21 ديسمبر، 2024 5:03 م

صبيحة الشيخ داود.. أول قاضية وصاحبة كتاب “أول الطريق إلى النهضة النسوية”

صبيحة الشيخ داود.. أول قاضية وصاحبة كتاب “أول الطريق إلى النهضة النسوية”

 

خاص: إعداد- سماح عادل

“صبيحة أحمد داود” حقوقية ومحامية عراقية مشهورة، وأول فتاة عراقية أكملت دراستها الجامعية في كلية الحقوق. انتسبت إلى نقابة المحامين سنة 1956، وهي أيضاً أول قاضية لا في العراق فقط بل في الوطن العربي.

حياتها..

هي “صبيحة بنت الشيخ أحمد بن الشيخ داود الجرجيس”، كان والدها الشيخ “أحمد الداود” وزير الأوقاف في عهد المملكة العراقية. ولدت في بغداد 1912 و نشأت بها وتعلمت القرآن الكريم في صغرها، شاركت في عمر 9 سنوات في المهرجان الأدبي الكبير الذي أقيم في بغداد سنة 1921 بعنوان سوق عكاظ، فمثلت فيه دور الشاعرة العربية الخنساء وهي تركب ناقة عربية وكان ذلك بحضور الملك فيصل الأول وكذلك والدها وزير الأوقاف الشيخ أحمد الداود.

ثم أكملت الدراسة الابتدائية والمتوسطة، ثم دخلت دار المعلمات الابتدائية، وفي 1936 دخلت كلية الحقوق وتخرجت فيها سنة 1940، وهي أول فتاة عراقية أكملت دراسة الحقوق وكانت تسمى بلقب الحقوقية الأولى.

الجامعة..

تحدثت “صبيحة داوود” في كتابها “أول الطريق إلى النهضة النسوية في العراق” عن بداية تجربتها الجامعية وهي تدخل كلية الحقوق عام 1936 تقول: “عند قبولي في كلية الحقوق أخذتني والدتي في السيارة وأوصلتني إلى مدخل الكلية وأنا أرتدي العباءة وعلى وجهي البرقع الأسود، فلما بلغنا باب الكلية وجدنا الطلاب متجمهرين على جانب الطريق وتأملت والدتي الطلبة فلاحظنا على وجوه بعضهم دلائل الاستنكار وعلى وجوه البعض الآخر دلائل الرضا والقناعة، فدفعتني بيدها قائلة اذهبي وحافظي على هدوء أعصابك. انتزعت البرقع عن وجهي وبقيت أتمسك بالعباءة وأشد عليها بيدي بقوة على الرغم من أني كنت ارتدي ملابس محافظة جدا جعلت هيئتي أقرب إلى هيئة راهبة، أكمام طويلة وملابس سوداء وعباءة سوداء” ثم وجهت والدتي كلامها إلى الطلبة المتجمهرين قائلة: “اعتقد أنكم ستعاملون أختكم معاملة طيبة، فأنا أتركها أمانة لديكم واعتقد أنها ستكون عند حسن ظنكم ولن تتركوها إن شاء الله تندم على هذه التجربة”. وكان لهذه الكلمات أثر طيب لدى الطلبة ورد بعضهم بكلمات طيبة وحماسية “.

مارست مهنة المحاماة مدة قليلة ثم عينت مفتشاً في وزارة المعارف ثم عينت بمنصب قاضية في محاكم بغداد عام 1956. وفي عام 1958 عينت عضوا في محكمة الأحداث واستمرت في هذه الوظيفة حتى أحيلت على التقاعد.

الصحافة..

ثم بدأت بكتابة المقالات ونشرها بالصحف وصمدت أمام التيارات التي حاولت منعها من ممارسة حريتها. وانضم إلى صوت “صبيحة” أصوات مفكرين هزت أعمالهم مظلمة المرأة. فوقفوا إلى جانبها حرصا على أن يضموا أصواتهم إلى صوتها نذكر منهم “الرصافي والزهاوي والجواهري ورفائيل بطي وعبد المجيد لطفي. إضافة ل”جعفر الخليلي”. ومن الأشخاص الذين حظيت برعايتهم لها الأستاذ “منير القاضي” عميد الكلية وقتذاك فكان لتلك الرعاية أثرها الايجابي في حياة “صبيحة”. وشد أزرها لمواصلة المسيرة.

في تلك الفترة بدأت بالسفر إلى بلاد العرب داعية إلى اتحاد المرأة وتفعيل دورها ونشاطها في إنشاء المنظمات والجمعيات. وبعدها أقامت في بيتها مجلسين أحدهما يرتاده أطباء ومفكرون وعلماء في القانون واللغة. حتى أن أحد المؤرخين وصف مجلسها ذاك بأنه يضاهي مجلس شعراوي أو صالون مي زيادة.. أما المجلس الثاني فكان مكرسا للآداب والمثقفين ومن رواده “روفائيل بطي وجعفر الخليلي”.

أما عن حياتها الاجتماعية والخاصة فقد شاء القدر إن لا تتزوج فقد وهبت نفسها للنهضة النسوية العراقية التي أتت ثمارها ونتائجها في نشر الوعي الثقافي والاجتماعي بين النساء العراقيات في ذلك الوقت.

ثم اتجهت إلى كتابة البحوث والمقالات التي تخص حرية الفكر والأدب والقانون ونشرها في الصحف والإذاعة مع إلقاء المحاضرات في نفس هذا المجال في العديد من الكليات.. وفي آذار عام 1958 أصدرت كتابها الموسوم (أول الطريق) الذي تناول تطور المرأة العراقية منذ ثورة العشرين الخالدة آذ أشاد بكتابها هذا العديد من المفكرين والأدباء والمثقفين في ذلك الوقت نذكر منهم الأستاذ الكبير “منير القاضي” وزير المعارف السابق، ورئيس المجمع العلمي وقتها، الذي تناول في كتابها أول الطريق المقدمة التي أثنى فيها على الإعمال التي أنجزت من قبل طالبته الأستاذة صبيحة الشيخ داود.. فقد كتب في مقالته (وقد دفعني إلى كتابة هذه المقدمة قيام الصلة الوثيقة بيننا، صلة أستاذ مخلص مع تلميذة نجيبة وفية، فقد قضيت في تدريسها مع زملائها أربع سنوات في كلية الحقوق، وهي الفتاة الوحيدة بين نحو ألف طالب يحترمونها وتقدر أدبهم وحسن سيرهم معها على وجه المساواة.

دورها الريادي..

في مقالة بعنوان (صبيحة الشيخ داود ودورها الريادي) يقول “حيدر الحيدر”: ” في مقالة بعنوان (صبيحة الشيخ داود ودورها الريادي) يقول “حيدر الحيدر”: “كان لنشاتها الأولى ومكانة والدها تأثير في أن تكون أول محامية في العراق، إذ أن والدها الشيخ أحمد الداود كان وزيراً للأوقاف في وزارة عبد المحسن السعدون الثالثة من 14 / كانون الثاني 1928 لغاية 20 / كانون الثاني 1929.. وكان يحظى بدرجة عالية من التقدير في الأوساط السياسية الاجتماعية والثقافية والدينية وكان لذلك تأثير كبير في نشأة ابنته”.

ويواصل: “كان لنشاطات والدتها في (جمعية النهضة النسائية) في أوائل العشرينيات دور كبير في تشجيعها على فتح صالونها الأدبي، ففي عام 1923 أسست جماعة من الناشطات العراقيات أول جمعية نسائية باسم (نادي النهضة النسائية) كانت من بين المؤسسات:

ـ نعيمه العسكري/ أخت جعفر العسكري (وهي عقيلة نوري السعيد).

ـ فخريه السعيد/ اخت نوري السعيد (وهي عقيلة جعفر العسكري).

ـ عقيلة الشيخ أحمد الداود أي (والدة صبيحه الشيخ داود).

ـ السيدة أسماء الزهاوي شقيقة الشاعر جميل صدقي الزهاوي.

ـ بولينا حسون صاحبة مجلة (ليلى).

ـ وغيرهن من سيدات المجتمع آنذاك.. وكان للجمعية برنامج إصلاحي متكامل كان مثار إعجاب الرائدة النسائية المصرية (هدى شعراوي) وكان مقر هذه الجمعية ساحة الميدان.. وقد خطب نوري السعيد يوماً في مقرها قائلاً: “الشجاعة في أن الحياة لنا. لصانعي الفجر.. للمرأة الحياة””.

ويضيف: “النشاطات الإنسانية الأخرى التي مارستها صبيحة الداود، أدت دوراً ريادياً واجتماعياً في النهضة النسوية وشاركت في مختلف الجمعيات الخيرية مثل: (الهلال الأحمر/ الأم والطفل/ الاتحاد النسائي)، وساهمت في كثير من الأنشطة والمؤتمرات النسوية والإنسانية داخل وخارج العراق.. فكانت صوتا أمينا دلل على رفعة المرأة وتقدمها وصدق كفاحها من أجل المساواة.كما ساهمت في الكتابة لعدد من الصحف والمجلات النسوية.. إلا أن ما يشهد لها في التأليف كتابها الذي يحمل عنوان (أول الطريق) ظهرت فيه ككاتبة ومفكرة، وكان كتابها فاتحة عهد جديد للمرأة العراقية في حمل أعباء المسؤولية، تناولت مواضيع مهمة في مسيرة الحركة النسوية في العراق ومما كتبته:

* العراقية في الريف.

* الجمعيات النسوية.

* معركة العراقية مع الحجاب.

* مفكرون انتصروا للمرأة.

* نادي النهضة النسائية.

* التعليم النسوي.

* العراقية في ثورة 1920.

* الملك فيصل ينشئ مدرسة في بيته.

وغيرها من المقالات ذات العلاقة بالحركة النسوية”.

صراع بين تيارين..

وفي مقالة بعنوان (صبيحة الشيخ داود.. أول تلميذة تدخل مدرسة للإناث في العام ١٩٢٠) نشرت في صحيفة “صوت العراق” : “مع نشوب الحرب العالمية الأولى جاءت ولادتها. وكان المجتمع العراقي منذ مطلع القرن الحالي يموج بتيارات واتجاهات سياسية واجتماعية وفكرية مختلفة. والصراع بين (المجددين) و(المحافظين) على أشده. ولقد اتخذ هذا الصراع وجود متعددة منها قضية (السفور والحجاب) التي شغلت الناس ردحا من الزمن. والتي عاشها الناس وتابعوها على صفحات الجرائد والمجلات.ومع أن دعاة التغيير والتجديد لم يكونوا بالقوة التي كان عليها دعاة المحافظة. إلا أن تيار التغيير استطاع أن يكتسح أمامه كل الصعوبات والعراقيل لأن حركة التأريخ كانت مع الذين حرصوا على تبديل صورة مجتمعهم. إن صبيحة الشيخ داود تحدد نهوض المرأة الجديدة بعاملي الثورة العراقية 1920، وحركة التعليم. ولا يعني هذا أنها تتجاوز دور المرأة نفسها ومكانتها في الأسرة بكل ذلك، ولكن الذين”يشايعون هذه النهضة الباسقة لايدهشون لاقترانها بالثورة وارتفاع صيحتها في سبيل حرية الوطن وسيادته، ففي أيام الثورة سارت أول مظاهرة للمرأة، وفيها بدأت أول عملية اكتتاب لغرض وطني، وقدمت أول احتجاج وفي الثورة لم تبال المرأة  بكل تضحية””.

 

وتواصل المقالة:  “ثم تأتي قصة اقتحام المرأة لميدان التعليم النسوي، فتروي صبيحة الشيخ داود ذكرياتها عن مدرسة الإناث التي افتتحت في بغداد يوم 6 كانون الثاني 1920 والتي كانت هي من أولى التلميذات المنتسبات إليها. فقالت إن خبر إنشاء المدرسة خلق ردود فعل متباينة. فقد اهتزت (أوساط) من الفزع والجزع، واعتبرت هذه الدعوة تضليلاً وخروجا بالفتاة عن الطريق السوي.. ولهذه الأسباب كلها كان حظ والدي واضرابه وفيرا من السباب المر والشتم المقذع والتجريح المنكر وشهد منزلنا كما شهدت دور الآخرين من الذين ناصروا الدعوة لتعليم الفتاة الكثير من العنت والإرهاق وفداحة الأحكام”. وبالرغم من ذلك فقد شق تعليم الإناث طريقه آنذاك في بطء ظاهر، وفي وجه مقاومة ضارية. وعندما مثلت صبيحة الشيخ داود دور الخنساء في مهرجان سوق عكاظ الذي أقامه المعهد العلمي ببغداد في شباط 1922 تبرم بعض “الجامدين والمتزمتين بهذا الموقف وكادت تحدث أزمة وزارية حينما اعترض عبد الرحمن الكيلاني رئيس الوزراء على ظهور صبيحة الشيخ داود (وعمرها آنذاك لم يزد على ثماني سنوات) “سافرة وتخطب على جمل”. وتعلق صبيحة الشيخ داود على قصة خطبتها في اول مهرجان في العراق فتقول: “لقد دوى في مهرجان كبير صوت المرأة ممثلاً في صبيحة فكبرت الكلمة.. وكبرت الفكرة.. وتقدمت المرأة تشق طريقها في كل مجال، حتى لتبدو تلك القضية برمتها نكتة من نكات الزمن اليوم”.

نضال المرأة العراقية..

وتضيف: “لقد حرصت صبيحة الشيخ داود على تسجيل أحداث ووقائع نضال المرأة العراقية وذلك في كتابها الذي حمل عنوان “أول طريق إلى النهضة النسوية في العراق” ونشر ببغداد سنة 1958، وذلك رغبة منها في اطلاع الجيل الجديد على “تطورات قضية المرأة الجديدة في العراق” فهي تقول في مقدمة الكتاب “كان لزاما على أن أسجل هذه المرحلة.. ولا شك في أنني كنت أعد مسؤولية إلى حد كبير لو لم اضطلع بهذا العبء بكوني واحد ممن ماشين النهضة، وساهمن في إرساء قواعدها وأصولها، بين أول دفعة من الطالبات، وأول طليعة من المعلمات ثم في أول مرحلة للتعليم المختلط في هذه البلاد…””.

تتناول الدكتورة “إنعام مهدي” في كتابها “حفريات في الذاكرة العراقية” وهي جزء من حياة “صبيحة الشيخ داود”: “تعد صبيحة الشيخ داود من أوائل الفتيات اللواتي تحدين التقاليد فتجسد ذلك بإكمالها لدراستها الابتدائية والمتوسطة، ثم أدخلوها دار المعلمات الابتدائية وتخرجت منها، وكانت من الطلبة المتفوقين الذين حظوا برعاية الملك فيصل الأول، الذي خصص لهؤلاء جوائز للتفوق. بعد إكمالها لدراستها أبدى الملك فيصل الأول رغبة بإرسالها إلى الولايات المتحدة الأمريكية لإكمال دراستها لكنها رفضت، ولم تقدم صبيحة الشيخ داود، فيما بعد مبررا لرفضها هذا، واختارت إكمال دراستها في العراق، إذ قررت دخول كلية الحقوق عام 1936 فكانت أول فتاة مسلمة تدخل الكلية، باستثناء فتاتين مسلمتين دخلتا كلية الطب في العام نفسه هما “سانحة أمين زكي” و”نورة زيتون الرمضاني”. وقد كانت تجربة صبيحة الشيخ داود متميزة وصعبة في الوقت ذاته”.

وفاتها..

توفيت في بغداد 1975، ودفنت في مقبرة الخيزران.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة