7 أبريل، 2024 10:01 م
Search
Close this search box.

رواية “حياة.. حينانا”.. الشخصية الأنثوية المعاصرة وعوالم “إنانا” السومرية

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

كتابات: العراق

صدرت مؤخراً عن دار فضاءات للنشر في عمّان رواية “حياة.. حينانا” للناقد والروائي حسين السكّاف… الرواية التي تهتم بتحليل حيوات الشخصية الأنثوية ودراسة تأثيرات التركيبة المجتمعية وقوانينها وموروثاتها، على البنية الأساسية لتكوين الشخصية الأنثوية داخل المجتمع، تُفصح من خلال مسارها الزمني المتماسك وطبيعتها السردية متقنة البناء، عن رواية بأهمية خاصة لدراسة وتوثيق ما تكابده الفتاة في مجتمع تتلاطمه المتناقضات وتمزقه الحروب….

“كلما كبرتُ، كانت الحرب تكبر… كلما اكتنز جسدي شباباً وحيوية، كانت الأرض تكتنز شباباً أيضاً، ولكن بصورة جثث اغتيلت أحلامها…” عبارة تختزل ذلك الشعور المتناقض الذي كانت تعيشه فتاة، تفتحت زهرتها على قرع طبول الحرب ورائحة البارود… فتاة عاشت حياتها بكل إرادتها دون أن تسمح لأحد التدخل في صياغتها أو حتى يضع عليها لمساته الخاصة… فتاة موافقة على كل شيء، لكنها لا تُقدم على فعل شيء إلّا ما يمليه عليها تفكيرها ورغباتها… “.

تلك هي “حياة” بطلة رواية “حياة.. حينانا” للروائي حسين السكّاف الذي عرفنا عنه أعمالاً روائية تهتم بدراسة الشخصية وتركيبتها السايكولوجية بتحليل عميق لا تنقصه العلمية وليس بعيداً عن خصائص وتداعيات المجتمع الحاضن لشخصياته، فبعد روايته “وجوه لتمثال زائف” الحائزة على جائزة كتارا 2017، والتي تضع أمام القارئ دراسة وافية لشخصية الرجل “الشرقي” أو العراقي على وجه التحديد… نتلمس في روايته الجديدة “حياة.. حينانا” تجربة سردية متقنة البناء والفكرة، تجربة تعتمد الدراسة التحليلية المعمّقة لتركيبة الشخصية الأنثوية. دراسة سيسولجية وسايكولوجية عن تركيبة الشخصية الأنثوية التي عاشت صراعات بلد الحروب والكوارث، تحت خيمة قانون التقاليد والأعراف الاجتماعية، الواقفة حتماً بوجه تحرر المرأة، ومحاولتها الانفلات صوب الحرية. فالرواية تشكل دعوة لتحرر المرأة “الفتاة” من قيود كبّلت حريتها طويلاً…ولعل إشارة الإهداء التي جاءت مفتتح للرواية تشير إلى ذلك بوضوح:

” إلى كل مَنْ اكتشفتْ سحر عالمها النديّ، أمام مرآة، وهي تستنشق رائحة الحرب.”

فـ “حياة” بطلة الرواية، هي عشتار بابل، وهي “إنانا” سومر ابنة الرافدين مصدر الخصب والمفعمة بالحب والقوة والتمرد والرغبة الطافحة، هي العاشقة اللعوب التي تمنح جسدها وحبها لكل من يستحق من عشاقها، وهي من تختارهم وفق ما تمليه عليها شهوتها، وهي الآلهة المعبودة والمقدسة، وهي العابرة للرجال برغبتها وليسوا هم من يعبرونها.

الرواية التي تعددت شخصياتها الأنثوية بشكل مكثف ودقيق الصياغة، تتناول أكثر من خمس وعشرين شخصية نسائية تتباين سيرها الحياتية بتباين التركيبة الشخصية، ولكننا حين نتلمس تأثير الحرب والفقد وتحايل رجالات السلطة والعشاق عليها، حيث المرأة المطلقة إلى جانب الأرملة والحبيبة إلى جانب طالبة الجامعة والموظفة وصولاً إلى من تدعي الثقافة لأهداف مخابراتية، سنعرف تماماً، أن هناك رابط خفي ترتبط به كل الشخصيات، يتمثل بـ “الوطن، وتداعياته وتناقضاته.”..

في خط الرواية الزمني المنتظم، الذي ينطلق من صدمة “الطفلة” ذات الخمس سنوات وهي تشاهد مشهداً جنسياً بين والديها، يوحي لها بأن والدتها تروم قتل والدها، مما شكل صدمة لها، كرهت “حياة” على إثرها كل تعليمات وأوامر والدتها، وصارت تشاكسها في كل أمر، تسبب ذلك أيضاً، باقترابها “حياة” من عالم الرجال أكثر من النساء، في حين ستكون الحرية الممنوحة لـ “حياة” المتمردة، نابعة من طيبة والدها المحب والحنون… قد نمنح الحق للقارئ إن وجد في شخصية والدها ومحبته لابنته، النقيض لما هو قائم في المجتمع من أسلوب حياة بشكل عام، لكن الواضح أن المؤلف أراد الإشارة إلى ما هو مستتر وخفي من طبيعة العلاقات الأسرية، خصوصاً تلك العلاقة الحميمة بين البنت ووالدها…

حين تصبح فتاة فاتنة مكتملة الأنوثة في مرحلة مبكرة من سني مراهقتها، سيكون ارتباطها بعالم الرجال، متمثلاً بفطرة الأنثى التي تمتلك ملكة تمييز رائحة هرمون الذكورة المنبعث من كل ذكر يقترب منها، وتقارب تلك الرائحة مع واحدة من روائح الأشياء التي ألفتها، من أنواع الطعام مثلاً أو الحطب وسواه، حيث تطلق على كل واحد من أصاحب تلك الروائح تسمية مقترنة بخصوصية الرائحة المنبعثة من جسده، فهذا صاحب رائحة الخبز الطازج، وذاك صاحب رائحة التمر المعتق وآخر برائحة الحرب…

“هل بطلة الرواية، سليلة عشتار “إنانا”، وتحمل خصائصها الجينية؟”

الرواية التي تدخل من بوابة عالم “الحياة السومرية” عن طريق استعارة مقاطع من ملحمة كلكامش، تشير إلى الرأي الذي ينحو صوب هوس المرأة بالإغراء “عشتار” وحبها ثم هجرها لـ “ديموزي” المتمثل بشخصية “كريم ميرزا” الصحفي والروائي الذي أحبته “حياة” والذي رغم مرور العديد من الرجال في حياتها، إلّا أنها تعترف للقارئ بأنه “الحبيب الأول”…

تتناول الرواية من خلال سيرة حياة شخوصها، الحياة الاجتماعية في العراق من عادات وتقاليد وسواها, والتي سترفضها “حياة” بطلة الرواية، وتكره والدتها أيضاً لأنها صارت تراها متمثلة في شخصها، وأوامرها وتلميحاتها، هذا الكره وعدم القبول لوالدتها سيمتد حتى الحدث الأخير من الرواية حيث تعاقب”حياة” أو “حينانا” والدتها، حين تولم لكل عشاقها السابقين من خلال صورهم– صور للشخصيات التي مرت بحياتها، قامت باستنساخها ولصقها على الكراسي المحيطة بطاولة الوليمة – إلى منزلها في السويد، وعلى مرأى من أمها المحبوسة داخل إطار صورتها الكبيرة المعلقة على الجدار، حيث تحادثها وتحاكمها، بل وتحاول استفزازها عن طريق مغازلة الضيوف… الشخصيات بحضورها الرمزي، وبناء المشهد الروائي الذي تديرهُ بطلة الرواية، يمنح الرواية ضربة إيقاع درامية متقنة الصياغة شديدة الأهمية لتبيان دواخل البطلة وميولها الحقيقية نحو الشخصيات.

النص من ناحية البناء السردي يظهر قدرة لغوية متماسكة تبتعد عن التعقيد اللغوي رغم شاعريتها… نص متكامل من النواحي الفنية، حيث حبكة رئيسية متينة متماسكة، وكذلك الحبكات الفرعية… تتصاعد الأحداث بصياغة منطقية ومنتظمة،تمهد باستمرار للتحولات والنقلات المصيرية، وقد كتب بلغة وصياغة سلسة، بأسلوب يسيطر فيه صاحب النص على كامل حواس القارئ، ويغرقه في تفاصيل حيوات شخوصه، خصوصاً بطلة روايته، بحيث يتماهى القارئ مع تلك الشخصية بالدرجة الأولى وصولاً إلى باقي الشخوص، وذلك من خلال تماهي صاحب النص نفسه، وإبداعه في الغور حيث عمق دواخل شخوص، وليس فقط تصوير تلك الهوة في نفوسهم بما تحمله من رغبات ونوازع، وإنما الإمساك بيد القارئ والتنقل داخل عوالمها.

 

* الرواية متوفرة في معرض القاهرة الدولي للكتاب 2021، جناح فضاءات للنشر A35  صالة رقم (1)

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب