24 يوليو، 2024 7:13 م
Search
Close this search box.

قصص حب (1): عزيز عيد وفاطمة رشدي، حب تلميذة لأستاذها

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص: إعداد- سماح عادل

كانت قصة الحب ما بين الكاتب المسرحي والرائد الشهير “عزيز عيد” وبين الفنانة الشهيرة “فاطمة رشدي” قصة حب مثيرة للجدل، ليس بسبب الفارق الكبير في السن والخبرة والشهرة وإنما أيضا بسبب اختلاف الديانة ما بين الاثنين.

كتبت “فاطمة رشدي” إهداء إليه في بداية مذكراتها التي نشرتها بدار المعارف: “إلى الذي جعل منى شيئا عظيما، وكنت لا شيء، ورفعني إلى القمة، إلى الذي جعل العالم يتحدث عنى كما يتحدث عن الأساطير، وجعل الخلق ألسنة حق، مشيدة بي، ومعجبة بفني رافعة من شأني.إلى أستاذي عزيز عيد”..

أحب “عزيز عيد” فاطمة رشدي” رغم فارق السن الكبير، واعترف بحبه لها وولعه بجمالها وأحضر لها مدرسين لتعليمها اللغة العربية والقرآن الكريم، فقد أراد أن تصبح في مستوى ثقافي أعلي وتتطور وتصبح تلميذة له، وكان يعلمها ساعتين يوميا فن الإلقاء والتمثيل، ولم يكن يفوت فرصة حضور فرقة أجنبية لمصر حتى يحضرا عرضها هو و”فاطمة رشدي”، وقام بجمع الروايات التي تحكي تاريخ الإسلام والعرب التي ألفها جورجي زيدان “صاحب دار الهلال.”

رفض الوالدة..

كانت والدة “فاطمة رشدي” ترفض ذلك الحب معتقدة أن “عزيز عيد” استخدم السحر لإغواء ابنتها، لكن “فاطمة رشدي” أصرت علي هذا الحب الذي كانت غارقة فيه، وتم الزواج بينهما وكونا معا فرقة مسرحية قدما من خلالها أشهر الأعمال المسرحية، لكن حدثت مشاكل كثيرة بينهما بسبب اشتعال الغيرة في قلب “عزيز عيد” المحب، وأدت تلك الغيرة الشديدة إلي الانفصال، وتطلقا بعد إنجابهما ابنتهما الوحيدة عزيزة وبعدما أشهر إسلامه.

هجر..

تحكي “فاطمة رشدي”، في مذكراتها عن الفترة التي تتلمذت فيها على يد “عزيز عيد”: “علمني عزيز عيد القراءة والكتابة، وألحقني بفرقة “رمسيس” أمثل أمام صاحبها يوسف وهبي أدوارا صغيرة ثانوية في البداية، ثم صعدت السلم درجة درجة حتى وصلت إلى مصاف الممثلات البطلات، عزيز عيد عبقري كممثل ومخرج لا نظير له ومعلم تخرج على يديه جميع أساطين المسرح بلا استثناء، بعدما تمكن من نقل الإخراج المسرحي من البدائية إلى الحرفية ومن الفوضى والارتجال إلى النظام والالتزام بقواعد الفن الصحيح. وأنه يرجع إليه الفضل في إيجاد ألوان جديدة بالمسرح المصري العربي، فهو أول من ترجم وأخرج ومثل مسرحيات “الفودفيل” الكوميديا المرتجلة، والتي قام بتمصيرها الريحاني وهو أحد تلاميذه ولقيت رواجا وإقبالا”.

وتواصل: “لم ألبث أن أثرت غيرة وحقد ممثلات ونجمات فرقة رمسيس، وبدأن الدس والوقيعة، ووقف عزيز عيد، إلى جانبي وتزوجني أولا رغم فرق السن الكبير بيننا، ثم استقلنا سويا من فرقة “رمسيس”، وكان عزيز قد أصبح زوجي ووالد ابنتي الوحيدة “عزيزة” وقضينا أياما تعيسة شقية حتى ساق القدر إلى مليونير يهودي من بلاد المغرب العربي يدعى إيلي الدرعي، وكان معجبا بفني أشد الإعجاب.

تطورت علاقتي مع إيلي الدرعي، إلى حب كبير ووضع أمواله تحت تصرفي، فألفت مع عزيز فرقة باسمي، وحققت حلمي الكبير، ثم انفصلت عن عزيز وعشت مع الدرعي، وسافرت بفرقتي إلى بيروت وبغداد ودمشق، وانتهت الرحلة إلى خسارة فادحة، وعندما عدت إلى القاهرة قررت حل الفرقة، لكن الدرعي أبى وأصر على بقائها، ودعاني للسفر معه في رحلة إلى أوروبا لإراحة أعصابي، ثم أعود لمواصلة العمل بفرقتي”.

مسارح أوروبا..

سافرت “فاطمة رشدي” مع صديقها المليونير إلى أوروبا، وكانت المرة الأولى التي تطأ فيها قدمها هذه القارة، ورغم أنه أبلغها وهما في الطريق أنه سيشتري لها كل ما تشتهيه من فراء وفساتين ومجوهرات، لكنها لم تبال بذلك وطلبت منه شيئا آخر وهو أن تزور مسارح أوروبا الشهيرة وأن تتعرف إلى فناناتها وفنانيها الكبار، لكي تستفيد في مشروعاتها المسرحية المقبلة، مؤكدة بأن المرأة تنجح بالتشبث والإصرار لا بالمال، إنها كالإعلان تنال ما تريد بالتكرار، فما كان من الدرعي، إلا أن أكد لها بأنه لا هم له في الدنيا إلا إسعادها ومستعد أن ينفق كل ثروته من أجلها.

سكنت فاطمة والدرعي بفندق كبير في باريس، طوال رحلتهما في أوروبا كان الدرعي، يشترى لها كل ما يمكن لامرأة أن تحلم به، حتى أنها قالت بأنها عندما ذهبت لقضاء إحدى السهرات في مسرح “الليدو” كانت ترتدي الفستان الذي اشتراه لها من نابولي، وعلى كتفيها الفراء الذي اشتراه لها من روما، وعلى صدرها وفي أذنيها وأصابعها الحلي الماسية التي اشتراها لها من جنيف، ورغم سعادتها بكل ذلك، لكنها كانت تبحث عن سعادة أخرى وجدتها في زياراتها للمعارض والمتاحف نهارا، والمسارح والكازينوهات ليلا، وتتابع: “كنت أشاهد المسارح وأدرس ما بها واقتبس وأدخر في رأسي، بناء المسارح حسب اللون الذي تقدمه، مسرح صغير للدراما ومسرح كبير للاستعراض، ليكون كل منهما معدا بما يتناسب وجو الاستمتاع بما يعرض، والديكورات الضخمة الفخمة، والمسرحيات التي يمتد عرضها إلى ثلاث سنوات، ولا بد أن تحجز مكانك لمشاهدتها لشهر وشهرين مقدما، كما تعرفت بعدد كبير من الفنانين والفنانات وكانوا يبدون دهشتهم لكوني ممثلة مصرية، وفكرتهم عن مصر الفكرة الظالمة لدعاة الاستعمار، انها “صحراء جرداء تسير الجمال في شوارعها وتسبح في أعماقها التماسيح” .

عزيز عيد..

وُلد في مارس 1884 بمحافظة كفر الشيخ، لعائلة من أصول لبنانية هاجرت أسرته إلى مصر، واشتغل والده بالزراعة والتجارة. درس في المدارس الفرنسية حتى أجاد اللغة واستكمل دراسته الثانوية العامة بعد ذلك أرسله والده إلى لبنان حيث أكمل دراسته الجامعية هناك. درس المسرح نظريًا من خلال قراءة أمهات الكتب المسرحية باللغة الفرنسية، وفي أواخر القرن الـ 19 وبداية القرن الـ 20 أخذ يشارك في التمثيل ببعض المسرحيات التي كانت تقدمها كبرى الفرق الفرنسية على دار الأوبرا الملكية، وهناك تقرب من كبار الممثلين الفرنسيين، وتعرف منهم على أسرار وخبايا المسرح.

بدأ مسيرته الفنية عام 1905. اشترك مع “يوسف وهبي” في افتتاح مسرح رمسيس. و توالت مشاركاته المسرحية حتى لقب بـ رائد المسرح، وأنشأ فرقة مسرحية وعمل بالإخراج والتأليف المسرحي والممثل، وكون مع فاطمة رشدي ثنائيًا فنيًا أفرز الكثير من المسرحيات التي تعتبر كلاسيكيات المسرح المصري القديم.  من أهم أعماله: الرئيسة، خلّي بالك من روميلي، يا ست ما تمشيش كده عريانة، الزواج، نوادر عبد الهادي أفندي. توفي عام 1942 عن عمر يناهز الـ 59.

سافر “عزيز عيد” ودرس وأبدع أغلب سنوات حياته ناسيا أن يكون أسرة أو يدخر مالا لشيخوخته بل أنفق كل ما اكتسبه من الفن على تجويد العروض المسرحية وصنع ديكورات طبيعية وملابس فخمة وتخصيص حفلات مجانية للطلاب ولم يبخل يوما على عرض يحمل اسمه وبصمته، حتى أنه كان لا يجد أحيانا ثمن الطعام فيلجأ إلى بيت العائلة ليجد الطعام والراحة ثم يواصل رحلته من أجل فن المسرح..

قالت عنه أيضا “فاطمة رشدي”: ” عزيز عيد كان الأستاذ الذي أوجد الفن في البلد.. وكان لابد من تقديره لكنه لم يقدر كما يستحق. هو الذى عمل الدراما والأوبريت وأشياء أخري هامة، كان لابد من تخليد ذكراه، وعمل تماثيل له..

“فاطمة رشدي”..

واحدة من رائدات السينما والمسرح، وواحدة من أربع فنانات رائدات سبقن نجمات العالم وقمن بمحاولات في حقل الإخراج السينمائي في العشرينات وبداية الثلاثينات، وهؤلاء الأربعة هن (عزيزة أمير) التي أخرجت فيلم (كفري عن خطيئتك)، و(بهيجة حافظ) التي أعادت إخراج (الضحايا)، و(أمينة محمد) التي أخرجت فيلم (تيتا وونج)، و(فاطمة رشدي) التي أخرجت فيلم (الزواج)، ولم يقتصر إخراج (فاطمة) على الإخراج السينمائي فقد أخرجت للمسرح مسرحيتي (أنا كارنينا) و(البعث) لتولستوي، تحت إشراف أستاذها (عزيز عيد).

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب