، ثم يحكي الراوي حكاية أخرى تتمثل في مقابلة “السيد والسيدة نيل” وكيف أنهما أوهماهما أنهما غنيان ومن عائلة مرموقة، وأصرا على مصادقتهما، وكان “سيلفيا” و”جان” ساذجين واستجابا لهذه الصداقة، ثم عرض “السيد نيل” شراء الماسة الكبيرة التي ترتديها “سيلفيا” في صدرها كقلادة، ويبين الراوي أن “السيد والسيدة نيل” ما هما إلا محتالان، وقد خطفا “سيلفيا” بعد أن طلبا منه أن يشتري لهما سجائر من مكان قريب، ثم هربا بسيارتهما وبداخلها “سيلفيا” ولم يعرف عنها “جان” شيئا بعد ذلك.
ويعود الكاتب مرة أخرى ليقدم احتمالات لاختفاء “سيلفيا”، فربما تكون قد ماتت في السيارة، حيث قرأ، بعد اختفاءها بأيام، عن خبر سقوط سيارة، من نفس نوع السيارة التي كان السيد نيل يقودها وقت اختطافه ل”سيلفيا”، وقد انجرفت في أحد الوديان القريبة وبها جثتتان متفحمتان، لكنه أيضا لا يؤكد إن كان ذلك ما حدث ل”سيلفيا” فعلا، ثم يغوص أكثر في ذكرياته ويحكي عن ظروف مقابلته ل”سيلفيا” وكيفية تعرفه عليها ونمو العلاقة بينهما، وكيف أنها سرقت ماسة غالية الثمن من صديقها “فيلكور”، والذي كانت تدعي أنه زوجها أمام “جان”، وأن “فيلكور” لاحقهما وحذرهما أن لم يتفاهما معه فإن آخرون سيلاحقونهما..
وحين نعود إلى بداية الرواية نكتشف أن “فيلكور” كان يعرف باختفاء “سيلفيا” وأنها لا تعيش مع “جان”، مما يشي بأنه كان وراء حادث اختطافها، لكنها مجرد تخمينات من قارئ ولم يصرح الكاتب بذلك فعلا..
رومانسية في شكل بوليسي..
يمكن القول أن رواية “آحاد أغسطس” رواية رومانسية تهتم أكثر لقصة الحب التي نشأت بين “جان” و”سيلفيا”، لكن الكاتب أفسدها حين أصر على أن يضيف إليها تشويقا بوليسيا، فواقعة سرقة “سيلفيا” الماسة من صديقها “فيلكور” ثم هروبها مع “جان” وملاحقة “فيلكور” لهما تبدو مقحمة على قصة الحب، ما يعزز ذلك التوصيف أن الكاتب في البداية صور الأمر بين “جان” و “فيلكور” على أنه صراع بين عاشقين لامرأة واحدة، وقد كان “فيلكور” في أثناء حديثه مع “جان”، بعد سبع سنوات من اختفاء “سيلفيا”، يؤكد له أن “سيلفيا” أحبته هو وأنها كانت لا تتمنى غيره، لكنه هو من تصرف معها بنذالة حين رفض أن يتزوج منها خوفا من أمه، وظل “فيلكور” يؤكد على أن “سيلفيا” تحبه هو فقط وكأنما ليثبت ل”جان” أنه مجرد عشيق تافه ل”سيلفيا”. في حين أن “جان” يعتقد أن “سيلفيا” التي أحبها وعرفها وعاش معها بعض الوقت ليست هي “سيلفيا” التي يتحدث عنها “فيلكور” وأن “فيلكور” ربما لا يعرفها كما عرفها هو.
وفي ثنايا الرواية يصف الكاتب أثناء المغامرة والملاحقات بعض تفاصيل للعلاقة الحب التي جمعته ب”سليفيا”، وفي نهاية الرواية يؤكد الراوي على حميمية العلاقة بينه وبين “سيلفيا” و يتحسر على آحاد أغسطس التي قضاها مع “سيلفيا” في سعادة.
الكاتب..
“باتريك موديانو” هو روائي فرنسي، مواليد 1945 في بولون- بيانكور، من أب ذي جذور إيطالية يهودية مشهورة وأم بلجيكية. وقد نشأ “موديانو” بين غياب أبيه عنه وبين أسفار أمه المتعددة، ولم يتمكن من إتمام دراسته الثانوية إلا بعون من الحكومة.
أصدر أولى رواياته عام 1968، “ميدان النجم” ومنذ ذلك الوقت تفرغ “باتريك موديانو” للكتابة. يمتاز أسلوبه بالوضوح والبساطة، كما تتمحور كتبه حول البحث عن الأشخاص المفقودين والهاربين، وأولئك الذين يختفون، والمحرومين من أوراق ثبوتية، وأصحاب الهويات المسروقة. بعد سلسلة أعمال روائية له جمع فيها دائماً مسألتين بارزتين: البحث عن الهوية وبالتالي البحث عن الذات مقرونة بقضية عصرية وهي الشعور الإنساني الفردي بضعف الإنسان، أصدر سنة 2012 رواية ذات طابع عاطفي، وهي “الأفق”، التي تدور أحداثها حول قصة حب.
حاز “باتريك موديانو” على جائزة نوبل في الأدب عام 2014، حيث أعلنت الأكاديمية السويدية في بيان لها أن “موديانو” كُرّم بفضل فن الذاكرة الذي عالج من خلاله المصائر الإنسانية الأكثر عصيانا على الفهم وكشف عالم الاحتلال.
نشر موديانو قرابة عشرين رواية منها “ميدان النجم” 1968، ورواية “دائرة الليل” 1969، و”شوارع الحزام” 1972 التي حصلت على الجائزة الأدبية الفرنسية، و”المنزل الحزين” 1975 التي حصلت على جائزة المكتبات، و”كتيب العائلة” 1977، و”شارع الحوانيت المعتمة” 1978، و”شباب” 1981، و”أيام الأحد في أغسطس” 1984 ،”مستودع الذكريات” 1986وحتى رواية “عشب الليالي” 2012، التي استلهم فيها قصة اختطاف المهدي بن بركة، و”رواية حتى لا تضيع في الحي” 2014، السنة التي توج فيها بالنوبل العالمي للأدب، كما حاز على الجائزة الكبرى للأكاديمية الفرنسية للرواية 1972، وجائزة غونكور 1978.