8 أبريل، 2024 2:32 ص
Search
Close this search box.

نشأة المسرح العربي (1) .. المسرح المصري حمل أعباء “البدايات” ورسالة النهضة الثقافية

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص : كتبت – سماح عادل :

المسرح أحد فروع الثقافة الهامة.. وميزته أنه يعتمد على التفاعل الحي بين القائمين عليه وبين الجمهور، فهو يعتمد بشكل أساسي على المتلقي واستجابته الفورية وهذا ما يميزه عن باقي الفنون الأخرى، كما يتميز عن القصة والرواية في أن للمتلقي دور فعال وحيوي في تطويره وتنميته، لذا سوف نعرض لنشأة المسرح داخل البلاد العربية، وكيف بدأ كظاهرة مقتبسة من ثقافة الغرب, ثم تحول تدريجياً إلى عكس روح الشعب وتصوير همومه وقضاياه، وكان في بعض البلدان أداة قوية وفعالة في انتقاد السلطة وانتقاد الأوضاع الاجتماعية الخاطئة..

المسرح قديماً..

يمكن القول أن العرب والشعوب الإسلامية عرفت أشكالاً مختلفة من المسرح والنشاط المسرحي، لقرون طويلة قبل منتصف القرن التاسع عشر.. فثمة إشارات واضحة على أن الناس أيام الخلافة العباسية قد عرفوا شكلاً واحداً على الأقل من الأشكال المسرحية، وهو مسرح “خيال الظل”، وأقدم إشارة إلى ذلك في كتاب (الديارات) للشابشتي.. كما أن الخليفة “المتوكل” كان أول من أدخل الألعاب والموسيقى والرقص إلى القصر، وكان ثمة ممثلون يأتون من الشرقين الأدنى والأقصى ليقدموا تمثيلياتهم في قصور الخلفاء، أما العامة فكانوا يجدون تسليتهم عند قصاصين منتشرين في بغداد.. هؤلاء الحكاؤون هم فنانون مسرحيون تلتقط عيونهم خصائص البشر ويجمعونها ويقلدونها ويجعلون منها مادة للفكاهة يقدمونها أمام جمع من الناس.

خيال الظل..

كان “خيال الظل” موجود في مصر، وعن طريقه عرف المصريون لقرون متوالية عادة الذهاب إلى المسرح، والذي كان عبارة عن المكان الذي يضع فيه صاحب “خيال الظل” أدواته، كما عرفوا “الإضاءة، الألوان، الأزياء” والحوار، وفنون الأداء المختلفة، من “رقص، وغناء، وموسيقى”، والنتيجة أن مصر كانت مهيأة لتقبل فكرة المسرح، حين أخذت الفرق المسرحية والأفكار المسرحية ترد إليها ابتداء من نهاية القرن الثامن عشر، ثم امتد “خيال الظل” من مصر إلى تركيا، حين حمل السلطان “سليم الأول” معه بعض المخايلين المصريين، وامتد الخيال التركي إلى البلاد العربية التي نكبت بحكم العثمانيين، مثل سوريا، حيث نقل بعض فنانينها إلى مصر بعضاً من أثر “القراقوز”، في صورة التمثيل البشري لأدوار وفكاهات القراقوز، وهي محاولات فنية قام بها الفنان السوري “جورج دخول”, الذي جاء إلى مصر في السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر، وكان يعرض فصوله المضحكة المعتمدة على بعض نمر القراقوز.

المسرح في مصر..

أول مسرحية عربية تم إخراجها في مصر كانت عام 1847، أخرجها “مارون النقاش” وكانت بعنوان (البخيل)، مستوحاة من “موليير”، وكانت هذه المسرحية محاكاة لظاهرة المسرح التي رآها المثقفون العرب في بلاد أوروبا، وكان رواد المسرح: “مارون النقاش” و”أحمد أبو خليل القباني” و”يعقوب صنوع”, قد تجاهلوا التراث الشعبي وسيطرت عليهم جمعياً فكرة أن الفن الذي ينقلونه من أوروبا هو الشكل المسرحي الوحيد الذي عرفته البشرية، لم يعرفوا أن هناك أشكالاً أخرى للمسرح غير الشكل الغربي يمكن أن يتسخدموه قابل للتطوير.

يعقوب صنوع

كان مدخل “مارون النقاش” إلى المسرح هو النص الأدبي، ثم بعد ذلك استخدم قصص الشعب، واستفاد من حب الناس للشعر مروياً ومغنى، لكن الناس لم يتفاعلوا مع مسرحه، أما “أحمد أبو خليل القباني” فقد اهتم بعناصر الغناء والإنشاد والرقص، وكانت قصة المسرحية لديه تعتمد على هذه العناصر الفنية، كما اعتمد على القصص الشعبية, التي كان قصاصو المقاهي يحكونها، وعلى السير الشعبية في بعض مسرحياته، وجعل الإنشاد عنصراً مهماً من عناصر مسرحه، مما دفع أحد الباحثين إلى القول: أن “القباني هو صورة متطورة من القاص الشعبي متخذاً من المسرح أداته للقص”،  في حين رأى “زكي طليمات” أن الفن المسرحي عند “القباني” كان أضعف صياغة من مسرح “النقاش”, بسبب أن “القباني” لم يعرف المسرح في أية لغة أجنبية غير التركية، وكان بهذا ينقل فنه عن فن مترجم.

يعقوب صنوع”..

أما الرائد الثالث لفن المسرح في مصر, “يعقوب صنوع”, كان قد اشترك بالتمثيل في مسرحيات فرقتين فرنسية وايطالية، زارتا مصر خلال 1870, والمسرحيات التي قدمتها هاتان الفرقتان توزعت بين الكوميديا والأوبريت، مما أوحى له بأن ينشئ مسرحاً عربياً على نفس المنوال، واتجه إلى دراسة أعمال كل من “غولدوني” و”موليير” و”شيريدان” في لغتهم الأصلية، وكون “صنوع” فرقته المسرحية وألف لها قطعة مسرحية غنائية أقحم فيها بعض الأغاني الشعبية الشائعة، ثم أصبح يضع المسرحيات ويدرب الممثلين ويقوم بإخراجها وإدارتها حتى وصل عدد مسرحياته إلى 32، أغلبها تصور الواقع الاجتماعي الذي كانت تعيشه مصر في هذه الأيام، وتنتقد لبعض مظاهر التخلف والظلم الاجتماعي، وفي هذه المسرحيات يندمج التأثير الأوروبي بالتأثير الشعبي داخل هذا القالب الغربي، وقد كان “صنوع” أكثر قرباً من الناس العاديين, من “النقاش” و”القباني”, وبالتالي اجتذب كثير من المتفرجين.

يقول محرر صحيفة “ساترداي ريفيو” في 1876: “إن ما هو جدير بالإعجاب تقمص صنوع شخصية الفلاح المصري أثناء اندماجه في تمثيل دوره، فيحلو عندئذ سماع ملاحظاته اللاذعة وضحكاته البريئة إلى جانب عبراته الصامتة وهي تتساقط على خديه الضامرين، وقد كان باستطاعة الرجل أن يجمع في شخصيته شعباً بأسره”.. لقد صور “صنوع” السادة في مسرحياته تصوير ضعيف، فهم في الأغلب أناس باهتون، أما شخصياته الشعبية فكانت قوية واضحة، تمشي على المسرح باقتدار وتنتفض بالحياة، وقد استخدم كل حيلة فنية لاستنباط الضحك، استخدام النكات اللفظية والجنسية، كما استعمل الهزل والفكاهة الراقية، قدم تهريجاً كما قدم أفكاراً، وفهم أن المسرح ينبغي أن يكون فرجة.

مارون النقاش

أنماط المسرح الثلاثة..

بمسرحيات “صنوع” اكتمل المسرح العربي المتأثر بالغربي, ورسخ لأنماط ثلاثة:

1 – المسرحية الجادة التي تعتمد على النص الأدبي وهدفها توعية الناس.

2 – المسرحية الكوميدية الانتقادية ذات الأساس الشعبي.

3 – الأوبريت أو المسرحية الغنائية, التي تتخذ من أحداث قصة مسرحية واهية البناء، في الغالب، مناسبة لغناء فردي وجماعي، ورقص، ومناظر أخرى مدهشة، مثل المفاجآت البصرية كظهور عفريت، أو اندلاع نار، أو قيام معركة بالسلاح.. إلخ..

ظل المسرح العربي يقدم هذه الأنماط الثلاثة، مقتبسة أو مؤلفة تأليفاً متهافتاً، حتى ظهر المؤلف المحلي، وقد سبق ظهور هذا المؤلف في مصر إرهاصات كثيرة.. ففي ميدان التأليف ظهرت في 1894 أول مسرحية مصرية تتخذ شكل الميلودراما الاجتماعية، وتستعين بالتاريخ المتخيل للإشارة إلى أوضاع كانت تسود مصر وقت كتابة المسرحية، اسم المسرحية هو (صدق الإخاء) لـ”إسماعيل عاصم”، وهي تهدف إلى توعية الأغنياء بضرر الترف وتبديد الثروة، وتناقش في فصلها الرابع بجرأة قضايا الحرية والتعليم وحق تكوين الأحزاب، كما تشير المسرحية في موضع آخر إلى أن تفرق المصريين عن حقهم قد اطمع فيهم الغربي وسهل احتلال أرضهم.

ثم توالي ظهور المسرحيات الاجتماعية, فقدم “فرح أنطون” مسرحيته المعروفة (مصر الجديدة ومصر القديمة) عام 1913, وفيها استخدم شكلاً مسرحياً يراوح بين الرواية والمسرحية، ليعرض تطلعات مصر في أوائل القرن، من قيام طبقة منتجة تقوم بالمشروعات والصناعات لبناء مجد الوطن.

الكاتب المسرحي المصري..

ما لبث أن ظهر الكاتب المسرحي المصري الخالص من كل اقتباس أو تمصير أو أي اعتماد على نصوص مسرحية غربية، وذلك هو “إبراهيم رمزي”, لقد كتب عدداً من المسرحيات التاريخية والاجتماعية والغنائية, أهمها: (الحاكم بأمر الله) 1914, و(أبطال المنصورة) 1915, و(بنت الإخشيد) 1916, و(البدوية) 1918, و(إسماعيل الفاتح) 1937, و(شاور بن مجيد) 1938، كل هذا في النوع التاريخي، أما في المسرحيات الاجتماعية كانت أبرز مسرحياته: (صرخة طفل) 1923, وتناولت مشكلة الزواج في مصر في أواخر العشرينيات، وكان بناء المسرحية قوي يعيبه فقط طغيان النقاش على بعض الأحداث، كما كتب “رمزي” في 1915 مسرحية شعبية ضاحكة اسمها (دخول الحمام مش زي خروجه).

ويواكب “إبراهيم رمزي”, مؤلف مصري آخر هو “محمد تيمور”, الذي أخرج مسرحيات (العصفور في القفص) في 1918, و(عبد الستار أفندي) 1918, و(الهاوية) 1921, وهي مسرحيات ذات أسس أجنبية واضحة, فرنسية في الغالب، ولكن “تيمور” أجاد تمصيرها وقربها من الواقع المصري، ثم امتاز عن “إبراهيم رمزي” في أنه استخدم حوار درامي قوي، استخدم فيه اللغة الدارجة للمثقفين واستعمل اللغة العامية حين يكون الحديث لعامة الناس، فقد استخدم لغة الشخصيات كما هي في الواقع.

ثم يظهر مؤلف ثالث كان له شأن كبير في دعم الحركة المسرحية واستمرارها, هو “توفيق الحكيم”، الذي أخرج أولى مسرحياته 1919, وكانت باسم (الضيف الثقيل), وهي للأسف مفقودة، ولكن موضوعها العام عن ضيف ثقيل يحل على أسرة ما ويرفض الرحيل، وهي هجاء درامي للاحتلال الانكليزي، أما أول مسرحية كاملة تصلنا لـ”توفيق الحكيم” هي: (المرأة الجديدة) عام 1923، غير أن أصولها الفرنسية واضحة رغم التمصير الجيد.

سلامة حجازي

المسرح الغنائي..

في ميدان المسرح الغنائي تزعمه الشيخ “سلامة حجازي”، وكان الشيخ يتمنى أن يبث الدروس الاجتماعية والمبادئ الأخلاقية في ثوب مصري، ولذلك اتفق مع “إسماعيل عاصم” وقدم له المؤلف ثلاث مسرحيات لحنها الشيخ، ملاحظاً رغبة الجمهور في مزج المسرحيات بالأناشيد، حتى لو كانت تراجيدية بحتة، ولقد استخدم الشيخ صوته الفاتن وسيلة لجذب الناس وعرض عليهم نماذج من فنون العرض المسرحي، تمثلت في المناظر والملابس الغالية، وفي إنشاء مسرح عصري، ولم يتردد في أن يضع فيه أموالاً كثيرة حتى أصبح مسرحه يساوي مسرح الـ”أوبرا” الخديوية في الفخامة والتجهيزات، كذلك بذل “الشيخ سلامة حجازي” جهداً خاصاً في تطوير الغناء بحيث أصبح أكثر تعبيراً عن المعاني والمواقف المسرحية, مما كان أيام “القباني”، ولقد ألغى المقدمات وربط بين الغناء وتمثيل الأدوار، وأخذ الناس يتعرفون على كلمات: مسرح، وتشخيص، وتمثيل.. عن طريقه وصل فن “سلامة حجازي” إلى قطاعات من الناس لم تكن الظروف الاجتماعية تسمح لها بارتياد المسرح مثل السيدات، وكن يسمعن مسرحيات الشيخ على اسطوانات “الفونوغراف”، الذي ظهر في أوائل القرن.

سيد درويش

سيد درويش”..

حين مات “الشيخ سلامة حجازي” 1917, كان نجم فنان كبير من فناني المسرح الغنائي يظهر, وهو “سيد درويش”, وقد اجتمعت في “سيد درويش” مواهب متعددة، اشترك أول حياته مع فرقة شعبية جوالة للتمثيل الكوميدي هي فرقة “جورج دخول”، وهو الرجل الذي كان لفنه الكوميدي تأثير كبير في تطوير الكوميديا الشعبية، وكانت إضافة “درويش” للمسرح الغنائي اللغة الموسيقية والغنائية الدرامية، أي اللغة التي تسعى إلى التعبير بالموسيقى، كان “درويش” يقوم بإخراج المسرحية موسيقياً وغنائياً، وزاد من قيمته كملحن درامي أنه عايش العملية المسرحية في جميع مراحلها، وقام بأدوار غنائية وتمثيلية ظلت تتطور حتى وصل إلى أنضج أعماله (العشرة الطيبة) و(شهرزاد) و(الباروكة)، كما تعرف “درويش” على فن الزجل الراقي من أكبر مبدعيه, مثل “بيرم التونسي” و”بديع خيري” و”أمين صدقي” و”يونس القاضي”، وتعرف على المخرج “عزيز عيد”, الذي أخرج له مسرحيته (شهرزاد), وكانت صحبته لـ”بديع خيري” و”نجيب الريحاني” ذات أثر كبير في تطوير شخصيته الفنية ونضجه.

جورج أبيض

جورج أبيض”..

أما بالنسبة للممثل البارع, كان “جورج أبيض”, أول ممثل مسرحي بارع ومتخصص، عاد من فرنسا عام 1910 على رأس فرقة فرنسية تقدم مسرحيات هامة باللغة الفرنسية، وذلك بعد أن أوفده الخديو “عباس حلمي” إلى فرنسا 1904 لدراسة المسرح، وقد وجهه “سعد زغلول”, الذي كان ناظراً للمعارف, إلى التمثيل باللغة العربية، وقد كون “جورج أبيض” فرقاً مسرحية مختلفة، ودخل في فرقة مشتركة مع “سلامة حجازي”، وقدم مسرحيات مستوحاة من المسرح الغربي، مثل (أوديب) ومسرحيات “موليير”, وأبرز مسرحياته: (طرطوف) و(مدرسة الأزواج) و(مدرسة النساء) و(النساء العالمات)، كما قدم مسرحيات لـ”شكسبير، وبرنارد شو”، واجتذب مسرحه شعراء مثل “خليل مطران” و”حافظ إبراهيم” والكاتب “عبد الرحمن رشدي” والفنان “عزيز عيد” والكاتب “إبراهيم رمزي”.. لقد اكتسب الفن المسرحي احتراماً على يد “جورج أبيض”

عزيز عيد”..

عزيز عيد

عمل “عزيز عيد” ممثلاً ومخرجاً منذ عام 1904, حين انضم إلى فرقة “قرداحي” ممثلاً، وظل يتنقل من فرقة إلى أخرى, وألف 1912 فرقة مع “سليمان حداد” وقد فشلت، وعمل مع “سلامة حجازي” وأخرج لها مسرحيات: (صاحب معمل الحديد) و(عواطف البنين) و(اليتيمان)، ثم انضم لفرقة “جورج أبيض”، كما عمل مع “سيد درويش”.. تقول الممثلة والصحافية الشهيرة “روزاليوسف”: “كان عزيز عيد يرضى بالفقر إلا أن يخرج رواية تمثيلية بطريقة لا يرضى عنها، كان يدقق في اختيار الممثلين، لا يعطي أتفه دور لممثل لا يؤمن بكفاءته، إنه في الفن لا يعترف بالشيء الوسط”.

ظهرت في 1923 أول فرقة مسرحية نظامية على رأسها المخرج “عزيز عيد” والممثل “يوسف وهبي”، ومجموعة ممثلين موهوبين على رأسهم: “روزاليوسف” و”حسين رياض” و”أحمد علام” و”فاطمة رشدي” و”زينب صدقي”, هي “فرقة رمسيس”, وقد جذبت جمهور عريض، ومن أشهر مسرحياتها: (راسبوتين) و(كرسي الاعتراف) و(غادة الكاميليا).. جذبت هذه الفرقة المثقفين المصريين الذين تابعوا أعمالها مثل: “طه حسين” و”محمد حسين هيكل” و”العقاد” و”المازني” و”محمد التابعي”، وظهرت في بداية حياة الفرقة مجلات متخصصة في النقد المسرحي منها “التياترو” و”مجلة المسرح”. اكتشف “يوسف وهبي”, عن طريق نجاحه الهائل في مسرحية (الذبائح), أهمية المسرحية المصرية المكتوبة باللغة العامية، وتناول مشاكل المجتمع المصري، فترك المسرحيات الأجنبية الدرامية، وسعى إلى قبول مؤلفات مصرية من الأساتذة “إبراهيم المصري” و”عبد الرحمن رشدي” و”محمود كامل” و”إبراهيم رمزي” و”إسماعيل صبري”.

مسرح الدولة..

أنشئ “معهد الفنون المسرحية” عام 1931, بناءً على اقتراح “زكي طليمات”, وألغي بعد موسم دراسي واحد، ألغته وزارة المعارف بدعوى أنه يحرض على الفساد باختلاط الجنسين، ثم عاد المعهد في 1944 باسم “المعهد العالي لفن التمثيل العربي”, وأخرج جماعة فنية متماثلة الرؤية والموقف.

وقد أقامت الدولة عام 1935 “الفرقة القومية للتمثيل”، وضمت إليها أبرع الممثلين، وكان يديرها الشاعر “خليل مطران”، وكانت تقدم المسرحيات باللغة الفصحى من تأليف أمهر الكتاب أمثال “طه حسين” و”خليل مطران” و”توفيق الحكيم” وغيرهم وحلت في 1942.

نعمان عاشور

ولقد قضت السينما المصرية على الفرق الخاصة, من أمثال “رمسيس” و”فاطمة رشدي” وفرقة “أنصار التمثيل”, باستثناء فرقة “نجيب الريحاني” الكوميدية، وإلى حد ما فرقة “علي الكسار”، واستطاعت فرقة “الريحاني” البقاء بتطوير مسرحياتها من كوميديا ضاحكة إلى كوميديا اجتماعية انتقاديه، اشترك في تقديمها “نجيب الريحاني” و”بديع خيري” متسوحين نماذج فرنسية ممصرة.

تموز/يوليو 1952..

بعد ثورة 23 تموز/يوليو 1952, ازدهر المسرح، فقد ظهر كتاب المسرح, ظهر أولاً “نعمان عاشور”, الذي قاد مدرسة مسرحية، ومن مسرحياته (المغماطيس) عام 1955, وتلتها أعمال (الناس اللي تحت) 1956, و(الناس اللي فوق) 1958، و(سيما أونطة) 1959, و(صنف الحريم) 1960, و(عيلة الدوغري) 1962، وظهر إلى جواره “يوسف إدريس”, الذي قدم له المسرح القومي مسرحيتان: (جمهورية فرحات) و(ملك القطن) في 1957, ومن بعده “ألفريد فرج”, الذي قدم: (سقوط فرعون) 1958، وظهر “لطفي الخولي” في مسرحية (قهوة الملوك) 1959, و”سعد الدين وهبة” الذي قدم أول مسرحياته (المحروسة) 1963, كما ظهر كاتب مسرحي مهم, “ميخائيل رومان”, الذي قدم مسرحية (الدخان).

واجتذب “المسرح القومي” الجمهور, وكانت هناك نهضة مسرحية على أساس الواقعية النقدية، والتي أثرت على “توفيق الحكيم” فقدم مسرحية (الأيدي الناعمة) 1955, ثم (الفانتازيا) 1958, و(السلطان الحائر) 1962.

وتم إنشاء الأجهزة الثقافية ممثلة في “وزارة الإرشاد القومي”، ثم أصبحت “وزارة الثقافة” في عام 1968, برئاسة “فتحي رضوان”، وسعت هذه الوزارة إلى إنشاء “أكاديمية الفنون”، التي جمعت إلى جوارها “المعهد العالي للفنون المسرحية”، و”معهد السينما”، و”معهد البالية”، و”المعهد القومي للموسيقى”، وأضيف إليها “معهد الفنون الشعبية”.

نهضة مسرحية..

هذه النهضة الشاملة في فنون الأداء جعلت من القاهرة مركز إشعاع امتد إلى العواصم العربية، ونضجت المسرحية الاجتماعية النقدية على يد “نعمان عاشور”, وتقدمت أيضاً المسرحية السياسية الفلسفية، وظهرت المسرحيات الشعرية السياسية لـ”عبد الرحمن الشرقاوي” و”صلاح عبد الصبور”.

وأصبح الإنتاج المسرحي يصب في ثلاثة أقسام:

1 – المسرحية الاجتماعية النقدية, التي تتحول إلى كوميديا انتقاديه ذات مضمون سياسي واضح, وأبرز كتابها “نعمان عاشور” و”سعد الدين وهبة” و”لطفي الخولي” و”ألفريد فرج”.

2 – المسرحيات التراثية, التي تستفيد من مأثورات الشعب في الصيغة والمضمون المسرحي، وأهم كتابها “ألفريد فرج” و”نجيب سرور” و”شوقي عبد الحكيم” و”محمود دياب”.

3 – مسرحيات سياسية, إما معاصرة أو تاريخية, أعيد كتابتها لتشير إلى الواقع، مثل مسرحيات “عبد الرحمن الشرقاوي” و”صلاح عبد الصبور”, وكانت هناك مسرحيات نثرية.

بداية التدهور..

قد وقفت الدولة, وخاصة ابتداء من أواسط الستينيات, موقف المتشكك في المسرحيات التي كانت تقدمها “مؤسسة المسرح”، وفي موسم 1965 – 1966, شددت الحكومة قبضتها على المسرح والمسرحيات، بعد أن ظهرت مسرحيات تقف موقف الناقد للدولة، مثل انتقاد حرب اليمن في مسرحية (الفتى مهران)، وموقف المسؤولين عن الانحرافات التي أخذت تظهر في مجرى الثورة في (سكة السلامة)، والفساد المستشري في بعض المؤسسات العامة في (عسكر وحرامية) إلخ، وقد أزعجت هذه المسرحيات وغيرها جهاز الأمن في الدولة، حتى جعل يلاحق المسرحيات أما بالرقابة المشددة، أو بالتدخل في مدة العرض، أو بحظر تقديمها في الإذاعة والتليفزيون.

وجاءت “وزارة الخزانة” وقامت بتعويق حركة المسرح, من خلال الشكوى المستمرة أن مسارح الدولة تخسر، والدعوة إلى وقف الإنفاق على المسرح، ومن جهة أخرى كان التنظيم السياسي الوحيد في مصر “الاتحاد الإشتراكي” ينتقد المسرحيات التي لا تقدم فكر الثورة الرئيس، كما هاجم بعض الصحافيين المسرحيات ومؤسسة المسرح.

وفي عام 1962 أنشأ “التليفزيون العربي” فرقة مسرحية لإمداد التليفزيون بمادة درامية، وأخذت فرقة التليفزيون تزايد على فرق وزارة الثقافة وتخطف فنانيها، وتبالغ في دفع الأجور وتتمتع بامتيازات أخرى مثل الدعاية، وفي ظل هذه الحرب خسر الفن المسرحي وضاع الانضباط وأصبح النشاط المسرحي سوقاً تجارية أنشأتها فرق التليفزيون التي تزايدت، والتي كانت تعتمد على المسرحيات الهزلية الرائجة، وأثر ذلك على الإنتاج المسرحي وبدأ التدهور باتجاه إنتاج مسرحيات تجارية.

المصدر:

كتاب “المسرح في الوطن العربي” – الدكتور “علي الراعي”.

سلامة حجازي في مسرحية روميو وجولييت

https://www.youtube.com/watch?v=F4qArtTabZQ

مسرحية راسبوتين

مسرحية كرسي الاعتراف

مسرحية عائلة الدوغري

 

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب