24 يوليو، 2024 4:32 ص
Search
Close this search box.

قصة الحضارة (133): “هيديوشي” حاكم من قلب الشعب جعل اليابان قوية

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص: قراءة- سماح عادل

انتقل الكتاب إلي الحكي عن حاكم صعد من قلب الشعب في حضارة اليابان، وهو “هيديوشي”. هذا الحاكم الذي لقبوه بالعظيم، والذي قويت في عهد اليابان، واشوك علي عمل إمبراطورية كبيرة تضم الصين وكوريا. وذلك في الحلقة الثالثة والثلاثين بعد المائة من قراءة “قصة الحضارة” الكتاب الموسوعي الضخم وهو من تأليف المؤرخ الأمريكي “ويل ديورانت” وزوجته “أريل ديورانت”، ويتكون من أحد عشر جزء.

ظهور هيديوشي..

انتقل الكتاب الي الحكي عن حاكم هام في تاريخ الحضارة اليابانية: “كانت الملكة اليصابات و”أكبر” في الهند معاصرين لـ “هيديوشي” العظيم هكذا قد يحلو لليابانيين أن يذكروا هذه الحقيقة على سبيل التنويه بفضل عظيمهم، كان “هيديوشي” ابن فلاح، يعرفه أصدقاؤه، وتعرفه رعيته حين أصبح فيما بعد حاكماً، باسم “سارو من كانجا” ومعناها “وجه القردة” لأنه لم يكن ينافسه في دمامة الوجه أحد حتى ولا كونفوشيوس.

وكان والداه قد عجزا عن إخضاعه للنظام فبعثا به إلى مدرسة في دير؛ لكن “هيديوشي” سخر من كهنة البوذية سخرية شديدة، وأثار في الدير ضجة وثورة، بحيث انتهى أمره إلى الطرد من مدرسته، فألحق صبياً في كثير من الحرف، وطرد من عمله سبعاً وثلاثين مرة وجعل من نفسه قاطعاً للطريق، لكنه عاد فرأى أنه يستطيع أن يسلب وهو مع القانون أكثر مما يسلبه وهو خارج على القانون؛ ثم التحق بخدمة “الساموراي” (أي حملة السيف) وأنقذ حياة مولاه، وسمح له بعدئذ أن يحمل سيفاً؛ وانضم إلى أتباع “نوبوناجا” وعاونه بتفكيره وببسالته، حتى إذا ما مات “نوبوناجا” تولى هو قيادة الثائرين الخوارج على القانون، الذين شنوا حملتهم ليغزوا أرض وطنهم.

فما انقضت ثلاثة أعوام حتى كان “هيديوشي” قد أصبح حاكماً على نصف الإمبراطورية وظفر بإعجاب الإمبراطور العاجز، وأحس في نفسه من القوة ما يتيح له أن يهضم في جوفه كوريا والصين؛ وفي ذلك قال متواضعاً يخاطب “ابن السماء”: “لقد اعتزمت أن أطوي الصين كلها تحت سلطاني، بمعونة الجنود الكوريين وبتأييد من نفوذك الساطع؛ فإذا ما تم لي ذلك، ستصبح الأقطار الثلاثة (الصين وكوريا واليابان) قطراً واحداً؛ وسيتم لي ذلك في يسر كأنما أطوي حصيرة لأحملها تحت ذراعي”.

قارب حربي..

وعن هزيمة هيديوشي يواصل الكتاب: “لكنه حاول جهده بغير جدوى، لأن رجلاً شيطانياً من الكوريين اخترع قارباً حربياً من المعدن، ولولا سبقه في الزمن لقلنا إنه سرق منا الـ “مونتِور” والـ “مِرِماك”، وبهذا القارب راح يحطم سفن “هيديوشي” المثقلة بجنوده؛ سفينة بعد سفينة، وكان “هيديوشي” قد أنفذها بجنده إلى كوريا (1592)، لقد أغرقت في يوم واحد اثنان وسبعون مركباً، وانقلب البحر بحراً من دماء، ورست أربع وثمانون سفينة أخرى على الشاطئ حيث فر منها اليابانيون وخلفوها وراءهم، فأحرقها الظافرون حتى لم يذروا منها شيئاً؛ وبعد أن تبادل الفريقان نصراً وهزيمة دون أن يكون فيها ما يفصل بالنصر، أرجأ الفاتحون فتح كوريا والصين حتى القرن العشرين؛ وقال ملك كوريا عن “هيديوشي” إنه حاول “أن يعبر المحيط في صَدفَة من أصداف المحار”.

وإلى أن يحين ذلك الحين، استقر “هيديوشي” ليستمتع بهذه “الوصاية” التي أسسها لنفسه، وليدير فيها عجلة الحكم، وجمع لمتعته ثلاثمائة غانية، لكنه وهب مبلغاً كبيراً من المال لزوجته الريفية التي كان قد طلَّقها منذ زمن طويل وبحث عن أحد سادته القدماء؛ وأعاد له المال الذي كان قد سرقه منه أيام أن كان يعمل معه صبياً، وأضاف إلى المال قيمة الربح طوال هذه المدة؛ ولم يجرؤ أن يطلب من الإمبراطور أن يوافق له على تلقيب نفسه بلقب “شوجن” (أي حاكم عسكري) لكن معاصريه عوضوه عن ذلك بلقب آخر أطلقوه عليه، وهو “تايكو” أي “الحاكم العظيم”، وهي كلمة غامرت في رحلة من تلك الرحلات “الأوذيسِّيَّة” التي تتعقب آثارها في علم اللغات، حتى دخلت في ختام رحلتها إلى لغتنا نحن وأصبحت كلمة من كلماتنا، وهي كلمة Tycoon”.

حاكم ماكر..

ويستمر الكتاب في وصف هذا الحاكم الشهير: “ووصف مبشر ديني “هيديوشي”، فقال: “إنه ماكر ماهر إلى درجة تجاوز كل معقول، فقد نزع عن الشعب سلاحه بحيلة لطيفة، وهي أنه أمر الناس أن يجمعوا كل ما عندهم من أسلحة معدنية ليصنع من مادتها تمثالاً ضخماً- وهو تمثال “دايبوتسو” أي “بوذا العظيم” الذي يقوم في كيوتو- والظاهر أنه لم يكن يعتنق عقيدة دينية، لكنه لم يكن أسمى من أن يستغل الدين من أجل غاياته في طموحه أو سياسته”.

ودخلت المسيحية اليابان سنة 1549 متمثلة في شخص رجل هو في طليعة طائفة الجزويت ومن خيرتهم، وأعنى به “القديس فرانسس اكسافير” ولم يكد يكون جمعية صغيرة حتى أخذت تزداد ازدياداً سريعاً، بحيث لم يمض جيل واحد بعد قدومه إلا وقد بلغ عدد أعضاء الجزويت سبعين، وعدد من تحولوا إلى المسيحية في الإمبراطورية اليابانية مائة وخمسين ألفاً؛ وكانوا من الكثرة في ناجازاكي بحيث جعلوا ذلك الميناء التجاري مدينة مسيحية، وحملوا حاكمها المحلي “أومورا” على اتخاذ التدابير المباشرة في نشر العقيدة الجديدة؛ يقول “لافكاديوهيرن”: “إن البوذية في إقليم ناجازاكي قد طمست طمساً تاماً فكهنتها أصابهم الاضطهاد والتشريد”؛ ففزع “هيديوشي” لهذا الفتح الروحاني للبلاد، وارتاب في أن تكون وراءه أهداف سياسية، فأرسل رسولاً إلى نائب الجزويت في اليابان، مزوداً بخمسة أسئلة عاجلة:

1- لماذا وبأي حق أرغم هو (نائب رئيس الجزويت) وأعضاء طائفته الدينية رعية “هيديوشي” على اعتناق المسيحية؟

2- لماذا حرضوا أتباعهم وأشياعهم على هدم المعابد؟

3- لماذا اضطهدوا كهنة البوذية؟

4- لماذا أكلوا هم وبعض البرتقاليين حيوانات نافعة للإنسان مثل العجول والأبقار؟

5- لماذا سمح لتجار من بني جلدته أن يشتروا أفراداً من اليابانيين يتخذونهم عبيداً في جزر الهند الشرقية ؟

ولما لم يقنع “هيديوشي” بالإجابات، أصدر سنة 1587 الأمر الآتي:

بما أننا قد علمنا من مستشارينا الأمناء أن طائفة دينية أجنبية قد جاءت إلى مملكتنا، حيث جعلت تبشر بقانون يتنافى وقانون اليابان، بل ذهبت بها الجرأة إلى تحطيم المعابد التي شيدت باسم (آلهتنا القومية) “كامى” و”هوتوكي” وعلى الرغم من أن هذه الفتنه تستحق أقسى ألوان العقاب، فإننا مع ذلك راغبون في مقابلة أعضائها بالرحمة، لذلك نأمرهم بمغادرة اليابان خلال عشرين يوماً، وعلى من يعصى تقع عقوبة الموت؛ ولن يصيب أحداً منهم أثناء هذه المهلة ضرر أو أذى، أما إذا بلغ ذلك الأمر ختامه فإننا نأمر بأن يقبض على من يوجد منهم في بلادنا وأن يعاقب على أنه من أخطر المجرمين”.

تشجيع الفن..

وعن تشجيع هذا الحاكم للفن يضيف الكتاب: “وفي وسط هذه المفازع كلها وجد القرصان الأكبر من وقته فراغاً ينفقه في تشجيع رجال الفن، وأن يُسْهم في مسرحيات “لا”؛ وفي تأييد “ركْيو” في جعل الاحتفال بالشاي حافزاً على تشجيع صناعة الخزف الياباني، وحلِيْة هامة تزدان بها الحياة في اليابان؛ ومات سنة 1598 بعد أن استوعد “أيِياسو” وعداً ببناء عاصمة جديدة في “ييدو”، (وهي الآن طوكيو)، وفي الاعتراف بابن هيديوشي- وهو هيديوري- وارثاً له على وصاية العرش في اليابان.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب