كتبت – سماح عادل :
ارتبطت “الماسونية” في ذهني بنظرية المؤامرة الكبرى، وعلاقتها بالصهيونية، ومحاولة السيطرة على بلدان المنطقة.. ولم أكن أهتم بمعرفة كل تلك التفاصيل، التي كنت أشعر أنها مبالغة في حماستها، لكن أول ما لفت نظري إلى “الماسونية” كانت روايات الكاتب الأميركي “دان براون” الذي كتب عنها في جو من الإثارة والغموض، وربطها بتاريخ المصريين القدماء ومعارفهم، ثم قابلت في طريقي بالصدفة كتب عربية قديمة عن “الماسونية”.. لذا فقد كان البحث عنها، وعلاقتها بدول الشرق في تلك الكتب:..
كتاب “تاريخ الماسونية العام” لجورجي زيدان..
في كتاب “تاريخ الماسونية العام” 1889، للكاتب اللبناني المعروف “جورجي زيدان”، والذي ألف كتباً قيمة، كما ألف روايات تاريخية، وأصدر جريدة “الهلال”.. اهتم جرجي زيدان بعمل تأريخ لـ”الماسونية” اعتماداً على مصادر أجنبية فرنسية وانكليزية بالأساس، ولقد ذكر أنه كان في حضارات “الهند وآشور ومصر وفينيقية وسوريا واليونان” جماعات سرية، تتناقل المعرفة بشكل سري فيما بين أعضائها، لكنه لم يجزم أن “الماسونية” تنحدر من تلك الجماعات السرية.. وقد قسَّم تاريخ “الماسونية” العام إلى قسمين: قديم وحديث، أو “ماسونية عملية” و”ماسونية رمزية”، ثم قسم تاريخ الماسونية القديمة أو الماسونية العملية على طورين: “الطور الأول: الماسونية العملية المحضة من سنة ٧١٥ قبل الميلاد إلى سنة ١٠٠٠ بعده”، و”الطور الثاني: الماسونية المشتركة من سنة ١٠٠٠ إلى سنة ١٧١٧ بعد الميلاد”.
أما تاريخ الماسونية الحديث أو “الماسونية الرمزية” فقد قسمه أيضاً على طورين: “الطور الأول: من سنة ١٧١٧ : ١٧٨٣”، و”الطور الثاني: من سنة ١٧٨٣ حتى وقت إصدار الكتاب”. وفصل زيدان قائلاً إن بداية نشأة الجمعية الماسونية كان في عهد الرومان، وأن “أول اجتماع ألتئم تحت اسم البناية كان في سنة ٧١٥ ق.م” بأمر الحاكم “نوما بومبيليوس” وتحت عنايته، وكانوا منقسمين إلى ثلاث فِرَق: “التلامذة – الرفَاق – الأساتذة”.
ويواصل “زيدان” ناسباً “للماسونية” بناء أهم البنايات الشهيرة في التاريخ “وفي سنة ١٦٦ ميلادية اعتنق الديانة المسيحية كثير من الإخوة البنائين في روما وجاهروا بالانتصار لها، أما الماسونيون الذين هاجروا إلى سوريا وفلسطين أيام الاضطهاد، فلبثوا فيهما إلى أيام قسطنطين، ولما تولَّى هذا – وكان من انتصاره للديانة المسيحية ما كان – استخدمهم في بناء الكنائس في تلك الأنحاء، وأول ما أقيم منها كان في “أورشليم” و”بيت لحم”، ثم أمر ببناء القبر المقدَّس في أورشليم وكنائس أخرى في أنطاكية وغيرها، وانتشرت “جمعيات الإخوة البنَّائين” إذ ذاك في الشرق، فملأت سوريا وفلسطين، وبلغت شبه جزيرة العرب إلى ما وراء أملاك الدولة الرومانية، وكانت هذه الجمعيات تعظم في القسطنطينية أيضًا، حتى لم تأتِ سنة ٣٤٠ م إلا وفي تلك العاصمة ٢٣ كنيسة من صنعها، أما فئات الماسون الذين جاءوا المشرق، وكان منهم جماعة في القسطنطينية، فإنهم اكتسبوا شهرةً عظيمةً، وكان يدعوهم الملوك من أنحاء فارس وبلاد العرب وسوريا لبناء المعاقل والمعابد، من ذلك أن الخليفة “الوليد بن عبد الملك” استعملهم سنة ٨٨ للهجرة في بناء المساجد في المدينة ودمشق وأورشليم، وقد ذكر مؤرخو العرب ما يشير إلى شئ من ذلك، مثلما ورد في تاريخ العلامة “ابن خلدون” قوله يصف بناء مسجد المدينة في إمارة “عمر بن عبد العزيز” (وبعث الوليد إلى ملك الروم (في القسطنطينية) أنه يريد بناء المسجد، فبعث إليه ملك الروم بمئة ألف مثقال من الذهب ومئة من الفَعَلَة، وأربعين حملًا من الفسيفساء، وبعث بذلك كله إلى عمر بن عبد العزيز)”.
الماسونية الرمزية..
ثم يضيف زيدان: “يبتدئ تاريخ الماسونية الحديث أو الماسونية الرمزية من سنة ١٧١٧، وقد قيل لها رمزية، لأن الأدوات التي تُستعمَل فيها تختص بالبناء العملي، وقد كان البنَّاءون العمليون يستعملونها في البناء، فلما انتقل موضوع هذه الجمعية من صناعة البناء إلى الفضيلة والعلم كما سنرى، حافظوا على أدوات البناء، وعلى كثير من القوانين الأساسية القديمة، لكنهم جعلوا مدلولاتها رمزية يرمزون بها عن أدوات العمران البشري، كالفضيلة والاستقامة والبر، وانتشرت الماسونية الرمزية في أنحاء أوروبا وأميركا، وكانت في كل أحوالها لا ديدن لها إلا نشر الفضيلة والعلم”.
كتب “شاهين مكاريوس”..
ألف الكاتب السوري “شاهين مكاريوس” عشرة كتب في الترويج للماسونية، وفي كتابه “آداب الماسونية” المطبوع في مصر 1895، مكتوب على غلافه تعريف بمكاريوس بأنه “مؤسس محفل اللطائف ورئيسه، ورئيس وعضو شرف في محافل أجنبية ووطنية”، ويتصدر الكتاب رسالة إشادة من “المحفل الأكبر الوطني المصري” بسبب إصداره لهذا الكتاب.
يلمح “مكاريوس” في كتابه إلى أن “الماسونية” جمعية سرية قديمة وقد تكون من عهد المصريين القدماء وحضارة الهنود لكنه لا يجزم بذلك، وما يؤكده أن الحكام الرومانيون كانوا يستخدمون “الماسون” في بناء المدن، مؤكداً على أن شروط الدخول في “الماسونية” أن يكون الفرد متعلماً، وعاملاً، ويستطيع دفع اشتراك شهري لخدمة أغراض الماسونية السامية، وأن هناك امتحان لمن يريد الانضمام على شرط أن يبلغ سن الواحد والعشرون.
ويفصل أكثر أنه يطلق على الرئيس اسم “النور”، واحد الأنوار الثلاثة، وأن وظيفته كرئيس “المحفل الأكبر الوطني المصري” تعطيه مكاناً سامياً، وأن الوظائف في محافل “الماسونية” تتم بالاقتراع السري على كل الموظفين، ولا يتم انتخاب أحد ما لم ينل أكثرية الأصوات، وأن شعار الماسونية “الحرية والإخاء والمساواة”.
تأسيس المحافل..
بخصوص تأسيس المحافل يقول أنه: “لا يمكن التصريح بتأسيس محفل إلا إذا اجتمع على ذلك سبعة أو أكثر من “الأحرار” القاطنين في الجهة المراد إنشاء المحفل بها، وأنه لكل بلاد أو ولاية مستقلة محفل عام يضم المحافل الفرعية تحت إدارته يراقب أمورها، يسمى في الاصطلاح الماسوني الشرق الأعظم، والمحافل الأخرى تابعة له، ولا يجوز أن ينشأ محفل للماسون بغير طلب سبعة أو أكثر، ولا يعترف بوجوده إلا إذا أصدر له التصريح وأعطي الاسم والإذن بمباشرة الأعمال من الشرق الأعظم”.
وحول عمل المحافل يقول مكاريوس: “قل أن يكتفي أحد المحافل بأقل من جلستين في الشهر، غير الجلسات الخارقة للعادة، وإذا انحل محفل بسبب سوء التنظيم وجب على الباقين من أعضاءه إرسال كل ما لديهم من الأوراق والأختام وغيرها إلى المحفل الأكبر حتى لا تقع في يد أجنبية، وكل بناء حر يرغب في الاستقالة المطلقة من الماسونية عليه أن يعلن محفله بذلك كتابة، وأن يسلمه كافة ما عنده من الملابس والأدوات والحلي والأوراق الماسونية، وأن يؤدي الرسوم والشهريات إلى اليوم الذي طلب فيه الاستقالة”.
نشأة الماسونية في مصر..
حول نشأة الماسونية في مصر يقول مكاريوس: “الماسونية على ما روى أصدق المؤرخين نشأت في مصر وكان كهنتها وحكماؤها الأولون يتداولونها جيلاً بعد جيل على الطريقة السرية، لا يسلمون مبادئها إلا من ثبتت كفاءته، ثم دالت أيام العز وكان أول ظهور للماسونية العملية في أيام “ابن طولون”، إذ جاء قوم من الإفرنج ولجئوا إلى مصر إثر الاضطهاد الديني الذي عم أوروبا، وبنى بعض الماسون جامع ابن طولون، وأما الماسونية الرمزية العامة اليوم فلم تدخل مصر إلا في أواخر القرن الماضي، مع الفرنسيس يوم فتحوا هذه البلاد بقيادة بطلهم الشهير “نابليون بونابرت” في 1798، وكان هذا الرجل العظيم ماسونياً شهيراً فاتفق مع البعض من أعوانه وأشهرهم الجنرال “كليبر” على تأسيس محفل ماسوني سموه محفل “ايزيس”، وهي آلهة المصريين القدماء ولعله قصد بهذا الاسم الإشارة إلى أن الماسونية من آثار المصريين”.
مضيفاً: “ثم نامت الماسونية وبقيت إلى 1830 حيث نهض بعض الإخوان الايطاليين وأسسوا في الإسكندرية محفلاً، وفي 1838 تأسس محفل آخر في مصر دعي “مينيس”، وفي 1845 تأسس محفل ثالث تابع للشرق الفرنساوي وسمي محفل “الأهرام”، وانضم إليه العديد من الأدباء والأكابر وكثرت المحافل في مصر بعد ذلك، فتأسس في 1849 محفل إيطالي، وفي 1856 أنشئت عدة محافل فرنسية وإيطالية ثم في “السويس، وبورت سعيد، والإسماعيلية” وغيرها، وأما المحافل الانكليزية فنشأت في القطر المصري سنة 1867 محفل “كوكب الشرق” و”الكونكورد” و”بلور”، وفي 1876 تشكلت الهيئة الماسونية المصرية الجديدة، وانتخب الأخ “زولا” رئيساً أعظم للمحفل الأكبر المصري، وأصبحت الماسونية المصرية معروفة من ذلك الوقت، ونقل مركز المحفل الأكبر في 1885 من الإسكندرية إلى مصر، حيث خلف زولا “ديونيس ايكونوموبولو” اليوناني الذي طبع الدستور الماسوني باللغة العربية، وظل على الرئاسة إلا أن قررت الماسونية المصرية انتخاب “محمد توفيق باشا”، خديوي مصر الأسبق ليكون رئيساً أعظم في 1887، وزادت المحافل في هذه المدة عن ما قبل، وفي 1890 زاد عدد المنضمين، وانتخب “إدريس راغب”، وفي 1891 أجيز إنشاء محفل ماسوني باسم اللطائف”.
المحافل في الدول العربية..
في كتاب “فضائل الماسونية” لشاهين مكاريوس، الذي صدر1900، ضم الكتاب حكايات ساعد فيها الأخوة الماسون بعضهم البعض، كما تحدث عن المحافل في الدول العربية قائلاً: “محفل لبنان تأسس في 1869 ورأسه أولاً رئيس فرنسي ثم “جورجي الخوري”، ثم تقلب على رئاسته عدة أفراد جميعهم من أعيان سورية، ودخل المحفل أمراء وبكوات ومشايخ وأعيان وتجار وعلماء من نخبة السوريين واللبنانيين، انضم إلى المحافل الماسونية الأميران “محمد باشا” و”محي الدين باشا” نجلا الأمير “عبد القادر الجزائري”، وظهرت المحافل الماسونية في سورية في مظهر المحبة أثناء الحوادث العرابية 1882، حيث قابل السوريين المصريين المهاجرين الذين جاؤوا سوريا بالترحيب ودعوهم إلى محافلهم ومنازلهم، “الشيخ محمد عبده”، و”إبراهيم القاني”، و”حسن الشمسي”، وجماعة “جمال الدين الأفغاني” يحضرون في محفل لبنان، وتفرع من محفل لبنان محفل حلب 1883 في حلب، ومحفل سورية في دمشق 1883، وسنة 1862 أسس محفل فلسطين ورأسه قنصل دولة انكلترا في بيروت وفلسطين، ودخله كبار رجال سورية وأعيانها، وأول محفل رمزي أسس في مدينة أورشليم القدس الشرقية كان في 1873، تحت حماية المحفل الأكبر في كندا التابعة للحكومة الانكليزية اسمه محفل سليمان الملوكي”.
كتاب “الماسونية في مصر” علي شلش..
كانت الكتب السابقة التي عرضناها تروج “للماسونية”، وكان الكتاب ينتمون لها، لذا فقد حرص الكاتبين “جرجي زيدان وشاهين مكاريوس” على الحديث بشكل عام، دون الولوج في أسرار تخص “الماسونية”، كما أنهم بينوا أن “الماسونية” جمعية ذات أهداف سامية، وحاولوا أن يعطوا لها جذوراً تاريخية وينسبوا لها أعمالاً بطولية، وبناء مباني تاريخية معروفة، لذا فقد لجأنا لكتاب الدكتور “علي شلش” والذي اتصف بالحيادية، فلم يوغل في الترويج ولا تطرف في الهجوم على “الماسونية” مثل كتب أخرى أصدرها كتاب بعضهم إسلاميون.
في كتاب “الماسونية في مصر” لعلي شلش يقول: “المشهور أن مصر عرفت المحافل الماسونية عقب غزو بونابرت سنة 1798، وكان جرجي زيدان أول من أرخ في العربية لتاريخ هذه المرحلة وعنه نقلت المصادر العربية التالية بعد صدور كتابه 1889″، مضيفاً أن “زيدان لم يكن محايداً في تأريخه، وأنه كان ماسونياً متحمساً وقت تأليفه لهذا التأريخ، وأنه لم يكتب بعد هذا الكتاب عن الماسونية في مجلته الهلال أو غيرها حتى وفاته 1914، سوى بضعه أسطر في كتابه تاريخ مصر الحديث”.
حول الغرض السياسي في دخول الماسونية مصر يقول شلش: “كان الغرض واضحاً سواء دخلتها على أيدي بونابرت وضباطه أو في عهد الخديوي إسماعيل، فالطابع الأوروبي يبدو في دخولها واضحاً، فباستثناء الأميرين حليم وعبد القادر الجزائري لم تحفظ لنا السجلات الأولى لأعضاء المحافل الماسونية سوى أسماء الأوروبيين”.
جمال الدين الأفغاني ماسونياً..
يستمر “شلش” في السرد المتصاعد لتاريخ الماسونية في مصر: “جمال الدين الأفغاني قام في مصر ما بين عام 1871 إلى 1879، وكان أقرب إلى الخديوي توفيق، وقد دخل الماسونية وأدخل معه معظم تلاميذه لأنه رأى فيها وسيلة للإصلاح والتغيير، مثلها مثل الصحافة والخطابة، وكشفت أوراق الأفغاني الخاصة، التي نشرتها جامعة طهران سنة 1963، أنه دخل المحفل الماسوني، في عام 1876، وتبين أوراق الأفغاني أنه اختير رئيساً لمحفل “كوكب الشرق” التابع للمحفل الأكبر الاسكتلندي 1977، وفي تلك الفترة الذي انهمك فيها الأفغاني في نشاطه الماسوني خطرت له فكرة اغتيال الخديوي إسماعيل، فقد روى محمد عبده للمستشرق الانكليزي “ويلفرد بلنت” أن الأفغاني اقترح فكرة اغتيال الخديوي، وأنه أي عبده وافق عليها بحرارة، وأن الأمر لم يتجاوز الحديث الخاص، ومحرري الصحف أيضاً تحمسوا للماسونية، صحيفتي “مصر” و”التجارة” اللتان يحررهما “أديب اسحق” كانت تغطي أخبار الأفغاني والماسونية، وطرد الأفغاني من مصر بسبب أن الماسونية كانت منقسمة إلى طائفتين مختلفتين، واحدة تدعم الأمير حليم الذي يريد اعتلاء الحكم بدلاً من الخديوي إسماعيل، والثانية تناصر نجل إسماعيل “توفيق”، وأشار الأفغاني بعد سنوات لتلميذه “محمد المخزومي” في الأستانة أن “أن شعارات الماسونية استدرجته فإذا به يجدها مفعمة بالأنانية وحب الرياسة والأعمال التي تقودها الأهواء”.
ازدهار الماسونية في ظل الاحتلال..
يؤكد شلش على ان “الاحتلال البريطاني لمصر كان من أهم عوامل استقرار الماسونية فيها، لأن كثير من قادة الاحتلال كانوا ماسونيين على الطريقة الاسكتلندية، وقد شغل إدريس راغب منصب الأستاذ الأعظم حتى 1922، وكان يمول المحافل الماسونية وزادت عددها في عهده، ثم الأمير محمد علي ابن الخديوي توفيق، ثم محمود فهمي قطري، ثم تولى محمد رفاعة منصب الأستاذ الأعظم فأحمد ماهر، شغل فواد سراج الدين 1950 منصب الأستاذ الأعظم بعد مصرع أحمد ماهر حتى قيام الثورة”.
وحول انضمام الشخصيات الهامة في مصر يقول: “في عشرينات القرن العشرين انضمت أسماء لامعة مثل ولي الدين يكن، وإبراهيم اليازجي، وخليل مطران، وحفني ناصف، وإسماعيل صبري، وأحمد فتحي زغلول، ومحمود رمزي نظيم، وأحمد زكي أبو شادي من الأدباء والشعراء والمثقفين، وسعد زغلول، وعدلي يكن، وعبد الخالق ثروت، وعلي شعراوي، ومحمد حافظ، ورمضان وفؤاد أباظة من السياسيين، وعمر سعيد حليم، وسعيد محمد علي حليم، وسعيد داود من الأمراء والنبلاء، والشيخ حسن مأمون من رجال الدين، واللواءان على شوقي، ومحمد فهمي الكمتيني من ضباط الجيش، وفي الثلاثينيات انضمت أسماء أخرى مثل يوسف وهبي الممثل، والسياسي أحمد ماهر، ومحمود رسمي ومختار زاهر من الجيش، وفي الأربعينيات تكاد الصحف والكتب الماسونية تختفي لكن يظل انضمام الشخصيات العامة مثل فؤاد سراج الدين، والشيخ محمد أبو زهرة، ولم يكن سعد زغلول عضواً عاملاً في الماسونية، وإنما كان منصبه نائب أستاذ أعظم شرفياً”.
احتضان اليهود والشوام..
حول احتضان الماسونية للأقليات يبين شلش: “احتوت الماسونية المهاجرين الشوام، وأبرزهم شاهين مكاريوس الذي ألف عشرة كتب للترويج للماسونية، وكان يصدر صحيفة اللطائف، وفارس نمر الذي أصدر صحيفة المقطم، ويعقوب صنوع الذي كان يصدر صحيفة المقتطف وله تاريخ في الفن المسرحي”.
وبالنسبة للأقلية اليهودية يقول الكاتب: “أن مرحلة استقرار الماسونية كانت ما بين 1882 : 1948، حيث كانت تمثل العصر الذهبي لليهود في تاريخ مصر الحديث، وقد أتاح لهم الاحتلال البريطاني الكثير من فرص النمو والازدهار، والدليل زيادة هجرة اليهود إلى مصر في ذلك الوقت، وقد وجد اليهود في الماسونية مظلة للحماية ونجحوا في 1922 في تحويل الماسونية إلى آداة لخدمة الصهيونية، وأحلام الوطن القومي في فلسطين، وأصدر اليهود ثلاث صحف متخصصة في الماسونية، وهي “المجلة الماسونية” في الإسكندرية أصدرها يوسف لفلوفه 1901، ومجلة “الإخاء” أصدرها في القاهرة رحمين فرجون 1906، ومجلة “الأخبار الماسونية” في القاهرة أصدرها موسى جرونشتين مع اسكندر فرج والبير بزيات 1921، وكانت الصحف الثلاثة قصيرة العمر، وفي 1928 كان هناك 52 محفل تحت لواء “المحفل الأكبر الوطني المصري” منها محفل “احيقام” الذي جعل العبرية لغته، و8 محافل أخرى تشغل الأسماء اليهودية مناصب الأساتذة العظام فيها، وفي 1928 أيضاً بلغت المحافل التابعة للمحفل الأكبر المصري 17 محفلاً خارج مصر، منها 10 محافل في فلسطين، سبعة منها تحت رئاسة اليهود، 5 في لبنان، محفل واحد في كل من دمشق والبصرة”.
الصهيونية..
حول ما يتردد عن صلة الماسونية بالصهيونية يبين شلش في حياد: “تتأكد الصلة الواضحة بين الشعائر والرموز اليهودية والماسونية في الكتب التي وضعها إدريس راغب، ولا سيما في كتابه الدرجة الأولى في 1907، و لقد تورط الماسونيون في السياسة، أولاً عند الاحتجاج على نفي سعد زغلول ومناشدة الملك فؤاد لإطلاق سراحه، وثانياً عند مناشدة أهل فلسطين إلتزام الهدوء والسكينة ومشاركة اليهود في بناء الوطن المشترك، حيث تلك المناشدة عبارة عن بيان صدر في نيسان/أبريل 1922 من قبل إدريس راغب بضغط وحيلة من المنظمة الصهيونية في مصر، وأثار ذلك هجوم كبير على الماسون في مصر، وتراجع إدريس راغب والموقعون معه على البيان عن موقفهم موضحين أنهم كانوا يهدفون إلى عدم حدوث شغب، أثناء مولد النبي موسى، وحدث أثر ذلك انقسام داخل الماسونيين، انتهى باستقرار رئاسة المحفل للأمير محمد علي، وظلت الماسونية في مصر تتدخل في قضية فلسطين، لاسيما في سنوات 1929، 1936، 1939 التي شهدت ثورات الجهاد الفلسطيني، وأبرز مظاهر تدخل الماسونية كان إذاعة المنشورات بغرض التوفيق بين العرب واليهود”.
انقراض الماسونية في الشرق..
عن أفول نجم “الماسونية” في الشرق يقول شلش: “كانت المرحلة الأخيرة من 1948 : 1964 مرحلة الانقراض، حيث أثرت ثلاث تغييرات عليها وهي (قيام دولة إسرائيل – ثورة 1952 – جلاء الانكليز في 1954)، حيث تعرضت الماسونية إلى ازدياد الدعاية المضادة، والانكماش التدريجي للمحافل، وإهمال الدولة، فقد أصدرت “حكمت أبو زيد” وزيرة الشؤون الاجتماعية قرار بحل الجمعيات والمحافل الماسونية في 1964، وأثر ذلك القرار على البلاد العربية، مثل سوريا ولبنان وفلسطين، فقد قررت سوريا إغلاق المحافل الماسونية 1965 وألغت لبنان مؤتمراً ماسونياً عالمياً، وأصدر الماسونيون في الأردن بياناً اعترفوا فيه (باستغلال الصهيوينة للماسونية العالمية استغلالاً مجرماً في أبشع صورة عرفتها الإنسانية)، وكان العراق قد سبق الجميع فأغلق المحافل الماسونية والتي بلغت عشرة محافل على إثر ثورة 14 تموز/يوليو 1958″.
ويبين “علي شلش” أن الماسونية كانت منتشرة في مصر حتى “أن فرقة عزيز عيد في 1907 قدمت مسرحية مترجمة عن الفرنسية باسم “الماسون” على خشبة دار التمثيل العربي ثم على خشبة تياترو الشيخ سلامة حجازي، مما يعني أنها كان لها جمهور، وفي 1928 أعادت فرقة يوسف وهبي تقديم المسرحية على مسرح رمسيس”.