8 مارس، 2024 7:14 م
Search
Close this search box.

النساء والكتابة (22):  إنها لا تكتب من أجل إغواء الرجل أو السيطرة عليه بل ترمي من الكتابة كل شروخ جسدها وتموجاته

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: إعداد- سماح عادل

يمكن تسمية رفض بعض الكاتبات في مجتمعاتنا الشرقية الاعتراف بكونهن مضطهدات، وكونهن يتعرضن للقهر والتمييز “إنكارا” لأن هؤلاء الكاتبات يؤكدن بحدة شديدة على أنهن غير مظلومات، وأنهن يمتلكن كل الحرية في الكتابة، والتعبير. ويصل الأمر ببعضهن إلى التعريض بكاتبات أخريات، والتأكيد على أن هناك كاتبات يشتهرن لأسباب أخرى غير جودة الإبداع، وكأنهن يركزن على اضطهاد أخريات من نفس جنسهن بدلا من الاعتراف بكونهن مضطهدات ومهضومات الحقوق. السعي إلى الحديث بعنصرية عن نساء أخريات، والإنكار الشديد لأوضاعهن يعكس ضعفا شديدا في موقفهن، ورغبة في عدم الرؤية بوضوح لما يحدث على أرض الواقع.

في حين أن هناك كاتبات أخريات يحرصن على الوعي بأوضاعهن وأوضاع باقي النساء في المجتمع، ويفهمن أهمية الكتابة النسائية التي تسعى لعمل رؤية نسوية عميقة، تخلق عالما خياليا جديدا تكون فيه المرأة بطلة في الروايات والقصص، وتحاول محوما كرسته الرؤية الذكورية على مر سنوات طويلة من رسم صورة نمطية للنساء.

لذا كان لنا هذا التحقيق الذي يجمع آراء الكاتبات من مختلف بلدان منطقة الشرق حول الصعوبات التي تواجهها النساء حين يقررن أن يصبحن كاتبات، وتضمن التحقيق الأسئلة التالية:

  1. هل تواجه الكاتبات صعوبات للتفرغ للكتابة مثل عملها، ومهام الأمومة ورعاية الأسرة وأعمال المنزل؟
  2. هل العوائق التي تمنع الكاتبات من التفرغ تؤثر على إنتاج الكاتبات سواء على مستوى الكم وأيضا الكيف؟
  3. هل تشعرين بالظلم حين تتم مقارنة نصوص الكاتبات من النساء بنصوص وإنتاج الكتاب من الرجال رغم التفاوت الكبير في إتاحة الفرص وتوافر إمكانية التفرغ؟
  4. ما رأيك في انتقاد البعض للجرأة في كتابات النساء والذي قد يصل إلى حد الوصم؟
  5. هل تشعرين أن كتابات النساء مظلومة من قبل النقاد والمهتمين بالأدب؟

تشكيل رؤية للمرأة مخالفة للرؤية الذكورية..

تقول الناقدة والأكاديمية المصرية “د.رشا غانم”، والتي أصدرت عام 2021 كتاب (الرواية النسوية المعاصرة.. جدل التنظير والتطبيق): “في البداية نتفق على شيء أن الكتابة سواء للرجل أو للمرأة محتاجة للتفرغ بعض الوقت على حساب مهام أخرى ملقاة على عاتقهن، حيث إن الإبداع لا يفرق بين امرأة أو رجل، فقط المعيار هو نتاج  ثقافة ومرجعية كل منهما. الكتابة مهنة شاقة  تحتاج لموهبة وصقل هذه الموهبة عن طريق  الثقافة بمنابعها المتعددة؛ كي نجد وعيا فنيا يؤثر على إبداع كل منهما.

وعندما نقف عند الكتابة النسوية بشكل خاص فهي نتاج لمرجعية  ثقافية  واقتصادية واجتماعية ونفسية كونت لهن ذاكرة إبداعية أثْرت كتاباتهن، وأنها باستطاعتها استنطاق ذاتها، وتمثيلها أنثويا، كما للمرأة اهتمامات سياسية ووطنية ظهرت بشكل جلي عبر كتابتها، وكيف كان دخول المرأة لعالم الكتابة دفاع عن أناها الفردية الأنثوية، بكتابة هموم الإناث الجمعية، والدخول إلى عالم اللغة الذي كان محرم عليهن”.

وتضيف: “حيث نجد الكاتبات  يتخذن من الكتابة معبرا للبوح، فكانت أكثر إثارة ورصدًا لهذا الواقع. فالكتابة معبرة بوصفها عن وجع الأنثى وكيف عبرت الكاتبات عن هواجسهن وآلامهن، والتي تتيح مجالاً للعقل كي يبحث عن متنفس يتغلب على الألم والحسرة، ينطلق الخيال في فضاء لا نهائي باحثًا عن طريق للانتصار على الواقع  بكل ما به من صعوبات ومهام تختص بها المرأة دون غيرها كالأمومة ورعاية الأسرة، والعمل إذا كانت  امرأة عاملة”.

وعن تأثير العوائق على إنتاج الكاتبات كما وكيفا تقول: “دعيني أقول لك عن تجربة حقيقية المرأة عندما تحب شيئا تصبح كالمرأة الحديدية تنتصر على أي عوائق أوصعوبات لكون المرأة حاملة لكل هموم مجتمعها بكل أبعاده فهي الزوجة والأم والأخت والحبيبة، وعندما تكتب المرأة المبدعة فإنها تصب كل مشاعرها وأحاسيسها العميقة في لوحات جميلة نرى فيها زخما ثريا من عواطف وأحلام ونزعات تسكبها على إبداعها.

كما أن على مستوى الكم والكيف ليس لهما علاقة بأي ظروف خاصة تقف  حائلا لكتابتها وعلى العكس هذه العوائق سببا بأن تكون الكتابة معبرة عن  كل ما تعانيه من القهر والاضطهاد والإحساس بالدونية في ظل ثقافة ذكورية سائدة في بعض المجتمعات. مع العلم أني لسـت مع تجنيس الإبداع إلى رجالي، ونسائي (أنثوي – نسوي) فالإبداع موهبة واقتدار إذا ما مُنحت لإنسان ما فإنه مؤهل لممارستها بما تستحقه من استجابة وتميز رجلاً كان أم امرأة.

لنقف على أهم الأولويات التي ينبغي أن تنتبه إليها قوانيننا الوضعية هي خصوصية المرأة طفلة ويافعة وشابة وناضجة وكهلة، لأن لكل مرحلة من هذه المراحل جملة معوقات وتحديات ينبغي للمجتمع أن يقرّ بجدوى التصدي لها، وتذليلها عبر سنِّ الدساتير المجتمعية والقانونية التي تحترم المرأة، وتهتم بها بمثل اهتمامها بالرجل.

وللنساء العربيات في ذلك النصيب الأوفر والأعظم، فهن بعددهن وعدتهن وإمكانياتهن قادرات على التأثير، ومتمكّنات من حمل عبء كبير مما تقدم، ولا بد من أن يتآزرن في بلدانهن العربية موقفا واحدا، معليات أصواتهن، ومعلنات عن تطلعاتهن بلا وجل ولا كتمان، نافضات عنهن عهودا من التحجر والاحتجاب، رافعات عن أعينهن غشاوة الخوف وغمامة الوجل، منتقمات من حقب الظلم والفشل والقسوة واللامبالاة، عازمات بجدية لا متناهية على بلوغ ما يطمحن، مصممات على قهر الفحولة، لا بتحطيمها بل بجعلها مؤمنة بوجود نسائية لا بد أن تشاركها، وأن يكون لها حضورها في خارطة الحياة بكل صنوفها”.

وعن الشعور بالظلم حين تتم المقارنة: “الظلم هنا ليس عندما يقارنون  كتابتها بالرجل وإنما حين ينعتون كتابتها بالضعف والهشاشة والسطحية لكونها امرأة، كما تخطئ مقولة أن الكتابة النسوية تفتقر إلى النفس الطويل، والقدرة الفنية على الإحاطة بقضايا العالم الواسع. فهو أدب محدود وقاصر على الهواجس النفسية، وتصعيد نبرة الاحتجاج على القهر وسلب الحقوق عند من يسلبن من المرأة إبداعها، مع أن الحياة تقوم على ثنائيات كثيرة قد تتشكل العلاقة بين تلك الثنائيات، فتكون إلغائية أو تحريضية أو طردية أو  تكاملية، كلها معاني  تثير جدلًا تمثله تناقضات لا حصر لها ينزوي في مكامن النفس وهواجسها؛ ليشتعل في أي وقت يقف الإنسان فيه عاجزا عن فهم مضامين تتشكل منها مقادير ترسم خريطة حياته الوجدانية والنفسية والبشرية، فما أكثر ثنائيات الحياة بين مدٍّ وجزر!

ونتساءل أليست الأنثى شريكة في ثنائية هذا الكون؟! فلماذا النظرة المتدنية لها من بعض الرجال الذين يفسرون مفهوم قوامتهم للمرأة حسب أهوائهم وميولهم الشخصية، أما بالنسبة للمرأة التي تمتهن الكتابة فحدث ولا حرج   حيث إن الكتابة عندما ترتبط بجنس صاحبتها ينعتوها بتاء الخجل؟  لما تحمله من تصورات أيدلوجية، وفوارق بيولوجية ارتهنت بواقع المرأة في هذا العالم المتصارع بما تمثله من هُوية أنثوية عانت حرمانًا وتهميشًا على مر العصور حتى عندما بدأت تستعيد جزءً من حقوقها ما زال هناك فجوة بين التنظير والتطبيق لكل ما يخص قضايا المرأة، ووضعها في المجتمع”.

وعن انتقاد البعض للجرأة في كتابات النساء تقول: “يمكن لأن بعض الكاتبات اختزلن كتابتهن ووعيهن في الجسد، فأضحى هُويتهن وصارت الكتابة بالجسد الوسيلة التي تحقق للذات النسوية فاعليتها داخل النسق الذكوري العام، حيث تكتب المرأة بجسدها  قبل أن تنقل جسدها على الورق، كما أنها لا تكتب من أجل إغواء الرجل أو السيطرة عليه  بل ترمي من الكتابة والكلام كل شروخ جسدها وتموجاته. فالجسد هو لغة المرأة يحيي في نفسها الأمل ويكسر اليأس حيث ظهر جليًا عندما الكاتبة الأنثى أخفقت في بعث الحياة لجسد عطلته الثقافة الأبوية؟ فاتجهت عكسيا إلى مقاطعة هذه الهُوية الاجتماعية المكتسبة، والإعراض الكلي عن أنوثتها وجاذبيته.

أو عندما  تتّخذه وسيلة ودالا لإنتاج معنى مغاير، فيصبح الجسد وثقافته وسيلة من وسائل التّعبير، ومعطى ينتج دلالاته، وربما تكون الكتابة السّردية هي المنطقة الأكثر قدرة على تمكين المرأة من ذلك، فمن خلال السّرد يمكن للمرأة أن تعيد إنتاج الأحداث كيفما تشاء من زاوية رؤية مختلفة عن تلك الرّؤية الذّكورية الّتي شكّلت عبر التّاريخ”.

وتوضح: “ويهمنا أن نؤكد أن الكتابة النسوية ليست فقط  تسجيلا عاطفيا لتجارب معينة منها: التهميش، العزلة، العادات والتقاليد، الظلم، الجهل، الفقر، الحرمان، هي مضامين  تناولتها الكاتبات في رواياتهن وبشدة، حتى ترفعن من دونية المرأة، إنما اخترقت الكتابة النسوية الآن التابوهات الثلاثة “الدين السياسة-الجنس” وأصبحت كتابة “نِسْويَّة الفكر” تمتلك أدواتها من ثقافة جمة، وزخم معرفي ينم عن نضج وعيهن الفكري والسياسي والتاريخي والاجتماعي.

فإبداع المرأة كشف عن مساحات واسعة من البوح للكاتبات وقد سجلن كل  ما يعتلج  في نفوسهن عبر رواياتهن، سواء بحديثهن عن  قضايا تخص الوطن كالحروب فكن شاهدات على العصر واستطاعت الكاتبات أن يمررن عبر الذاكرة كثيرا من المواقف والأحداث الشائكة في بلادهن أو يعبرن عن قضايا تخص المرأة  كالاغتصاب والتحرش والقمع الذكوري.

كما خصصت الكاتبات جزءًا كبيرًا من إبداعهن لمناقشة الواقع التاريخي والثقافي والاجتماعي الذي تعيشه المرأة في ظل مجتمع أبوي متسلط، وجعلن أبطال رواياتهن نساء، مما أتاح لهن تسليط الضوء على الواقع الراهن للمرأة وما يعتريه من منغصات بما يشمله من عنف وكبت اجتماعي يذهب بالمرأة نحو الرضوخ والتسليم”.

وعن كون كتابات النساء مظلومة من قبل النقاد تقول: “ليس كتابات النساء فقط؛ لأن في كل مكان في العالم تشعر المرأة بأنها مهمشة ومهضوم حقوقها فمثلا اتَّهمَتْ “فرجينيا وولف” و”سيمون دي بوفوار” الغربَ بأنَّه مجتمعٌ أبوي يَحرِم المرأة من طموحاتها وحقوقها، وأنَّ تعريف المرأة مُرتَبِطٌ بالرجل، فهو “ذاتٌ” مُهيمِنة، وهي “آخَر” هامشي وسلبي.

نرجع بالزمن؛ لنكتشف أن عند البعض يعد مصطلح الأدب النسوي مصطلحا مشوّشا، فهو يعطي انطباعًا خاطئًا بأنه صيغ كوصف لحالة مستجدة وهي بدايَّة مساهمة النساء في الكتابة، فقدوم أولئك الكاتبات واقتحامهن عالم الطباعة والنشر الذكوري بعد تغييب طويل كان لا بُدَّ له من مسمى فكان المصطلح. لكن الحقيقة هي أن الكتابة النسائيَّة استمرَّت ما يزيد على ثلاثة قرون من الزَّمَان قبل أن يصكَّ هذا المصطلح، فهو بذلك ليس مصطلحًا يعيّن نوعًا أدبيًّا وإنما جاء نتيجة لحراك اجتماعي سياسي نسوي طالب بحقوق المرأة ومساواتها بالرَّجل قانونيًّا في عهود لاحقة.

فالمصطلح إذا لا يرتبط بكتابة النساء الإبداعيَّة حصريًّا وإنما مرتبط بالحراك التحرري منذ مطلع القرن العشرين إلى اليوم، أصبح التفاعل مع الخطاب النسوي من خلال الرؤية النِّسْوِية للعالم في سياقات حوارياتها المختلفة مع الآخر الرجل كشريك في الهموم الحياتية من جهة، وكسلطة ذكورية قامعة للمرأة الباحثة عن التحرر من عتق كل أدوات القهر الذكوري  من جهة ثانية، فالكتابة النّسْوية التي ندفع بها إلى الأمام ونحن مؤمنون بجدواها وخاصة في وطننا العربي ليست دعوة لسفور المرأة أو لتجميل وضع شاذ تكون فيه المرأة راغبة في الحرية الجنسية أو على الأقل مبررة لها. أو تكون حارسة للتقاليد فقط، أو تُكرس مفهوم الضحية بالنسبة للمرأة، أو تؤسلب الرجال بصفاتهم أو تحجمهم بأوصافهم.

كون الغاية التي نبغي تحقيقها هي كتابة نسوية واعية، ينتج عنها التقدم والرقي في بلادهن. ومن هنا تأتي مهمة النقد وخاصة اتجاه النقد النسوي  الذي يهتم بكتابات المرأة وفي الكشف عن الكتابة النسوية بما تتسم به من  هُوية أنثوية خاصة، تعبر عن تجربة المرأة الخاصة وتعكس واقع حياتها بشكل تفصيلي، ذلك أن المرأة قد قدمت ولفترات طويلة بأنماط بعيدة عن الحقيقة والواقع بواسطة نماذج أدبية مضللة، لذلك لابد وأن يتطابق الأدب النسائي وتجربة المرأة سعياً وراء فهم ملح للتجربة الأنثوية، وهو الفهم الذي سيساهم بالضرورة في زيادة وعي المرأة”.

وتؤكد: “دعيني أقول لك على مستوى التطبيق ما زالت هناك إشكالية مجحفة للمرأة  ليس فقط للرجل ضد المرأة وإنما المرأة ضد المرأة أيضًا   عندما تعمل النسويات على تحقير أعمال النساء الأخريات، بوصفها منزلية، مرتبطة بالخاص، عاطفية، أنثوية، مرتبطة بالعائلة والأعمال الإنجابية، ومخفية المصالح ذاتها التي تطلبت إصدار هذه القيم التحقيرية لأعمال النساء فإنهن يكن على نفس القدر من العنصرية والتحيز الجنسي الذي عليه ينتقدن ما اعتبرنه خطابا ذكوريا”.

الشهرة بالمجان..

وتقول الشاعرة والروائية العراقية “بلقيس خالد”: “قوة الدافع الثقافي هي التي توفر وقتا بعد أن أقوم أنا شخصيا بتنضيد وقتي حسب الأهمية لدي”.

وعن تأثير العوائق على إنتاج الكاتبات كما وكيفا تقول: “دجنتُ عوائقي وجعلتها من المحفزات لتطوير موضوعاتي وتقنيتها أثناء الكتابة”.

وعن الشعور بالظلم من مقارنة النصوص تقول: “لستُ من الضحايا حتى أشعر بالظلم، الكتابة تحررني مثلما أحررها والفضاء المسموح للنساء بلا ضفاف، وهنا الحرية الخطرة التي تستوجب لجام الوعي الأخلاقي من قبلي ككاتبة ضمن منظومة ثقافية عليّ مهام عدة في أولها الجانب التنويري في الأدب”.

وعن انتقاد البعض للجرأة تقول: “بعيدا عن الجرأة في معظم الأحيان الكتابة النسوية تستفز نفرا لا يستهان به من النساء والرجال. بخصوص (الجرأة) فهي مفهوم واسع جدا ويحتوي في داخله على تنويعات من الجرأة. الآيروسية لم تعد جرأة بل أمست من البضاعات الرخوة التي تفسد ثمار النصوص”.

وعن النقاد تقول: “هناك نساء حصلن على شهرة بالمجان، لأسباب خارج النص المكتوب من قبلهن، وهناك كتابات عن النص النسوي ذات نبرة إعلامية سواء بالسلب أو الإيجاب”.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب