قصة الحضارة (211): إلهة الجمال والحب “أفرديتي” موطنها الأول الشرق الأدنى

قصة الحضارة (211): إلهة الجمال والحب “أفرديتي” موطنها الأول الشرق الأدنى

خاص: قراءة- سماح عادل

يكمل الكتاب الحكي عن إلهة العفة والبكورة والأمومة، إلهة للجمال والحب “أفرديتي” التي كانت في مواطنها الأولى بالشرق الأدنى. وذلك في الحلقة الحادية عشر بعد المائتين من قراءة “قصة الحضارة” الكتاب الموسوعي الضخم وهو من تأليف المؤرخ الأمريكي “ويل ديورانت” وزوجته “أريل ديورانت”، ويتكون من أحد عشر جزء.

إلهة العفة..

ينتقل الكتاب إلي الحكي عن آلهة الحب والجمال: “ومن الخصائص التي امتازت بها بلاد اليونان أن كان لها فضلا عن إلهه العفة والبكورة والأمومة، إلهة للجمال والحب، وما من شك في أن “أفرديتي” كانت في مواطنها الأولى بالشرق الأدنى، وفي قبرص موطنها نصف الشرقي، كانت في هذه المواطن أول الأمر إلهة أما؛ ولقد ظلت طوال عهدها ذات صلة وثيقة بالتوالد والإخصاب في الممالك النباتية والحيوانية والبشرية بأجمعها. فلما أن تقدمت الحضارة وازداد الأمن ولم تعد للناس حاجة بكثرة المواليد، تركت حاسة الجمال حرة طليقة تجد في النساء قيما غير قيم التناسل الكثير، ومن ثم لا تقتصر أفرديتي على أن تكون المثل الأعلى للجمال بل تصبح إلهة اللذائذ الجنسية بجميع أنواعها.

وعبدها اليونان في صور مختلفة، فهي في صورة أفرديتي أورينا السماوية ربة الحب العذري أو المقدس، وفي صورة أفرديتي بندموس الشعبية إلهة الحب الدنس بكافة أنواعه، وفي صورة أفرديتي كليبيجوس فينوس ذات الردفين الجميلين. وقد أقامت المومسات في أثينة وكورنثة هياكل لها، واتخذنها راعية لهن ونصيرة. وكانت بعض المدن في بلاد اليونان تحتفل بالأفرديسيا عيدها العظيم في أول شهر إبريل، وفيه كانت تطلق حرية الاختلاط الجنسي لكل من شاء.

وكانت هي إلهة الحب لأهل الجنوب ذوي الشهوات الجنسية والعواطف الثائرة، وهي المنافسة القديمة لأرتميس إلهة الحب عند أهل الشمال الباردين الصيادين، وقد جعلتها الأساطير التي لا تكاد تقل سخريتها عن سخرية التاريخ زوجة هفستوس المعقد، ولكنها تروح عن نفسها بالاتصال بأريس، وهرمس، وبوسيدن، وديونيسس وبكثيرين من الآدميين مثل أنكيسيز وأدنيس . وقد أهدى إليها باريس في مباراة بينها وبين هيرا التفاحة الذهبية جائزة الجمال، ولكن لعلها لم تكن جميلة بحق إلا بعد أن أعاد بركستليز تصويرها، وخلع عليها ذلك الجمال الذي جعل بلاد اليونان تغفر لها جميع خطاياها”.

هيرا..

ويواصل الكتاب عن الإلهة هيرا: “ومن واجبنا أن نضيف إلى كبار الآلهة الأولمبية من أبناء زيوس الشرعيين منهم وغير الشرعيين أخته هيرا إلهة البيت، وأخاه بوسيدن المشاكس. وكان هذا الإله يماثل عند اليونان نبتون عند الرومان يرى وهو آمن على نفسه في مملكته المائية أنه ند زيوس وقرينه؛ وحتى الأمم التي تعيش في داخل القارة بعيدة عن البحر كانت تعبده لأنه لم يكن الحاكم المسيطر على البحر فحسب، بل كان المسيطر أيضا على الأنهار والعيون، وكان هو الذي يهدي المجاري العجيبة التي تسير تحت الأرض إلى طرقها، والذي يحدث الزلازل بأمواج المد. وكان الملاحون اليونان يقيمون له الصلوات ويشيدون الهياكل على ألسنة الأرض الخطرة الممتدة في البحر ليتقوا بها غضبه.

ويشيدون هناك آلهة أقل من هذه شأنا حتى على جبل أولمبس، لأنه تجسيد المعاني المجردة لم يكن يقف عند حد. فمن هذه هستيا وهي فستا عند الرومان إلهة الموقد وناره المقدسة، ومنها إيريس قوس قزح ورسول زيوس في بعض الأحيان، ومنها هيبي إلهة الشباب؛ وإيليثيا التي تعين النساء على الوضع، ومنها ديكي أو العدالة، ومنها تيكي الفرصة؛ وإيروس الحب الذي جعله هزيود خالق العالم والذي سمته سافو “مذيب الأضلاع، الحلو- المر الوحش الضاري العنيد”.

وكان هيمنيوس، نشيد الزواج؛ وهبنوس النوم؛ وأنيروس الأحلام؛ وجيراس الشيخوخة؛ وليثي النسيان؛ وثناتوس الموت وغيرها مما يخطئه الحصر. وكانت لهم تسع إلهات للفن تلهم الفنانين والشعراء: كليو للتاريخ، ويوتربي للشعر الغنائي الذي يوقع على المزمار؛ وثاليا للمسرحيات الهزلية وشعر الرعاة، وملبوميني للمآسي؛ وتربنسكوري للرقص المصحوب بالغناء وللغناء نفسه، وإراتو للشعر الغزلي والهزلي؛ وبولمنيا للترانيم؛ وأورانيا للفلك، وكليوبي للملاحم الشعرية.

إلهات للرحمة..

ويضيف الكتاب عن معبودات الرحمة: “وكانت لهم ثلاث إلهات للرحمة لها اثنا عشر تابعا هي الساعات. وكان من هذه الآلهة الصغار نمسيس الذي يوزع الخير والشر على الناس، ويرسل الدمار إلى كل من يرتكب جريمة الهبريس الزهو في أيام الرخاء. وكان منها الإرينيات إلهات الغضب الرهيبة التي لا تترك ظلماً إلا انتقمت له. وكان اليونان يطلقون عليها اسم اليومنيدات أي مريدات الخير تجملا منهم لها ودرءا لشرها.

وآخر ما نذكر من آلهتهم المويراي أي ربات الأقدار والحظوظ اللاتي كن ينظمن شؤون الحياة تنظيما لا مرد لحكمهن فيه، ويتصرفن على حد قول البعض في حظوظ الآلهة والآدميين على السواء. وعند هذا الحد من التفكير يقف الدين اليوناني ثم ينتقل بعده إلى العلم الطبيعي وإلى القانون”.

ديونيسس..

وعن إله الشراب: “ولقد أبقينا إلى آخر هذا السجل أكثر الآلهة اليونانية إثارة للتعب، وأحبها إلى الشعب، وهو إله يصعب علينا كل الصعوبة أن نحدد مكانه بين هاته الآلهة. ذلك هو ديونيسس الذي لم يقبل بين آلهة أولمبس إلا في أخريات أيامه. ذلك أنه كان في أول الأمر من آلهة تراقية، قبل أن تهبه تلك البلاد اليونان. وكان في موطنه الأصلي إله الشراب المعصور من الشعير، وكان اسمه سبزيوس، فلما جاء بلاد اليونان أصبح إله الخمر، ومغذي الكروم وحارسها.

وكان في بادئ الأمر إلها للخصب، ثم أصبح إله السكر، وانتهى أمره بأن صار ابن الله الذي مات لينجي البشر. واختلطت عدة صور وأقاصيص بعضها ببعض لتكون منها أسطورته، فكان اليونان يتخيلونه في صورة زجريوس أي “الطفل المقرن”، الذي ولد لزيوس من أخته برسفوني. وكان أحب أبناء زيوس إليه، ويجلس إلى جواره على عرشهِ في السماء. ولما حسدته هيرا على منزلتهِ وأغرت الجبابرة بقتلهِ، بدله زيوس بماعز ثم بثور ليخفيه عن الأنظار.

ولكن الجبابرة قبضوا عليه وهو في هذه الصورة الثانية، وقطعوا جسمه إرباً، سلقوها في قدر. وفعلت به أثينا فعل ترلوني، فأنقذت قلبه وحملته إلى زيوس؛ وأعطاه زيوس إلى سميلي فحملت به وولدت الإله مرة أخرى وسمي بعد مولده ديونيسس.

وكان الحزن على موت ديونيسس والاحتفال والسرور ببعثهِ أساس طقوس دينية واسعة الانتشار بين اليونان. فقد كانت النساء اليونانيات يصعدن التلال في فصل الربيع حين تزهر الكروم ليقابلن الإله حين يولد من جديد. وكن يقضين يومين كاملين يحتسين فيهما الخمر بلا حساب وكن يرين كما يرى السكيرون غير المتدينين في هذه الأيام أن قليلة العقل من لا تفقد عقلها من الشراب، وكن يسرن في موكب عجاج تقودهن ميندات أو نساء ذاهلات العقل مشغوفات بديونيسس؛ وكن يرهفن آذانهن لسماع قصته التي يعرفنها حق المعرفة، وما لقيه إلههن من عذاب وموت وبعث؛ وكن في أثناء احتسائهن الخمر ورقصهن يهتجن اهتياجا يتحللن فيه من جميع القيود.

وكان محور هذا الاحتفال وأهم ما فيه أن يمسك النساء بماعز أو ثور أو رجل في بعض الأحيان يرين أن الإله قد تقمصه ويمزقنه إربا وهو على قيد الحياة، إحياء لذكرى تمزيق ديونيسس؛ ثم يشربن دمه، ويأكلن لحمه يتخذنه عشاء ربانيا مقدسا، معتقدات أن الإله سيدخل بهذه الطريقة إلى أجسامهن ويستحوذ على أرواحهن. وكن في هذه الحماسة القدسية يؤمن بأنهن سيصبحن هن والإله شيئا واحدا، وأنهن سيظفرن بالامتزاج معه امتزاجا صوفيا.

ولهذا كن يتسمن باسمه فيطلقن على أنفسهن اسم البكوي ويعتقدن أنهن لن يمتن بعدئذ أبداً، أو كن يسمين الحالة التي هن فيها الإكستسيز النشوة أي خروجهن من أرواحهن ليلاقين ديونيسس ويتحدثن معه. وبهذا كن يشعرن بأنهن قد تحررن من أجسامهن؛ وحصلن على قوة اختراق حجب الغيب فأصبحن قادرات على التنبؤ، وصرن في واقع الأمر إلهات. تلك هي الطقوس الانفعالية التي انتقلت من تراقية إلى بلاد اليونان كأنها وباء ديني شبيه بأوبئة العصور الوسطى، ينتزع إقليما في أثر إقليم من آلهة أولمبس الباردة الواضحة معبودات الدولة الرسمية ليحل محلها دينا وطقوسا تشبع الاهتياج والتحرر من القيود، والحنين إلى التحمس والاستحواذ والتصوف والغموض”.

طقوس دينية..

وعن محاولة التخلص من الطقوس الدينية: “وقد حاولت دلفي أن تبعد عنها هذه الطقوس الدينية، وحاول ذلك حكام أثينة أيضا، ولكن دلفي عجزت عن إبعادها عجز حكام أثينة. وكل ما كان في مقدورها ومقدورهم هو إدخال ديونيسس في زمرة أرباب أولمبس، وصبغه بالصبغة اليونانية والإنسانية، والاحتفال بعيده احتفالا رسميا، وتبديل مرح عباده من نشوة الخمر الجنونية بين التلال إلى المواكب الفخمة والأغاني القوية والمسرحية ذات الروعة والجلال التي تمثل في عيد يونيزيا العظيم. وقد ضموا ديونيسس وقتا ما إلى أبلو، ولكن أبلو استسلم آخر الأمر لوارث ديونيسس وغالبه ألا وهو المسيح”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة