12 أبريل، 2024 3:36 م
Search
Close this search box.

مفهوم حوكمة المياه: النشأة والتطور والأبعاد

Facebook
Twitter
LinkedIn

إعداد/ مريم عبد السلام موسى
تعد المياه عامل حاسم في النمو الاقتصادي والرفاهية الاجتماعية، وللأسف قليلا ما يتم إدراك العلاقة بين تخفيض الفقر والوصول إلى المياه المأمونة في السياق الاجتماعي والاقتصادي والمؤسسات برغم أهميتها المتزايدة، وتنامى أسباب ودواعي الحوكمة المائية فى ظل مشكلات؛ زيادة الطلب على المياه، وزيادة التلوث، وتزايد الترابط بين النظم المائية وتعقيدها، وتزايد الشك المتعلق بتغير المناخ، وضرورة الإنصاف في تزويد الخدمات والموارد المائية، فى ضوء ذلك تتناول هذه الورقة البحثية نشأة مفهوم الحوكمة المائية باعتباره منبثقا عن مفهوم الحوكمة أو الحكم الرشيد، ومن ثم التطور فى المفهوم وأبعاد استخدامه.

مفهوم الحوكمة

يشتق لفظ الحوكمة في اللغة من المصدر الثلاثي حكم،وحكم الشيء أو أحكمه أي منعه من الفساد، هذا المصطلح جيد في اللغة العربية ووضع في مقابل اللفظ الإنجليزي governance أو الفرنسيgovuernance حيث أن الحوكمة ظهرت في السياق المعاصر للتطور الدلالي والاشتقاقي الذي ظهرت فيه العولمة والحوسبة، فهنا يعد مفهوم الحوكمة من المفاهيم الواسعة التي لها العديد من التعريفات والدلالات الخاصة بها.

ظهر مصطلح الحاكمية عام 1937 في بحث بعنوان : the nature of the firm، والذي أنجز من طرف Ronald Coase، وتكرر ظهور هذا المفهوم منذ عام 1989 في كتابات البنك الدولي في إشارة إلى كيفية تحقيق التنمية ومحاربة الفساد في الدول الأفريقية جنوب الصحراء، ثم ما لبث أن اكتسب أهمية خاصة في مجالات الإدارة العامة والسياسات المقارنة مع الانتقال من التركيز على مفهوم الحكومة الذي يقوم على مسلمة اضطلاع الوزارة بالدور الرئيسي في ممارسة السلطة، إلى المفهوم موضع التحليل الذي يقوم على مشاركة المجتمع للوزارة في ممارسة تلك الإدارة.

يتضح من ذلك أنه لا يوجد تعريف واحد للحوكمةفيري بعض الباحثين أن الحوكمة تتعلق بالمسألة المالية والكفاءة الإدارية بينما يركز بعض الباحثين من الناحية الآخريعلى أن الحوكمة لها علاقة بالديمقراطية، وحقوق الإنسان والعملية التشاركية من الإطار السياسي وقام بيتر روجرز وآلان وول إستناداً إلي تعريف البرنامج الإنمائي 2001 بأن الحوكمة تعني؛ ” أنها عبارة عن ممارسة السلطة الإقتصادية والسياسية والإدارية لإدارة شئون بلد ما علي جمع المستويات ويضم الآليات والعمليات والمؤسسات التي من خلالها يقوم المواطنين والجماعات بالتعبير عن مصالحهم،وممارسة حقوقهم القانونية ، والوفاء بإلتزاماتها والسعي لحل الخلافات الناشئة بينهما(1).

نشأة مفهوم الحوكمة المائية

عند تناول السياق الذي ظهر فيه مصطلح الحوكمة المائية يمكن القول أنه قدانعكس مؤتمر دبلن 1992 علي الإدارة المتكاملة للموارد المائية وإزداد القبول العالمي للإهتمام بالموارد البيئية الحالية نتيجة زيادة الضغوط علي الموارد المائية وزيادة القلق بسبب الضغوط السكانية وأنماط المستهلك وقضايا الإدارة وفقدان التنوع البيولوجي وتغير المناخ، والدمار المتزايد وتلوث النظم الأيكولوجية المائية وزيادة المنافسة بين القطاعات المختلفة علي استخدام الموارد المائية، ولذا تعد الإدارة المتكاملة للموارد المائية أداة فعالة لإدارة هذه الضغوط المتزايدة علي الموارد البيئية ولتحقيق التوازن بين الحاجة إلي حماية والحفاظ علي النظم الأيكولوجية المرتبطة بالمياه.

من ثم برز مفهوم “حوكمة المياه” منذ العقد الأخير من القرن العشرين وتزايدت أهميته منذ تبني هذا المفهوم المنتدى العالمي الثاني للمياه والذي عقد في لاهاي عام 2000، عندما شددت “الشراكة العالمية للمياه” على أن الأزمة المائية هي بشكل أساس أزمة حوكمة. وهكذا اتفق فيه الأطراف المجتمعة على أن مشكلة المياه في العالم هي مشكلة إدارة وليست مشكلة ندرة فقط(2).

كما يلاحظ أنه توجد علاقة ارتباط بين مفاهيم التنمية المستدامة والحوكمة المائية وكيفية إدارة الموارد المائيةفهي علاقة قائمة علي التكامل والتداخل في إطار نسق البناء الوظيفي.

المقصود بحوكمة المياه “التأصيل النظري للمفهوم”

يعتبر هذا المصطلح من المصطلحات الحديثة نسبيا وله العديد من التعريفات التي تشير إلي عملية التفاعل بين العديد من الأبعاد والنظم المختلفة مثل التفاعل بين البعد السياسي والإجتماعي والإداري والبيئي والاقتصادي والمؤسسي.

ويمكن تعريف حوكمة المياه وفقاً للشراكة العالمية علي النحو التالي: “إن حوكمة المياه تشير إلي مجموعة من النظم السياسية والإجتماعية والإقتصادية والإدارية المعمول بها لتطوير وإدارة الموارد المائية وخدمات المياه في مختلف مستويات المجتمع”. فحين أن تعريف قدمه البنك الدولي للمفهوم وصفه فيه بأنه “أسلوب ممارسة القوة في إدارة الموارد الاقتصادية والاجتماعية للبلاد من أجل التنمية . كما تجلى أيضا في تعريف برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وقوامه أن الـ Governance هو “ممارسة السلطة الاقتصادية والسياسية والإدارية لإدارة للأفراد والجماعات تحقيق مصالحها”. من أشهر تعريفات حوكمة المياه تعريف “بيتر روجرز” الحوكمة المائية : مجموعة من النظم السياسية والاجتماعية والاقتصادية والإدارية الملائمة لتطوير وإدارة الموارد المائية وتقديم الخدمات المائية على مختلف المستويات المجتمعية. وتتناول الحوكمة المائية الطريقة التي تتخذ بها القرارات حول المياه(3).

بينما يعرفها آخرينعلى أنها مفهوم مرتبط بشكل مباشر وأساسي بالناس ومصالحهم الحيوية. ويتطلب ذلك إشراك جميع أصحاب المصلحة حول بناء توافق الآراء وحل النزاعات أي أن حوكمة المياه قائمة علي القرارات المشتركة وكيفية صياغة وتنفيذ هذه القرارات، فهنا حوكمة المياه تشير إلي قدرة النظام الإجتماعي علي تعبئة الطاقات بطريقة متماسكة لتحيق التنمية المستدامة للموارد المائية(4). وبمعنى أخر فإن الحوكمة تعنى النظام أي وجود نظم تحكم العلاقات بين الأطراف الأساسية التي تؤثر في الأداء، كما تشمل مقومات تقوية المؤسسة على المدى البعيد وتحديد المسئول والمسئولية(5).

وهنا تري الباحثة أن الحوكمة هي مجموعة من القوانين والنظم والقرارات التي تهدف إلى تحقيق الجودة والتميز في الأداء عن طريق إختيار الأساليب المناسبة والفعالة لتحقيق خطط وأهداف المؤسسات.

أبعاد الحوكمة المائية

إن أبعاد حوكمة المياه هي مجموعة النظم المؤثرة في عملية اتخاذ القرارات الخاصة بإدارة استخدام المياه وتطوير الموارد المائية وخدمة التزويد المائي. والحوكمة المائية بطبيعتها عملية سياسية، وتشتمل على خيارات سياسية لتحقبق التوازن بين المصالح المتنافسة، وحول من هو المخول بتأدية خدمات معينة وكيفية تقديم الخدمات ومن الذي يدفع ثمن هذه الخدمات وكيف تتم موازنة المصالح المتنافسة والقرارات حول كيفية حماية الموارد المائية(6). وبالتالى تصبح حوكمة المياه عملية تشاركية بين قطاعات ثلاث هي الحكومة، القطاع الخاص، المجتمع المدني من خلال انخراط الأطراف الثلاثة في عملية تطوير استراتيجيات إدارة الموارد المائية(7). وحوكمة المياه تقوم بتطوير نواتج من السياسات المختلفة التي تؤثر على قطاعات الزراعة والغذاء والصحة والتعليم والتنمية الاقتصادية ومكافحة الفقر(8).

في هذا الصدد يمكن القول أن حوكمة المياه هي مجموعة من الأنظمة التي تحكم صنع القرار وتنمية الموارد المائية وإدارتها وهي أربعة أبعاد أساسية وهي البعد الإجتماعي، البعد الإقتصادي، البعد السياسي، البعد البيئي وذلك علي النحو التالي(9):

· البعد السياسي:وهي طرح فرص ديمقراطية متكافئة أمام جميع أصحاب المصالح لمراقبة العمليات والسياسيات والنتائج وتحقيق عدالة التوزيع علي مستوي الفئات المهمشة والمحرومة اجتماعيا، واقتصاديا، وسياسياً.

· البعد الاقتصادي: وهي تشير إلي كفاءة استخدام المياه ودور المياه في النمو الاقتصادي العام.

· البعد الاجتماعي: وهي تهدف إلي الاستخدام المنصف للموارد المائية.

· البعد البيئي: يشير إلي الاستخدام المستدام للمياه وسلامة النظام البيئي مع التركيز علي الدور الأساسي من أجل الحفاظ علي بيئة صحية ومنع تدهور نوعية المياه وبالتالي يمنع التهديدات التي تشكل خطراً علي الإستدامة البيئية والصحة العامة فضلاً عن البعد البيئي للحوكمة الذي سوف يتيح خيارات عديدة لاستخدام الماء المتاح.

هوامش الدراسة

1. مطاوع السعيد السيد مطاوع، “دور المراجعة من حوكمة الشركات دراسة تحليلية”، (كلية التجارة: جامعة الأزهر، 2009 )، ص 3.

2. محمد حسن إسماعيل أحمد علي، “حوكمة المياه في الإتحاد الأوروبي: البعد التشريعي والبعد المؤسسي 2004 -2012″، رسالة ماجستير، (القاهرة: كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 2015)، ص 36.

3. علي نور الدين إسماعيل، “حوكمة المياه: في الطريق” ،متاح علي الرابط التالي:

:http://www.aleqt.com/2007/07/12/article_9376.htm ,Accessed on:-22/12/2015, At 11:00 pm

4. أنظر:

AtefHamdy,”Water Governance in the Mediterranean”, 2012,p 242 .

5. طارق عبدالعال، “حوكمة الشركات”، (مصر: الدار الجامعية، عين شمس، 2005)، ص5 .

6. ——————-، “حوكمة المياه” ، متاح علي الرابط التالي :

Available at :-http://samehrq.blogspot.com.eg .Accessed on:-22/12/2015, At 9:00 pm .

7. كرســتين عبدالله إسـكندر، “حوكمةالمياه: حماية الأمن المائي فى عالم متغير” ، متاح علي الرابط التالي:

http://www.siyassa.org.eg. Accessed on:-24/12/2015, At 9:00 pm. Available at:

8. محمد سالمان طايع، “إدارة أزمة المياه في العالم الإسلامي: مقاربة إسلامية لحوكمة المياه”، (القاهرة: المركز العربي للدراسات الإنسانية، 2010)، ص 32 .

9. محمد حسن إسماعيل أحمد علي، مرجع سبق ذكره، ص 55.
المصدر/ المركز العربي للبحوث والدراسات

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب