14 مارس، 2024 12:10 ص
Search
Close this search box.

النساء والكتابة (10):  الكتابة بوعي وبذات مشبعة بإنسانية الكاتبة في مواجهة ضغط المجتمع

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: إعداد- سماح عادل

مواجهة الانتقاد والوصم، أمر تنادي به بعض الكاتبات، والتصدي لأية محاولة لقمع الكاتبة، حين تكتب بحرية، فيما يسميها البعض جرأة، لأن الخوف والاختباء لا يجدي في وجهة نظرهن، فلابد أن تتحلى الكاتبة بالحرية والقوة، وتفرض وجودها، وتقف على أرض الإبداع بثبات. ومشكلة انتقاد الجرأة إحدى الصعوبات الكثيرة التي تواجه الكاتبات.

لذا كان لنا هذا التحقيق الذي يجمع آراء الكاتبات من مختلف بلدان منطقة الشرق حول الصعوبات التي تواجهها النساء حين يقررن أن يصبحن كاتبات، وتضمن التحقيق الأسئلة التالية:

  1. هل تواجه الكاتبات صعوبات للتفرغ للكتابة مثل عملها، ومهام الأمومة ورعاية الأسرة وأعمال المنزل؟
  2. هل العوائق التي تمنع الكاتبات من التفرغ تؤثر على إنتاج الكاتبات سواء على مستوى الكم وأيضا الكيف؟
  3. هل تشعرين بالظلم حين تتم مقارنة نصوص الكاتبات من النساء بنصوص وإنتاج الكتاب من الرجال رغم التفاوت الكبير في إتاحة الفرص وتوافر إمكانية التفرغ؟
  4. ما رأيك في انتقاد البعض للجرأة في كتابات النساء والذي قد يصل إلى حد الوصم؟
  5. هل تشعرين أن كتابات النساء مظلومة من قبل النقاد والمهتمين بالأدب؟

جودة النص مرتبطة بالوعي..

تقول الكاتبة السورية “ابتسام تريسي”: “غالباً ما تكون المهام الملقاة على عاتق المرأة المبدعة عائقاً يمنعها من التّفرغ للكتابة؛ لذا تحجم بعض الكاتبات عن الارتباط بكلّ أشكاله ليتفرغن نهائياً للكتابة.

بالنّسبة لي لم تعقن الأمومة وأعمال المنزل عن الكتابة، لكنّها حمّلتني فوق طاقتي مع أنّي أنظّم وقتي بشكلٍ لا أظلم فيه أحداً سوى نفسي. اكتشفت متأخرة جداً أنّ ما بذلته من جهد وما تحملته من إرهاق وتعب لأنجز أعمالي على جميع الأصعدة بالتّساوي قد أخذ من صحتي الكثير وأثّر على نفسيتي بشكل سلبي”.

وعن تأثير العوائق على إنتاج الكاتبات كما وكيفا تقول: “قد تؤثر من ناحية “الكم” أمّا الكيف فمرتبط بالموهبة أولاً وبمدى وعي الكاتب وثقافته ومعارفه ثانياً، ثم يأتي الإصرار على خروج العمل على أكمل وجه ممكن، فالعناد جزء أصيل في شخصية الكاتب خاصة وهو يأتي كنتاج عن حالة الانهمام وملاحقة الهاجس الملحّ للنص المراد إنتاجه”.

وعن الشعور بالظلم حين تتم مقارنة النصوص تقول: “أنا لست مع المقارنة في الأساس؛ لأنّي أعتقد أنّ النّص الأدبي نتاج عقل بشري بغض النّظر عن جنس كاتبه، ولا أهتم كثيراً بما يكتبه ناقد ما من مقارنات أو يقوله البعض ممن يدّعون النّقد. لا يوجد نقد حقيقي في عالمنا العربي وكلّ ما كُتب في هذا المجال لا يعدو عن مقالات وقراءات تحكي قصة العمل وتعطي رأياً انطباعياً خاصاً.

في المجمل لا يوجد عمل إبداعي كامل، ولا نستطيع القول إنّ ما تكتبه المرأة أقلّ جودة؛ لأنّ فرصة التّفرغ غير متاحة لها. أنا أؤمن أنّ العمل الأدبي مرتبط بعدّة عوامل أهمها الموهبة والتّمكن من اللغة والثّقافة، ولا علاقة لجنس الكاتب ولا لتفرغه في جودة منجزه الإبداعي”.

وعن انتقاد البعض للجرأة في كتابات النساء تقول: “انتقاد الجرأة عند الكاتبات يعبّر أولاً عن خوف ذكوري من الطّرف الآخر، أنا لا أسميها جرأة، بل حريّة، وقد تعودت شعوبنا على الخوف من الحريّة خاصة حين تمتلكها النّساء المؤثرات سواء كنّ كاتبات أو مبدعات في أيّ مجال، تلك الحريّة ستؤدي بالضّرورة إلى فقدان الهيمنة التي يمارسها الذّكور وستنسحب خيوط اللعبة من أيديهم.

هم في أمان طالما يعتقدون أنّ المرأة مربوطة إلى أكفّهم يحرّكونها كما يشاؤون. يصمون المرأة بنعوت تناسب أنساقهم الفكرية بحجة الحفاظ على قيم المجتمع وهم أبعد ما يكونون عن القيم التي ينادون بها. كما أنّ تلك الحالة جزء من التّخلف والجهل المسيطر على عقول الأكثرية في مجتمعاتنا”.

وعن النقاد تقول: “دعينا أولاً نعترف أن النّقد يغيب كلياً عن السّاحة الثّقافية، وما هو موجود من كتب نقدية نجده متخصصاً بالنّقد النّظري أو بمناقشة نظريات النّقد التي يُنتجها المختصون في الغرب وتكاد أصواتنا النّقدية تكون صدى لما يُنتج غربياً، وإذا صدف واهتم أحدهم تطبيقياً نجده يستطرد بعيداً عن النّظرية التي أجاد تفصيلها نظرياً.

من ناحية ثانية إذا كان ثمّة مظلومية في النّقد فهي تطال الكثيرين من المبدعين غير المشهورين رجالاً ونساءً، فالقوة الإعلامية منذ نصف قرن وأكثر تهتم بصناعة النّجوم وبمن تسعفه علاقاته أو علاقات صاحب دار النّشر بجائزة ما. أمّا غير ذلك فلا أحد يهتم.  ومن الطّبيعي أن يكون المشهورون أكثر من المشهورات ذلك أنّ الكتّاب الذّكور يفوقون عددياً الإناث”.

الكتابة فعل تحد وإثبات للقوة..

وتقول الكاتبة والشاعرة التونسية: “هدى الدغاري”: “الكتابة في وجه من وجوهها، فعل محايث للواقع، تتغذى من التجارب الحياتية والتراكمات المعرفية التي تعيشها أو تطلع عليها الكاتبة فتصنع شخصيتها الإبداعية، وتصقل موهبتها وهذه الأدوار التي ذكرتيها ليست إلا رافدا من روافد التجربة التي توسع لديها مدارات الكتابة وتنوع مناخاتها. وتفتح لها سبلا للتخييل.

الكتابة بالنسبة للمرأة فعل تحد وأثبات للقوة! تحد، لأنها تكتب من داخل فرن ساخن! فرن الحياة الصاخب: كأن تنسج قصيدة وهي تجهز طبخة للعائلة أو تخزن صورا في ذاكرتها لكتابة نص نثري وهي تلاحق الحياة من نافذة الحافلة!

القوة: أن لا تعتبر هذه الوظائف صعوبات، بل هي مصدر إلهام وعجينة مدهشة للكتابة الإبداعية.

القوة: أن تقفز وبشجاعة على كل الإرث الذكوري الذي يريد أن يحشرها في زاوية تلك الوظائف وكأنها دورها الوحيد في هذه الحياة، حتى تكرهها وترفسها بقدميها، ولا ترى تحررها إلا بتركها!

حريتها الحقيقية: أن تكتب بوعي حقيقي، وبذات مشبعة بإنسانيتها الكاملة في مواجهة ضغط المجتمع والتاريخ”.

وعن تأُثير العوائق على إنتاج الكاتبات تقول: “اعتقد أن المعيق الحقيقي للمرأة هو وضع نفسها في آخر سلم أولوياتها، لذا فهي مستعدة من باب التضحية أن تسهم في نجاح الآخرين على حسابها، أو تؤجل نجاحاتها إلى حين. وإلا ستكون أنانية من منظور الثقافة السائدة، لهذا اعتقد أن على المرأة أن تتحلى بالشجاعة والقوة وبوضوح الرؤية والتي تتمثل أساسا في إيمانها بتقاسم الأدوار في البيت، والتشاركية القائمة علي مبدأ الندية وأن نجاح أسرتها أو التزاماتها بعملها لا يعيق نجاحاتها الفردية وتفجر طاقاتها الإبداعية”.

وعن الشعور بالظلم حين تتم المقارنة تقول: “لا أظن أن المرأة المبدعة التي قطعت أشواطا هائلة في بناء ذاتها الإبداعية، وارتفاع زخم الكتابة عندها، أن تشعر بالظلم!

هي لا تنتظر من ينصفها أو يتباكى معها على حالها، هي قادرة أن تقتلع موقعا لها بنفسها، بجدة إنتاجها وحضورها الملفت وهذا الأمر ينسحب على النقاد والمهتمين بالأدب أيضا، فالنص هو الذي يفرض نفسه وإن تجاهله الجاهلون! النص المتين لا يعيش بصك مرور يمضيه ناقد، وإنما يستقي أهميته من توفر الشروط الإبداعية فيه”.

وتؤكد: “الكتابة هي مجال لممارسة التحرر وتجاوز المعتاد، وهي شكل من أشكال التمرد والقطع مع ثقافة القطيع وفكر المهادنة وهذا لن يتحقق إلا بالجرأة والتعاطي الإبداعي المتفجر دون تردد أو خوف من ردة فعل المنتقدين.

لا شك أن من ينتقد جرأة الكاتبة وثورتها علي مختلف التصورات التقليدية، هو حارس أمين لكل هذه البنى الذكورية المكبلة، وشرطي الأخلاق الجاهز دائما، لنعتها بالعهر، كلما تحررت داخل نصها! ، فتصبح جرأتها بالنسبة إليه بمثابة دعوة للسرير، تحاكم بها ذات الشاعرة!

هذا التنمر الذكوري الذي يمارس على المرأة الكاتبة ومحاولة إخافتها من الوصم، لابد أن تجابه بمزيد رفع منسوب الجرأة والشجاعة وذلك بالمضي قدما في كتابة نص منفتح على الإنساني، مشرَع على كل المواضيع والتابوهات، شديد الخصوبة والغنى. موغل في الحساسية والعمق.

عليها أن تملأ نفسها، معرفة وتجارب وتقف بثبات على أرض الإبداع بلا خوف ولا ارتعاد وهي تواجه كل ترسانات الشد إلى الوراء!”.

تهميش الكتاب الجدد..

وتقول الكاتبة الجزائرية “جميلة مراني”: “نعم، شخصيا كامرأة عاملة في السلك التعليمي، كاتبة و أم لطفلة، فإن كل يوم هو تحد جديد بالنسبة لي، هنالك دائما كومة أوراق اختبارات تنتظر التصحيح، وابنة جائعة لأطعمها، وملابس متسخة لأغسلها،  وأفكار رواية جديدة تطرق رأسي، التوفيق بين كل هذه المهام مجرد خرافة، لكنني في كل يوم أختار أن أتقدم بشكل أو بآخر، لا أكتب كل يوم، لكنني أكتب كلما استطعت”.

وعن تأثير العوائق على إنتاج الكاتبات كما وكيفا تقول: “أعتقد أن الكاتبات المسئولات عن عائلاتهن أقل إنتاجا من الرجال الكتاب، لذا فإن هذه العوائق حتما تحدد الكمية لكني لا أجزم أنها تستطيع أن تتحكم في النوعية، بالعكس فإن الوقت الطويل في كتابة العمل الروائي يمنح المرأة فرصة أكبر لمراجعته وتنقيحه”.

وعن الشعور بالظلم حين تتم المقارنة: “لا أحس بالظلم، بالعكس فأنا أحس بالفخر، أي شيء تضيفه المرأة إلى نفسها هو إنجاز، القدرة على الكتابة في ظل ظروف جديدة وانتقالي من فتاة بلا مسؤوليات إلى زوجة وأم هو إنجاز عظيم بالنسبة لي، أعتقد أن الأشياء يجب أن تؤخذ بمنظور الظروف والبيئة دائما قبل إطلاق الأحكام”.

وعن انتقاد الجرأة تقول: “ككاتبة لم تتطرق هذه المواضيع الجريئة لا أستطيع الجزم، لكن من خلال ما أقرؤه فإن المجتمع الأدبي لا يختلف كثيرا عن مجتمعنا العربي الواقعي، للرجل كامل الحق في طرق مواضيع لو طرحتها المرأة لكان ذلك وصمة عار لها”.

وعن النقاد وانحياز البعض منهم تقول: “ليس بالضرورة، في الجزائر هنالك تقدير كبير للنساء الكاتبات، ومتابعة جدية لأعمالهن، لكن ربما أرى التهميش الذي يلحق بالكتاب الجدد بصفة عامة أكبر بكثير”.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب